تأثير الأدوات الرقمية على المشهد الأدبي في اليمن.. بين الواقع والطموح
أحمد باجعيم – صوت الأمل
في اليمن حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، بدأ الأدب الرقمي يشق طريقه ليُسهم في توسيع أفق الإبداع الأدبي؛ إذ أتاح هذا المجال الجديد للأدباء اليمنيين فرصة لاكتشاف طرق جديدة للتعبير عن إبداعاتهم، ومشاركة أعمالهم مع جمهور أوسع من أي وقت مضى، من الروايات الإلكترونية إلى القصص التفاعلية وغيرها، وفتحت هذه الوسائط الرقمية أفقاً جديداً للتجربة الأدبية بالنسبة للكتاب والأدباء، وعززت من قدرتهم على الابتكار والإبداع.
بدءًا من الحروف المنقوشة على الحجر ووصولاً إلى الشاشات المتوهجة، شهد الأدب تحولات جذرية بفضل التطور التكنولوجي المتسارع؛ فالتكنولوجيا لم تعد مجرد أداة لنشر الأفكار، بل صارت جزءًا لا يتجزأ من عملية الإبداع الأدبي نفسها، فقد نشأ نوع جديد من الأدب يُدعى “قصص الخيال العلمي” التي تدمج فنَّ القصة مع التطورات العلمية والتقنية لتتجاوز حدود الزمان والمكان. كما ظهر مفهوم “الرواية التفاعلية”؛ إذ تُنشر الأعمال الأدبية على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت ويكون التنقل بين أجزائها عبر الروابط التشعبية، وفيها خاصية المشاركة والتعليق، وهذا نمط أدبي جديد لم يكُن موجوداً سابقاً.
في هذا التقرير، سنسلط الضوء على دور الوسائل الرقمية في تشكيل المشهد الأدبي في اليمن، ونتناول التحديات والفرص التي يواجهها الأدباء في هذا السياق، بالإضافة إلى ذكر أبرز المؤلفات الأدبية الرقمية التي ألفها الكتاب اليمنيون، وقدرتهم على دمج التراث الأدبي مع تقنيات العصر الرقمي.
الأدب الرقمي
في دراسة تحليلية للمؤتمر الدولي لطلبة الدراسات العليا لقسم اللغة العربية بجامعة مالانج الحكومية بإندونيسيا لعام 2023م، أشارت إلى أن “الأدب الرقمي أصبح يتميز بالاعتماد على الوسائط الرقمية، كالإنترنت والبرمجيات الخاصة بالنصوص الإلكترونية والوسائط المتعددة. كما أن أشكال الأدب الرقمي تتنوع بين قصص متحركة، وشعر رقمي، وألعاب أدبية، ونصوص إلكترونية تفاعلية وغيرها، وأن العصر الرقمي هو مستقبل اللغة العربية وسيسهم في تطويرها”.
وذكرت الدراسة التحليلية أن الأدب الرقمي يواجه العديد من التحديات، أهمها التغييرات التكنولوجية، خاصة فيما يتعلق باللغة واستخداماتها الهيكلية والتقليدية، التي تتطلب من الجهات المعنية العمل على تطوير استخدام اللغة العربية في مجالات الابتكار وصناعة المحتوى الأدبي الرقمي والبحث العلمي، حتى تتمكن اللغة العربية من مواكبة العصر الرقمي، وكذا العمل على استثمار الفرص المتاحة لتعزيز استخدام اللغة في الأدب الرقمي.
كما ذكرت تقارير أدبية حول علاقة التكنولوجيا بالأدب أن أبرز التحديات التي تواجه الأدب في مجال التطور الرقمي ظهور بعض المتسلقين للأدب على واجهة المواقع الأدبية، الذين لم يضيفوا إلى المحتوى الأدبي أي تطوير أو تميِّز؛ بل كانت أعمالهم ضعيفة ولا ترتقي بذائقة القراء، ومع ذلك استطاعوا بناء قاعدة جماهيرية وشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي يثير القلق بمستقبل الأدب.
