الشباب في اليمن بين كابوس الصراع وإشكالية الهجرة
حنين الوحش – صوت الأمل
أشار تقرير الوضع الإنساني لصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) للمدّة من يناير إلى مارس 2024م إلى أنّ اليمن ما يزال يعاني من احتياجات إنسانية كبيرة بعد أكثر من تسع سنوات من الصراع. ووفقًا للتقرير، يحتاج أكثر من نصف سكان اليمن، أي ما يقارب 18.2 مليون شخص، إلى نوع من المساعدة الإنسانية في العام 2024م، وتفاقمت الأوضاع نتيجة للصراعات الإقليمية الأخيرة، مما زاد من المخاطر التي تواجه البلاد.
كما يذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، أنّ ما يقارب 250 ألف يمني قُتلوا نتيجة الصراع؛ إما بشكل مباشر بسبب القتال، وإمّا غير مباشر بسبب عدم إمكانية الوصول إلى الغذاء والخدمات الصحية، كما أنّ تأثير الصراع المدمر طال البنية التحتية والإنجازات التي حققها اليمن على مدى عقدين من الزمن، ممّا أدّى إلى تراجعه 20 عامًا إلى الوراء.
وبحسب ما ورد في التقرير المستند إلى دراسة أجراها فريق من جامعة دنفر، أنّ الصراع في اليمن أضرَّ بمسار تحقيق أولويات التنمية المستدامة التي أقرها المجتمع الدولي ضمن خطة 2030م.
وتتعالى موجات النزوح والهجرة سواء الخارجية أو الداخلية مع تنامي تداعيات العنف، وانهيار البنية التحتية، وارتفاع نسبة البطالة، وانتشار الفقر؛ إذ تشير التقارير الأممية إلى أنّ 83% من اليمنيين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد.
وبحسب التقرير الأممي الذي جاء بعنوان: (خارطة طريق للتعافي؛ التصدي للفقر في ظل الصراع المستمر في اليمن – فبراير 2024م)، يميل الفقر إلى الارتفاع في المناطق الريفية بنسبة 89% عنه في المناطق الحضرية (68.9%)؛ إذ سجلت الضالع والبيضاء أعلى معدلات الفقر متعدد الأبعاد، كما تشير التقديرات إلى أنّ 40% من الفقراء متعددي الأبعاد يعيشون في تعز نظرًا للعدد الأكبر من السكان فيها، وهو ما يُرجح أنها من أكثر المحافظات ارتفاعًا في معدلات الهجرة بحسب خبراء.
الهجرة وتداعيات الصراع
الصراع في اليمن الذي اندلع عام 2014م وما تبعه من آثار كارثية، بما في ذلك المجاعة والأمراض والتجهيل، دفع عددًا كبيرًا من اليمنيين، وخاصة الشباب، للهجرة بحثًا عن الأمان والاستقرار، وهذه الهجرة، التي بدأت كحل “مؤقت”، تتجه تدريجيًّا نحو الاستقرار الدائم مع استمرار الصراعات وتداعياتها من تدهور الأوضاع في البلاد في مختلف مناحي الحياة.
وقد أخذت الهجرة اليمنية أشكالًا متعددة، بين من حصلوا على إقامة قانونية في بعض الدول، وبين من لجأُوا إليها فارين من الصراع، ولكن مع تفاقم الأوضاع في اليمن، وتدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية، زادت احتمالات استمرار هذه الهجرة بشكل دائم.
تغيب في اليمن التقديرات الرسمية وغير الرسمية بشأن هجرة الشباب اليمنيين إلى الخارج، كما أنّ هذا الملف بقي مغلقًا، وتحركه أحداثٌ موسمية؛ كحوادث وفاة مهاجرين يمنيين لأسباب مختلفة؛ كالغرق، أو الموت جوعًا في الحدود الأوروبية، أو تعرض مهاجرين يمنيين للاحتجاز كما حدث في ليبيا قبل عامين.
ويرى المحامي والباحث الحقوقي محمد العريقي أنّ تأثيرات أمنية واقتصادية وأخرى اجتماعية تقف وراء تزايد أعداد المهاجرين اليمنيين الشباب؛ إذ يقول: “أدّت الأوضاع الأمنية المتدهورة والنزاعات المستمرة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية، وهذه الأوضاع المعقدة دفعت أعدادًا كبيرة من الشباب اليمني إلى الهجرة ركضًا وراء أحلامهم بحياة أفضل”.
ويؤكد أنّ الأزمة الاقتصادية تسببت في ارتفاع معدلات البطالة، وتدهور الخدمات الأساسية، وانخفاض قيمة العملة، وتدهور الأوضاع المعيشية، وتآكل قدرة الشباب على تأمين احتياجاتهم الإنسانية.
وأشار إلى ارتباط الهجرة بأوضاع اجتماعية أخرى، من بينها التهميش والحرمان الذي يشعر به كثير من الشباب؛ كالحرمان من فرص التعليم والعمل، إلى جانب الانهيار المجتمعي؛ إذ تسبب النزاع بتفكك الأسر، وزيادة معدلات الجريمة والعنف.
