الأدب والسياسة في اليمن.. رحلة في عوالم المقاومة وإحداث التغيير الإيجابي
أحمد باجعيم – صوت الأمل
يمثل الأدب والسياسة عمومًا علاقة متشابكة؛ إذ يتداخل الفن الأدبي مع الأبعاد السياسية والاجتماعية في تشكيل وعي المجتمع على مرِّ التاريخ. وقد لعب الأدب دورًا حيويًّا في نقل هموم الشعب اليمني وآماله، معبّرًا عن واقعهم في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تمرُّ بها البلاد، عن طريق الشعر، والرواية، والمسرح، كما استطاع الأدباء اليمنيون تسليط الضوء على القضايا والمنعطفات والتحولات السياسية، ممّا جعل الأدب ليس فقط مرآة تعكس الواقع، بل أيضًا أداة للتأثير على المجتمع المحلي والدولي.
إنّ العلاقة بين الأدب والسياسة في اليمن تعدُّ علاقة متشابكة ومعقدة، تتأثر بالتاريخ والثقافة والمجتمع اليمني، كونه مرآة تعكس واقع المجتمع بكل جوانبه، ولا يمكن فصله عن السياق السياسي الذي ينشأ فيه، ويكون الأدب في كثير من الأحيان محركًا أو مروجًا للأفكار السياسية؛ إذ إنَّه في مُدد الصراع والتحول السياسي تبرز كثير من الأعمال الأدبية التي تعكس التحديات والأزمات، وتجسد طموحات الشعب في مستقبل أفضل، عن طريق التحليل الأدبي للازمات اليمنية، وله دور بارز في تشكيل الهوية الوطنية.
الأدب السياسي
قال الدكتور طه حسين الحضرمي (ناقد أدبي وأستاذ السرد): “إنّ مفهوم الأدب السياسي يعدُّ مفهومًا قديمًا تداولته الأقلام منذ عهد اليونان، وهو قديم متجدد، ويعرف أيضًا بعلاقة الحاكم والمحكوم بصورة عامة، ووفق اشتراطات عصرية، كما أنّ علاقة الأدب السياسي مع المجتمع علاقة متشعبة بشكل مباشر، ولا يمكن الفصل فيها لعدة عوامل، منها ترابط المفهوم السياسي بين قيادة الدولة وعامة الشعب، وأيضًا الرابط المشارك بين أدوار الحاكم والمحكوم المتعارف عليه اليوم، وهو ما عرفه الأدب السياسي قديمًا، وهنا يتضح أنّ الأدب حط المعالم الرئيسية للسياسات المتبعة في وقتنا الحاضر”.
وتابع: “عرّفت جامعة كولومبيا علم السياسة بأنّه علم يقوم على دراسة الحكومات والمؤسسات وعدد من السلوكيات التي يمارسها أهل السياسة، وهذا العلم يهتم بدراسة آلية الحكم بشقيه التشريعي والتنفيذي، وكذا بعض التنظيمات غير الرسمية؛ كجماعة الرأي العام والأحزاب السياسية، كما أنّ الأدب يُعنى بدراسة النشاطات السياسية كافة للأفراد، وهذا بطبيعة الحال يفسر أنّ الأدب المتصل بهذه القضايا يعدُّ أدبًا سياسيًّا”.
وأوضح أنّ الأدب السياسي يعدُّ منظورًا يعكس الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري والثقافي، وغيرها من الصور الواقعية في المجتمع، التي تنشر عن طريق أنواع الأدب المختلفة؛ كالنثر أو الشعر أو الرواية أو غيرها.
من جانبه أشار الناقد الأدبي الدكتور عبد القادر باعيسى إلى أنّ الأدب السياسي يعدُّ أحد أنواع الأدب عمومًا؛ إذ يهدف إلى تعرية الواقع الاجتماعي والسياسي وإثارة الوعي الجماعي، وهو لا يقتصر فقط على تسليط الضوء على القضايا الملحة، بل يتجاوز ذلك ليصبح أداة للتغيير والتعبير عن المقاومة الفكرية؛ إذ إنَّ الأعمال الأدبية التي تنتمي لهذا التيار تتسم بالجرأة في طرح الأفكار، وتتحدّى الأنماط التقليدية للنقد الثقافي عن طريق مزج الجماليات الفنية بالتحليل السياسي العميق.
وأضاف: “يكمن دور الأدباء بهذا الخصوص في تقديم رؤى جديدة تحث على التفكير النقدي، وتحفز على الحوار المجتمعي بشأن القضايا الحيوية”.
الأدب والتغييرات في المجتمع
أكد الناقد الأدبي الدكتور الحضرمي أنّ الأدب يعدُّ من العوامل المؤثرة في إحداث تغيير سياسي واجتماعي عن طريق النقد وكيفية إيصاله للجمهور بطريقة ما، ولهذا فإنه يكون أقرب إلى استنطاق المبدع أكثر من استنطاق الإبداع.
وأشار إلى أنّ كل عمل أدبي يتأثر بالواقع المعاش فيه سلبًا أو إيجابًا، فالعلاقة بين الشكل والمضمون في العمل الأدبي هي علاقة ديناميكية ومتغيرة؛ إذ إنَّ الشكل الفني الذي يختاره الكاتب يؤثر بشكل كبير على إيصال المضمون. فمثلًا، قد يستخدم الكاتب الرمزية أو السخرية للتعبير عن أفكار عميقة أو لنقد سلطة ما.
