‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأدب في اليمن غياب الدور الرسمي يؤثر على مستقبل الأدب والأدباء في اليمن

غياب الدور الرسمي يؤثر على مستقبل الأدب والأدباء في اليمن

ياسمين عبدالحفيظصوت الأمل

في خضم الصراع الدائر في اليمن الذي ألقى بظلاله على كل جوانب الحياة، ومنها الجانب الثقافي والفني في مختلف مناطق البلاد، كان للأدباء نصيبٌ من هذا التأثير؛ إذ دفع الصراع العديد من الأدباء إلى مغادرة وطنهم، تاركين وراءهم مشهداً ثقافياً يعاني من جراح عميقة، باحثين عن بيئة يجدون فيها فرصًا يحققون فيها طموحاتهم وإبداعاتهم.

في المقابل يوجد العديد من الأدباء الذين أجبرتهم الظروف المادية على البقاء في وطنهم، فتركوا المجال وباتوا منشغلين في البحث عن لقمة العيش بعدما أصبحت ظروف البلاد الاقتصادية صعبة للغاية، وباتت إبداعاتهم لا تشكل أي أولوية لدى المجتمع الذي بات لا يقرأ بقدر اهتمامه بمتطلبات الحياة، إلى جانب تهميشهم كمبدعين من الجهات المعنية وعدم الاهتمام بهم ودعمهم.

ضعف واقع الأدب حاليًا

يوجد الكثير من الكتاب والأدباء اليمنيين الذين أصابهم البؤس والإحباط من الإهمال المتعمد من قبل الجهات المعنية؛ إذ لم يعد لديهم أي أعمال تذكر أو أي دعم يقدم لهم.

وهذا ما أكده الشاعر راجح حبيلي الذي يقول: “تردي الوضع الاقتصادي في البلاد ألقى بظلاله على كل جوانب الحياة، وأثر على وضع الأدب والأدباء في اليمن، وعدم وجود أي نشاط يذكر يعمل على إنعاش الواقع الأدبي في اليمن أدى إلى ضعف واقع الأدب في اليمن بشكل كبير، فلا توجد أنشطة ولا مسابقات ولا تكريم ولا طباعة لمؤلفات”.

ونتيجة الصراع، لم يعد هناك دور يذكر للمؤسسات الرسمية المختصة بتشجيع الأدب، فقد أغلقت أبوابها في وجه المبدعين من شعراء وروائيين وقاصين وغيرهم، كما توقف عمل دور النشر، وأغلقت العديد من المكتبات العامة، حتى إن وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب كانتا قد أقامتا العديد من الفعاليات وطبعتا مئات الكتب، ومع العام 2014 انتهى كل شيء.

هناك العديد من المكتبات تحولت لأماكن للأدوات المدرسية، ومنها مكتبة أبو ذر بصنعاء، ومكتبة 26 سبتمبر في الحديدة، ومكتبة الفكر ومكتبة الإرشاد وغيرها من المكتبات على مستوى البلاد؛ إذ أصبحت لا تحتوي على كتب أو مجلات أو صحف، وعلى الرغم من ذلك لا زالت بعض المكتبات مستمرة في عملها بعرض مجموعة من الكتب رغم قلة زوارها.

وقد تحدث أدباء يمنيون لوسائل إعلام مختلفة أن إنتاجات الأدباء في اليمن تراجعت إلى حد كبير مقارنة بما كانت عليه قبل الصراع، وأن المشهد الثقافي كان مزدهرًا قبل ذلك؛ إذ كانت تنشر العديد من المؤلفات والكتب وتوزع في معارض ومكتبات عدة، وكان المجتمع يهتم بالاطلاع والقراءة، لكن نتيجة للوضع الراهن بات المشهد الثقافي يتراجع بشكل ملحوظ، سواء من ناحية نشاط الأدباء أو مدى اهتمام المواطن بالقراءة وشراء الكتب.

غياب دور المؤسسات الرسمية

نتيجة ضعف دور المؤسسات الرسمية، التي من مهمتها الأساسية الاهتمام بالأدب والمبدعين في اليمن، وعدم تشجيعهم تراجعت إنتاجات الكتاب والأدباء خلال السنوات الماضية؛ الأمر الذي أثَّر بشكل سلبي على الحركة الثقافية والفنية في البلاد، وتغييب حضورهم في الفعاليات والمهرجانات إلا قلة ممن وجدوا بيئة مشجعة لهم في بلدان هاجروا إليها.

يقول الشاعر محمد إسماعيل وهو عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين: “إن غياب الدور الرسمي أثّر على واقع الأدب اليمني؛ إذ توقفت المشاركات الأدبية والفنية الخارجية بشكل كبير إلا في حالات نادرة إذا توفر رعاة مهتمون. كما توقفت استضافة وتنظيم فعاليات فنية وثقافية وسياحية عربية وغيرها في اليمن”.

وأضاف: “لقد تراجع تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية الداخلية بشكل كبير، وذلك بسبب غياب الدعم الرسمي من قبل المؤسسات المعنية، مثل وزارة الثقافة واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين والمسرح والمؤسسات الفنية الرسمية المختلفة، وهذا أدى بدوره إلى ظهور مبادرات مجتمعية محدودة، تقدم تمويلًا خاصًا لهذا المجال الذي يرسم صورة قاتمة عن واقع القطاع الثقافي في ظل الصراع”.

