بين الحلم والواقع… قصص الشباب المهاجر: شظايا وطن ممزق!
حنان حسين – صوت الأمل
من الصراعات والنزاعات المسلحة وتداعياتها المتمثلة في تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن، إلى الطموح الكبير الذي يحيط بأحلام الشباب اليمنيين في مختلف المجالات، نجد الكثيرين يبحثون عن فرص تدرُّ عليهم بالدخل والاستقرار، وتضمن لهم حياة كريمة ولو بطرق قد تكلفهم حياتهم.
قد يُنهَك الشباب اليمنيون في رحلة البحث عن وطن يهاجرون إليه هربًا من جحيم الوطن، تاركين أهليهم وأحلامهم وطموحاتهم السابقة، مجبرين على اتخاذ هذه الخطوة، غير مهتمين إن كانوا في الطريق الصحيح أم الخطأ، وهل سيصلون بصحة وعافية أم جثثًا هامدةً، غريقًا يطفو فوق البحار، وقتيلًا داخل الغابات، أو أشلاء متناثرة فوق أحد الجبال، وقد يموتون عطشًا في إحدى الصحاري، وبعضهم يهاجر بطرق شرعية ليجاهد ظروف الحياة خارج وطنه بأقل القليل، في هذا التقرير سنعرض بعض معاناة الشباب المهاجر.
ضحايا الصراع
(علي) شاب في العقد الثالث من عمره، هاجر هربًا من واقعه المُرّ في اليمن متجهًا إلى إحدى الدول الأُوربية، لكنه لم يكن يعلم أنه ذاهب إلى الجحيم بقدميه؛ إذ يتحدث قائلًا: “فكرت كثيرًا بالهجرة منذ أن أنهيت دراستي الثانوية، وقد كنت مهتمًّا بالموضوع، وأبحث عنه بكل الوسائل، ومع بدء الصراع نشب برأسي دافع كبير للإقدام على ما كنت أفكر فيه طيلة هذه الأعوام، فبعد أن أنهيت دراستي الجامعية لمرحلة البكالوريوس طلبت من قريبي أن أحصل على (فيزا) للذهاب والعمل في إحدى دول الخليج معه، لكنه تحجج برفض قاطع”.
ويردف: “بدأت يومًا بعد يوم أتردّد على مكاتب بيع (الفيز) للحصول عليها بصورة مضمونة، وكي أتفادى الفخ الذي وقع فيه جاري عندما واجه نصْبًا من إحدى تلك المكاتب، فسافر إلى الدولة التي ابتاعَ من المكتب التابع لها، فلم يجد أمامه إلّا السراب والوهم”.
يسكت علي برهة من الوقت، ويسهب في النظر لزاوية المكان، وكأنه يتجرع ذكريات مريرة تداهم باله، وهو يحكي تفاصيل تجربته المرعبة، ويكمل: “بعدما حاولت وفشلت كثيرًا في الحصول على فيزة سفر، وجدت في إحدى المكاتب شابًّا شاركني الطموح ذاته، بل وشجعني للسفر معه عن طريق البر، لكن بشكل غير رسمي، وهنا بدأت الكارثة”.
انتقل علي مع هذا الشاب عبر الصحراء على أمل الدخول لتلك الدولة، والحصول على فرص معيشية أفضل وراتب أكبر، وفي الطريق كانت تظهر لهم أحلام اليقظة كأنها حقيقة، فكلَّما اقتربوا من الحدود، كبر الحلم والأمنية بتحقيق راتب، وتوفير سيارة فارهة ليصل حلمه إلى فيلا، وقبل أن يؤثث علي الفيلا في مخيلته، توقفت الشاحنة التي استقلوها كي يخبرهم سائقها أنهم أصبحوا قريبين من نقطة تفتيش ويجب عليهم التخفي.
