(عفاف غالب)؛ قصة ملهمة لرحلة كفاح ضد مرض السرطان
علياء محمد – صوت الأمل
يعد مرض السرطان من أكثر الأمراض الصحية تأثيرًا وانتشارًا حول العالم؛ إذ يترك وراءه آثارًا جسدية ونفسية عميقة على المصابين به، ومع التحديات الكبيرة التي يفرضها هذا المرض، فإنّ كثيرًا من القصص الملهمة تظهر قوة الإرادة البشرية وقدرتها على التحدي والمثابرة.
وعلى الرغم من الآلام والمعاناة التي يسببها السرطان، نجد أنّ هناك كثيرًا من القصص التي تُبرز قوة الإرادة البشرية في مواجهات التحديات عبر الإرادة والعزيمة في مواجهة هذا المرض، هؤلاء الأفراد لا يستسلمون للمرض أو لآثاره النفسية والجسدية، بل يواصلون كفاحهم بالأمل والثقة.
إرادة وعزيمة
عفاف غالب محمد حسن، رئيسة قسم التعليم التعويضي ومشرفة أنشطة الطالبات في وزارة التربية والتعليم في مديرية المعلا بمحافظة عدن، هي واحدة من النساء اللواتي خُضنَ معركة كبيرة مع مرض السرطان ولم تستسلم، بل أصبحت رمزًا للأمل والشجاعة، فقد عكست في مدّة علاجها قوة إرادتها في التغلب على الصعوبات، وكان دعم عائلتها وأصدقائها مصدرًا كبيرًا لها، مما ساعدها على العودة إلى حياتها الطبيعية.
وتروي قصتها إذ تقول: “عند ظهور الكتلة والشعور بها اعتقدت في البداية أنها مجرد كتلة هرمونية مرتبطة بالحمل خاصة بالحليب، وذلك حسب استشاراتي لوالدتي والمحيطين بي، إلا أنّ الكتلة كانت مصحوبة بآلام شديدة استمرت طيلة مدّة الحمل وبعد الولادة، مما دفعني للشك في إمكانية إصابتي بمرض السرطان”.
وأشارت إلى أنه بعد ثلاثة أشهر من ولادتها، أصرّ عليها شقيقها بضرورة إجراء الفحوصات اللازمة في المؤسسة العامة لمكافحة السرطان؛ للتأكد من سبب الكتلة، وبعد إجراء الفحوصات الأولية، مثل السونار والماموجرام والأشعة المقطعية، جاء التشخيص الصادم؛ إذ تأكدت إصابتها بالمرض في المرحلة الثانية، ورغم الصدمة الكبيرة، تمكنت عفاف من تمالك نفسها أمام هذا الخبر القاسي.
تقول عفاف: “كان الخبر بمثابة زلزال في حياتي، شعرت أنّ عالمي انهار، وأكثر ما آلمني هو أنني سأجري عملية لاستئصال الثدي، وأنا لا أزال أُرضع طفلتي التي تبلغ من العمر ثلاثة أشهر، ولكني تمالكت نفسي، وأصررت على أن أكون قوية في وجه المرض من أجل عائلتي، وأكدت لهم أنه يجب ألّا أستسلم”.
رحلة العلاج
بدأت رحلة علاج عفاف مع عملية استئصال الثدي، وهي مدّة وصفتها بأنها من الأيام التي لا تُنسى في حياتها، على الرغم من صعوبة هذه المرحلة، لم تستسلم عفاف، بل استمرّت في التحدي بشجاعة وإصرار، وبدأت مرحلة العلاج الكيماوي بعد عشرين يومًا من العملية الجراحية.
تتحدث عفاف عن مرحلة العلاج الكيماوي قائلة: “لم تكن المرحلة سهلة، خاصة أنّ جسمي ما يزال منهكًا من الولادة القيصرية، بالإضافة إلى العملية الجراحية لاستئصال الثدي”.
كما تضيف: “أنّ الجسد الذي عانى من العمليات الجراحية كان بحاجة إلى وقت للشفاء، ممّا جعل العلاج الكيماوي يضاعف من المعاناة الجسدية والنفسية، وأنه في أثناء العلاج الكيماوي، تعرضت لخطأ طبي ناتج عن زيادة الجرعة، لكن بفضل الله نجوت منها، واستمريت في تلقي العلاج؛ إذ أتممت ست جرعات أخرى، وتعدُّ هذه التجربة درسًا في الصبر والإصرار على متابعة العلاج رغم التحديات الكبيرة”.
تتفاوت تجارب الناجيات من السرطان، لكن العديد منهنّ يواجهنَ صعوبات جسدية ونفسية أثناء مدّة العلاج، ومن الآلام الجسدية الناتجة عن العلاج الكيماوي والتأثيرات الجانبية له، إلى المعاناة النفسية الناتجة عن خوف المريض من المستقبل، يكون التحدي الأكبر هو البقاء في دائرة الأمل والقدرة على الاستمرار.
لكن تجربة عفاف تُظهر أنّ الإرادة والشجاعة يمكن أن تتغلب على أصعب الظروف، وأنّ الأمل يمكن أن يظل متّقدًا حتى في أشدِّ اللحظات المظلمة.
المضاعفات والتحديات في رحلة علاج عفاف
تتحدث عفاف عن التحديات الصعبة التي واجهتها أثناء العلاج الكيماوي، وتوضح أنّ هذه المرحلة تعدُّ من أصعب مراحل العلاج بسبب الأعراض الجانبية القوية التي تصاحبها. تقول: “العلاج الكيماوي يعمل على القضاء على الخلايا السليمة بجانب الخلايا السرطانية، مما يفقد الجسم مناعته، ويعرضه لمضاعفات خطيرة، مثل التعب الشديد، والإرهاق، والغثيان، وتساقط الشعر”.