وأردف قائلًا: “في الأدب السياسي يتناول كثير من الأدباء والكتاب في مؤلفاتهم سلبيات الحكام على مجتمعاتهم؛ لمحاولة إحداث تغيير للأفضل، ومن هؤلاء الأدباء (نجيب محفوظ) الذي كتب عن القهر، وتحدث عن الظلم الاجتماعي الذي رافق مدة سياسية معينة أيام الملكية في مصر، وذلك عن طريق نماذج بشرية عاشوا الحياة بطريقة خاصة بهم”.
وأضاف الحضرمي: “من أبرز هذه النماذج كان نموذج (محجوب عبد الدائم) الذي كان شعاره تجاه الواقع “طُزْ” في السينما المصرية؛ إذ إنَّ هذا الشخص يصف واقعه السياسي والاجتماعي والفكري والاقتصادي بطريقة معينة، وهذا الحديث مرهون بقراءة القراء للرواية والكيفية التي تأخذ جانب التأثر والتأثير بمعنى أنها تتأثر سلبًا أو إيجابًا، ولكنها تؤثر على الواقع إيجابيًّا، على الرغم من سلبية التناول”.
من جانبه، أوضح الناقد الأدبي الدكتور باعيسى أنّ الأدب السياسي أصبح وسيلة قوية للتأثير على المجتمع، وإحداث تغييرات عميقة عن طريق تقديم رؤى نقدية وتحليلية للواقع السياسي والاجتماعي، ويستطيع الأدب السياسي توعية الجماهير ورفع مستوى الوعي بشأن القضايا الحاسمة التي تؤثر على حياتهم، كما لا يقتصر دوره على النقد فقط، بل يمتد ليكون محفزًا للتغيير عن طريق تحفيز القراء على التفكير بشكل أعمق بشأن القضايا التي يتناولها، فهو يخلق حوارًا بين الكاتب والقارئ بشأن السلطة، والعدالة، والحرية، مما يدفع المجتمعات نحو البحث عن طرق لتحسين واقعهم السياسي والاجتماعي.
وأضاف: “ومع ذلك، يمكن أن يحمل الأدب السياسي أيضًا تأثيرًا سلبيًا إذا استُخدِمَ كأداة للدعاية أو لتكريس الأفكار المتشددة، وهؤلاء الكتاب لا يمكن أن يكونوا أدباء؛ كون مؤلفاتهم غير إيجابية، وليس فيها ما يساعد المجتمع على الأفضل، وبدلًا من تعزيز الحرية والتعددية، يمكن أن يُسهم في تقويض الأسس الديمقراطية، وتحفيز الانقسامات داخل المجتمع؛ إذ يعتمد تأثير الأدب السياسي على النوايا التي تقف وراءه، والطريقة التي يُستقبل بها من قبل الجمهور، وإن الأدب السياسي الجيد هو الذي يدفع نحو التغيير الإيجابي، عن طريق تشجيع التفكير النقدي، وتعزيز القيم الإنسانية الأساسية”.
أهمية التوظيف الأدبي
أكّد الدكتور طه حسين الحضرمي أنّ الأدباء وظفوا الأدب السياسي توظيفًا عميقًا على الواقع اليمني، واهتموا بأدقّ التفاصيل، وكانت هناك حبكة جميلة جدًا تحكي ما يعانيه اليمني سواء في المهجر أو في البلد، ويحاولون إبراز المشاكل والمعاناة لتصويبها، والأمثلة على ذلك متعددة، منها عندما تحدث الكاتب اليمني محمد عبدالولي عن مسألة تهمُّ اليمنيين في الهجرة التي تناولها في روايته: (يموتون غرباء) وتداخل فيها بطريقة جميلة الملف السياسي والاجتماعي؛ كون هجرة اليمنيين للخارج نتيجة معاناة سياسية واقتصادية في اليمن، كذلك رواية (بلاد بلا سماء) للكاتب وجدي الأهدل، التي ناقش فيها الكاتب قضايا سياسية، والتي تموت فيها بطلة الرواية في بداية القصة، ووظفت هذه الروايات وغيرها من الروايات الواقع اليمني واليمنيين في المهجر.
وأشار إلى أنّ للشعر باعًا طويلًا في نقل معاناة اليمنيين ومحاكاة واقعهم؛ إذا وُظِّف بشكل جميل عبر محاولة نقد الجهات المسؤولة بغرض التغيير للأفضل، ومن هؤلاء الشعراء: عبدالله البردوني، وعبد العزيز المقالح، ولطفي جعفر أمان، وغيرهم كثير من الشعراء الموجودين في الأدب اليمني الحديث، الذين قصائدهم تستنطق واقع البلاد، كما أنّ الأدباء يعملون على دلالات الحادثة وتوظيفها بطريقة تكشف تفاصيلها الدقيقة.
لقد لعب الأدب دورًا محوريًّا في الساحة السياسية اليمنية؛ إذ كان ولا يزال وسيلة للتعبير عن تطلعات الشعب ومعاناته في ظل الظروف المتغيرة؛ عن طريق الأقلام الأدبية التي تجسد الصراعات والتحولات التي شهدتها البلاد، مما أضاف بُعدًا إنسانيًّا وثقافيًّا للنقاشات السياسية، علاوة على ذلك فإنّ العلاقة بين الأدب والسياسة في اليمن تكشف عن مدى تأثير الكلمة في تشكيل الوعي الجمعي وإحداث التغيير المجتمعي.
والعلاقة بين الأدب والسياسة في اليمن هي علاقة متبادلة ومتأثرة بالظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية، على الرغم من التحديات التي تواجه الأدب اليمني، فإنّه لا يزال يلعب دورًا مهمًّا في الحفاظ على الهوية اليمنية ونقل التراث الثقافي للأجيال القادمة.
الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة
أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…