في ظرف دقيقة من الزمن، تدحرج الاثنان إلى أسفل الشاحنة واختبآ، وحرص السائق على إخفائهما، لكن الحيلة لم تنطلِ على الأجهزة الحديثة، وربما خبرة الأمنيين هناك كشفتهما في دقائق، وتم إرجاعهما بعد أن احتجزا لمدّة عانا فيها أشد أنواع العقاب، بل ودفعا جزية مالية ليست قليلة.
الإصرار نحو الهاوية
على الرغم من ذلك، لم يتراجع علي والشاب عن الفكرة رغم ظهور تلك البقع الداكنة في جسديهما التي تشي بعذاب الاحتجاز، لكنّهما الآن تعلما من السابق وبَدَآ بالتخطيط بشكل أكبر في طريقة أخرى للعبور عبر الجبال، وهكذا كانت الخطة وتم التنفيذ، ونجحا في دخول الحدود، لكن كانت المعاناة كبيرة والألم لا يطاق، وَصَلا لمكان صحراوي عطشى وجوعى يبحثان على مكان يؤويهما ويسكنان إليه ولو لدقائق من عناء الطريق.
بمرارة تحدّث صديق علي: “الطريق لم يكن معبّدًا ولا آمنًا، خاصة في ظل النزاعات المسلحة، فقد أكل القلق تفكيرنا خوفًا من أن ندوس على إحدى الألغام المدفونة، ولا ننسى الحيوانات البرية التي حاولت التهجم علينا لكننا نجونا منها، والعطش والجوع والخوف كانت رفاقًا لنا لعدة أيام، وشمس حارقة، كل هذه التحديات كنّا نحاول عدم التفكير فيها لفرط تفكيرنا بالعيشة التي رسمناها بخيالنا المفرط عند الوصول للدولة والعيش فيها”.
ويذرف عليٌّ دمعته ويمسحها متداركًا أن نلمحها، ويكمل: “لم نتوقع أنّ الجحيم ما زال ينتظرنا، وأنّ ما مررنا فيه لا يعدُّ إلّا الطريق نحوها فقط، حاولت التواصل مع أحد أقاربي كي يستضيفنا ليومين، فلم يرحب بي أحد، وذهبنا لصديق الشاب الذي كان برفقتي وظللنا لأشهر في مزرعته متخفّيينِ مختبئينِ من المجهول، ورغم ذلك كنّا نحاول أن نبحث عن عمل”.
بداية النهاية.. والنهاية
ويكمل صديق علي الحكاية: “في إحدى الليالي جاءنا صديق مالك المزرعة، وكان يحتاج إلى مزارع، فلبيتُ دعوته، وذهبت دون أن أسال عن أي شيء، ظللت أعمل ما يقارب تسعة أشهر، بل وأرسل لأهلي بفتات من المقابل الذي كان لا يغطي حتى حاجتي الأساسية في بلاد الغربة”.
ويتابع: “وفي إحدى الأيام ذهب مالك المزرعة خارج المدينة، وهجم علينا التفتيش للبحث عن العمالة الوافدة والكفلاء، فلم يكن أمامهم سواي أنا والراعي الذي أبرز لهم بطاقة الكفالة، أمّا أنا فلم أستطع الدفاع عن نفسي أو خلق عذر لهول الموقف وصعوبته، فقدتُ وعيي ولم أفُق إلّا وأنا في زنزانة مظلمة، تلقيت بعدها أنواع العذاب أكثر من المرة السابقة”.
“لم أستطع الوقوف على قدميَّ لأيام طوال، احتُجِزت لأشهر عديدة حتى جاءت المواقفة بأخذ بصماتي وبياناتي ونفيي من الدخول لتلك الدولة، وها أنا حتى اليوم بعد سنوات ليست بالقليلة أعاني من فشل كُلوي بسبب الخوف والقلق الذي عشته في تلك المدّة، وكذلك كسر في ساقي لم يلتئم حتى الآن، ورُبّما أعدُّ نفسي محظوظًا أنني لم أفقد حياتي!”.
