‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأدب في اليمن في المهجر… الأدباء اليمنيون يواصلون مسيرة الإبداع

في المهجر… الأدباء اليمنيون يواصلون مسيرة الإبداع

حنان حسينصوت الأمل

في رحلة البحث عن الأمن والأمل في بلاد المهجر، حمل أدباء اليمن أصواتهم إلى آفاق جديدة، وبعيدًا عن وطنهم. وشكل هؤلاء الأدباء ظاهرة أدبية فريدة، إذ مزجوا بين هويتهم اليمنية العريقة وتجاربهم الجديدة في المهجر، مما أثرى المشهد الثقافي العربي.

 في هذا التقرير سعينا إلى استكشاف واقع الأدب اليمني في ظل الصراع اليمني، والأسباب التي دفعت معظم الأدباء للهجرة، ومعرفة أهم الشخصيات وأبرز إنجازاتهم، والغوص في رحلتهم من التحديات إلى المعالجات.

واقع الأدباء اليمنيين يعكس التنوع الثقافي الذي اكتسبوه في بلدان المهجر، كما يصف تجربة الهجرة والاغتراب التي عاشها الكثير منهم؛ فهذا الأدب يحمل في طياته هموم الوطن وحنين المغترب.

ونجد المجال الأدبي خارج اليمن يزخر بتنوعات كبيرة في الموضوعات والأشكال الأدبية؛ إذ يظهر الأدباء تجاربهم الشخصية والاجتماعية هناك، ويستوضحون قضايا الهوية والاغتراب وغيرها، كما يتناولون قضايا الوطن والفن والصراع والسياسة، بل ويعبرون عن آمالهم وطموحاتهم في مستقبل أفضل لليمن.

على أرض الواقع

“يموتون غرباء على أرصفة الخذلان والتنكر، ويعيشون على الكفاف ويمرضون حتى ترفضهم ممرات المستشفيات ويموتون في صمت وحزن”، هكذا لخص الشاعر زين العابدين الضبيبي -أحد الشعراء اليمنيين في بلاد المهجر- بيتًا شعريًا بسيطًا تحدث فيه عن معاناة المبدعين في ظل الظروف التي نراها اليوم.

ويرى الضبيبي أن واقع الأدب يتمثل في كونه مجموعة من التشظيات وانعكاسها على الواقع العام للحياة اليمنية التي أصبحت غير متوفرة في المنابر والمنصات كما هو في وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعد المتنفس المتاح للمبدع اليمني.

ويضيف: “الأدب اليمني يعيش حالة من السكون، ومع ذلك هناك حالات فردية متميزة بالنسبة للأدباء والشعراء، لكن للأسف لا يوجد دعم رسمي يسلط الضوء عليهم”.

وبين أن هناك مجموعة من المراكز في الخارج، كالمركز الثقافي في مصر، تقيم فعاليات ثقافية أدبية تهدف إلى إنعاش المجال الأدبي اليمني في المهجر، لكن ذلك يحدث على فترات متقطعة، وكل هذا بسبب التأثير السلبي للصراع، حتى في الخارج.

سامي الشاطبي، أديب يمني في بلاد المهجر، يتحدث عن واقع الحياة الأدبية في الخارج قائلاً: “الأدب اليمني في الخارج أدب متواضع كمًّا وكيفًا، فالظروف التي يعيشها المهاجرون اليمنيون صعبة، من فقدان للوطن وحياة غير مستقرة وغير ذلك، وهذا له تأثير سلبي على الإنتاج الأدبي، يجعله أقل كمًّا، وأحيانًا أقل جودة، مقارنةً بما كان يمكن أن يكون عليه في ظروف أكثر استقرارًا”.

وفي سياق متصل يقول شكري الحسني، أديب من محافظة الضالع: “الأدب يقتات من الشقاء، ومن ثم فالشتات قد يكون عاملًا مساعدًا على نمو الأدب؛ إذ يعكس تلك الحالة المأساوية من خلال الشعر أو النثر الأدبي”.

أسباب هجرة الأدباء اليمنيين

سعى العديد من الأدباء اليمنيين إلى الهجرة بحثًا عن فرص عمل أفضل، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في اليمن نتيجة استمرار الصراعات والنزاعات، ومن قبل عمد الكثير للسفر إلى الخارج رغبة في اكتساب المهارات والمعارف والاطلاع على الثقافات الأخرى.

