‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة السرطان في اليمن الخدمات الصحية لمرضى السرطان في اليمن ونظرة المجتمع

الخدمات الصحية لمرضى السرطان في اليمن ونظرة المجتمع

ياسمين عبد الحفيظصوت الأمل

 سارعت (ملاك) في إجراء فحوصات طبيعية لوالدتها فور اكتشافها وجود حبة صغيرة في عنقها تخرج منها إفرازات ملونة، وبعد معرفتها بأنه ورم خبيث بدأت بعلاجها حتى تقضي على المرض قبل انتشاره إلى أجزاء من جسمها.

تعيش (ملاك) في مديرية الحالي وسط مدينة الحديدة مع والدتها وأشقائها، وأثناء العلاج وجدت صعوبة وهي تتنقل من الحديدة إلى صنعاء، والعكس، فكل إجراءات العلاج كانت في صنعاء، حتى العينة التي أخذت منها نقلت إلى هناك لإجراء الفحص، وانتظرت الأسرة النتيجة لأكثر من خمسة وعشرين يومًا.

تتسأل ملاك قائلة: “لماذا لا توجد الخدمات الصحيّة التي تُقدّم لمريض السرطان في عواصم المدن الرئيسية على الأقل، إن لم نقل في المديريات وأريافها؟”.

تساؤل ملاك يعكس معاناة حقيقية يواجهها العديد من مرضى السرطان وأسرهم في اليمن؛ إذ تقتصر مراكز علاج الأورام على مدن رئيسية مثل صنعاء، مما يجبر المرضى على التنقل لمسافات بعيدة، ويتحملون تكاليف مالية مرتفعة، وأنّ عدم توفر الخدمات الصحية الكاملة في جميع عواصم المدن، فضلًا عن المديريات والأرياف، يعني أنّ الكثيرين محرومون من الوصول السريع إلى الرعاية الصحية اللازمة، ويؤدي إلى ارتفاع التكاليف العلاجية؛ بسبب مصاريف التنقل والإقامة في المدن التي توجد فيها هذه الخدمات.

قصة والدة ملاك هي مثال على هذه المعاناة؛ إذ تجاوزت تكلفة علاجها في شهرين مليون وخمسمائة ريال يمني، وهو مبلغ كبير يزيد من الأعباء على الأسرة، ولو كانت الخدمات الصحية متاحة في المدينة التي تقطن فيها، لكانت التكاليف أقل بكثير، ولتجنب المرضى مشقة السفر والتنقل الذي يضاعف من معاناتهم الصحية والنفسية.

معاناة مرضى السرطان في اليمن تتضاعف بسبب عدم توفر مراكز العلاج بشكل كافٍ في جميع عواصم المدن الرئيسية، مما يجعل وجودها في مناطق محدودة من البلاد مصدرًا لخيبة أمل كثيرٍ من اليمنيين؛ إذ يتطلب التنقل والسفر إلى المدن التي توجد بها هذه المراكز جهدًا ماليًا وجسديًا كبيرًا، لا سيما في ظل اضطرارهم إلى استخدام طرق بديلة بعد إغلاق بعض الطرق الرئيسية بسبب الصراع، ممّا يزيد من صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية.

وبالإضافة إلى التحديات الداخلية، يواجه المرضى صدمة أخرى حين يكتشفون أنّ الخدمات الصحية المتاحة في مراكز علاج الأورام داخل اليمن قد لا تكون كافية، ويضطر كثيرون منهم للسفر خارج البلاد لتلقي العلاج، وفي هذه الحالة، يتمكن فقط من يمتلكون القدرة المالية من السفر للعلاج، في حين يعاني الفقراء من تفاقم المرض دون أن تكون لديهم الوسائل اللازمة للسفر، هؤلاء المرضى يضطرون إلى البحث عن مساعدات من مؤسسات خيرية أو أفراد لتحمل تكاليف العلاج خارج البلاد، وهي معاناة يومية تستنزفهم جسديًّا ونفسيًّا.

الخدمات الصحية لمرضى السرطان

أنّ الوضع الصحي المتردي في اليمن، خصوصًا فيما يتعلق بمرضى السرطان، يمثل تحدّيًا كبيرًا يواجه المرضى وعائلاتهم، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الأدوية والنقص الحاد في الموارد. ونظرًا للفقر الذي يعاني منه ملايين اليمنيين وتفاقمه بسبب الصراع، فإنّ توفير الأدوية والعلاجات لمرضى السرطان بات عبئًا ثقيلًا لا يمكن للكثيرين تحمله.

صحيفة (صوت الأمل) تناولت هذه القضية عن طريق مقابلات مع مختصين في القطاع الصحي ومرضى السرطان عن واقع الخدمات الصحية المقدمة لمرضى السرطان في اليمن، والتحديات التي تواجهها.

 ومن بينهم يحيى هاجر، مدير وحدة الأورام في هيئة مستشفى مأرب، الذي أكّد أنّ الصراعات وتدهور الاقتصاد أثَّرا بشكل مباشر على القطاع الصحي وعلى حياة مرضى السرطان والفشل الكُلوي وغيرهم بشكل خاص.

