تأثير الصراع وتداعياته على واقع الأدب في اليمن
أحمد باجعيم – صوت الأمل
في ظل الأحداث الدراماتيكية التي تمر بها اليمن في الوقت الراهن، أصبح تأثير الصراع المسلح على الأدب والكتابة لا يقل تأثيراً عن بقية المجالات التي تأثرت بشكل سلبي في البلاد؛ إذ شهد الأدب اليمني، كغيره من مكونات النسيج الاجتماعي والثقافي، آثاراً عميقة نتيجة الصراع الدائر، فقد تحول القلم من مجرد أداة للكتابة والتعبير إلى سلاح لمواجهة الظلم والعنف ومعاناة الشعب اليمني، وإلى منصة للتعبير عن الانتهاكات التي ترتكب بحق المدنيين.
إن الكتابة الأدبية تعد مرآة تعكس الواقع بصورة مؤثرة للمجتمع، وتنقل المعاناة بأسلوب خاص وجذاب، وهو يضع حلولًا للخروج من نفق الأزمة التي ألقت بظلالها على الوطن ومستقبله. وتناقش المؤلفات الأدبية، كالقصص أو الروايات، حجم التحديات والأزمات التي تواجهها البلاد؛ فهذه الأزمة التي تعاني من اليمن فرضت قيودًا وتحديات على المبدعين، ساعدت في ظهور أعمال أدبية قوية تعبر عن الألم والأمل والتحدي.
في هذا التقرير، نستعرض مع كتاب ونقاد أدبيين كيف أثرت الظروف الراهنة في تشكيل المشهد الأدبي في اليمن، وأسهمت في تطوير الأساليب الأدبية والموضوعات التي يطرحها الأدب اليمني على المستوى المحلي والعربي وأيضًا العالمي، مع التعرف على أبرز الأعمال الأدبية التي نشأت في خضم الصراع، وتفاصيل تأثير هذا الواقع القاسي على الإبداع الأدبي في البلاد.
تأثير النزاع على الإبداع
بدأ الكاتب والمؤلف الأدبي سالم بن سليم تصريحه بالمقولة الشهيرة “المعاناة تصنع الإبداع، والإبداع يخرج من رحم المعاناة”، ويضيف: “قد أتفق ولو جزئيًا مع هذه العبارة. فصحيح أن الصراعات والأزمات قد تؤدي إلى تراجع الإنتاج الأدبي بسبب انشغال الكاتب بقضايا البقاء وتوفير الاحتياجات الأساسية، أو بسبب الرقابة والتضييق على الحريات. لكنها في الوقت نفسه قد تكون هي المحفز الأساسي على الإبداع؛ إذ يندفع الكاتب إلى البحث عن طرق جديدة للتعبير عن نفسه ومجتمعه”.
وأوضح أن الأدب يحتاج إلى حواضن إبداعية، ورعاية وبرامج وخطط ثقافية تطويرية، تسهم في ازدهار المشهد الأدبي في اليمن، وذلك من قبل الجهات المعنية التي لا تزال غائبة بسبب تداعيات الصراع؛ الأمر الذي نتج عنه أعمال ومؤلفات أدبية متنوعة تناولت آثار الصراع على الكُتاب والمجتمع بشكل عام.
وتابع بن سليم: “إن الأدب يرصد ويوثق، وينتقد كل ما حدث ويحدث خلال أزمنة الصراعات وتداعياتها على المجتمع، وذلك عبر ما يتناوله الأدباء في كتاباتهم ومؤلفاتهم بشكل أو بآخر، مع اختلاف الطريقة في القول بينهم؛ إذ إن بعض الكتاب قد جذبتهم أفكار وتوجهات طرف ما من أطراف النزاع، وفي هذه الحالة نلحظ أن طريقة التوثيق والرصد والزاوية التي ينظر منها الكاتب إلى بعض الأمور قد تختلف عن آخر؛ ولهذا لا أعتقد أن من السهل تحديد أو تصنيف كيفية تناول الأدباء لواقعهم”.
