‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأدب في اليمن إبداعات الشباب.. ركيزة المجال الأدبي ومستقبله في الوطن

إبداعات الشباب.. ركيزة المجال الأدبي ومستقبله في الوطن

حنان حسينصوت الأمل

يعد الشباب عماد المستقبل، وقوة دافعة للتغيير والتجديد في عموم الميادين، بما في ذلك الأدب في اليمن؛ إذ نراهم يحملون على عاتقهم مهمة الحفاظ على التراث الأدبي الغني، عبر إضافة بصمات جديدة ومبتكرة تعكس همومهم وطموحاتهم، وتواكب التطورات الحاصلة في العالم.

تجربة شخصية

“تجربتي في الكتابة لم تكن سهلة ولا وليدة اللحظة، فقد كانت البداية من المدرسة؛ إذ كنت أحاول كتابة قصص متنوعة أو أعمل على صياغة كلام وتعبيرات للإذاعات المدرسيّة، كما كنت أحاول تحويل قواعد اللغة العربية إلى قصص بغرض تسهيل المذاكرة، ومن هناك كانت البداية”، يقول الأديب محمود حام، الذي لديه العديد من المؤلفات، ومنها “خيبات معلنة”.

 ويضيف: “بدأت في قراءة النصوص والروايات والشعر وغير ذلك، مما ساعدني في إنماء مخزونيّ اللغوي، وساعدني كثيرًا على الكتابة. إلى جانب القراءة، كانت معرفتي بأشخاص أدباء أمثال الدكتور توفيق علي والأستاذ نجيب التركي وغيرهم، تسهم كثيرًا في تطوير مداركي الأدبية من خلال نصائحهم وإرشاداتهم لي في المجال”.

وفي السياق ذاته، يقول الأديب الشاب ثابت القوطاري: “تجربتي تذهب في ثلاثة مسارات أساسية، مسار تحقيق التراث؛ إذ أصدرت تحقيقًا لكتاب “الرسالة المفيدة في إيضاح ملغز القصيدة/ شرح قصيدة ابن سينا في النفس”، صدر في سوريا عن دار تموز ديموزي. ومسار الرواية، وذلك عبر إصدار رواية “مجدلية الياسمين”. وثالثًا مسار النقد، وقد أصدرت (نصوص وقراءات)، جميعها صادرة عن نادي القصة (إل مقه) وأوسكار بوك، كما أن هناك مسارًا عامًا يتمثل في كتابة المقالات”.

ويضيف: “جميعها تجارب كتابية حظيت بالقبول والنجاح، بل إن الرواية قد شقت طريقها في الدراسات الأكاديمية، ووجدت لها موضعًا فيها. وتبقى الحياة ودروسها ومواقفها وتجاربها، بالإضافة إلى القراءة والمطالعة هي من تصنعني، وقد صنعتني كما أشتهي”.

دور الشباب

يقول نجيب التركي (أديب يمني) حينما سألناه عن دور الشباب في تنمية الأدب اليمني وتطويره على المستوى المحلي والعالمي، ومن يطور الآخر: الأدب يطور الشباب، أم العكس: “مهما اختلفت الإجابات وتعددت الرؤى فإن كلًا منهما يُطور الآخر ويستقيم به”.

وعن أهمية دور الشباب في الإسهام بإثراء الأدب اليمني يقول التركي: “للشباب أهمية قصوى في تطوير ذواتهم أولًا، وتشذيبها من خلال ممارسة العملية القرائية التي من خلالها فقط يمكنهم التطوير والبناء والتأثير على المجتمع”.

من وجهة نظر نبيل الدعيس (أديب يمني)، فإن دور الشباب الواعي يعد تطويريًا في جميع المجالات الأدبية والفنية وغيرها، فحماسهم للفكرة وتفاؤلهم بما ستنتجه، والنشاط مع الشغف والإيمان بالمبدأ الذي يحركهم، كل هذا يصنع قفزة نوعية في المجال الذي يعملون عليه.

