الأدب في اليمن.. رحلة عبر الزمن في قاع بلا قرار
حنين الوحش – صوت الأمل
يواجه الباحثون في الأدب اليمني صعوبة بالغة في استعراضه تاريخيًا وربطه بزمن معين، ليس لغزارته ونشأته القديمة فحسب؛ وإنما لأن التراث الأدبي لليمن مفقود في غالبيته والبحث عنه يحتاج إلى ترحال في مكتبات العالم، فيما بعضه مطمور ويعيش في زوايا الجوامع والمكتبات والبيوت الخاصة ولم يخرج منه سوى نزر يسير، هذا ما أشار إليه الكاتب اليمني محمد سعيد جرادة في كتابه “الأدب والثقافة في اليمن عبر العصور”.
وتتميز الحضارة اليمنية بمخزونها الإبداعي الكبير؛ إذ لم يكن الأدب سوى أحد مداميكها بوصفه المرآة التي تعكس التاريخ الحافل بالتنوع والثراء الثقافي لحضارة عرفت منذ القدم بمخزونها المعرفي والتراثي العتيد.
ولأن اليمن كانت موطنًا اقتصاديًا لمختلف الحضارات فقد منحها هذا الاتصال بالحضارات القديمة قدرة عالية على التلاقي بمختلف فنون الأدب العالمية، ومن هنا تشكلت الحكايات كأبرز فنون الأدب الشعبي في اليمن.
بقيت البدايات الأولى للأدب في اليمن دون توثيق، غير أن بروزه الرائد بدأ في العصر الجاهلي عبر مجموعة من الشعراء اليمنيين الذين أثروا المكتبة العربية بقصائد بارزة لا يزال صداها يتردد إلى اليوم.
شعراء اليمن قبل الإسلام
يمتد تاريخ الأدب اليمني إلى آلاف السنين، وشهد تطورات عديدة ومتنوعة تأثرت بالتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية التي مرت بها اليمن. فقد بدأ الأدب في اليمن نثرا عبر مجموعة من الحكم والرسائل ووسائل الخطابة قبل أن يولد الشعر ليسيطر -إلى وقت بعيد- على مختلف فنون الأدب.
وبرزت قبل الإسلام عدد من الأصوات اليمنية الشعرية، وثق مؤرخون ما يقارب الستين شاعرا، بدءًا بالأفوه الأودي وانتهاءً بامرئ القيس وفروة بن مسيك المرادي.
وتنوع الشعر اليمني قبل الإسلام في السمات والملامح -كما يقول المؤلف محمد سعيد جرادة- ما بين شعر يغلب عليه طابع الأسى والحزن على حضارة اليمن الغاربة، وشعر بطولي لشعراء فرسان يتغنون بالأمجاد، ونوع ثالث يغلب عليه طابع التمرد على القبيلة وتقاليد المجتمع، وهم ما عرفوا بالشعراء الصعاليك.
ويعد الشاعر اليمني امرؤ القيس أشعر شعراء ما قبل الإسلام، كما يُجمع النقاد على وصفه بأسبق العرب للكثير من الاستعارات وإجادته للتشبيهات التي يتغلب بها على شعراء اليوم، كما ترجمت عدد من قصائده إلى الكثير من اللغات الأجنبية.
أدب صدر الإسلام
يتفق النقاد والمؤرخون على أن اليمن صدرت في صدر الإسلام أدبًا كثيرًا، واستوردت نظيره فقهًا وتشريعًا. يقول الزركلي في كتابه “الأعلام” إن اليمن مثلما صدرت الشعر إلى شمال شبه الجزيرة فقد ابتدعت فنًا أدبيًا جديدًا هو التأليف، واستشهد المؤرخ بـتأليف كتاب “الملوك وأخبار الماضين” وكتاب “التيجان وملوك حمير”، والكتابان طبعًا تحت عنوان أخبار عبيد بن شرية في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها، وكتاب آخر سمي بـ”الأمثال”، ويعد عبيد بن شرية أول من دون التاريخ، كما يصفه المؤرخ والأديب أحمد بن محمد الشامي.
واشتهر في صدر الإسلام عدد من الشعراء اليمنيين في مقدمتهم الشاعر اليمني سراقة البارقي الذي برز في عام 66 للهجرة كثائر ومحارب، ورغم أن حياته بقيت مجهولة، فإن له ديوانًا مطبوعًا صدر عام 1947م وتميز شعره بأنه ينبض بالروح اليمنية؛ إذ تعد بعض قصائده مادة توثيق للبطون اليمنية التي يعددها في شعره “كما لو أنه يعد موسوعة أنساب”، كما يصفه محمد سعيد جرادة في كتابه سابق الذكر.
وكان للشعر اليمني حضوره الكبير في الدولة الأموية غير أنه كان أكثر ازدهارًا في العصر العباسي، كما يشير النقاد؛ إذ يتعدى الأدب اليمني الشعر في هذا العصر ليشمل مختلف الأجناس الأدبية، من الشعر والنثر إلى الأدب الشعبي والقصص والتاريخ.
