‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأدب في اليمن رحلة الأدب اليمني نحو تشكيل الهوية الثقافية

رحلة الأدب اليمني نحو تشكيل الهوية الثقافية

هبة محمدصوت الأمل

بوابة الأدب اليمني تفتح أمامنا عوالم ساحرة تعكس جمالية الهوية وعمق الثقافة اليمنية، عن طريق صفحات الكتب وأبجديات القصص؛ إذ يتجلى تأثير الأدب في نسج الهوية الثقافية والإنسانية لهذا البلد العريق.

هل تساءلت يومًا كيف يمكن لكلماتٍ مكتوبة أن ترسم صورة حية لشعبٍ بألوانه وتاريخه؟ هل تفكرت في كيفية تأثير الروايات والقصائد على واقع الإنسان اليمني ومجتمعه؟

في هذا السياق، تتجلى أهمية الأدب في تشكيل الهوية الثقافية في اليمن؛ إذ يتجسد التراث الثقافي والقصص التاريخية والروايات كعناصر أساسية ترسخ الانتماء وتعزز الوعي الثقافي، هذه الرحلة الأدبية ليست مجرد كتب وأدباء، بل هي تجربة تعيد صياغة الذاكرة، وتعزز الهوية الجماعية للمجتمع.

الأدب اليمني، نافذة على الهوية والتراث

في لوحات الأدب اليمني، نجد نافذة مشرقة تتأمل في عمق الهوية وجمال التراث، إذ يتلاقى الماضي والحاضر في روحٍ واحدة، وتنسجم فيها الكلمات كأوتار موسيقية تعزف سيمفونية الثقافة اليمنية بكل جمالها ورونقها، مترجمة بدقة وإبداع يكشفان عن جوانب لا تُنسى من تاريخ يعكس تراثًا غنيًا وهوية فريدة تزخر بالأصالة والعمق.

 يقول أستاذ النقد الحديث المشارك في جامعة عدن، الدكتور محمد مسعد: “الأدب جزء من الفن ولون من ألوانه، والفن متعدد فهو غناء ورقص وموسيقى وفلكلور شعبي وأدب بكل أجناسه، وهذا هو ما يشكل الهوية الثقافية لكل شعب من شعوب الدنيا، ونحن نشترك مع شعوب الجزيرة والعالم العربي ثم العالم الإنساني بالكثير، لكننا نمثل شكلًا مختلفًا لثقافتنا اليمنية الضاربة في أعماق التاريخ، تستمد خصوصيتها من مرجعياته الثقافية الأصيلة”.

ويكمل: “لهذا فإنّ لنا بصمتنا التي لا شبيه لها، والأدب لون من ألوان الفن، والفن شكل من أشكال الوعي الاجتماعي، وبهذا المعنى فإنّ الأدب يمثل وسيلة مهمة لفهم العالم الذي نعيشه، ويقوم بإعادة تشكيل العالم في متخيله فيخلق العالم خلقًا جديدًا، وهو بذلك يقوم بتغيير الوعي فيجعل المتلقي يعي العالم بطريقة جديدة لم تكن في متصوره من قبل، إنّه يُعيد خلق العالم ويُغير الوعي؛ لإدراكه بطريقة جديدة”.

وأوضح في سياق حديثه أنّ الهوية اليمنية هوية يدخل في تكوينها الانتماء لليمن كجغرافيا وتاريخ وقيم، ونحن جزء من العروبة والإسلام؛ فقيمهما جزء أساس من مكونات الهوية، ولكن لا شك أننا نتمتع بخصوصية وبصمة خاصة اسمها اليمن مع وجود التنوع في الجغرافيا اليمنية الذي يعدُّ من أهم الظواهر الصحية في تكوين الهوية أو بمعنى أدق الخصوصية اليمنية.

ويؤكد أنّ التنوع الجغرافي لليمن أظهر اختلافًا في المنجز العقلي الثقافي، فأدب تهامة يختلف عن أدب صنعاء وأدب حضرموت وأدب عدن، لكن هذا الأدب يشترك ليكون الخصوصية اليمنية رغم اختلافاته عن المنجز الأدبي العربي، ولكن معًا نشكل هوية الأدب العربي المنتمي إلى لغة واحدة وجغرافيا واحدة رغم تنوعها.