من جهتها تقول القاصة رانيا عبدالكريم الشوكاني: “إن غياب الدور الرسمي في دعم الأدب والثقافة في اليمن بشكل كبير أثر على واقع الأدب من عدة جوانب، منها الدعم المالي وهو الأهم في الوقت الراهن؛ إذ لم تعد تخصص تلك الجهات ميزانيات لدعم الكتاب والمشاريع الأدبية والثقافية، مما أدى إلى محدودية الفرص المتاحة للكتاب، خصوصًا الشباب الذين لا يزالون في خطواتهم الأولى في مشوارهم الأدبي. فالعديد يلقون صعوبة في نشر أعمالهم أو التفرغ لكتاباتهم اللاحقة، فتطمر العديد من المواهب الفذة التي قد تشكل مستقبلًا أدبيًا يمنيًا واعدًا تحت الضائقة المادية”.

وتتابع: “أيضًا تراجع الرعاية الرسمية للفعاليات الأدبية، وعدم توفير قاعات خاصة لها مما يحد من إقامتها في أوقات محددة، وضعف في فرص التواصل بين الكتاب مع بعضهم ومع قرائهم، ما أدى إلى تراجع الواقع الأدبي في اليمن”.

وأضافت: “ومع ذلك، فقد تمكن الكتاب في نادي القصة في صنعاء وذمار من الصمود في وجه الأوضاع التي تمر بها اليمن؛ إذ وفرت قاعات بجهود ذاتية، وحاولت إقامة فعاليات أدبية، وهذا يعد خطوة وبادرة رائعة لالتقاء الأدب وأجياله تحت سقف واحد؛ إذ نأمل في القريب العاجل الالتفات ودعم هذه الجهود التي تعتبر أمل اليمن ومستقبله”.

وتشير إلى أن غياب الدور الرسمي قد أثر أيضًا في انتشار الكتاب اليمني؛ إذ إن الكثير من الكتب تبقى حبيسة الأدراج دون دعم للترويج الداخلي على المحافظات اليمنية ومكتباتها أو على الصعيد العربي والمشاركة في المعارض الدولية.

وترى أن هناك قصورًا كبيرًا في الترجمة ونقل الأدب اليمني المتفرد بثقافته الغنية والمتنوعة إلى القارئ الأجنبي الذي يتوق إلى معرفة خبايا اليمن، وتقول: “هذا يضعف الحركة الثقافية اليمنية رغم أن لدى اليمن الكثير لتقدمه للعالم، ومن ناحية أخرى نجد أن بعض الجهات الخارجية تعمل على ترجمة أعمال يمنية للحفاظ على موروثاتها وتعريفها للمهتمين بها من بلدانهم وتعد خطوة مهمة منهم، ومع ذلك نحن أجدر بها كيمنيين”.

وأكدت أن من أثر غياب الدور الرسمي غياب الضمانات لحرية التعبير، مما يجعل الكثير من الكتاب عرضة للرقابة والقمع، ويقلص من قدرتهم على التعامل مع مواضيع مجتمعية حساسة، وجعل الأدب موجهًا؛ وهذا يفقد الأدب جوهره ويجعل بعض الأصوات مهيمنة في الساحة ويستبعد أصواتًا أخرى.

كما تشير الشوكاني إلى أهمية الالتفات للأدب والأدباء، كونهم الفئة الأكثر تأثيرًا في حاضر اليمن ومستقبله، وأن يظهر الدور الرسمي بشكل أكبر كون الأدب الركيزة الأهم في المجتمعات.

الدور الرسمي قبل الصراع

في هذا الشأن يقول محمد الجرادي (صحفي وشاعر): “إن المؤسسات الرسمية التي مهمتها العناية بأحوال الأدب والأدباء لم تكن تعاني من تخمة الحضور في العقود والمراحل الماضية، حتى نتحدث عن غيابها الآن في ظروف الصراع، ولم تبق شيئًا ولم تذر، والقائمون عليها الآن هم المستفيدون من هذه الظروف؛ فهي توفر لهم تبريرًا لمواصلة التغييب الممارس لأي دور فعال وحقيقي يفترض القيام به من موقع المسؤولية”.

ويضيف: “إذا كان التغييب للدور الرسمي الثقافي تجاه الأدب والأدباء قد مورس بشكل واضح في كل المراحل السابقة، وكانت تبعاته مؤسفة على مستويات مختلفة، فإن العديد من الأدباء الحقيقيين وجدوا أنفسهم غير قادرين على تأمين احتياجات معيشتهم وأسرهم، فانخرطوا في أعمال ومهن أخرى على حساب أحلامهم في الكتابة للأدب وإنجاز مشاريع أدبية تستحقها البلاد والأجيال، بل إن البعض منهم انتهى به الحال إلى التشرد والتعب والقهر النفسي، ومن ثم الموت دون أن ينتبه أحد له”.