وبرز في العهد العباسي عدد من الشعراء والكتاب اليمنيين، رغم حالة التمزق التي عاشتها اليمن آنذاك. ذكر بعضهم أحمد بن محمد الشامي في إحدى محاضراته، وهم: محمد بن أبان، وعمرو بن زيد الغالبي، وأحمد بن يزيد القشيبي، ومحمد بن وهيب الحميري، وعبد الخالق الشهابي، وعبد الله بن عباد الخولاني، ويحيى بن زياد ومحمد العرزمي.
الرواية اليمنية والأدب اليمني المعاصر
عاشت اليمن سلسلة من الصراعات والانقسامات، لكن الأدب لم يخفت وحافظ على ظهوره وغزارته؛ ففي مطلع القرن الماضي ظهر فن الرواية وأبرزَ فنون الأدب؛ إذ يُعيد مؤرخون ظهور أول رواية يمنية إلى العام 1927م، وهي “فتاة قاروت” للأديب اليمني أحمد عبدالله السقاف، التي صدرت لأول مرة في إندونيسيا. يقول عنها الأديب والروائي اليمني أحمد عبدالله مثنى بأنها “رواية في قمة الجمال سردًا وتكنيكًا ووصفًا وشاعرية واسترجاعات ورموزًا، وكل ما له علاقة بالسرد المعاصر، وهي إن كتبت في المهجر الإندونيسي وعنه فإنّ أبطالها هم من أسرته من حضرموت، بصرف النظر عن أنّ هناك أجنبيَين ظهرا في أنساق السرد”.
ويؤكد مثنى في كتابه “تاريخ الرواية اليمنية” أن الرواية الثانية هي رواية “سعيد” للكاتب والروائي محمد علي لقمان المحامي، التي هي في رأي النقّاد والمؤرخين أولُ رواية يمنية تصدر في الداخل في العام 1939.
بينما تعد رواية “واق الواق” للأديب محمد محمود الزبيري هي الرواية اليمنية الثالثة، تلاها عدد كبير من الروايات لأدباء يمنيين بارزين، كالروائي زيد مطيع دماج الذي اشتهر برواية “الرهينة” في الثمانينيات.
ويعد الأدب اليمني مرآة تعكس تاريخ شعب عريق وحضارته، ويمتد تاريخه إلى آلاف السنين. وقد تأثر هذا الأدب بالعديد من الحضارات والثقافات التي مرت باليمن، مما أثرى تراثه الأدبي وأعطاه تنوعًا كبيرًا، وهناك العديد من الأدباء اليمنيين المميزين الذين أسهموا في إثراء الساحة الأدبية اليمنية والعربية، أمثال علي أحمد باكثير، الشاعر والمسرحي والروائي اليمني الكبير، ويعد من رواد الحداثة العربية، وغيره الكثير.
تنوع وأصالة
عبد الله العليمي، مدير عام مكتب الثقافة في تعز، يقول: “إن الحديث عن الأدب في اليمن لن يتوقف بمجلدات، ويتطلب إبحارًا واسعًا لغزارة الإنتاج، ولتنوع وأصالة الإنتاجات الأدبية، سواء بتنوعه الشعري الذي يأتي بأنواع كثيرة، أو النثري الذي لا يمكن حصره بفنين أو أكثر”.
وأكد أن تاريخ الأدب اليمني ظل مغيبًا عند كثير من المؤرخين والنقاد والكتاب العرب الذين اعتنوا بالأدب العربي، غير أن قليلًا من الكتاب من أعطوا اهتمامًا، وإن كان نزيرًا- بالأدب اليمني.
ويرى العليمي أن الأدب اليمني بحاجة لمراجعة وبحث حقيقي؛ حفاظًا على الذاكرة الوطنية بوصفه مرآة تعكس تاريخ المجتمع وتطوره. كما أنه أحد أهم مصادر توثيق التاريخ؛ لأنه يعكس جانبًا مهمًا من الصراعات والتحديات التي يواجهها اليمنيون على مر العصور.
ويؤكد أن تعزيز الهوية الوطنية وبناء الشعور بالانتماء والولاء الوطني يأتي من توثيق الأدب اليمني في مختلف مراحله وجعله متاحًا للجماهير، وتشجيعهم على القراءة والمطالعة بمختلف الوسائل التكنولوجية.
وأضاف أن الأدب والثقافة من الأدوات السياحية المهمة لجذب الزوار؛ إذ يتيح توثيق الأدب اليمني للزوار التعرف على التراث الأدبي اليمني وبناء جسر للتواصل والحوار بين مختلف الثقافات.
من جانبه يرى الروائي والأديب الناقد الدكتور هاني الصلوي أنَّ كمًّا هائلًا من الأدب اليمني يتعرض للاندثار؛ لأسباب مختلفة، أبرزها الانقسامات والصراعات التي يعيشها اليمني على مختلف مراحله، إلى جانب شحة المصادر التي يمكن للمؤرخ والناقد الاستناد إليها. مشيرًا إلى أن الأدب اليمني بحر واسع ومتلاطم؛ إذ يكاد أن يكون لكل منطقة يمنية فنها الأدبي الخاص.
في زمنٍ تشهد فيه اليمن صراعات متواصلة، يظل الأدب اليمني صرخة صامتة تطالب بالاعتراف، فبين دروب التاريخ المعقدة وضجيج الأحداث السياسية، اختفت روائع أدبية حملت في طياتها هوية شعب بأكمله.
الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة
أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…