يذكر هاجر أنّ أهم التحديات التي تواجه تقديم الخدمات الصحية لمرضى السرطان تشمل غلاء المعيشة، وانهيار العملة، ممّا أدّى إلى تدهور جودة الخدمات الطبية، وصعوبة الحصول عليها. كما أشار إلى نقص الكادر الطبي المتخصص؛ إذ هاجر العديد من أطباء الأورام إلى خارج البلاد بسبب الأوضاع الراهنة، كما زادت معاناة المرضى بسبب إغلاق الطرق الرئيسية، والفروقات الكبيرة في أسعار الريال اليمني بين المحافظات، مما أدّى إلى ارتفاع التكاليف، وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، إلى جانب عدم توفر بعض الأدوية الخاصة بمرضى السرطان.

كما تحدث هاجر عن طول الإجراءات المطلوبة وتعقيدها من قبل بعض المؤسسات للحصول على الخدمات الصحية لمرضى السرطان، وهي من بين العوائق الكبيرة التي تحول دون تقديم رعاية سريعة وفعّالة.

 وأضاف: “أنّ قلة المراكز المتخصصة في علاج السرطان، وغياب الدعم المالي لمعظم المستشفيات، بجانب عدم التنسيق بين المستشفيات ومراكز الأورام، يزيد من تفاقم الأزمة، بالإضافة إلى عدم تنظيم مؤتمرات طبية محلية أو إقليمية في مجال الأورام؛ لمتابعة التطورات في طب السرطان، وضعف الوعي الصحي لدى بعض المرضى، ممّا يؤدي إلى إهمال المواعيد الدورية الضرورية للعلاج والمتابعة، والحصول على الخدمات الطبية بالمواعيد المحددة”.

مرضى السرطان يواجهون تحديات جسيمة

من جانبها، تصف الدكتورة حياة الشميري، طبيبة باطنية، واقع الخدمات الصحية المقدمة لمرضى السرطان في اليمن بكونه أكثر تعقيدًا مقارنة بالخدمات الصحية للقطاعات الأخرى.

 مشيرة إلى أنّ مرضى السرطان يواجهون تحديات جسيمة بسبب حاجتهم إلى رعاية خاصة وأدوية باهظة الثمن، وأنّ معاناة مرضى السرطان تتضاعف؛ لأنهم يحتاجون إلى كشف مبكر للمرض، وهو غالبًا غير متوفر، كما أنّ الفحوصات التي يحتاجون إليها غالية الثمن، ويجب تكرارها بشكل دوري لمتابعة تطورات المرض واستجابة الجسم للعلاج.

وتوضح أنّ الرعاية الصحية لمرضى السرطان محصورة في مستشفيات معينة فقط، مما يزيد من صعوبة وصول المرضى إليها. وتتضمن التحديات أيضًا صعوبة توفير العلاج بأنواعه كافة، مثل العلاج الكيماوي والإشعاعي والجراحي، بالإضافة إلى ضعف المتابعة الصحية والنفسية للمرضى، وعدم وجود دعم مادي كافٍ بعد تعرضهم للعجز البدني.

وترى الشميري أنّ الأعداد الكبيرة من المرضى تشكل ضغطًا هائلًا على المرافق والأجهزة الطبية المتاحة؛ إذ إنّ معظم الأجهزة قديمة وتحتاج إلى صيانة مستمرة، والأَسرّة في المراكز التخصصية قليلة ولا تفي بالاحتياجات المتزايدة، كذلك، تبرز صعوبة توفير الأدوية التي تحتاج إلى ظروف معينة للنقل والتخزين وتأتي بتكاليف مرتفعة، كما أنّ نظام التأمين الصحي ضعيف جدًا إن وجد، إلى جانب قلة الكوادر المتخصصة في التشخيص والعلاج.

تؤكد مروى العريقي، وهي ناشطة صحفية، صعوبة الوضع الصحي لمرضى السرطان في اليمن بسبب نقص الإمكانيات الفنية والمالية؛ إذ ذكرت أنّ جهاز المسح الذري بمستشفى الثورة في صنعاء، الذي يُستخدم لكشف الخلايا السرطانية في جسم المريض، غير قابل للتشغيل نظرًا لعدم توفر مادة اليورانيوم الضرورية لتشغيله، ومع صعوبة إدخال هذه المادة إلى اليمن بسبب الصراع، يُضطر العديد من المرضى للسفر خارج البلاد لإجراء الفحوصات المطلوبة، ما يشكل عبئًا إضافيًّا عليهم.

كما تشير العريقي إلى التحديات المالية الكبيرة التي تواجه مرضى السرطان؛ فتكلفة العلاج باهظة، ومع أنّ بعض الأدوية تُقدّم مجانًا، فإنّ الأدوية الأخرى تتطلب تكاليف كبيرة، مما يثقل كاهل الأسر ماليًا.