واقع الأدب اليمني
ترى الكاتبة الأدبية الدكتورة سعاد سوَّاد أن هناك إقبالًا جماهيريًّا على هذا النوع من الأدب، خصوصًا مع قلة توفر الكتب الورقية عامة وقلة جاذبيتها بالنسبة للجمهور، الذي لجأ إلى استخدام تطبيقات الأدب الرقمي لتحميل الأعمال الأدبية وقراءتها بكل سهولة، وكذلك ظهور المنصات المختلفة التي تعنى بالشأن الأدبي وتحتوي على كتب مقروءة ومسموعة، مثل منصة “اليوتيوب” و”البودكاست” وغيرها، مما جعل الأدب متوفرًا في كل بيت ولكل راغب، وهذا يعد أبرز الاختلاف بينه وبين الأدب التقليدي الورقي الذي أصبح محصورًا على أشخاص الذين يملكون المال أو من تتوفر لديهم المكتبات المختلفة والرغبة في قراءة الكتب.
من جانبها قالت الكاتبة الأدبية فاطمة رموضة: “يشهد الأدب الرقمي في اليمن، في الزمن المعاصر، تحولات وتطورات جذرية؛ فقد توفّرت منصات رقمية متعددة لعرض الأعمال الأدبية، وتفاعل القراء معها بطرق مبتكرة، مثل: النصوص التفاعلية على مواقع التواصل والمنصات، والقصص الرقمية المتحركة؛ الأمر الذي أسهم في فتح آفاقٍ جديدة للإبداع الأدبي، بالإضافة إلى سهولة النشر والتوزيع والوصول للجمهور حول العالم”.
وأضافت: “ويحتوي الأدب الرقمي على ميزة التفاعل المباشر بين الكاتب والقراء عبر التعليقات، والمشاركات، والنقاشات؛ مما يذيب الحواجز ويخلق مجتمعًا أدبيًا أكثر تفاعلاً. علاوة على ذلك، يمكن للقرّاء الوصول إلى مجموعة واسعة من الأعمال الأدبية من جميع أنحاء العالم؛ مما يثري تجربتهم القرائية، ويعزز من توسع شبكة القرّاء”.
تطوير الأدب الرقمي
الكاتبة فاطمة رموضة تشير إلى أن أبرز التطورات في الأدب الرقمي تكمن في ظهور أشكال أدبية جديدة وتفاعلية، تسهم في التشجيع على التجربة والابتكار، وسهولة النشر والتوزيع وظهور منصات للنشر الذاتي، مثل أمازون وكيندل، بالإضافة إلى المكتبات الرقمية؛ مما يقلل من اعتماد الكاتب على دور النشر والمكتبات التقليدية، وهذا خفف أعباء كبيرة على الكتاب وسهل من مهام النشر والتوزيع.
وأردفت قائلة: “إن تحول الأدب التقليدي إلى رقمي أسهم في خلق تواصل مباشر بين الجمهور، والكاتب من خلال ردود الأفعال المباشرة بين الكاتب وجمهوره في مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، التي ساعدت في تحديد عيوب الكتاب ومميزاتهم، والنقد الأدبي البناء”.
ومن إيجابيات التطوير الرقمي للأدب أنها حولت أجزاء منه إلى مستوعبات أدبية، ونقصد هنا المكتبات الرقمية التي تضم آلاف الكتب؛ إذ وفرت للقراء العديد من الكتب التي يرغبون في الحصول عليها على مستوى العالم. كما وفَّر وجود التكنولوجيا على الكتَّاب مبالغ مالية باهظة كان من المفترض دفعها إلى دور النشر، وأتاحت ميزة الحفاظ على تاريخ الأدباء والكتاب القدماء وأعمالهم عبر الاحتفاظ بالمقابلات التلفزيونية المسجَّلة والأعمال التي قدموها وقرأوها بأصواتهم، وهذا يتيح للأجيال الجديدة التعرف على أعمال هؤلاء الأدباء وآرائهم.
تحديات التطور الرقمي
توضح الدكتورة سوَّاد أن في أي مجال لا بد من مواجهة تحديات وصعوبات وجب العمل على تخطيها وتجاوزها؛ إذ إن أهم التحديات التي تواجه الأدباء مع تسارع التطور الرقمي يعرض العمل الأدبي المنشور في المنصات والمواقع الرقمية إلى السرقة بشكل سريع، إن حظي العمل بجمهور كبير؛ لهذا يجب على الكاتب الحرص عند نشر أعماله على المنصات وتوثيقها عند نشرها كاملة. أيضًا، وفرة الأعمال على الواقع تولد منافسة كبيرة بين كل الكتاب؛ الأمر الذي يحتاج من الكاتب الإلمام بالعملية التسويقية لأعماله وألا يكتفي بتولي دور النشر لذلك.