مبينًا أن أطراف النزاع أثرت في آراء الكُتاب وأفكارهم بشكل كبير، مما أفقد الكثير من المؤلفات الاستقلالية والموضوعية والحيادية، وحتى الإبداعية، ومع ذلك هناك مؤلفات أدبية ما زالت تحرص على طرح معاناة البلاد بكل موضوعية رغم محاولة تأثير أطراف النزاع على أفكار ومعتقدات الكثير من أبناء المجتمع اليمني.
نماذج أدبية في زمن الصراع
برزت أعمال أدبية مؤثرة خلال سنوات الصراع كان لها تأثير واسع على المستوى المحلي والخارجي، فمن تلك الأعمال والنماذج الأدبية التي تناولت الصراع كتاب “الصراع في النقد الأدبي الحديث في اليمن، أبعاده وآلياته” للأكاديمي اليمني الدكتور يحيى أحمد الأحمدي، الذي يسلط الضوء على الصراعات التي شهدها النقد الأدبي في اليمن وتركت أثراً بارزاً في المنهجية النقدية والإبداع الأدبي. يقدم الكتاب تحليلاً دقيقاً للصراعات التي دارت حول مختلف القضايا، مثل الانتحال والخصوصية المحلية، والعلاقة بين القديم والجديد.
من جانبه يُقدم الروائي اليمني أحمد زين في روايته الجديدة “رماية ليلية” صورة حية عن معاناة اليمني في زمن الصراع والمنفى؛ إذ تسلط الرواية الضوءَ على المعاناة اليومية التي يعيشها اليمنيون بسبب الصراع الدائر في بلادهم، وذلك من خلال استكشاف التحديات والصعوبات التي يواجهونها.
“رواية الحرب في اليمن: دراسة نقدية في أدب الحرب وسرديات الصراع”، الكتاب الذي صدر في القاهرة، هو كتاب جديد للشاعر والناقد الدكتور عبده منصور المحمودي تناول فيه أدب الصراع وروايته وخصائصه في الرواية الغربية والعربية، وسياقات الصراع في التجارب الروائية في اليمن، والسياقات السردية المتعاطية مع الصراع، في عددٍ من الروايات اليمنية؛ إذ شملت تلك السياقات عددًا من الروائيين والكُتّاب.
واقع الأدباء اليمنيين
أشار الكاتب الأدبي أحمد جعفر الحبشي إلى أن الكاتب والأديب اليمني يعاني جملة من التأثيرات التي تمخضت عن الصراع السياسي والعسكري والاجتماعي في اليمن، شملت هذه التأثيرات عدة جوانب أهمها التأثير الاقتصادي، الذي نتج عنه فقدان عدد من الأدباء لأعمالهم، أو انخفاض مستوى الدخل لأسرهم، وهو ما حدا بعدد كبير منهم إلى البحث عن مصادر رزق كأولوية ملحة والانشغال بهذا السعي عن الأدب والكتابة. وكذلك الضغط النفسي وانعكاسه على الإنتاجية الأدبية ونوعية الأعمال والمؤلفات، وهو ما يتضح من خلال الثيمات المتناولة، كالعدالة والحرية والمعاناة والموت، كوسيلة للتعبير عن الألم والاحتجاج.
قال بن سليم: “لا نرى أن هناك تطورًا أو ازدهارًا قد يحدث لواقع الأدب في ظل هذه الظروف التي نعيشها في اليمن، وأن الواقع السيئ الذي يعيشه الأديب في حياته اليومية يعد الأسوأ مقارنة ببقية الأشخاص من حوله؛ فالواقع المعاش المرير يجذبه بعيدًا عن التفكير والإبداع في خلق نوع أدبي مميز وخاص به، وإن حصل عكس هذا من بعض الأدباء فيعد حالة خاصة أُعطيت له مساحة من التفكير والإبداع وتمكن من إنتاج شيء مختلف”.
