‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأدب في اليمن الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة

الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة

أحمد باجعيمصوت الأمل

القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من الأنشطة التي يمكن أن تشكّل حياة الشباب؛ إذ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنمو الشخصي والمهني، وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجه هذه الفئة مثل الانشغال بالتكنولوجيا أو الضغوط الاجتماعية، فهناك مؤشرات إيجابية تدلُّ على شغف الشباب بالقراءة.

مكتبة (تحت الجسر) في المكلا، تعدُّ مثالًا على نشر الثقافة بين الشباب، هي مبادرة قام بإنشائها المخرج السينمائي الدكتور عبدالهادي التميمي، وذلك بهدف نشر ثقافة القراءة بين جميع فئات المجتمع، ولإيمانه بأنّ شغف الشباب بالقراءة يعكس قدرتهم على التطور ومواجهة التحديات؛ إذ يربطهم بالعالم من حولهم، ويمنحهم أُفُقًا أوسع، ولتشجيع هذا الشغف يحتاج إلى جهود متكاملة من المؤسسات التعليمية والثقافية، بالإضافة إلى المجتمع والأسرة.

قصة شغف

توجّه فئة الشباب يعكس واقعًا معقدًا في البلاد؛ إذ يتراجع دور الكتاب والمكتبات أمام زخم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذا التحوّل الثقافي والاجتماعي يعكس مزيجًا من العوامل التي تتراوح بين السهولة التي يوفرها الإنترنت في الوصول إلى المحتوى، وبين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعوق الشباب عن الاستثمار في القراءة كوسيلة للتعلم والترفيه.

على الرغم من ذلك، يمكن استغلال هذا الوضع لإعادة صياغة طرق تعزيز القراءة عن طريق الإنترنت نفسه، عبر إنشاء منصات رقمية تتيح الوصول إلى الكتب والمجلات، بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطوير مبادرات ثقافية مجتمعية تستهدف إعادة إحياء حب القراءة بين الشباب، عبر توفير مكتبات متنقلة أو في أماكن عامة، وتنظيم فعاليات تثقيفية تتناسب مع اهتماماتهم الحالية.

ربيع خميس (شاب ثلاثيني العمر من مدينة المكلا) واجه تحديات اقتصادية واجتماعية منعته من استكمال تعليمه بعد الصف التاسع، لكنه لم يسمح للظروف أن تقيّده، بدلًا من ذلك، وجد في القراءة سبيلًا لإثراء نفسه وتطوير ثقافته، ممَّا جعله نموذجًا ملهمًا للشباب.

ربيع وجد في المكتبة الواقعة تحت الجسر البحري في المكلا متنفسًا وبديلًا إيجابيًا عن الانزلاق في السلوكيات السلبية؛ إذ أصبح يرتاد المكتبة يوميًا، لا للاطلاع فقط، بل أيضًا للاعتناء بمحتوياتها، ممَّا جعله الرجل الثاني للمكتبة.

المكتبة الواقعة تحت الجسر البحري في المكلا إحدى المبادرات الثقافية الفريدة، التي تهدف إلى تعزيز ثقافة القراءة والاطلاع بين مختلف شرائح المجتمع، خاصة مرتادي المقاهي؛ إذ توفر رفوفًا مفتوحة للكتب على مدار اليوم في قلب الشارع، ممَّا يتيح للجميع الوصول إلى المعرفة بسهولة ودون تكلفة.

يقول ربيع: “بدل أن أنزلق في المتاهات أو السلوكيات المنحرفة، قسمت وقتي بين البيت والمكتبة، صرت أذهب إليها صباحًا إلى الظهر، ثم أعود عصرًا إلى ساعات متأخرة من الليل”.

يعبر ربيع عن التزامه الكبير بتطوير نفسه والاعتناء بالمكتبة التي أصبحت جزءًا مهمًّا من حياته اليومية، فالمكتبة هنا ليست مجرد مكان للقراءة، بل ملاذ يسهم في منحه التوازن الشخصي والاجتماعي، خاصة في ظل ظروف البطالة، والتردد اليومي عليها، والعناية بمحتوياتها، والاستفادة من مصادر المعرفة المتوفرة مجانًا، يعكس نموذجًا إيجابيًا للابتعاد عن السلوكيات السلبية واستثمار الوقت في تطوير الذات. وكونه يعدُّ الرجل الثاني للمكتبة في غياب الدكتور التميمي يظهر مدى مسؤوليته وشعوره بالانتماء لهذا المكان.

حصيلة سنوات من القراءة

خلال سنوات من المواظبة في القراءة، نجح ربيع في قراءة نحو 100 كتاب وحفظها، تنوعت بين الحضارات والروايات التي تحاكي ثقافة حضرموت واليمن وتاريخهما، إضافة إلى أدب عالمي وعربي، فالمكتبة التي تحتوي على أكثر من 150 كتابًا في مجالات متعددة، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياته.

وأصبحت المكتبة وجهة يومية للعديد من فئات المجتمع في المكلا، خصوصًا في وقت العصر؛ إذ يميل السكان إلى قضاء وقتهم في المقاهي بعد انتهاء أعمالهم. المبادرة جذبت القراء من مختلف الأعمار، ممَّا ساعد في تعزيز الوعي الثقافي، ونشر حب القراءة في المدينة.

قصة ربيع تلخص كيف يمكن للإرادة والشغف أن يحولا التحديات إلى فرص، وهو ليس مجرد قارئ، بل سفير للمعرفة، يدعم المكتبة ويُظهر أن الثقافة والتعليم لا تقتصر على القاعات الدراسية، بل يمكن أن تُكتسب في أي مكان طالما وُجد الشغف.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

أدب الأطفال في اليمن: إرث غني يواجه تحديات العصر

صوت الأمل طرح الفيلسوف الإنجليزي جون لوك مفهوم (الصفحة البيضاء)، الذي يفترض أنّ الإنسان يو…