‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأدب في اليمن الأدب والمجتمع.. انعكاسات الرأي العام على الإنتاج الأدبي في اليمن

الأدب والمجتمع.. انعكاسات الرأي العام على الإنتاج الأدبي في اليمن

ياسمين عبدالحفيظصوت الأمل

يتأثر الأدب بشكل كبير بقضايا المجتمع والظروف المحيطة به؛ إذ يحدث الأدب تغييرًا كبيرًا على الواقع المجتمعي، فالأدب يعدُّ نتاجًا مجتمعيًّا، يعكس همومه وتطلعاته، ويتأثر بظروفه المختلفة. وفي اليمن حيث تتداخل الأحداث السياسية والاجتماعية بشكل عميق، يتجلى هذا الارتباط بشكل واضح.

والأدب اليمني، سواء أكان قصصًا أو شعرًا أو روايات، يعدّ مرآة عاكسة للمجتمع، فهو يسجل الأحداث التاريخية، ويبرز القضايا الاجتماعية، وينقل المشاعر والأحاسيس الإنسانية، ولا يقتصر دور الأدب على تسجيل الأحداث، بل يتعداه إلى التأثير في المجتمع وتشكيل الرأي العام، كما تختلف درجة التأثير في المجتمع بحسب مدى اهتمام أبناء المجتمع نفسه بالاطلاع والقراءة، إلى جانب مدى الاهتمام بالأدباء ونشر أعمالهم، خاصة التي تركز على القضايا الاجتماعية في كتاباتهم.

لذلك يعدُّ الأدب من المجالات التي تحتاج إلى الاهتمام سواء عن طريق دعم الأدباء أنفسهم، وتشجيعهم على الإنتاج، والاعتناء بمؤلفاتهم، وتطوير أعمالهم والتسويق لها، أو افتتاح المؤسسات المعنية بالأدب، وتفعيل أنشطتها المختلفة المتمثلة بإقامة المهرجانات والمسابقات الخاصة بالمبدعين من كتاب وشعراء، وذلك لِمَا للأدب من أهمية كبيرة في حياة المجتمعات.

 أهمية الأدب في التأثير على المجتمعي

 أجرت صحيفة (صوت الأمل) العديد من المقابلات لأخذ آراء المجتمع بشأن أهمية الأدب على الواقع المجتمعي؛ إذ أشار الشاعر زاهر حبيب إلى ذلك بقوله: “إن دور الأدب أصبح – للأسف – هامشيًا ليس له دورٌ فاعلٌ يمكننا الإشارة إليه، على الرغم أنه من المفترض أن يكون للأدب والأديب دور تنويريّ ورياديّ على الأصعدة كافة في المجتمعات، فإننا نعيش في زمن الإصغاء فيه لأزيز الرصاص لا لصرير الأقلام”.

من جانب آخر يرى الإعلام محمد الحريبي أنّ أهمية الأدب في أي مجتمع تتمثل في أنّه أداة أساسية للحفاظ على الهوية الوطنية، وتعزيز القيم المجتمعية الإيجابية، والتعبير عن قضايا المجتمع وتبنيها والدفاع عنها، كما أنّ للأدب دورًا كبيرًا في تعزيز النسيج الاجتماعي وتقويته، وهنا يمكن التذكير بأنّ اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كان أول مؤسسة يمنية جمعت بين جميع أبناء الوطن، وكان كيانًا موحدًا قبل الوحدة اليمنية بسنوات، لكنّ دوره أصبح ضعيفًا في  السنوات الأخيرة؛ بسبب الصراعات المتتالية التي أثرت بشكل كبير على واقع الأدب في اليمن، وبحسب قوله: “أصبحنا نعيش أزمة موت النخبة”.

