‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة هجرة الشباب اليمني أحلام الهجرة.. هكذا يغادر شباب اليمن واقعهم

أحلام الهجرة.. هكذا يغادر شباب اليمن واقعهم

حنين الوحشصوت الأمل

في واقع يزداد قتامة وتعقيدًا، أصبحت الهجرة وإن كانت بطرق غير مشروعة، تعدُّ صراط عبور لكثير من الشباب اليمنيين والوسيلة الوحيدة لمغادرة واقع حال البلاد، رغم ما يحيط به من وسائل ومخاطر عديدة أشدها الموت غرقًا، وهو مصير التهم عددًا غير قليل من الشبان اليمنيين المهاجرين.

وترتفع مؤشرات الهجرة بين أوساط الشباب مع ارتفاع نسبة البطالة، وفقدان كثير منهم لأعمالهم كأبرز نتائج وتداعيات للتدهور الاقتصادي الذي يعصف بالبلد، والذي أدّى إلى تردّي الأوضاع المعيشية، وارتفاع تكاليف الوصول إلى الخدمات التعليمية والصحية التي يسيطر عليها، في الغالب، القطاعُ الخاص.

دوافع الهجرة

تقف العديد من الأسباب وراء اختيار الشباب اليمنيين للهجرة بطرق شرعية أو غير شرعية، أبرزها انعدام البدائل؛ إذ يحل التجنيد القسري والالتحاق بجبهات النزاع كحل بديل للهجرة، وذلك بحسب تصريح المختص الاجتماعي صلاح القدسي، الذي أكد أنّ تدهور الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل والعزلة الاجتماعية وعدم إشراك الشباب في مراكز صنع القرار تعدُّ من ضمن الدوافع الرئيسية التي تعزز من فكرة اللجوء إلى الهجرة.

وتنامت معدلات الهجرة غير الشرعية لليمنيين في الأعوام الأولى للصراع، قبل أن تتراجع حدتها، ثم تعود وتيرتها في الأعوام الأربعة الأخيرة، كما يؤكد الباحث سمير المقطري أنّه في الأعوام الأولى من الصراع استقبلت الصومال وجيبوتي آلاف الشباب اليمنيين الذين هاجروا عبر البحر ومِن ثَمّ برًّا إلى ليبيا، وتعرضوا هناك لكثير من المخاطر، من بينها الاحتجاز والإخفاء القسري.

يضيف المقطري: “برزت إلى السطح قصص نجاح بعض الشباب في الوصول إلى أوروبا وحصولهم على اللجوء، والعيش في ظروف إقامة ملائمة شجعتهم على الالتحاق بالجامعات الأوروبية، قصص النجاح النادرة هذه شكلت هاجسًا لدى الشباب في الداخل، ونمت في داخلهم أحلام الهجرة والانسلاخ عن الواقع المنسلخ عنهم أصلًا”.

ويؤكد أنّ أحلام الهجرة دفعت معظم الشباب إلى الإذعان لحملات التجنيد والانضمام إلى جبهات القتال بغرض توفير مبالغ مالية تمكنهم من توفير متطلبات الهجرة، وهكذا وجد الشباب اليمنيون أنفسهم في دوامة القتل دون فكاك، خصوصًا مع ذيوع أخبار غرق مهاجرين غير شرعيين عرض البحر، واختفاء حالات منهم في غابات شاسعة.

من جانبه يرى الباحث عبد الناصر قاسم (يمني مغترب في لبنان) أنّ الهجرة لم تكن خيار العاطلين عن العمل، في الغالب، بل والمبدعين والمثقفين، بينهم أكاديميون وخريجو جامعات كأكثر الفئات تضررًا من غياب الأمن والاستقرار.

ويعتقد أنّ وسائل التواصل الاجتماعي قدمت العالم الآخر بصورة مغايرة للشباب اليمنيين الذين يعيشون حالة انفصام حاد مع واقعهم في الداخل، كما جعلت من فكرة الوصول إلى العالم الآخر أكثر سهولة افتراضيًّا.

مخاطر عديدة أولها الوفاة

قطع (م، ع، ع) ثلث الكرة الأرضية، كما يعتقد، في طريقه للوصول إلى أوروبا، وهو لا يدري أي دورب وشعوب سلك، غير أنّ أكثر ما يدركه هو فقدانه لذراعه الأيمن أثناء اجتيازه أسلاكًا شائكة في حدود إحدى الدول.

انتهت به الهجرة غير الشرعية إلى ألمانيا؛ إذ يمضي في خوض دورات لغوية مكثفة، تتنازعه الحسرة والأمان وهو يتحدث إلينا عبر تقنية الاتصال المرئي، وهو الذي وقف أمام ألمانيا أخيرًا دون أن يكون لديه ما يمتلكه للاحتفاء بنجاح هذا الحلم، ولا حتى القدرة على المصافحة، هذا الشعور سيظل يرافقه على الدوام، بحسب تصريحه.

