‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة السرطان في اليمن التسرب النفطي والسرطان؛ علاقة خطيرة تهدد حياة اليمنيين

التسرب النفطي والسرطان؛ علاقة خطيرة تهدد حياة اليمنيين

أحمد باجعيمصوت الأمل

بعد مضي قرابة أربعة عشر عامًا على آخر تنقيب نفطي بمديرية (الضليعة) الواقعة غربي محافظة حضرموت، إلّا أنّ الإهمال في إدارة المخلفات السامة الناتجة عن التنقيب النفطي، والتلوث الناتج عن هذه النفايات التي تُدفن قرب سطح الأرض بشكل عشوائي، أدّى إلى ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان، خاصةً سرطان الدم والرئة؛ إذ سُجلت أكثر من 30 حالة سرطان، بالإضافة إلى 10 حالات وفاة، وما تزال الحالات في تزايد بسبب تلوث المياه والهواء والتربة.

وتعدُّ الثروة النفطية نعمة من الناحية الاقتصادية، لكنها تتحول إلى نقمة على السكان المحيطين بالحقول النفطية، كما يظهر في منطقة الامتياز (المناطق الواقعة في نطاق الحقول النفطية) التابعة لبترومسيلة، التي تشمل مديريتي ساه وغيل بن يمين في حضرموت، والتي انتشر فيها مرض السرطان بشكل ملحوظ نتيجة التسربات النفطية، وعدم الالتزام بالمعايير البيئية التي تثير القلق؛ إذ إنّ هذا التلوث المستمر يفاقم المشكلة في ظل غياب الرقابة الفعّالة من الدولة، وغياب الإجراءات المناسبة من الجهات المختصة.

التلوث البيئي وعلاقته بانتشار السرطان

يعدُّ التلوث البيئي من أبرز التحديات الصحية التي تواجهها اليمن في الوقت الحالي؛ إذ يسهم في انتشار أمراض عديدة، على رأسها السرطان، وتتفاقم هذه التحديات بسبب عوامل متعددة تشمل: تسربات النفط، والنفايات الصناعية، وسوء إدارة المخلفات السامة، والانبعاثات من المركبات والمصانع، وعلى الرغم من أهمية الثروة النفطية للاقتصاد، إلّا أنّ سوء إدارة هذه الموارد يُعدُّ سببًا رئيسيًّا للتلوث، ممَّا يجعل المناطق القريبة من حقول النفط أكثر عرضة للأمراض المزمنة.

ويعدُّ التلوث البيئي من الأسباب الرئيسية لانتشار السرطان في اليمن، الذي ينتج عن طريق التسربات النفطية والمخلفات السامة، وغياب الرقابة من الجهات الحكومية، وعدم الالتزام بالمعايير البيئية من قِبل بعض الشركات النفطية، بالإضافة إلى تداعيات الصراع المستمر في اليمن، الذي أدّى إلى تدمير واسع للبنية التحتية، بما في ذلك محطات توليد الطاقة والمصانع، ممَّا نتج عنه انبعاثات ضارة، وانتشار مواد سامة في البيئة المحيطة، وهو ما يزيد من فرص التعرض للسرطان، والنفايات الصناعية والزراعية.

ومن أنواع السرطان المرتبطة بالتلوث في اليمن سرطان الرئة، وسرطان الدم (اللوكيميا)، وسرطان الكبد والجهاز الهضمي.

إنّ التلوث النفطي الناتج عن تسرب النفايات النفطية في بعض المناطق اليمنية، مثل مديرية حريب بمحافظة مأرب، ومديرية رضوم بمحافظة شبوة، يعدُّ من أخطر المشاكل البيئية التي تهدد الصحة العامة والبيئة، وذلك وفقًا لتقرير (الجزيرة نت) المنشور في 9 سبتمبر 2021م بعنوان: (التسرب النفطي وإهمال الشركات يفتكان بصحة اليمنيين.. بؤر للأورام والتشوهات والأمراض المستعصية بمأرب وشبوة)؛ إذ أدّى التلوث النفطي إلى تزايد حالات الإصابة بالسرطان، فضلًا عن فقدان العديد من المزارعين مزارعهم نتيجة التسربات والنفايات النفطية، ولم تنتهِ المشكلة عند هذا الحد، بل تسببت أيضًا بتلوث الهواء.

