‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأدب في اليمن الواقع الاقتصادي اليمني يلقي بظلاله على مجال الأدب

الواقع الاقتصادي اليمني يلقي بظلاله على مجال الأدب

ياسمين عبدالحفيظصوت الأمل

يشهد الاقتصاد اليمني انهيارًا متسارعًا منذ ما يقارب عشر سنوات؛ إذ دفعت سنوات الصراع البلاد إلى حافة الهاوية في مختلف المجالات والقطاعات، وأصبح يعاني ملايين اليمنيين من فقر مدقع، وظروف اقتصادية صعبة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والدواء، وانعدام فرص العمل، ولقد تحولت الحياة اليومية إلى كفاح مستمر من أجل البقاء، وبات هم المواطن اليمني الأساسي هو تأمين لقمة العيش لعائلته.

يعدُّ الأدب في اليمن من المجالات التي تضررت بشكل كبير؛ إذ أدّت الظروف الاقتصادية إلى تراجع إنتاجات الأدباء على الساحة المحلية، الذين وجدوا أنفسهم في دوامة البحث عن لقمة العيش، كما تراجع الإقبال على شراء الكتب والمؤلفات من قبل المواطنين الذين باتوا أيضًا يمرون بظروف اقتصادية قاسية.

علاقة الأدب بالاقتصاد

“الاقتصاد والأدب مرتبطان بشكل وثيق فيما بينهما؛ لأنّ الظروف الاقتصادية تؤثر على حياة الأدباء والكتّاب وعلى قدرتهم على الإبداع والإنتاج الأدبي”، بحسب الصحفي والشاعر فتحي أبو النصر.

 ويقول: “عندما يعاني البلد من أزمات اقتصادية، فإنّ الأدباء والكتّاب غالبًا ما يتعرضون لضغوط مالية شديدة، وهذا قد يحدّ من قدرتهم على التركيز على الكتابة أو نشر أعمالهم، والأدباء اليمنيون هم من بين الفئات الأكثر تضررًا؛ بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، وانتشار الفقر والبطالة، وغيرها من التداعيات التي تؤثر على قدرتهم على التعبير الفني، وتحدُّ من الفرص المتاحة لهم، سواء في نشر أعمالهم أو كسب لقمة العيش”.

ويتابع: “أنّ التأثير الاقتصادي على الأدب يظهر في الأعمال الأدبية، عن طريق المواضيع المتناولة، مثل الفقر، والجوع، والصراع، والحرمان؛ فالأدباء يعبرون عن تلك المعاناة في كتاباتهم”.

واستطاع الأدب في مختلف دول العالم أن ينقل الوضع الاقتصادي لتلك البلدان عن طريق الروايات والقصص والشعر والنصوص المختلفة؛ إذ ناقش الأدب الحالة المادية التي يعيشها الإنسان، وكيف يواجه تحديات جراء تلك الظروف، وكيف أثّر الفقر على حياتهم الاجتماعية وعلاقتهم مع الآخرين، وغيرها من الموضوعات التي تخص الجانب الاقتصادي للمواطن، التي تناولها كثير من الكتّاب في أعمالهم الأدبية.

في اليمن أثرت الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلد بشكل كبير على أعمال الأدباء اليمنيين؛ إذ أنتجت الظروف الاقتصادية في اليمن العديد من الأعمال التي تناولت تأثير الأوضاع الاقتصادية على المجتمع اليمني، التي انعكست بشكل سلبي على حياة كثير من الأسر في مختلف المحافظات اليمنية.

المجموعة القصصية “هكذا يموتون” تناولت الوضع الاقتصادي لكثير من الأسر اليمنية، التي تجد صعوبة في توفير أبسط احتياجاتها، كما هو حال بطل قصة “الحذاء” إحدى القصص التي تناولتها الكاتبة فكرية شحرة.

تدور قصة الحذاء حول الطفل أحمد الذي وجد صعوبة في الحصول على مال لشراء حذاء، وهو ما جعله يفكر في الطريقة التي تجعله يمتلك حذاء، ولولا أنه خاف من دعوة آخر عليه وستكون سببًا في عدم تحقيق أمنياته، لكان ذهب إلى باب أحد المساجد وسرق حذاء أحداهم.

 لكنه قرر جمع العلب البلاستيكية وبيعها من أجل توفير المال لشراء حذاء، وفي حين هو ينبش أكوام القمامة في أحد الشوارع مرت سيدة وسألت أحمد؛ عمَّ يبحث؟ وعندما أخبرها عن مشكلته، أعطته مبلغًا من المال وأخبرته أنه طالب علم، وهذا ليس مكانه بعدما شاهدت حقيبته تتدلى من على ظهره، وبعد أن عاد إلى والدته طلب منها أن ترافقه للسوق وقبلت. لم تكتمل فرحة الأُم وطفلها، وانتهت بحادث إرهابي أرادهما قتيلين.