من جهته يقول ناشط مجتمعي -فضل عدم ذكر اسمه- : “إنّ الأدب يلعب دورًا مهمًا في التأثير على الواقع المجتمعي بعدة طرق، منها تشكيل الوعي؛ إذ يمكن للأدب أن يسهم في تشكيل وجهات النظر والآراء بشأن قضايا معينة، عن طريق تسليط الضوء على مشكلات اجتماعية وثقافية وسياسية، والتعبير عن الهوية؛ مما يساعد في الحفاظ على الثقافة، وتعزيز الانتماء الوطني، بالإضافة إلى تحفيز النقاش؛ إذ يقدم الأدب مواضيع للنقاش والتحليل؛ ممّا يعزز من الحوار بين الأفراد والمجتمعات بشأن القضايا المهمة، كما يمكن للأدب التأثير على سلوك الأفراد ووجهات نظرهم، ويوفر متنفسًا للأفراد للهروب من واقعهم، ممّا قد يؤدي إلى تأثيرات مريحة وتفكير جديد”. وأكّد أنّ الأدب يعدُّ وسيلة فعّالة للتعبير عن الأفكار والمشاعر، ويمكن أن يكون له تأثيرات عميقة على المجتمع وثقافته.

الشاعر زكريا الغندري يرى أنّ أهمية الأدب في المجتمع مهمّة جدًّا، وكلاهما مكمّلان لبعض، وأنّ المجتمع بحاجة لاهتمام أكثر من قبل الجهات المعنية والمجتمعية، فكلّما كان المجتمع يمتلك ثقافة أدبيّة، كان مجتمعًا راقيًا أكثر حضورًا، وكلّما نُقلت أحداثه بطريقة أدبيّة، أسهم في رقي المجتمع وتثقيفه.

ويتابع: “لهذا تبدو العلاقة وطيدة بين الأدب والمجتمع، فنحن نكتب باسم المجتمع، لكن ذلك غير ملموس؛ كون أغلب المجتمع لا يدرك قيمة الأدب، وقد يدرك الأديب قيمة المجتمع في أدبه فيكتب عنه، لكن المجتمع نادرًا ما يشعر بذلك، لهذا لن يكون الأدب أدبًا إلّا في شروط اجتماعية محددة، فالأديب في النهاية عنصر اجتماعي جاء من المجتمع، وحوّل أحداثه بطريقة أدبية تؤكد العلاقة بين المجتمع والأدب”.

ويضيف الغندري لصحيفة (صوت الأمل): “المجتمع بحاجة إلى الأدب؛ لأنه الغذاء الروحي الذي يسهم بفتح الأحلام والأماني؛ إذ ينتج مؤلفات أدبية تحاكي تفاصيل المجتمع بكل مجالاته، لهذا يبقى المجتمع هو الملهم الأول للأديب، لكنه في النهاية قد يصل أثر ذلك إلى المجتمع بشكل محدود؛ نتيجة عدم الاهتمام المجتمعي بالأدب”.

وأشار إلى أنه قديمًا كان المجتمع الجاهلي مجتمعًا أدبيًا؛ لهذا كانت هناك أسواق خاصة بالأدب والشعراء، وكان هناك معلّقات تعلّق على الكعبة، وذلك لإيمانهم بأهمية الأدب وتأثيره في تلك الحقبة، ولكن حاليًا رغم علاقة الأدب بالمجتمع المتجذرة فإن هناك فجوة فيما يبدو؛ نتيجة عدم تثقيف كل المجتمع بأهمية الأدب في الواقع؛ إذ قد لا نجد كل المجتمع منتجًا أدبيًّا، فالأدب يُسهم أكثر بدراسة المجتمع، والأديب القادم من أوساط المجتمع ينقل كل أحداث المجتمع بطريقته الأدبية، ويبرز أهميته بصورة أدبية تجعل منه مجتمعًا مهمًّا.

تحديات تواجه الأدب في اليمن

يمرّ الأدب كغيره من المجالات الثقافية بالعديد من التحديات منذ سنوات عدة، وزادت الأوضاع التي تمر به البلاد في الوقت الراهن؛ من صراع ودمار وفقر ونزوح وانهيار اقتصادي، من هذه التحديات التي جعلت الاهتمام بالأدب من قبل الجهات المعنية مغيبًا.