يؤكد سامي الشاطبي أن من أبرز الأسباب التي قد تدفع الأدباء للسفر إلى خارج اليمن على مر التاريخ، الرغبة في التعبير بحرية عن الأفكار والآراء؛ إذ يحتاج الأديب إلى الذهاب بعيدًا عن القيود التي قد يفرضها الواقع السياسي والاجتماعي داخل اليمن، وتوفير بيئة أكثر استقرارًا وإمكانيات أفضل للإنتاج الأدبي، ويمكنهم من التركيز على أعمالهم الإبداعية دون مواجهة التحديات التي قد تواجههم في وطنهم.

ومن وجهة نظر شكري الحسني فإن هناك مجموعة من الأسباب التي دفعت اليمنيين إلى الهجرة منذ زمن بعيد، أبرزها الفقر والشقاء والبحث عن سبل للعيش، إضافة إلى الهروب من الصراعات.

 “الفنان مزين، والأديب شبه دوشان”

صفتان شعبيتان متداولتان عن الفنان والأديب في اليمن بغرض الحط من قدرهما؛ إذ تعنيان أصحاب المهن المحتقرة في البلاد. يتحدث زين العابدين الضبيبي عن العوامل التي قد تدفع الأدباء وغيرهم للانتقال إلى بلدان أخرى وتغربهم عن بلادهم، عبر قوله: “هناك عوامل كثيرة، أولها انعدام الاستقرار في جميع نواحي الحياة المادية والسياسية والاجتماعية وغيرها، فالمنافذ التي كان يعتاش منها الأديب أغلقت أمامه، وأغلقت أيضًا مختلف الفرص التطويرية”.

ويضيف: “الفنان مِزَيِّن والأديب شِبْهْ دَوشان، في نظرهم، فقلة الوعي من المحيط وانعدام الإحساس بأهمية ما يقوم به، جعل الأديب يبحث عن بيئة حاضنة له تساعده على الإبداع والإنتاج في بلاد أخرى. وهناك قلة قليلة استطعت الإبداع خارج الحدود اليمنية لإحساسهم بالغربة”.

ويوضح زين العابدين مفصلاً: “الأهل، والوسط المحيط بالأديب، لا يشجعونه ولا يعترفون به إلا بعد أن يذيع صيته وشهرته، أما قبلها فيتعرض للتهميش وعدم الأهمية وهذا يجعله لا يبدع، ويحطمه”.

الأدباء اليمنيون في المهجر

السمات المميزة للأدب اليمني كثيرة ومتنوعة، ومنها التنوع في اللغة ما بين الفصحى والعامية، وبعض اللغات الأجنبية، إضافة إلى التنوع في الأشكال الأدبية كالشعر والقصة والرواية والمقال، والدراسات النقدية، إضافة إلى السمة الأساسية وهي تسليط الضوء على قضايا المجتمع.

سامي الشاطبي يرى أن “هناك أسماء لامعة للأدباء اليمنيين في المهجر، مثل أحمد السقاف وعلي أحمد بأكثير ومحمد عبد الولي، وغيرهم الكثير ممن أسهموا في إثراء الساحة الأدبية العربية؛ إذ ينتجون أعمالًا متنوعة تشمل الشعر والقصة والرواية، عكست تجاربهم كأدباء مهاجرين”.

قد يكون الكثير من الأدباء اليمنيين مسهمين في نشر الثقافة اليمنية في بلدان المهجر عن طريق أعمالهم ومشاركاتهم في العديد من الفعاليات الثقافية والأدبية، وكذلك في سعيهم لتعريف العالم بالحضارة اليمنية العريقة.

يقول سامي: “هناك العديد من الأعمال الأدبية التي أنتجها الأدباء اليمنيون في المهجر، سلطت الضوء على قضايا الهجرة والاغتراب والتحديات التي يواجهها المهاجرون”.

ويضيف الشاطبي: “أعمال محمد عبد الولي هي من سلطت الضوء على المهاجرين؛ إذ تعد أعماله من أبرز الأعمال التي تناولت تجربة المهاجر اليمني؛ إذ قدم رؤى عميقة في هذا الشأن”.