يقول الصحفي رشيد الحداد: “إنّ الأدب اليمني تناول القضايا الاقتصادية والإنسانية التي لها علاقة بمعاناة الناس، مستشهدًا بأبيات من أشهر قصائد البردوني التي قال فيها:

“لماذا لي الجوع والقصف لك؟   …  يناشدني الجوع أن أسألك

وأغرس حقلي فتجنيه أنت؛ … وتسكر من عرقي منجلك

لماذا؟ وفي قبضتيك الكنوز؛  …   تمدّ إلى لقمتي أنمُلك

وتقتات جوعي وتدعى النزيه؛ …  وهل أصبح اللّصّ يومًا ملك؟

لماذا تسود على شقوتي؟   …   أجب عن سؤالي وإن أخجلك”

ويضيف الحداد في حديثه: “حتى على مستوى الشعر الغنائي في اليمن ينقل صورًا لمعاناة إنسانية من واقع الناس، مثلًا هناك أغنية ريفية تعكس واقع الحياة الريفية جراء المعاناة الاقتصادية التي يتجرعها الإنسان في الريف، مثل أغنية الفنان عبد الباسط عبسي، وفي مضمون هذه القصيدة، كيف تعمل المرأة من أجل أن تعيش، وكيف يرهقها العمل بشكل كبير في ظل غربة الزوج”.

 ويتابع: “هناك أغنية (يا حارس البُن بشرى)، وحتى أغنية (البالة والليلة البالة)، التي تتحدث عن معاناة اليمنيين، وهجرة مغتربين يمنيين إلى الحبشة للعمل، وهذه الأعمال وغيرها تؤكد أنّ للأدب اليمني دورًا كبيرًا جدًّا في نقل القضايا الاقتصادية، ونقل الواقع الاقتصادي والمعيشي لليمنيين على مر العصور؛ لأنّ اليمن لم تشهد استقرارًا اقتصاديًّا نسبيًّا إلا في المدّة التي حكم بها الرئيس إبراهيم محمد الحمدي البلاد”.

مؤكدًا أنّ الأدب لعب دورًا كبيرًا في نقل معاناة اليمنيين في الجانب الاقتصادي في السنوات الماضية، ولم نقرأ أو نسمع عن عمل أدبي في هذه المدّة تحدث عن ثراء في اليمن أو مستوى اقتصادي جيد، هناك أناشيد وطنية وأغانٍ خاصة بالفلاح والعمال، ولكن تمنحهم نوعًا من الحوافز والتشجيع تُذاع في مواسم محددة، في حين يُترك العامل والفلاح يواجه المعاناة وكثيرًا من الصعوبات والتحديات، دون الالتفات له ووضع سياسات تهدف إلى تحسين وضعه ومعيشته.

ويرى الحداد أن الأدب اليمني قد يكون بنسبة 70٪ يتحدث عن معاناة الشعب اليمني جراء الظروف الاقتصادية على مدى العصور.

الرواية الأدبية والنظرية الاقتصادية

يرى الكاتب موسى هبة أنّ الرواية هي تلك الفضاء السردي الجميل الذي يتواصل عن طريقه القارئ عاطفيًا ووجدانيًا مع حياة الناس بكل تفاصيلها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأوجه العلاقة متعددة بين الرواية الأدبية والاقتصاد، وقد حوت كثير من الأعمال الروائية موضوعات اقتصادية؛ كأداةٍ لاستكشاف تأثير الأنظمة الاقتصادية، وآثار الرأس مالية، وكثير من الأيديولوجيات الاقتصادية الأخرى، كما في رواية (تاجر البندقية لـ وليام شكسبير) التي تطرقت إلى جوانب اقتصادية عدة إلى جانب الحب والعدالة.

ويضيف: “وقد أصبح كثير من الاقتصاديين يبحثون عن معرفة أكثر لتطوير اقتصادهم عن طريق الاطّلاع المعرفي. وهناك العديد من الدراسات تؤكد أهمية الاستفادة من الرواية الأدبية من أجل بناء النظرية الاقتصادية وتطويرها”.

ويؤكد موسى هبة أنّ أهمية الرواية في نظرية التطور الاقتصادي تكمن في إثراء المعرفة والثقافة، فعندما يسطع نور العلم والأدب فإنّ المجتمع سيطوي آثار التخلف، ويُطمس الجهل، ويتعافى اقتصاد البلد.