 في هذا الخصوص يقول الكاتب محمد الشميري: “إنّ الأدب اليمني لا يمكن فصله عن واقع البلاد السياسي والاقتصادي خاصة في الوقت الراهن؛ إذ يمكن الحديث أولًا عن التحديات التي فرضتها سياسة الحكم في البلد، فبعد أن كان الأدب في الطليعة على مستوى الوعي والعطاء أصبح -نتيجة تهميش الكتاب والمبدعين- أداةً تخدم السلطة، لذلك بدأت مرحلة الضمور الدماغي للأدب تبرز كما أُسمِّيها”.

ويضيف: “لقد بدأت المؤسسات الأدبية الفاعلة في الانزواء، واختفت دور النشر، حتى وصلنا إلى وضع الأدب اليوم، مجرد حضور باهت، حتى وإن زاد عدد الإصدارات السردية، لكنّ الكيف والجودة ليسا مواكبينِ للتطور العصري والرقمي. ولا يخفى علينا كذلك الخوف المسيطر على معظم الكتاب -إن لم يكونوا جميعًا- من السلطة الحاكمة، وهذا يجعل ما يكتب أقرب إلى الهروب من الواقع بدلًا عن معالجته إلا فيما ندر وبطريقة رمزية”.

من جهتها تقول فكرية شحرة (كاتبة وروائية): “إنّ معظم التحديات قد تصيب أي كاتب بالإحباط، لكن هذه التحديات تصبح هي الدافع للكاتب كي يشق طريقه ويثبت نفسه في الساحة الأدبية”.

وتتابع: “أنّ من أبرز التحديات التي تواجه الأدباء؛ صعوبة النشر التي تبدأ من كلفة الطباعة الباهظة، إلى محدودية المتلقي، إلى عجز التسويق، وأيضًا تحدي المحلية؛ وهو أن يظل الكاتب محصورًا في بيئته وجمهوره البسيط ممّن حوله، وغياب الدعم والتشجيع من وزارة الثقافة غيابًا تامًا، وفي كل الدول يوجد هيئة للكتاب؛ تطبع سنويًا أبرز المؤلفات إلا عندنا؛ فالهيئة أثبتت فشلها في كل شيء”.

وتضيف: “ومن ناحية تقدير الأديب في مجتمعنا نجده أفقر الناس؛ إذ يتخلى عن إبداعه في سبيل الجري خلف لقمة العيش، ويكاد لا يجد وقتًا كي يبدع في مجاله، وهذه تحديات تخص الجنسين. أمّا تحديات الكاتبات من النساء فهي تعدّ أشد، ولا أعتقد أنّ هناك حلولًا غير عودة الدولة ومؤسساتها”.

واقع الأدب في اليمن

الروائية جهاد الجفري تتحدث عن واقع الأدب والأدباء في اليمن إذ تقول: “يوجد في اليمن العديد من الأدباء وعددهم لا بأس به، خاصة في المدّة الأخيرة؛ إذ ظهرت مجموعة من الكتب الأدبية، وبرز عدد من الكتّاب المبدعين الذين غادروا اليمن، ووجدوا فرصًا لهم لطباعة مؤلفاتهم في الخارج”.

وتضيف: “أنّ الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية جعلت الناس بعيدين عن القراءة والاطلاع؛ إذ إنّ الإنسان اليمني أصبح يبحث عن لقمة العيش أكثر من أن يطّلع، ولكن هناك من النخب من يهتمون بالقراءة والاطلاع، الأمر الذي يؤكد أن الأدب ما زال مزدهرًا، وإن كان مقصورًا على الأدباء والمهتمين، وأن هناك من يرعى الكتّاب والشعراء من الكوادر المهتمة في هذا التوجه الثقافي الاجتماعي؛ سواء في صنعاء أو في عدن، ولكن كجهة حكومية لا تعطي أهمية كبيرة للقطاع المجتمعي”.

وتتابع: “لا بُدَّ من أن يكون هناك دور موحّد يشمل جميع القطاعات، ومنها التعليم والقطاع الثقافي؛ من أجل نشر الوعي الثقافي. ولا أعدُّ الأدب غير موجود ومنتهيًا، بل موجود رغم الظروف، وكذلك هناك حضور كبير للأدباء، حتى أنّ هناك بعض المواقع الإعلامية تهتم بالحديث والنشر عن الأدب والكتّاب، وهذا عامل مساعد وكبير في نشر الوعي بالثقافة والأدب”.

