بين الأدب والفنون في اليمن؛ علاقات قوية وتحديات مستمرة
علياء محمد – صوت الأمل
يشكل الأدب أحد أقدم أشكال التعبير الفني وأهمها، وهو يلعب دورًا كبيرًا في التعبير عن الأفكار والمشاعر والمعاني من خلال اللغة التي تعد أداة لنقل التجارب الإنسانية بين الشعوب. وعلى مر التاريخ، كان الأدب، والفنون الأخرى كالرسم والنحت والموسيقى والمسرح وحتى السينما، يسيران جنبًا إلى جنب، مؤثرين ببعضهما بعضا ومتأثرَين.
في عصرنا الحالي، تشهد العلاقة بين الأدب والفنون تطورات جديدة؛ إذ تتلاقح التقنيات الرقمية مع الإبداع الفني، وأصبح هناك تفاعل متبادل أثر وبشكل عام على تشكيل الهويات الثقافية وتعزيز التجارب الإنسانية.
يربط بين الأدب والموسيقي علاقة تاريخية عميقة؛ إذ يعد الإيقاع حجر الزاوية في الكثير من الأعمال الفنية، خاصة في العصور القديمة، فقد كانت الموسيقى لا تفارق الشعر، بل كانت جزءًا لا يتجزأ منه، كما هو الحال في الموشحات الأندلسية التي تمتزج فيها كلمات الشاعر بألحان الموسيقي.
وبالنسبة لعلاقة الأدب بالنحت فتتمثل في تناول نحاتين لنماذج مأخوذة من نصوص أدبية، وخاصة في الآداب الأوروبية التي كانت تُعنى بالنحت أكثر من غيرها من الآداب العالمية، وبما يتعلق بفن الرسوم أيضًا كانت ملهمة للشعراء؛ إذ إن هناك آلاف الرسوم التي وضعت للتعبير عن قصائد وأعمال أدبية متنوعة، وخاصة تلك الرسوم الداخلية المصاحبة لبعض الدواوين الشعرية.
ويعد المسرح من أبرز الفنون التي تجمع بين الإبداع الأدبي والحركة التمثيلية، ففي المسرح، لا تقتصر الكلمات على كونها حروفًا مطبوعة، بل تتحول إلى أفعال حية تجسد الواقع بكل تفاصيله، ويعد بمثابة مرآة تعكس المشاعر الإنسانية والمجتمعات. وبالنسبة للعلاقة بين الأدب والسينما، فهو يعد فنًا متفردًا يجمع بين جماليات عدة فنون تعبيرية سمعية وبصرية مركبة؛ إذ تجمع بين الصورة والحركة والكلمة، كما يعد فنًا سرديًا يتخذ الصورة المتحركة والصوت أداة التعبير، خلافًا للفنون الأخرى التي تعتمد على الكتل والأحجام والألوان.
رابط قوي
يرى الكاتب نجيب التركي أن الأدب يتعلق بالكثير من الفنون الأخرى أهمها: الشعر، النثر، المسرح، القصة، الرواية، الفن التشكيلي، النقد، الخطابة والموسيقى. وكل نوع من هذه الأنواع له خصوصياته وأسلوبه الذي يتميّز به عن غيره.
وأضاف: “تشكل الفنون والأدب نسيجًا واحدًا مترابطًا؛ إذ يتبادلون الإلهام والتأثير، والأدب؛ لكونه لغة الروح والتعبير، يستمد قوته من الفنون الأخرى التي تزوده بأدوات جديدة للتعبير عن الرؤى والأحاسيس. وفي المقابل، فإن الفنون تجد في الأدب مصدرًا للإلهام والمعنى”.
وأكد في حديثه أن العلاقة التي تربط الفنون بالأدب علاقة محكمة ومتينة، فعلى سبيل المثال عندما ينتهي الشاعر أو الأديب من كتابة قصيدة أو رؤية تظلّ حبيسة الأوراق في مكتبته الخاصة، على الرغم من كونها صالحة بأن تُغنّى أو تتحول إلى عرض سمعي وصوتي، هنا يأتي دور الفنون الأخرى في ترجمة الأعمال الأدبية إلى واقع ملموس عبر اللحن والتوزيع والغناء، وتقديمها في المسرح.
وحول التأثير والتأثر بهذه الفنون على واقعنا الحالي، أوضح التركي أن التأثير يقاس من خلال ما قُدّم من عمل جيّد أو سيء، مكتوب أو مقروء أو حتى مسموع أو مُشاهد؛ إذ ينعكس تأثيرها سلبًا أو إيجابًا على واقع المجتمع وتصرفاته، بل وحتى أبسط المعاملات اليومية التي لا يمكن تخيلها.
من جانبه يصف الكاتب رياض حمادي علاقة الأدب بالفنون الأخرى بأنها علاقة تكافل وتكامل، إذ يقول: “الفنون والأدب تثري بعضها بعضا، ويُثمر هذا التعاون بين النوعين تجارب جديدة وأشكالًا جديدة تسهم في تعزيز تجارب فنية غنية ومتنوعة”.
وأضاف: “الأدب والفنون منتجات روحية وبدونها تبقى المجتمعات بلا روح، كما أنها الجبهة الناعمة الوحيدة التي تتصدى لثقافة العنف والتطرف. وضعفها، أو غيابها، قد يؤثر سلبًا على واقع المجتمع. ويمكن تقييم الحالة المجتمعية، من حيث التقدم أو التخلف، بقياس مستوى الفنون والآداب كمًا وكيفًا، فكلما تطورت وازدهرت الفنون والأدب سنرى لهذا الازدهار أثره الإيجابي على المجتمع، والعكس صحيح”.