  ومن جانبه يقول أستاذ الأدب والنقد الحديث الدكتور إبراهيم أبو طالب: “لا شكَّ أنّ اللغة هي من أبرز معززات الهوية بين أفراد المجتمع، وهي واحدة من الوسائل المهمة في ذلك، ومن أرقى مهمات اللغة بعد التواصل يأتي الأدب بوصفه الممثل للثقافة والإبداع، والمجسد لأرقى ما لدى الإنسان من المشاعر والتعبير عنها”.

وأكد أنّ الأدب في كل عصر، وفي كل مكان هو الأجدر على تمتين الروابط الثقافية والمجتمعية بين الناس، وإلا لما وجدنا من يهتم بالشعر والأدب عبر العصور، ويكون الأديب والشاعر هو المعبر عن أفكار المجتمع وأفراده وتطلعاتهم وعواطفهم، يصوغ ذلك في شكل هو في الأصل قالبٌ لهوية ثقافية توارثتها الأجيال، واستطاعت الحفاظ عليها وتعزيزها في وجدانها جيلًا بعد جيل.

وكيف يسهم الأدب في تعزيز الانتماء والهوية الثقافية للأفراد، يقول أبو طالب: “لا شكَّ أنّ أثر الأدب كبير، وهو واحد من أساليب التنوع الثقافي اليمني، وليس أدلَّ على ذلك من انتشار أبيات الحكمة لحكيمي اليمن الزراعيين: علي بن زايد، والحميد بن منصور عبر الزمان منذ أن كانا في الوجدان الشَّعبي علامة وحضورًا وتمثلًا واستشهادًا وسيرورة، وأقوالهما سواء في الخبرة الزراعية أو في الأعراف الاجتماعية حاضرة وطاغية، وخاصة في الأرياف والمجتمع الزراعي”.

ويواصل: “وأغلب اليمن مجتمع زراعي ريفي، ومن ثمَّ يأتي الأدب شعرًا ونثرًا في تمثّلات الناس وحياتهم واستشهادهم الدائم بأقوال الشعراء، وفي نقل خبراتهم وأقوالهم كنصوص محفوظة تعيش في وجدانهم، وفي العصر الحديث لا أحد ممّن أخذ حظًا ونصيبًا -قليلًا أو كثيرًا- من التعليم، لا يحفظ من شعر أدباء اليمن المعاصرين ابتداءً من الزبيري والبردوني والمقالح، مرورًا بالأجيال الشَّابة اللاحقة لهم، وكل ذلك انعكاس لتعزيز الانتماء والثقافة بين الأفراد”. 

ويؤكد السابق أيضًا يحيى حزام؛ وهو شاعر (فصيح وشعبي) وكاتب قصصي وناقد للنصوص الأدبية بقوله: “لا شك أنّ للأدبِ اليمني دورًا مهمًّا في تعزيز الهوية الثقافية اليمنية وخاصة الشعر، ويتفرد الشعر الشعبي بتلك الأولوية لما للشعر الشعبي من حضورٍ وسلطانٍ قوي وانتشارٍ واسعٍ بين أنماط المجتمع اليمني، في المناسبات الاجتماعية والدينية كافة”.

ويتابع: “ولا ننسى الشعر اليمني الفصيح الذي يلعب دورًا بارزًا في تعزيز الهوية الثقافية العربية، التي تستمد إلهامها من الثقافة الإسلامية الغنية، ويعدُّ هذا الشعر تراثًا أدبيًّا يحمل في ثناياه قيمًا عظيمة ومعاني عميقة، مستلهمًا إبداعه من التراث الإسلامي، فهو يعكس تراثًا غنيًّا ومتجذرًا في الفكر والعقيدة، ممّا يجعله عنصرًا أساسيًّا في بناء الهوية الثقافية العربية وتعزيزها”.

 يعكس الأدب اليمني تنوع الثقافة اليمنية، هذا ما أشار إليه حزام بقوله: “تتنوعُ الثقافةُ اليمنيةُ بتنوع الموقع الجغرافي، والمنبت الثقافي، واختلاف اللهجات اليمنية، ولكنها تصب في قالب واحد (الثقافة اليمنية)”.

ويواصل: “ونجد ذلك التنوع في العديد من مظاهر الحياة، ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر تنوع الفن الغنائي اليمني؛ فهناك (فن الغناء الصنعاني، والدان الحضرمي، واللون التهامي، والإيقاع الجوفي). فنجد أنّها تفوح بعبق الثقافة اليمنية رغم تمايزها، وما ذلك إلا تأكيدٌ وتجسيدٌ على ثراء الثقافة اليمنية، ونجد أنّ الأدب اليمني يعكس روح التنوع الثقافي”.