وذكر التقرير أنّ في مديرية حريب الذي يقطنها قرابة (35) ألف نسمة أصيب ما يزيد عن (11) حالة بسرطان الرئة والجلد والبروستاتا والعين، وعلاوة على ذلك فقد أصيب العشرات بالفشل الكُلوي وأمراض تنفسية، ويعود ذلك كله إلى التلوث النفطي الناجم عن عمليات استكشاف الحقول النفطية في حريب والمناطق القريبة لها، ولا يختلف الأمر كثيرًا عمّا يحدث في مديرية رضوم في شبوة، أو في أي منطقة يمنية تقع قريبة من الحقول النفطية.

وأوضحت دراسات علمية، أنّ تسرب خام النفط إلى سطح التربة في اليمن يؤدِّي إلى انبعاث غازات سامة وخطيرة تشمل: ثاني أكسيد الكربون، والكبريت، وغاز الميثان، والإيثان، ومركبات البنزين والتولوين والإكسيلين المعروفة بـ(بي تي إكس)، التي تعدُّ من أشد أنواع الغازات السامة تأثيرًا على الكائنات الحية، ووفقًا لتقارير (الجزيرة نت) أنّ هذه الغازات تسبب مشاكل صحية جسيمة، أبرزها سرطان الجهاز التنفسي، وتعدُّ مادة كبريتيد الهيدروجين شديدة السمية؛ إذ يؤدِّي استنشاقها إلى أمراض خطيرة قد تسبب السرطان.

إضافةً إلى ذلك، تُطلق المياه المصاحبة للنفط كميات كبيرة من الأملاح الذائبة والمعادن الثقيلة على سطح التربة، ممَّا يؤدِّي إلى تلوث طويل الأمد، يتسبب في مجموعة من الأمراض، مثل السرطان، وأمراض الكُلى، وتلف الكبد، وتمثل هذه المواد المتسربة خطرًا كبيرًا على الصحة العامة؛ إذ قد تتراكم هذه السموم في الجسم على المدى الطويل، ممَّا يؤدِّي إلى تأثيرات صحية خطيرة على المجتمعات المحلية.

وفي هذا الصدد، أوضح لطفي السوماني، المدير الفني للمركز الوطني لعلاج الأورام بحضرموت، أنَّ هناك عدة عوامل خطر تُسهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في اليمن، وعلى رأس هذه العوامل يأتي التلوث البيئي؛ إذ يُشكل تلوث الماء والغذاء والهواء والنفايات النفطية عوامل أساسية تُساعد على انتشار المرض، كما أنّ هناك العادات السلبية المستشرية في المجتمع اليمني، مثل تناول القات، والتدخين، واستخدام التبغ بأنواعه، تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان.

كما أشار إلى أنّ أسلوب حياة الفرد يلعب دورًا في الوقاية أو الإصابة؛ فالعناية بالنظافة الشخصية، والالتزام بعادات حياتية صحية يمكن أن تقلل من المخاطر، كما أنّ السمنة المفرطة تُعدُّ أيضًا من العوامل المؤثرة في ارتفاع احتمالات الإصابة، خاصةً أنها ترتبط بعدد من الأمراض المزمنة، بما فيها السرطان.

كما أوضح أنّ التعرض المتكرر للمواد الكيماوية أو الفيزيائية، سواء المشعة أو غير المشعة، يُعدُّ أحد الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان، وأنّ بعض هذه المواد تُستخدم في البناء أو الهدم، أو الصناعات الأخرى دون توفر وسائل الأمان، ممَّا يُعرض الأفراد لخطر الإصابة بالسرطان عند تكرار تعرضهم لها دون وسائل وقاية كافية.

 وأكد أنّ ارتفاع معدلات التلوث الصناعي والبيئي، بما في ذلك التلوث النفطي، أسهم بشكل مباشر في زيادة معدلات الإصابة بالسرطان؛ إذ يشهد مركز الأورام في المكلا تدفقًا متزايدًا من المرضى نتيجة لهذه التأثيرات على المياه والزراعة.

