التدهور الاقتصادي والبحث عن فرص خارج الوطن
ياسمين عبدالحفيظ – صوت الأمل
أحمد سالم (اسم مستعار) يعول أسرته المكونة من ثلاث شقيقات، وأمه، وزوجته، وطفله. قرر الهجرة بطريقة غير شرعية إلى إحدى الدول الأوروبية، بعدما ضاق به الحال في اليمن؛ بسبب تدهور الوضع المعيشي، وصعوبة توفير حياة كريمة له ولأسرته.
حاول في البداية البقاء في بلاده، لكنه واجه صعوبة في العثور على عمل يكفي لتلبية احتياجات أسرته، ما دفعه لاتخاذ قرار الهجرة دون تردد.
قصة أحمد تعكس واقع العديد من الشباب اليمني الذين يجدون أنفسهم في مأزق اقتصادي كبير، ما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات صعبة؛ مثل الهجرة غير الشرعية، كما أن الصعوبات التي واجهها الشباب تبرز مدى تأثير تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن على الاستقرار الأسري.
تدهور الاقتصاد اليمني نتيجة للصراع المستمر أدّى إلى هجرة الشباب اليمني إلى مختلف دول العالم، وذلك مع تفاقم الفقر، وارتفاع نسبة العاطلين عن العمل، وارتفاع تكلفة المعيشة بشكل غير مسبوق يومًا بعد آخر، حتى وصل ملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة، ما أضاف ضغطًا كبيرًا على الشباب لإيجاد سبل لتأمين لقمة العيش لهم ولأسرهم، وذلك عبر الهجرة والبحث عن فرص أفضل، وإن واجهتهم مخاطر تصل للموت أثناء رحلتهم.
الوضع الاقتصادي
تؤكد العديد من التقارير الصحفية أنّ الواقع الاقتصادي المتدهور يدفع ملايين اليمنيين، وخاصة الشباب، إلى التفكير في الهجرة كوسيلة للهروب من الفقر والجوع، ومع تراجع فرص العمل وتدهور الخدمات الأساسية، يجد الكثيرون أنفسهم مجبرين على مواجهة مخاطر الهجرة بحثًا عن فرص أفضل في الخارج، رغم كل التحديات التي قد تواجههم.
في تقرير المرصد الاقتصادي لليمن للبنك الدولي يونيو 2024م بيّنَ الصورة القاتمة للأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن، وذلك مع استمرار الصراع والتوترات الإقليمية، الذي أدّى إلى تفاقم الانهيار الاقتصادي الذي يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، خاصة الشباب الذين يواجهون تداعيات الفقر وانعدام الأمن الغذائي بشكل يومي.
وأشار التقرير إلى أنّ إجمالي الناتج المحلي في اليمن شهد انكماشًا بنسبة 2.0% في عام 2023م، مع توقعات بانكماش إضافي بنسبة 1.0% في عام 2024م، هذه الانكماشات المستمرة تُضعف فرص التعافي الاقتصادي، وتزيد من حدة الأزمة.
وأنّ بين عامي 2015 و2023م، انخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 54%، وهو ما يعكس تدهورًا كبيرًا في مستوى المعيشة وازدياد معدلات الفقر، كما يعاني نصف سكان اليمن من انعدام الأمن الغذائي، ما يضع ضغطًا إضافيًّا على الأسر والشباب الذين يسعون لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
كما أوضح التقرير أنّ استئناف التمويل النقدي كان له تأثير مزدوج على الأوضاع الاقتصادية في اليمن؛ إذ أدّى إلى زيادة الضغوط التضخمية التي تفاوتت بشكل كبير بين المناطق المختلفة؛ فقد شهدت صنعاء انكماشًا بنسبة 11.8%، مما يعكس انحسارًا في النشاط الاقتصادي، في حين تواجه عدن تضخمًا مرتفعًا بنسبة 7%، وذلك نتيجة لانخفاض قيمة العملة المحلية، الذي أدّى إلى ارتفاع حادّ في تكاليف السلع الأساسية إلى أكثر من 60%.
وتشير العديد من التقارير الاقتصادية أنّ الاقتصاد اليمني أصبح اقتصادًا استهلاكيًا؛ إذ تستورد البلاد ما يزيد عن 80% من احتياجاتها، مما يسهم في تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية، وهذا الاعتماد الكبير على الواردات، بجانب غياب الأمن الغذائي، يزيد من استنزاف الموارد المالية، ويجعل الاقتصاد هشًّا أمام أي صدمات خارجية، بالإضافة إلى ما تسبب به الصراع الحالي من إضعاف البنية التحتية الاقتصادية وعرقلة التنمية، أدّى إلى تسييس الاقتصاد، وتعميق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
وكل هذه العوامل الاقتصادية جعلت الهجرة اليمنية إلى الخارج أكثر صعوبة، وأدّت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والبطالة داخل البلاد.
تأثير الوضع على الشباب
شاب في العشرين من عمره يحكي المعاناة الاقتصادية التي مرَّ بها في مراحل هجرته غير شرعية إلى المانيا عبر روسيا وبلاروسيا، ومن ثَمّ بولندا، والتحديات التي واجهها؛ إذ تحولت الرحلة إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر كادت تُودي بحياته.