وأردف قائلًا: “في المقابل هناك اجتهاد من قبل بعض الأدباء والكُتاب ومبادرات مجتمعية جميلة تستحق التقدير والدعم؛ إذ تحاول على الأقل مواجهة تداعيات الصراع من أجل استمرارية العمل الأدبي، ومساندة الأدباء وتحفيزهم لكي يستمروا في دورهم الكبير والمهم المتمثل في بناء الأفكار وإصلاحها، وتوعية المجتمع وتنبيهه لما يحدث من حوله، عبر نقد السلوكيات الخاطئة التي تنتشر في أوساطه”.
وأكد الحبشي أن عددًا من الأدباء يتعرضون لمضايقات قد تؤدي إلى الاعتقال نتيجة مواقفهم الناقدة للوضع العام في البلد، مما يحد من حرية التعبير والبوح بما يشغل الأديب؛ وهو ما يستدعي فكرة الهجرة والخلاص من الواقع، والبحث عن مواطِن أمان ومساحات واسعة للحرية؛ إذ إن هذه البيئة التي صنعها الصراع تعد صعبة على الأدباء والكتاب، وعلى سكان اليمن قاطبة كذلك، فالأدب اليمني الذي له تاريخ كبير يحتاج إلى مساحة واسعة للشعور بالأمان والاستقرار للإبداع.
استعراض تقارير
تشير تقارير عربية ودولية إلى أن للصراع الدائر في البلاد منذ ما يقارب عشر سنوات أثرًا على كل مفاصل الحياة في اليمن؛ إذ لم يترك مجالًا إلا وتسبب له بأضرار بالغة، وللأدب نصيب من ذلك. ومن تلك الأضرار تراجع حركة التأليف والنشر على المستوى المحلي، وإلغاء العديد من المهرجانات والفعاليات الأدبية نتيجة شحة الموارد المالية، وانهيار الحالة الأمنية. وعلاوة على ذلك، توقفت أو ضعفت مرتبات الأدباء في ظل انهيار العملة المحلية، وتضييق المساحة على آراء الأدباء والكتاب من قبل الأطراف المتناحرة. وكل ذلك أحدث تأثيرًا بالغاً على واقع الأدب مع استمرار الصراع، حسبما أشار موقع “ألترا صوت”.
وأضاف تقرير نُشر في 2019م بعنوان “الأدب في اليمن.. الروح الصلبة في وجه الخراب” إلى أن الأدب في اليمن يفتقد للعمل المؤسسي والرسمي مع استمرار الصراع؛ إذ غاب العمل المؤسسي في الإنتاج الأدبي وبقي بطريقة فردية. كما أن هناك حركة ضئيلة من بعض الكتاب ممن استطاعوا إخراج مؤلفاتهم رغم الظروف المأساوية المحيطة بهم، وترى إنتاجاتهم النور نتيجة حرصهم واهتمامهم البالغ لتوصيل رسالتهم للمجتمع.
وأكد التقرير أن ظروف الأدباء اليمنيين لم تكن جيدة قبل نشوب الصراع؛ فمن الطبيعي أن تكون ظروفهم في ظل النزاع والتهجير وعدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي أكثر صعوبةً وتعقيدًا؛ إذ لجأ الكثير من الأدباء إلى العزلة بعيدا عن الصراع وتأثير الأطراف المعنية، والبعض الآخر تمكن من السفر للخارج والعيش هناك.
على الرغم من المعوقات الناتجة عن النزاع، يبقى الأمل في أن يسهم الأدب في تسليط الضوء على معاناة اليمنيين ويحفز الجهود نحو تحقيق السلام والاستقرار؛ ولذا فإن متابعة التطورات الأدبية في اليمن لا تعكس تأثير الصراع وحسب، بل وتبرز الطموحات الكبيرة التي تسعى إلى تحقيقها، مما يجعل من الأدب أداة حيوية في رسم ملامح مستقبل ينتظره اليمنيون.
الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة
أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…