كما تشير رموضة إلى أن الأدب الرقمي يواجه تحديات تتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية، والانتهاكات الأخلاقية؛ إذ تواجه الأعمال الأدبية الرقمية تحديات تتعلق بسرقة المحتوى وانتهاك حقوق النشر، وعدم وجود معايير للجودة الأدبية بمعنى سهولة النشر التي أتاحتها التكنولوجيا يصعب تمييز الأعمال الأدبية الجيدة عن السيئة، وكذا التأثير المباشر للتكنولوجيا على تجربة القراءة التقليدية.
وأضافت: “أبرز الاختلافات بين الأدب الرقمي والورقي هو الاختلاف في طريقة العرض، فالأدب الورقي يوفر تجربة قراءة ملموسة، أما الأدب الرقمي يعتمد على الشاشات الإلكترونية، مما يوفر مرونة أكبر في القراءة، وهذا فإن الأدب الورقي يعد تجربة قراءة ثابتة؛ إذ يتبع القارئ تسلسلًا ثابتًا للنص، أمّا الأدب الرقمي فيسمح بتفاعل أكبر بين القارئ والنص، مثل الروايات التفاعلية التي تسمح للقارئ باختيار مسار القصة، والروابط التشعبية التي تنقله إلى أجزاء مختلفة من النص. كما يعد الأدب الرقمي صديق للبيئة لأنه لا يتطلب إنتاج ورق، بخلاف الأدب الورقي”.
وتتابع: “من الفوارق أيضًا التوزيع والنشر؛ إذ إن الأدب الورقي يعتمد على دور النشر التقليدية لتوزيع الكتب مما يجعل عملية النشر أكثر تكلفة وتعقيدًا وأطول زمنيًا، أما الأدب الرقمي فيسهل عملية النشر والتوزيع. ويمكن للمؤلفين نشر أعمالهم بشكل فردي مستقل عبر الإنترنت وتوزيعها عالميًا بسهولة وسرعة، وكذلك طريقة الحفظ والبحث، فالأدب الورقي يتطلب مساحة تخزين كبيرة في المكتبة ويصعب البحث فيه، أمّا الأدب الرقمي يمكن تخزين آلاف الكتب في جهاز صغير، مع السهولة البحث بفضل محركات البحث، أما من ناحية التكلفة المالية؛ فالأدب الورقي أعلى في التكلفة من الأدب الرقمي؛ إذ إنّ الأخير قد يكون مجانًا في بعض الأحيان”.
أهم المؤلفات
توضح الكاتبة والدكتورة سعاد سوَّاد أن أبرز مؤلفاتها الإلكترونية هي روايتها “عهد الأرض” و”الأميرة حُسن” التي نُشرت في عام 2016، أما مؤلفاتها الورقية فهي الروايات: “حين عاد قلبي”، “سياج الشوق”، “ميلاد”، “صفقة سوداء”، والمجموعة القصصية “عاصفة البيدق”.
من طرفها تشير الكاتبة فاطمة رموضة إلى أنها أصدرت كتابًا في عام 2022م عبارة عن مجموعة قصصية بعنوان “المُبتلون بالأحلام”، وأن لها إسهامات أدبية في العديد من المجلات الأدبية والمواقع والمؤسسات الخارجية وأيضًا المحلية.
تزخر المواقع الإلكترونية والمنصات الرقمية بالروايات والأعمال الأدبية اليمنية العريقة والتاريخية، أمثال روايات باكثير التاريخية، وخطاب المقدمات عند المقالح، والنقد الروائي في اليمن، وابن خلدون، وفن السيرة الذاتية وغيرها، بالإضافة إلى روايات حديثة منشورة في منصات ومواقع الإلكترونية، مثل وراية “المشرحة” للقاصة اليمنية سمية طه، ورواية “منبوذ الجبل” و”حارس السفينة” للشاعر والروائي عبد الله ناجي وغيرهم.
في الختام، يعد الأدب الرقمي في اليمن أحد أوجه الإبداع الأدبي الحديث التي تستجيب للتطور التكنولوجي المتسارع؛ إذ أثبت هذا النوع من الأدب قدرته على تجاوز الحدود التقليدية وتقديم محتوى جديد ومبتكر يعبر عن القضايا الثقافية والاجتماعية والإنسانية بطرق جديدة.
الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة
أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…