الرحلة التي استغرقت أكثر من سبعة أشهر تمثل نموذجًا لصعوبة الهجرة غير الشرعية للشباب اليمني؛ إذ تعرض لمخاطر كبيرة أثناء التنقل عبر الحدود؛ برًّا وجوًّا، وصولًا إلى السير على الأقدام لمسافات طويلة في غابات كثيفة، كما اعتمد على سماسرة التهريب، الذين يهتمون بالمال أكثر من حياة البشر؛ إذ بلغ خسارته في رحلته إلى أوروبا أكثر من 6000 دولار.
الشاب موسى هبة (كاتب صاعد) يقول: “باعتقادي أنَّ هجرة كثير من الشباب خارج البلد جاء نتيجة استمرار الصراع الذي أدّى إلى انهيار اقتصاد الدولة، وتفشي البطالة في أوساط المجتمع، لا سيّما فئة الشباب”.
ويتابع: “أنّ الصراع وتداعياته جعل كثيرًا من الشباب يُفكرون بالهجرة خارج الوطن؛ هروبًا من هذا السجن الكبير إن صح التعبير، بحثًا عن مصدر رزق يُؤمّن لهم حياة كريمة، ولو بحدّه الأدنى، على الرغم من المخاطر الكبيرة التي تترتب نتيجة لتلك الهجرة غير الشرعية التي يلجأ إليها غالبية الشباب العاجزين ماديًّا عن تأمين مُتطلبات الهجرة الشرعية من جواز سفر وتأشيرة عبور”.
وأكّد أنّ من نتائج تلك المغامرات فقدان كثير من الشباب حياتَهم على حدود الدول، أكان بسبب القنص المُمِيت من حراس الحدود، أو الموت جوعًا، أو من التعامل اللاإنساني في معظم الدول مع المهاجرين غير الشرعيين، كما يفقد العديد من الشباب أثناء رحلتهم أقدامهم أو أيديهم أو أجزاء من أعضائهم، أو يُصابون بإعاقة دائمة.
ويضيف: “على الرغم من توالي الأخبار عن المآسي التي يتعرض لها المهاجرون بالطرق غير الشرعية، فإنّ نسبة الإقبال على الهجرة تزداد يومًا بعد آخر دون مبالاة بتلك المخاطر، والسبب يعود كما أسلفت إلى حالة الفقر الشديد، وتدني مستوى المعيشة لدى كثير من الأسر التي عجز أبناؤها الشباب عن إيجاد فرص عمل داخل الوطن، ممّا عزى بكثير منهم إلى الهجرة من أجل إعالة أسرهم”.
وعن دور الجهات المعنية، يؤكد أنّ الدولة ما تزال عاجزة تمامًا عن توفير الحد الأدنى من الحماية القانونية لأولئك الشباب المهاجرين، وما تزال السفارات في تلك البلدان التي يقصدها المهاجرون بعيدة عن هموم مواطنيها.
ويُضيف: “أنّ المواطن اليمني الذي يهاجر هربًا من الصراع والأزمات الاقتصادية ليس مجرد مهاجر، بل هو لاجئ بكل المقاييس القانونية والإنسانية، ومع ذلك، هناك استثناء يُمارس ضد اللاجئ اليمني على المستوى العالمي؛ إذ لا يتلقى الحماية الإنسانية والمعاملة الكريمة التي يستحقها، والتي تضمنها القوانين الدولية للاجئين”.
دوافع وأسباب
الباحث والصحفي الاقتصادي نبيل عبد الواسع يقول: “تتعدد أسباب هجرة الشباب اليمنيين مثل غيرهم من شباب العديد من دول العالم التي تعيش أوضاعًا هشة على كافة المستويات، وفي مقدمتها المستوى الاقتصادي، الذي يعدُّ المرتكز الأول لهجرة الشباب الباحثين عن مصادر دخل يمكنهم من تحقيق الأحلام التي تراودهم”.
ويتابع: “أنّ الهجرة، وإن كانت في ظاهرها مدفوعة بالأسباب الاقتصادية، فإنّ الدوافع التي تحرك الشباب للهجرة تختلف في جوهرها؛ فالشباب الذين يختارون الهجرة قد يفعلون ذلك لأسباب متنوعة، فمثلًا هناك شباب يكون هدفهم تنمية موهبتهم، أو العمل في أي مجال مهما كانت المخاطر”.
وأشار إلى أنّ هناك من الشباب من يسعى للهجرة بهدف تحقيق طموحاته الخاصة، مثل الالتحاق بنادٍ رياضي، أو التمكن لإظهار ابتكار لم يجد له اهتمامًا في بلده، ولإثبات نفسه خارج حدود الوطن، وهناك شباب يسعى بهجرته إلى مواصلة دراسته في مؤسسات تعليمية نوعية ومتقدمة، وهذه الفئة نادرة؛ إذ يجدون في التعليم فرصة لتحقيق تطلعاتهم المهنية والأكاديمية التي قد تكون غير متاحة في بلادهم.
وأكد أنه على الرغم من تعدد الدوافع، يبقى العامل الاقتصادي القاسم المشترك الذي يدفع غالبية الشباب إلى الهجرة.
وبشكل عام، إنّ الشباب في اليمن يواجهون صعوبات في الادّخار أو الاستثمار في مشاريع صغيرة؛ بسبب انعدام الاستقرار المالي، وتدهور العملة المحلية، وهذا يجعل فكرة بناء مستقبل اقتصادي مستدام داخل البلاد شبه مستحيل.
الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات
أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…