وأشار السوماني -أيضًا- إلى أنّ بعض المواد الغذائية تلعب دورًا في زيادة مخاطر السرطان، وخاصة الأغذية منتهية الصلاحية أو المخزنة بشكل سيّئ، التي تتعرض للحرارة أو أشعة الشمس، كما أنّ الظروف الاقتصادية الصعبة في اليمن أدّت إلى انتشار مواد غذائية ذات جودة متدنية أو غير صالحة للاستهلاك، ممَّا يشكل تهديدًا لصحة الإنسان؛ إذ قد تُسبب هذه الأغذية السرطان أو أمراضًا خطيرة أخرى، مثل أمراض القلب والفشل الكُلوي. وناشد الجهات المختصة بضرورة التحرك للحد من انتشار هذه السلع الضارة بالصحة العامة.

النفايات الطبية

وأوضح مختص، لم يشأ ذكر اسمه، في هيئة مستشفى ابن سينا بالمكلا، الذي يعدُّ من أكبر المستشفيات في المحافظات الشرقية، أنّ النفايات الطبية ليست من الأسباب المؤدية للإصابة بالسرطان، مستبعدًا ذلك تمامًا، وأكد أنّ التخلص من النفايات الطبية يحصل بانتظام عبر صندوق النظافة والتحسين؛ إذ تُجمع هذه النفايات من المستشفيات ومراكز المدينة كافة، ثم تُحرق في مكب نفايات مخصص بعيدًا عن التجمعات السكانية.

وأضاف: “أنّه حتى اللحظة، لا توجد دراسات أو أدلّة علمية تؤكد أنّ التلوث البيئي أو النفطي أو النفايات الطبية هي السبب الرئيسي للإصابة بالسرطان في اليمن، رغم أنّ هناك تزايدًا ملحوظًا في الإصابات في المناطق القريبة من حقول النفط، ممَّا يجعل من المحتمل أن يكون للتلوث علاقة بالمرض من الناحية النظرية، إلّا أنّ هذا لم يُثبت علميًا بعد”.

وأشار إلى أنّ بعض الحالات قد تتأثر بأخطاء طبية غير مقصودة وسوء التعامل مع المرضى، سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة، ممَّا قد يؤدِّي أحيانًا إلى مضاعفات خطيرة.

انعدام الدراسات (الضليعة أنموذجًا)

في مديرية الضليعة غربي حضرموت، شهد انتشار مرض السرطان زيادة ملحوظة، ويعاني السكان بشكل خاص بسبب اعتمادهم على مصادر مياه غير آمنة، مثل الحفائر التي تتجمع فيها مياه الأمطار، وقد أدّى ذلك إلى نقل السيول للملوثات السامة من مخلفات شركات التنقيب إلى مصادر المياه، وفي منتصف عام 2023م، تم تسجيل أربع حالات إصابة بالسرطان بين شباب وامرأة في غضون عشرين يومًا فقط؛ إذ توفي ثلاثة منهم وتعافت حالة واحدة، كما تزايدت حالات الفشل الكُلوي، وهناك أكثر من 12 حالة أخرى مصابة بالسرطان لا تزال تتلقى العلاج.

ويواجه السكان تحديات كبيرة في الحصول على التشخيص والعلاج؛ إذ تفتقر المنطقة إلى الأجهزة والمختبرات المتقدمة، ومراكز الدراسات والأبحاث اللازمة لفهم أسباب انتشار هذه الأمراض بشكل مفاجئ، كما تشير الأدلة النظرية إلى أنّ المخلفات النفطية المكشوفة، ومع تأثير السيول والتغيرات المناخية، تُسهم في تلوث الأراضي الزراعية، ومصادر المياه، واختلاط السموم بالتربة والهواء، ممَّا يؤدِّي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في المناطق المحيطة بالحقول النفطية، ويعزو السكان انتشار المرض إلى عدم وجود رقابة وإدارة فعّالة للتخلص من المخلفات السامة، ممَّا يشكّل تهديدًا حقيقيًّا على حياة المواطنين في المناطق القريبة من هذه الحقول.

‫شاهد أيضًا‬

(عفاف غالب)؛ قصة ملهمة لرحلة كفاح ضد مرض السرطان

علياء محمد – صوت الأمل يعد مرض السرطان من أكثر الأمراض الصحية تأثيرًا وانتشارًا حول …