وأوضح أن التفاعل بين الأدب والفنون جيد إذا ما نظرنا إلى المشهد العالمي والعربي، لكنه ضعيف في اليمن بحكم ضعف الإنتاج الأدبي والفني على وجه الخصوص.
وفي سياق متصل يرى الصحفي محمد النظاري أن الأدب يرتبط بكل الفنون بمختلف مجالاته، كالشعر بأشكاله القديمة والحديثة، والنثر بأشكاله كالأقصوصة والقصة والرواية، وذلك بعلاقة تكاملية، وأن التفاعل بين فن الأدب والفنون الأخرى يخلق وشائج لا تنقطع بين الفن والأدب نتيجة التداخل فيما بينهم، واستناد الأدب والفن لإنتاج مادة متكاملة فنياً وأدبياً.
ويؤكد أن التفاعل بين الأدب والفنون الأخرى أمر جوهري، يسهم في إكساب المواد، أو المواضيع الناشئة عن امتزاجهما، عمقاً دلالياً وأبعاداً متنوعة، تضاعف قيمتها وأهميتها عند مجتمع القراء والمثقفين، بمختلف مشاربهم.
أنواع الفنون المتعلقة بالأدب
يتداخل الأدب والفنون المختلفة في جوانب عدة ويتميز كل فن بنقاط قوة وخصائص فريدة خاصة به، تسهم معًا في إثراء المشهد الثقافي والفني بشكل عام.
من جانب آخر يمكن أن يؤثر الأدب على تطوير الفنون الأخرى، من خلال توفير أفكار عميقة تلهم الفنانين في كل المجالات الفنية. إضافة إلى ذلك فإن الأدب يساعد على تطوير أساليب السرد في فنون السينما والمسرح التي تعتمد على البناء الدرامي والحبكات المعقدة من تقنيات الكتابة الأدبية.
هذا، ويتيح الأدب استكشاف موضوعات جديدة ومعقدة، مثل الهوية والحب والصراع، تستخدمها الفنون الأخرى لإنتاج مواد غنية تعكس الثقافة والتاريخ وتسهم في إثراء الفنون وتعزيز الهوية الثقافية من خلال تقديم تجارب إنسانية مشتركة.
وحول أهم الفنون المرتبطة بالأدب، يقول رياض حمادي في حديثه: “تعد السينما من أكثر الفنون ارتباطًا بالأدب؛ إذ نجد الكثير من الأفلام الروائية تُنقل من الرواية إلى السينما، وتوصف الأفلام الطويلة بأنها روائية لأن بنية سردها قريبة من بنية النص الروائي مع اختلاف جوهري يتعلق بتقنية السرد الروائي المكتوب الذي يعتمد على “الإخبار” (Telling) بينما يقوم السرد الروائي السينمائي أو المصور على تقنية “الإخبار والإظهار” (Showing)”.
ويضيف: “بالنسبة للفن التشكيلي فإنه يرتبط بالأدب بعلاقة وثيقة الصلة، وذلك من خلال مرافقة الرسوم للنصوص الشعرية والسردية القصصية. إضافة إلى ذلك، هناك المسرح الذي يجمع في وصفه بين الفن والأدب، ويعد أحد أوجه الأدب الأكثر تفاعلاً؛ إذ يتم تقديم النصوص الأدبية مباشرة أمام الجمهور عن طريق الاعتماد على الحوار والشخصيات.”
تحديات وصعوبات
يشير رياض حمادي إلى أن أول التحديات التي تواجه التفاعل بين الأدب والفنون الأخرى هي “ثقافة المنع والقمع التي تصدر من التيارات المتعصبة، وغياب السياسات والخطط المؤسسية العامة والخاصة التي تدعم تعزيز الفنون والآداب في المجتمع، وضعف التمويل لإنشاء معاهد متخصصة في تدريس الفنون، وقلة دعم ما هو موجود منها، إضافة إلى وجود معوقات قانونية وأحابيل بيروقراطية تكبل الفنان والأديب وتعوق نشر إنتاجه الذي يصدر غالبًا بجهود ذاتية”.
وفي سياق متصل وصف نجيب التركي واقعنا الفني اليمني المعاش بالواقع السوداوي المؤسف. ويقول: “تعاني الفنون بشكل عام من حالة ركود فلا وجود لدور سينما، وهناك مسارح متهالكة وكليات فنون مغلقة؛ الأمر الذي جعل الفنان اليمني يتخبط هنا وهناك لسدّ رمقه، فلا مقومات فنية تُذكر تكون قادرة على بناء جيل واعٍ، ولا مؤسسات حكومية نهضوية تشد بأيادي الفنانين والمبدعين”.
توصيات
نتيجة للتحديات التي تعيق حركة الأدب والفنون الأخرى، وجب العمل المشترك من كل الجهات الرسمية والخاصة، وحتى المجتمعية، على تفعيل الأدب والفنون الأخرى عن طريق افتتاح معاهد لدراسة الفنون والأدب من ثقافات مختلفة لتوسيع الآفاق، وتنظيم ورش عمل لتعليم مهارات الكتابة الإبداعية والرسم، وتنظيم دورات تدريبية لتعليم كيفية تقدير الفنون والأدب، بالإضافة إلى ضرورة التعاون مع المؤسسات الثقافية والمكتبات لتشجيع المجتمعات على قراءة الكتب ومناقشتها، وتوفير الدعم اللازم للفنانين الناشئين وإنشاء منصات لعرض أعمالهم.
علاوة على ذلك، فإن إقامة المهرجانات الثقافية للجمع بين الأدب والموسيقى والفنون البصرية وتنظيم مسابقات كتابة للقصة القصيرة أو الشعر وعرض أعمال فنية وقراءات أدبية، سيسهم في تفعيل الفنون مع الأدب ويساعد في انتشاره بين أوساط المجتمع.
الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة
أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…