 سحر الأدب في تشكيل الوجدان

“الأدب يعيد تشكيل الواقع لا كما هو، ولكن كما ينبغي له، فهو بذلك يعيد تشكيل الوعي والقيم الوجدانية والأخلاقية، وتلك وظيفته الأولى التي خُلق من أجلها؛ إذ ذُكر في الحديث “أنّ من البيان لسحرًا”؛ السحر هنا يعني إحداث التغيير في مستوى الوعي، وإدراك الأشياء بطريقة جديدة، وأنّ أثر الأدب وجداني، والوجدان أهم من العقل في إدراك حقائق العالم وخفائه الذي لا يمكن إدراكها بمنطق صارم” حسب الدكتور محمد مسعد.

 وأضاف: “أنّ الأدب يعزز التواصل الوجداني، وهو أكثر قدرة على التأثير؛ لأنه يشتغل على المشترك القيمي بين الناس، وتلك المهمة التي يقوم بها تعد جزءًا من وظيفته التي تأتي من ماهيته، فالأدب فن قولي وسيلته اللغة، ولكن لغة الأدب مختلفة، فتواصله مختلف؛ لأنّ لغته تثير الوجدان أكثر ممّا تقدم حقائق”.

من جهته أيضًا أشار أبو طالب إلى أنّ الأدب حاضر في وجدان الإنسان اليمني، سواء كان ذلك الأدب فصيحًا رسميًّا، أو محكيًّا شعبيًّا، وكل منهما لا ينفصل عن الآخر -من وجهة نظري على الأقل- بل هما يكمّلان بعضهما، ويعبران عن طبقات المجتمع المتعددة من حيث الحظ في التعليم، وليس الحظ في الثقافة؛ لأن الثقافة أمرٌ أعمُّ وأكبر، فقد تجد أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، لكنه على قدر كبير من الثقافة الشفوية والمعارف والعادات الاجتماعية التي تحوّلت لديه إلى ممارسة يومية وحياتية، وبالتالي فاليمني بطبعه كائن حضاري مثقف ومتحدث لبق، وصاحب تجربة وخبرة موروثة في الحياة، تشكِّل له حصنًا أصيلًا، وموجِّهًا عرفيًّا وثقافيًّا مهمًّا.

الأدب وتحقيق التواصل الثقافي

يقول الدكتور أبو طالب: “بالتأكيد، للأدب دور كبير في التواصل الثقافي، فهو قلب ذلك التواصل وشريانه الذي يجمع الناس، ويؤلف بينهم، وليس أدلَّ على ذلك -مثلًا- من فن الغناء اليمني وفن الإنشاد الديني، فهما من أبرز فنون الأدب التي يُجمع عليها اليمنيون، ويلتفون حولها بكلِّ حب واعتزاز؛ لأنّها تعيش معهم في وجدانهم ومناسباتهم وحياتهم، وفي أفراحهم المختلفة والمتعددة”.

وأشار إلى أنّ فنون الأدب تحتوي على قدر كبير من الروابط الاجتماعية الجامعة بين الناس، وفي كل المحافظات والمديريات؛ لذا نلاحظ ما يفعله ذلك الفنُّ من أثر، وما يحمله من معانٍ كبيرة وجميلة، هي في مجملها تحقق التواصل الوجداني والإنساني لليمني، بل وقد خرجت إلى العالم العربي عن طريق الوسائل التواصلية الحديثة، ولهذا فالفنَّ الجيد والعريق يدلُّ على مُنْتِج جيد وفنان عريق.

من جانبه أشار يحيى حزام بالقول: “إن لم يكن للأدب دورٌ في تحقيق التواصل الاجتماعي والتفاهم بين مختلف فئات المجتمع اليمني، فليس بأدب يقتدى به، فكم من القضايا الشائكة، سواء بين الأفراد أو بين القبائل اليمنية، كان حلها عن طريق زامل شعبي، أو في قصيدة محفلية ألقيت في اجتماعهم”.

 وأكد أيضًا أنّ الأدب اليمني مرتبط بالمجتمع سواء في الأفراح أو في المنتديات أو في اللقاءات، أو في جميع المناسبات، ولكل مناسبة لون ثقافي تتفرد بها حسب كل منطقة يمنية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة

أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…