من جهته يقول الصحفي الاقتصادي نبيل الشرعبي: “إن الفنون الأدبية في الأساس تعدُّ عوامل مساعدة لإحداث حراك اقتصادي ما، ولكن هذا يكون نتاج وعي المجتمع بما يحدثه الفن الأدبي من تأثير إيجابي اقتصاديًّا، كما كان يحدث في زمن ما قبل الإسلام فيما يسمونه (مهرجان عكاظ) السنوي، هذا في الشعر، أما الرواية فيختلف الأمر؛ كونها معقدة والتركيبة الفنية لها تجعل من الصعب التعامل معها كما يجري التعامل مع الشعر”.

ويضيف: “لكن يمكن توظيف الرواية -وإن بصعوبة- في تنمية وعي مجتمعي، عن طريق كتابة روايات موجهة لتنمية الوعي الاقتصادي، بالتركيز على تقديم نماذج عملية من واقع الحياة أو خيالية، شريطة أن تكون متناسبة مع طبيعة المجتمع وواقعه، ويمكن ترجمتها واقعيًّا”.

ويرى أنه يمكن أن يستفاد من الفن الروائي في الكشف عن الممارسات التي تؤثر سلبًا على واقع اقتصاد البلد أو تاريخه، كما في رواية (حارسة الظلال) للروائي الجزائري (واسيني الأعرج)، التي يقدم فيها نموذجًا عن كارثية العشرية السوداء، كما يسمونها، التي كادت تعصف بالجزائر في المدّة من 1984م إلى 1994م.

ويشير في حديثه إلى أنه في رواية (حارسة الظِلال) يكشف الروائي عن تجارة مسئولين بتاريخ الجزائر وآثاره، وأفرد مساحة كبيرة للغوص في هذا المجال، وبما يقدّم رؤية كلية عن كيفية استغلال الصراعات في البلدان من قبل مسئولين وتجار وغيرهم للدخول في نشاطات مجرمة تنال من اقتصاد البلد وآثاره واستقراره.

وأضاف: “أنّه من هذا المنطلق يمكن كتابة ما يتعرض له أي بلد من نهب وتدمير للثروات وإغراقه بالسلع الفاسدة، وكذلك الديون، والإتجار بمعاناته، ويمكن كتابة ذلك بأسلوب روائي بدلًا عن التناول الإعلامي السطحي والسريع والآني”.

تحديات اقتصادية تواجه الأدباء

بشأن التحديات التي تواجه الأدباء في اليمن، يقول الشرعبي: “إنّ الصراعات ألقت بظلالها الاقتصادية على حياة الكُتَّاب، فغابت الدولة عن دعمهم، ولم يعد لوزارة الثقافة أي دعم ملموس، وكذلك الحال مع توقف دور النشر والفعاليات الأدبية والثقافية، ومن جملة التحديات التي يواجهها الكُتَّاب عدم استقرار الكاتب نفسيًّا وعاطفيًّا، بسبب الوضع المادي المتدني، فالاستقرار الذهني هو ما يتيح للكاتب إنتاج إبداعه”.

ويرى أنّ المعالجات التي من شأنها أن تحسن وضع الأدباء في اليمن تكمن في اهتمام وزارة الثقافة بالكتّاب ودعمهم معنويًّا وماديًّا، والاهتمام بدور النشر، وفتح المراكز، وإحياء الفعاليات الثقافية والأدبية، والاهتمام بدعم المنتديات الأدبية، وتبني المسابقات، ورصد الجوائز لتشجيع المبدعين.

الشاعر أحمد عبده سعيد يشير إلى مجموعة من التحديات الاقتصادية التي تواجه الأدباء في اليمن، وتعوق إبداعهم وتطوير أعمالهم، وتتمثل في النزاعات المستمرة والصراعات التي تؤثر سلبًا على الحياة الاقتصادية والثقافية، وصعوبة الحصول على التمويل لأعمالهم الأدبية، سواء من الدولة أو من القطاع الخاص، بالإضافة إلى تراجع صناعة النشر، وقلة الفرص في مجال الكتابة، والبحث عن عمل بدوام كامل، ممّا يؤدي إلى محدودية الدخل.

ويؤكد ضرورة مواجهة هذه التحديات عن طريق تضافر الجهود الجماعية من الجهات المعنية والمجتمع المحلي والدولي لدعم الأدباء، والإسهام في تطوير الثقافة الأدبية في اليمن.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة

أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…