يذكر محمد فيصل (20 عامًا) أنّ النزاع المسلح أجبر أسرته ومعها عشرات الأسر على مغادرة قراهم في جبل حبشي غرب محافظة تعز، والنزوح إلى مناطق بعيدة عن النزاع، غير أنها تفتقد للخدمات الصحية والتعليمية، وهو ما اضطرّه إلى مغادرة التعليم، والانشغال بإعالة أسرته التي تعتمد على الزراعة كوسيلة وحيدة للعيش.
وكان محمد فيصل في الخامسة عشر من عمره حين نزح قسرًا من قريته ومدرسته الوحيدة، وخسر والده المُتوفَّى بلغم أرضي، ليبدأ بمغادرة طفولته، وتقمص قدرات شاب يعمل بأجر يومي يمكنه من توفير لقمة العيش لشقيقاته الأربع إلى جانب والدته.
ومع خفوت موجة المواجهات المسلحة في قريته الواقعة على خطوط النار، اضطرّ محمد إلى بيع أرضهم الزراعية في القرية بثمن بخس ساعده على الهجرة إلى الأراضي السعودية ليعمل هناك عاملًا عاديًا في أحد المولات التجارية.
يقول محمد: “كنت أعتقد أنّ النزوح داخل البلاد دربني على مشاعر الغربة، غير أنني حينما وصلت السعودية أدركت ما تعنيه الغربة حقًّا، وما يعنيه أن يجبرك الصراع على التوقف عن التعليم”.
في الضفة الأخرى، يشير منير أحمد (اسم مستعار وهو شاب يمني مهاجر في مصر) إلى أنّ ظروف الصراع ونشاط والده السياسي قد أجبرهم على الهجرة من اليمن، وبدْء حياة جديدة في القاهرة، التي يصفها بأنها “كابوس لا يقل إيلامًا من ظروف الصراع في البلاد.
ويؤكد منير أنّه فور تخرجه من الجامعة، ظل يحلم بالطريقة التي سيخدم بها بلده، غير أنه يقف اليوم عاطلًا في القاهرة معتمدًا على والده في العيش.
كفاءات مهاجرة
تؤثر هجرة الشباب سلبًا على مستقبل البلد الاقتصادي والاجتماعي، كما يؤكد مختصّون؛ إذ إنّ أغلب المهاجرين من الشباب وذوي الكفاءة.
يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحيم الحمادي: “إنّ القدرات الشبابية ظلت مهدرة في اليمن، وهو ما اضطرّها للهجرة، الأمر الذي يمثل خطرًا محدّقًا على مستقبل البلاد من جميع النواحي، وعلى السّلم الأهلي”.
ويصف حال البلد مع هجرة الشباب بدينامو يفقد قدرته على الحركة تدريجيًّا مع فقدان طاقته، ليصل في النهاية إلى حالة من العجز والموت السريع.
ويؤكد أنّ الهجرة قد تسهم في رفد الاقتصاد الوطني حاليًا بتمويلات المغتربين، غير أنّ خطرها المستقبلي يتمثل بزيادة معدلات الفقر؛ إذ تعتمد كثير من الأسر على دخل الشباب المهاجر.
ويحذر الحمادي من التفكك الأسري كأحد تداعيات هجرة الشباب؛ بين المهاجرين؛ وهم شباب غادروا بطرق غير شرعية مخلفين وراءهم أسرًا لم يكتمل تكوينها بعد، ويضيف: “هجرة الشباب تضع ضغطًا كبيرًا على كبار السن والأطفال”.
المعالجات
تعدُّ أزمة هجرة الشباب نتاجًا لعوامل معقدة ومتشابكة، غير أنّ البطالة التي زادت نسبتها نتيجة الصراع هي أحد أبرز أسبابها، بحسب ما تشير إليه نتائج استطلاعنا الميداني.
ويضعنا الحمادي أمام عدد من الحلول الممكنة لمعالجة هذه الظاهرة، أبرزها إعادة إعمار البنية التحتية المدمَّرة؛ إذ إنّ من شأنه أن يخلق فرص عمل كثيرة، تسهم في تحسين الأوضاع المعيشية للشباب، إذا ما رافقها تحسنٌ اقتصاديٌّ لقيمة العملة المحلية.
ويرى الصحفي عبد الملك محمد أنّ بناء قدرات الشباب وإشراكهم في مراكز صناعة القرار يعدُّ من أهم المعالجات للحدِّ من ظاهرة هجرة الكفاءات الشبابية، والحد من ظواهر سلبية أخرى؛ كتسرب الشباب من التعليم.
ويقول: “إنّ حل الأزمة يتطلب جهودًا مشتركة من المجتمع الدولي والحكومة اليمنية والمجتمع المدني، وإن هذه الأزمة لم تكن نتيجة ظرف طارئ، بل نتاج لكثير من التعقيدات والتراكمات؛ من بينها فقدان الشباب ثقتهم بالحكومة والمجتمع”.
فيما تُجمع آراء الشباب على ضرورة إيقاف النزاع الذي يعدُّ الحل الوحيد والأول لمعالجة أزمة الهجرة، وذلك بحسب ما تشير إليه نتائج استطلاعنا الميداني، والاستثمار في التعليم والتدريب المهني الذي من شأنه أن يزوّد الشباب بالمهارات اللازمة للحصول على فرص عمل وتمكينهم اقتصاديًّا.
الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات
أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…