يقول (م، ع، ع): “في العام نفسه وتحديدًا مطلع ديسمبر من العام 2022م سيطرت فاجعة وفاة الدكتور ضيف الله الذيفاني غرقًا، في شواطئ سبتة المغربية، على مجريات أحاديث اليمنيين وتدويناتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا النبأ تلقيته أنا بشكل مغاير؛ إذ ظل الموت يلازمني أينما اتّجهت”.

وكان الذيفاني في طريقه إلى أوروبا ضمن مجموعة من المهاجريين غير الشرعيين، وصرحت مصادر مقربة من أسرته أنّ الذيفاني كان موظفًا في وزارة الأوقاف- عدن، قبل أن يُستغنى عنه.

وقالت المصادر أن الذيفاني حاصل على دكتوراه في الفكر الإسلامي المعاصر، من جامعة محمد الخامس أكدال في المغرب، غير أنّ انقطاع المرتبات وفقدانه لعمله، إلى جانب وفاة زوجته بالسرطان قبل عامين من الحادثة، دفع به إلى البدء بالتفكير بالهجرة بصورة غير شرعية، والخروج من مصير مجهول في بلاده.

وأُذيع مطلع العام الماضي، بعد شهر من حادثة وفاة الدكتور الذيفاني، نبأ وفاة ثلاثة شبان يمنيين في غابات أوروبا أثناء محاولتهم الوصول إلى بولندا، سبقها بأشهر قليلة حادثة وفاة اليوتيوبر اليمني عبد المجيد خالد على الحدود البولندية أثناء محاولته الهجرة إلى أوروبا للجوء الإنساني.

وعلقت مصادر حقوقية أثناء ذلك بالقول: “إنّ اليوتيوبر عبد المجيد خالد تُوفي جوعًا بعد أن تقطعت به السبل في الغابات بين (بيلاروسيا وبولندا) أثناء محاولته العبور إلى أوروبا.

تعدد الوجهات

من بين خيارات كثيرة، تعدُّ السعودية هي أكثر الخيارات قربًا لليمنيين؛ إمّا للقرب الجغرافي وإمّا لأنّ زملاء لهم ومقرّبين قد سبقوهم في الوصول، سواء بطرق نظامية أو غير نظامية.

وقد تراجعت، بحسب مراقبين، مؤشرات هجرة اليمنيين إلى الصومال وجيبوتي عبر البحر مع زيادة حوادث غرق كثير من القوارب التي تقل مهاجرين عرض البحر، كان آخرها نهاية أغسطس من العام الجاري 2024م.

وتشير بيانات سعودية رسمية إلى أنّ عدد المقيمين اليمنيين القانونيين بلغ أكثر من مليون و800 يمني حتى مطلع العام الماضي، كما تحتضن الأراضي السعودية عددًا مماثلًا ليمنيين مجهولين؛ أي الذين دخلوا إلى السعودية تهريبًا.

وتعدّ السعودية هي الوجهة الأقل خطرًا للهاربين من قتامة الأوضاع في اليمن في ظل ارتفاع نسبة البطالة، وغياب أي بوادر انفراج تلوح في الأفق، كما يقول مازن فؤاد، مغترب يمني في السعودية.

يقول مازن: “إنّ الوصول إلى السعودية كلفني بيع سيارة أبي، وهي كل ما تمتلكه العائلة بعد وفاة والدي، كما اضطررت لاقتراض مبالغ من أقاربي في اليمن أثناء بحثي عن عمل في السعودية، والحصول على فرصة عمل هنا لم تعد سهلة، ولولا المبالغ التي تصلني من اليمن لمتُّ جوعًا”.

يعمل مازن براتب ضئيل في محل تجاري، لا يكفيه للوفاء بالتزامات ما تُعرف بنظام الكفالة، لذا يعتقد بأنّ كثيرًا من أحلامه قد تبدّدت، وهو الذي حاول تدارك ما بقيَ منها عبر الهجرة مخلفًا وراءه ما احترق منها في اليمن؛ كحقه في مواصلة تعليمه الجامعي.

تغيب الإحصائيات الرسمية عن أعداد المهاجرين اليمنيين من الشباب، خصوصًا أنّ معظمهم مهاجرون غير شرعيين، عدا أنّ تقديرات مراقبين تؤكد تنامي ظاهرة الهجرة لتصبح حلمًا يراود كثيرًا منهم؛ كنتاج طبيعي لحالة العزلة التي يفرضها الواقع الاجتماعي على الشباب، خصوصًا العاطلين منهم.

‫شاهد أيضًا‬

الشباب في الهجرة؛ بين البحث عن فرص عمل ومواجهة التحديات

أحمد باجعيم – صوت الأمل الهجرة إلى الخارج أصبحت فعلًا واحدة من أبرز الظواهر بين الشب…