ويتابع: “كانت الطفرة في وجود حراك أدبي ثقافي فعال، خلال السبعينيات وإلى مطلع التسعينيات من القرن الماضي، هي محصلة لحماسة أدباء أتيحت لهم فرصة القيام بدور المسؤول في مؤسسات ثقافية كانت لا تزال تتخلق وتشق طريقها التي لم تكتمل -للأسف- كما يجب في مراحل لاحقة وإلى اليوم”.

 ويقول: “عندما نتحدث عن طبيعة الأثر الناتج عن غياب الدور الرسمي للمؤسسات المعنية بالأدب والأدباء، فنحن نتحدث عن مشهد أدبي معطل وموقوف قسريًا، إلا من أشكال مقاومة فردية أبطالها أدباء يواصلون مشروعاتهم خارج أي رعاية أو اهتمام مؤسسي رسمي؛ إذ يمكن ملاحظة هذا في إصدارات أدبية يتواصل إنتاجها وطباعتها ونشرها”.

 ويرى أن الحديث عن غياب الدور الرسمي تجاه الأدب والأدباء، يعني الحديث عن مئات الأدباء الذين تطحنهم الحياة بمعاناة مضاعفة في معيشتهم ومعيشة أسرهم وفي نزوحهم وتشردهم وجوعهم ومرضهم.

جهود مجتمعية

“مؤسسة تام الثقافية” تعد مؤسسة غير ربحية، انطلقت في العام 2019 تحت هاشتاق “#معًا_ضد_التهميش” التي تهدف إلى تقديم الدعم اللازم للمبدعين الذين وجدوا التهميش وعدم الاهتمام في مختلف مناطق اليمن ومنهم الأدباء، وقد تم توسيع نشاطها في العام 2024 لتصبح مؤسسة تهتم بالمجال الأدبي والفني وتعمل على تمكينهما.

وحول أهم أنشطة المؤسسة تقول نجاة شمسان رئيسة المؤسسة: “نستهدف الأدباء والكتاب والفنانين المعروفين بطبع أعمالهم عن طريق مسابقات تشمل كل المحافظات؛ إذ أطلقنا في العام 2024 مسابقة لطباعة دواوين وأطلقناها إليكترونيًا بحيث تصل الإعلانات لكل المحافظات، وفعلاً تقدم 76 شاعرًا بأعمالهم، وفاز 4 شعراء من محافظات مختلفة”.

وتتابع حديثها: “عندما لاحظنا الكم الهائل من المتقدمين قررنا طبع ديوان يضم شعراء من مختلف مناطق اليمن، وقد طبعنا ديوان باسم “انثيالات في محراب تام” ضم عددًا كبيرًا من الشعراء؛ وذلك لتسليط الضوء على أهم إنجازات الشعراء في اليمن رغم الصعوبات، والدفع بهم نحو الإنتاج والإبداع أكثر، ثم أطلقنا مسابقة شاعر الجمهورية في ذات العام، وتقدم عدد كبير من مختلف المحافظات وكانت هذه المسابقة على ثلاث مراحل، وتم عمل تصفيات للوصول إلى خمسة مراكز نهائية”.  

ترجع شمسان السبب الرئيسي لافتتاح “مؤسسة تام الثقافية” احتياج الكثير من الأدباء إلى الاهتمام والرعاية بعدما وجدوا التهميش من المؤسسات الحكومية التي تعد معنية بدرجة رئيسية.

وتشير إلى أنشطة أخرى للمؤسسة تتمثل في مسابقة القصة القصيرة لطلبة المدارس الثانوية، وتم تنفيذ المرحلة الأولى في مدينة تعز لاكتشاف المواهب القصصية الصغيرة، وتسليط الضوء عليهم، وكانت المسابقة على ثلاثة مراحل، وخلال المراحل تم تنفيذ دورة تدريبية لتعريف الطلبة بفن كتابة القصة القصيرة، وكان تحولًا مؤثرًا حول طريقة كتابتهم قبل الدورة التدريبية وبعدها.

وقالت: “نحن في هذه الفترة نسعى إلى تكريم العديد من المواهب الأدبية التي نهدف من خلالها إلى لفت عناية الجهات الرسمية إليهم، ونحن في طور التنسيق لإطلاق مسابقة المسرح للمواهب الناشئة”.

مقابل هذه الإنجازات التي حققتها المؤسسة لا زالت هناك العديد من التحديات التي تواجهها تلخصها شمسان بقولها: “التمويل أكبر العقبات للبرامج، خاصة أن مؤسسة تام تستهدف كل المحافظات، وهذا يحتاج ميزانيات هائلة، وذلك للانتقال إلى المرحلة الثانية من مسابقة القصة القصيرة التي تستهدف طلبة المدارس في كل من محافظات صنعاء، عدن، الحديدة، إب ومأرب”.

ختامًا، إن النهوض بالمشهد الثقافي في اليمن يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف، من الدولة إلى المجتمع المدني إلى المبدعين أنفسهم؛ إذ يجب العمل على توفير بيئة آمنة ومحفزة للإبداع، وتوفير الدعم المالي واللوجستي اللازم للمبدعين والمؤسسات الثقافية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة

أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…