وتشير الجفري إلى مجموعة من التحديات التي تواجه الأدباء، وقد يمر بها الأدب في اليمن بالوقت الحالي، وتتمثل في: عدم وجود رعاية واهتمام للأدباء والمثقفين، وعدم وجود دور نشر لنشر كتبهم، وعدم وجود الحاضنة الثقافية في المجتمع، وعدم الاهتمام بالأدب في المدارس وفي الفعاليات الاجتماعية.

الأدب والمجتمعات

الشاعر أحمد السلامي يرى أنّ الأدب يرتبط بالمجتمع ارتباطًا وثيقًا؛ فالأعمال الأدبية تعكس هموم الناس وتطلعاتهم، وتسجل لحظات تاريخية مهمة، لكن هل يعني ذلك أنّ الكاتب هو مهندس اجتماعي مهتم بتغيير العالم؟ وهل يجب على الرواية أو القصيدة أن تحمل في طياتها نقدًا لاذعًا للواقع، وأن تسعى إلى إعادة بناء شخصية الفرد؟

ويشير إلى أنّ بعضهم يرى أنّ الأدب يجب أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي، وأن الكاتب يجب أن يستغل قلمه لنقد الواقع وتسليط الضوء على المشاكل التي يعاني منها المجتمع، في حين يرى آخرون أنّ دور الأدب تقديم تجربة جمالية للقارئ، وأنّ الكاتب ليس ملزمًا بتقديم حلول للمشاكل الاجتماعية.

ويشير كذلك إلى أنّ التحولات الأخرى في المجتمعات والتغيرات التي تحدث في الواقع تحولات متزامنة، فهناك تحولات في الإنتاج، وأخرى في الجانب الاقتصادي، وفي التعليم وغيرها، وهذه متضافرة ومجتمعة؛ إذ إنّ التغيرات التي يشهدها المجتمع، سواء أكانت تكنولوجية أو اقتصادية أو اجتماعية، تولد قضايا جديدة ومشكلات معقدة، وهذه القضايا تصبح مادة خصبة للإبداع الأدبي، يسعى الأدباء إلى فهمها وتفسيرها وتقديم رؤى جديدة بشأنها؛ فالصراعات، والتطور التكنولوجي، والتغيرات المناخية، كلها أمثلة على قضايا تلهم الكتّاب والشعراء لتقديم أعمال تعكس هذه التحولات.

وبيّن أنّ الأدب لا يعمل بمعزل عن الفنون الأخرى، مثل المسرح والسينما؛ فكلُّ هذه الفنون يتفاعل بعضها مع بعض، وتستلهم أفكارها، كما أن التطورات التكنولوجية الحديثة قد فتحت آفاقًا جديدة للتفاعل بين هذه الفنون.

ويؤكد أنّ الأدب في مجتمع أمي لن يفعل شيئًا، لذلك لا بُدَّ من المجتمع أن يجد فرصة في تطوير التعليم، وحل مشكلة تسرب الأطفال من التعليم، فالاستقرار في المجتمع مهم في كونه يجعله يلتفت إلى تعليم الأبناء، الذي بدوره يؤدي إلى الإنتاج.

ويضيف متسائلًا: “من ذا الذي سوف يهتم بشراء كتاب من مكتبة؟! إلّا إذا كان عنده فائض من المال. ومن سيذهب لشراء تذكرة لدخول مسرحية أو مشاهدة عمل مسرحي آخر؟! إلا إذا كان قد وصل إلى مستوى معيشي وثقافي يجعله يرى استهلاك الأدب والفن أولوية بالنسبة له”.

إنّ العلاقة بين الأدب والمجتمع هي علاقة تكاملية ومتداخلة، فالتحولات التي تحدث في المجتمع تؤثر على الأدب، والأدب بدوره يسهم في تشكيل المجتمع، ولذلك، فإنّ دعم الأدب والتعليم هو استثمار في المستقبل؛ إذ يسهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا وتسامحًا.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة

أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…