 وعلى المنوال ذاته، يوضح شكري الحسني أنه لا وجود لمهاجر لم يكتب عن هجرته، وقد لا يكون عملًا كاملًا ككتاب، لكن النصوص موجودة وبوفرة.

التحديات

يرى مجموعة من الأدباء اليمنيين أن هناك بعض التحديات قد تواجههم في بلاد المهجر، تتمثل في صعوبة نشر أعمالهم وتوزيعها على نطاق واسع، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن الأم، وكذلك انقطاع التواصل مع القارئ اليمني، مما يؤثر على تداول أعمالهم ووقعها في المجتمع، إضافة الى بعض التحديات اللغوية، خاصة عند الكتابة بلغات أجنبية، وهذا قد يؤثر على جودة أعمالهم.

ومن أبرز تلك التحديات التي تحدث عنها شكري الحسني أن الأديب اليمني في الخارج قد يواجه تحديًا كبيرًا مع فقدان الانتماء، والشعور بالغربة وغياب الأقرباء والأصحاب. ومن وجهة نظر زين العابدين تتمثل التحديات في إحساس الأديب بالغربة وفقدان الدافع وعدم القدرة على الإنتاج بغزارة؛ لأنه يعد ابن بيئته الثقافية، وعادة ما يؤثر ويتأثر بالعوامل المحيطة به.  ويستشهد بنفسه قائلًا: “أنا شخصيًا كنت أكتب في مسكني بصنعاء أكثر من أي مكان آخر، حتى في المحافظات اليمنية، مقارنة بواقع كتاباتي بعد خروجي من اليمن”.

ويضيف: “كذلك عدم وجود منصات تهتم بنشر الأدب، وبعض الأدباء يضعون أنفسهم في معزل عن الاختلاط بالأدباء في المدن التي يذهب إليها؛ وهذا يجعله يشعر بالعزلة الذاتية، وكذلك لا يوجد لديهم قدرة على التفرغ للإنتاج الأدبي لالتزامهم بأعمال أخرى”.

المعالجات

عن الحلول والمقترحات، يتحدث شكري الحسني أنه “يجب القيام بعدة مقترحات منها القيام بكيانات خاصة بالأدباء في بلاد المهجر، تكون بعيدة عن الحزبية والمناطقية، ويتولاها مهنيون من داخل الوسط الأدبي، وتعمل بالتنسيق مع المثقفين في كل بلاد العالم لإشراكهم في الواقع الثقافي اليمني في البلد الذي يعيشون فيه. ومع ذلك، فإن كان صعبًا أن نوجد مؤسسات، فالأصعب أن نجد المهنيين الذين يتقلدون المناصب في تلك المؤسسات بلا تحزب”.

ويضيف: “يمكن توفير الدعم المادي والمعنوي للأدباء اليمنيين في المهجر وقد يعينهم هذا على حل التحديات والمعوقات التي تصادفهم، وذلك من خلال إنشاء صناديق لدعم الإبداع الأدبي. كما يمكن إنشاء منصات إلكترونية لنشر الأدب اليمني وتنظيم معارض وفعاليات تخص المجال الأدبي. ويجب على الجهات المعنية تسهيل التواصل بين الأدباء اليمنيين في الداخل والخارج، إضافة إلى التعاون مع المؤسسات الثقافية في بلدان المهجر لتنظيم فعاليات ثقافية وأدبية يشارك فيها الأدباء اليمنيون. كما يجب تدريس الأدب اليمني في الجامعات العربية والأجنبية للتعريف باليمن وحضاراتها”.

ختامًا، يمثل الأدب اليمني في المهجر إرثًا ثقافيًا غنيًا، يظهر صمود الإنسان اليمني وتمسكه بهويته، بالإضافة إلى أنه يعد ثروة أدبية وثقافية يجب الحفاظ عليها وتطويرها رغم كل الظروف القاهرة التي تمر بها اليمن، أرضًا وإنسانًا، من خلال توفير الدعم اللازم للأدباء اليمنيين، وتذليل الصعوبات التي يواجهونها، والحفاظ على هذا الإرث وتطويره؛ فالهوية والثقافة اليمنية تتنوع ولا تتجزأ في كل مجالاتها.    

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة

أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…