هكذا أنهى صديق علي حديثه عن مأساته في هجرته بطريقة غير رسمية، وأصناف العذاب التي عانى منها.
سعاد رحلة مليئة بالتحدي
في يوم صيفي حار للغاية، انطلقت (سعاد) ذات الثانية والثلاثين عامًا، عبر مطار عدن في منتصف العام 2022م، حاملةً معها في حقيبتها أحلامًا كبيرة وآمالًا واسعة، كانت وجهتها هي هولندا، ظهرت لها هذه الدولة وكأنها جنة، خاصة بعد أن عاشت ظروفًا قاهرة وأزمات وصراعات متتالية، لكن الواقع كان مغايرًا تمامًا، الشوارع الضيقة والمباني العالية واللغة الأجنبية التي تحيط بها جعلتها تشعر بالوحدة والخوف.
عانت سعاد من الصدمة الثقافية فور وصولها، فقد اعتادت على مجتمع محافظ ومنغلق، إلى مجتمع كبير ومتنوع منفتح، أبرز ما واجهته هو التكيف مع نمط الحياة السريع والمتطلبات العالية للدراسة والعمل، وأول هذه المشاكل اللغة؛ فقد كانت عائقًا ضخمًا أمامها، فعلى الرغم من دراستها للإنجليزية، فإنها وجدت صعوبة في فهم اللهجة المحلية والتعبير عن نفسها بشكل كامل.
لم تكن الصدمة الحضارية هي التحدي الوحيد الذي واجهته سعاد، فقد عانت أيضًا من صعوبات مادية وعدم الحصول على عمل بسهولة، إلى جانب منحة الدراسة التي حصلت عليها، فكلفة المعيشة هناك كانت باهظة للغاية، بعدها بدأت تعمل في وظائف مؤقتة براتب قليل، مما جعلها تكافح لتغطية نفقاتها الدراسية والإيجار والمواصلات، كما واجهت صعوبة في العثور على سكن مناسب، فأسعار الشقق كانت باهظة جدًّا.
في خضم هذه التحديات، بدأت سعاد تبحث عن هوية جديدة، وحاولت جاهدة الاندماج في مجتمعها الجديد والتوفيق بين معتقداتها ومبادئها، وبين حياتها في دولة أُوربية منفتحة، شاركت في عدة أنشطة ثقافية واجتماعية، وتعرّفت على كثير من الشخصيات المختلفة هناك، واكتسبت دائرة علاقات لا باس بها، وهذا ما كان يساعدها في الحصول على المساعدة فور طلبها، والأعمال، وكذلك الفرص والمشاركات.
ومع مرور الوقت، بدأت سعاد تشعر بأنها تتكيف مع الحياة في هولندا، وأتقنت اللغة، وحصلت على وظيفة مستقرة نوعًا ما رغم أنّ الراتب زهيد وقليل، لكنها بدأت تشعر بالانتماء إلى هذا المجتمع الجديد عليها، وأصبحت فخورة بذاتها وسعيها بشكل كبير.
وهنا نجد أنّ ما عاشه سعاد وعلي هي قصص الملايين من المهاجرين الذين يبحثون عن حياة أفضل، فيها كثير من الصمود والتحدي والنمو إلى جانب المخاطرة والشغف والبحث عن الأفضل، قد تكون الهجرة تجربة صعبة، ولكنها يمكن أن تكون أيضًا فرصة للتعلم والتطور واكتشاف الذات.
هاتان القصتان هما مجرد مثال على تجربة المهاجرين اليمنيين، فلكل شخص قصة مختلفة، ولكن جميعهم يشتركون في تحديات وآمال مشتركة، وفي بحثهم وحلمهم بحياة كريمة ومستقبل أفضل، فهل نجد اليمن إحدى الوجهات التي يسعى سكان العالم للهجرة إليه؟
الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات
أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…