وتضيف: “أنّ التغذية السليمة، بما في ذلك الفواكه والخضروات الطازجة واللحوم بأنواعها، هي جزء ضروري من نظام مريض السرطان، إلّا أنّ توفير هذه الأغذية بشكل يومي يمثل عبئًا إضافيًّا، خاصة للأسر ذات الدخل المحدود”.

وتتطرق إلى التأثير النفسي الذي يواجهه مريض السرطان؛ إذ يعاني خوفًا كبيرًا من المرض وصعوبة العلاج، مما يؤثر سلبًا على مناعتهم وقدرتهم على تحمل العلاج. لذا، يُعدُّ الدعم النفسي ضرورة لمرضى السرطان؛ إذ يحتاجون إلى جلسات دعم مستمرة لتحسين حالتهم النفسية ومساعدتهم على مواجهة التحديات الجسدية والنفسية الناتجة عن المرض.

تشخيص مرض السرطان في اليمن

وبشأن أهمية تشخيص مرض السرطان في اليمن، أوضح أكاديمي يمني، فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ تشخيص مرض السرطان في اليمن غالبًا ما يكون في مراحل متأخرة، خاصة لدى النساء المصابات بأورام الغدة الدرقية وسرطان الرحم وسرطان الثدي، وأنّ اكتشاف هذه الأورام في وقت مبكر نادر الحدوث، مما يزيد من صعوبة العلاج وفعاليته.

ويرى الأكاديمي أنّ توفر أجهزة الفحص الذري في اليمن سيساعد بشكل كبير في الكشف المبكر عن المرض، الأمر الذي يمكن أن يُحدثُ فارقًا كبيرًا في فرص الشفاء، فمرض السرطان يمكن تصنيفه إلى درجات؛ إذ تكون الدرجات الأولى بسيطة، ويمكن السيطرة عليها بشكل أسهل، في حين تتطلب الدرجة الثانية عادةً العلاج بالإشعاع، أو قد يتعامل الجسم معها عبر نظام المناعة، أما الدرجتان الثالثة والرابعة، فإنّ نسبة الشفاء تصبح ضئيلة عند وصول المرض إلى هذه المراحل المتقدمة، حتى مع استخدام جميع الوسائل العلاجية.

كما أشار إلى أنّ بعض الدول قد تجاوزت استخدام الحقن الكيماوية في علاج السرطان؛ إذ أصبحت تعتمد على تقنيات إشعاعية حديثة لعلاج المرضى، وهذه التقنيات تعكس تطورًا في مجال علاج السرطان قد يسهم في تحسين نتائج العلاج، وتقليل الآثار الجانبية، وهو أمر يستحق الاهتمام والتطوير ليصبح متاحًا في اليمن.

نجلاء ياسر، ممرضة تصف الخدمات الصحية المقدمة لمرضى السرطان بالهشة، ممّا يضطر العديد من المرضى للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج، وتشير إلى أنّ بعض الأسر تضطر إلى بيع ممتلكاتها لتأمين تكاليف الرحلة، وهو ما يمكن تفاديه لو توفرت الخدمات الضرورية داخل البلاد.

 وتؤكد أنّ توفّر هذه الخدمات محليًا سيخفف من الأعباء المالية والنفسية على الأسر اليمنية التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة بفعل الصراع المستمر، ما يجعل العديد من العائلات غير قادرة على تحمّل نفقات العلاج في الخارج، خاصة أنّ ملايين اليمنيين يعانون من ظروف اقتصادية خانقة في ظل الصراع الذي طال أمده ودخل في عامه العاشر، الأمر الذي جعل الغالبية منهم يقفون عاجزين عن التكاليف التي يتطلبها علاج ذويهم في الخارج.

من جهته، علي الخطيب، موظف علاقات عامة في القطاع الصحي، يشير إلى أنّ مراكز علاج السرطان في اليمن، الموجودة في صنعاء وتعز وعدن، تعاني من ازدحام شديد نتيجة توافد المرضى من جميع أنحاء البلاد، مما يؤدي إلى نقص في الأدوية المجانية، وصعوبة الحصول على بعض الفحوصات اللازمة.

 وأوضح أنّ بعض الأجهزة اللازمة لعلاج السرطان وتشخيصه متوفرة، في حين لا تزال أجهزة أخرى غير متاحة داخل اليمن.

وأضاف: “أنّ الكوادر الطبية المتخصصة في علاج الأورام متوفرة، إلا أنّ هناك نقصًا في عدد المتخصصين في قراءة الأشعة، ما يؤثر على سرعة التشخيص ودقته، وأنّ العديد من الأجهزة الطبية المتطورة لم تصل بعد إلى اليمن، مما يزيد من تحديات تقديم الرعاية الصحية الكاملة لمرضى السرطان”.

‫شاهد أيضًا‬

(عفاف غالب)؛ قصة ملهمة لرحلة كفاح ضد مرض السرطان

علياء محمد – صوت الأمل يعد مرض السرطان من أكثر الأمراض الصحية تأثيرًا وانتشارًا حول …