هذه الأعراض تؤثر بشكل كبير على الحالة النفسية للمريض، مما يجعل المرحلة أكثر صعوبة، الأمر الذي يؤكد أهمية أن يتحلّى المريض بصبرٍ كبير لمواجهة هذه التحديات؛ إذ إنّ الإرادة والصبر هما الأساس لتجاوز هذه المرحلة الصعبة.
بعد انتهاء العلاج الكيماوي، بدأت عفاف مرحلة العلاج بالإشعاع، لكنها واجهت تحدّيًا كبيرًا في الحصول على العلاج؛ بسبب عدم توفر هذا النوع من العلاج في عدن، ولم يكن أمامها سوى السفر إلى محافظة صنعاء لتلقي العلاج الإشعاعي، وهذا الانتقال لم يكن سهلًا، خاصة في ظل الظروف الصحية والاقتصادية الصعبة التي تمرُّ بها البلاد.
عفاف تؤكد أنّ من أبرز العقبات التي واجهتها أثناء العلاج كانت نقص الأدوية والموارد الطبية الضرورية، التي كانت تؤثر سلبًا على سير العلاج، كما أنّ الماسح الذري، وهو من الأجهزة الضرورية للمتابعة الدقيقة لمرضى السرطان، غير متوفر في اليمن، مما يضطر المرضى إلى السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، وهو أمر صعب جدًّا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.
هذا النقص في المعدات الطبية يعرّض العديد من المرضى إلى خطر تأخير مراحل العلاج أو عدم إتمامها، ممّا يزيد من احتمالات تعقيد الحالة الصحية للمريض.
الدعم المجتمعي والنفسي
يلعب الدعم النفسي والاجتماعي دورًا بالغ الأهمية في مساعدة الناجيات من السرطان على التغلب على التحديات المرتبطة بالمرض، هذا الدعم لا يساعد فقط في معالجة المشاعر السلبية، بل يسهم أيضًا في تعزيز الصحة النفسية للمريض، ممّا يعزز من قدرته على مواصلة العلاج ومواجهة الصعاب.
تؤكد عفاف غالب أنّ الإرادة والكفاح هما الأساس لتجاوز التحديات الصحية، إذ تقول: “لن يعود الإنسان كما كان، ولكن بالإرادة والكفاح وبدعم العائلة والأسرة، يستطيع القضاء على كثير من المضاعفات”.
هذه الكلمات تعكس قوة إرادتها وصلابة عزيمتها في مواجهة المرض؛ إذ كانت العائلة والدعم الاجتماعي هما العاملينِ الأساسيينِ في تمكينها من تخطي أصعب المراحل في رحلة العلاج.
بالإضافة إلى الدعم العائلي، اختارت عفاف الانضمام إلى مجموعات دعم الناجيات من السرطان؛ إذ التقت وتواصلت مع نساء مررْنَ بنفس التجربة. تقول: “مجموعة دعم الناجيات أثرت كثيرًا على نفسيتي، وأصبحت أشارك تجربتي وقصتي، وأستمع لتجارب الناجيات والمحاربات وقصصهنّ مع هذا المرض، وشعرت أنني لست وحدي في هذه المعركة، وزاد إصراري وعزيمتي وإرادتي للقضاء على المرض ومكافحته”.
حياة جديدة
بعد رحلة طويلة مع العلاج، بدأت عفاف في العودة إلى حياتها الطبيعية تدريجيًّا، على الرغم من الظروف الصعبة التي مرّت بها، فإنها استطاعت الاستمرار في عملها، وأداء واجباتها المنزلية والأُسرية بكل قوة وعزيمة، وبفضل إرادتها، تتعايش مع المرض دون أن تسمح له بالتأثير على حياتها بشكل كامل.
تقول عفاف: “السرطان يعرف بمرض الموت، ولكن يجب أن يعلم الجميع أنّنا بالإرادة والعزيمة نستطيع التغلب عليه، وأنّ المجتمع يجب أن يتقبل هذا المرض، ولا يجب أن يحكم على المرضى بأنهم سيكونون طريحي الفراش أو الموت، أو ينظر لهم بنظرة الشفقة أو الرحمة”.
هذه الكلمات تعكس قوة إيمانها وعزمها على الاستمرار في الحياة رغم كل التحديات، تعبر عفاف عن قناعتها بأنه يمكن للإنسان أن يعيش حياته بشكل طبيعي حتى بعد التشخيص القاسي، إذا كانت الإرادة قوية.
وفي رسالة دعم وتحفيز للناجيات من السرطان، تقدّم عفاف نصيحتها قائلة: “يجب أن تقاومنَ؛ لأنّ الحياة أمامنا طويلة، وهناك عدد كبير من المحاربات اللواتي نجونَ من هذا المرض”.
وتختتم عفاف نصيحتها بالقول: “يجب علينا الاستمرار بالفحوصات الدورية، وتنفيذ تعليمات كل دكتور؛ حتى نضمن سلامتنا حتى وإن لم يظهر أي عارض أو كتلة”.
عن طريق الإرادة والعزيمة القوية، استطاعت عفاف أن تعود إلى حياتها الطبيعية، رغم التحديات الاقتصادية والنفسية والصحية الكبيرة التي واجهتها بسبب المرض، رسالتها هي دعوة للأمل والمثابرة للمحاربات، والتأكيد على ضرورة التقبل المجتمعي والدعم المستمر للمرضى للعيش حياة كريمة حتى بعد التشخيص القاسي.
الخدمات الصحية لمرضى السرطان في اليمن ونظرة المجتمع
ياسمين عبد الحفيظ – صوت الأمل سارعت (ملاك) في إجراء فحوصات طبيعية لوالدتها فور…