ومن جانبه يرى محمود حام أن دور الشباب مؤثر وفعَّال في كلِّ مجالات الحياة، سواءً الأدبيَّة أو العلميَّة أو الاجتماعيَّة أو السياسيَّة أو الدينيَّة، وغيرها من المجالات. وأنهم ركيزة مهمة في تطوير الأدب وصقله بالمستوى المطلوب والأمثل ونشره بالطريقة اللائقة على الصعيدين المحلي والخارجي، فمن خلال الشباب وأنشطتهم الأدبية الفعالة والمواكبة للعصر والحداثة الأدبية يتم إبراز الصورة الحقيقية والمعبرة عن حال المجتمع اليمني الذي يحمل بداخله الكثير من الثقافة الأدبية، ويعكس الصورة الجيدة عن الشعب اليمني ككل؛ لأن اليمن معروفة بتاريخها العريق في شتى مجالات الحياة، بما في ذلك الأدب بشكل عام. 

تطور العالم الرقمي

توضح الأديبة ذكريات عقلان أنه في جميع مجالات الحياة لا بد من أن يقبض على مجداف المركب فوجٌ شبابي يبعث فيه طاقة وتَجَدُّدًا، وإنْ هُمش دور الشباب أو استقل الشباب أنفسهم بدورهم شاخ المجال الأدبي معهم وغرق المركب بأكمله؛ لذا فالدور فعلياً ينبغي أن يكون بتماسك أيديهم وأيدي من سبقوا ليمضوا في عجلة التطوير؛ إذ إن الشباب حالياً لديهم نظرتهم ورؤاهم الخاصة ومعرفتهم الأوسع في كيفية الوصول إلى المستوى العربي والعالمي، وذلك من خلال الاستفادة من تطور العالم الرقمي الذي يتيح الوصول سريعاً.

وتضيف: “المجال الأدبي يزخر وبقوة بظهور أيدٍ تنحت على الصخر، وليس فقط على الورق، فالإصدارات في تزايد، ومواقع التواصل تشهد حركة عظيمة في مجال الكتابة من خلال المنشورات، التي لا يمكن ذكر اسم كاتب أو حتى عشرة؛ لكثرتهم وتفاعلهم في إحياء النشاط الثقافي عبر تلك المواقع”.

المشهد الأدبي

في حديث الشاعر زاهر حبيب عن المشهد الأدبي اليمني حاليًّا، يقول: “يُعد مشهدًا استثنائيًّا من حيث عدد الشعراء والأدباء ذي الجودة العالية، خاصة الشعراء الشباب الألفيين، أو فلنقل الذين سطعت شموسهم خلال الـ 15 سنة الأخيرة كأقل تقدير، وما تزال تسطع حتى اللحظة دون توقف. والحديث هنا بالطبع عن الشعراء المتمكنين الذين يكتبون الشعر الحقيقي مكتمل الأركان”.

ومن جانبه يرى نبيل الدعيس أن للأدب قدرة على تحريك المشاعر، وعلى تغير ليس الأفكار وحسب، بل والمعتقدات والمبادئ التي تصنع الدمار في المجتمع، وأن الأدب يوسع المنظور لأي حادثة تمر أمام أبناء المجتمع، ويعيد تشكيلها بما يتناسب مع التجارب التي يتعرض لها الأديب.

وعن أبرز الأنشطة الثقافية الفعالة تقول ذكريات عقلان: “هناك الكثير من الأنشطة الثقافية المؤثرة التي تركت أثرًا كبيرًا على المجتمع اليمن في الفترة الأخيرة، مثل المشروع الثقافي “قنطرة” الذي يركز على تطوير الكتابة الإبداعية في اليمن، بالإضافة إلى مشروع “الكتابة تحميهن” الذي يهدف إلى تدريب الفتيات على الكتابة الإبداعية، وكذلك الأندية التي تعمل على إحياء أنشطة وفعاليات دورية وبشكل مستمر، كنادي القصة ونادي كيان وصالون نون ومؤسسة شهرزاد وغيرها الكثير. على الرغم من كل المعوقات فإنّ العجلة الثقافية ما زالت تسير بغض النظر عن حجم سرعتها”.

وحول أهمية قيام فعاليات في نادي القصة اليمنيّ (إل مقه) بصنعاء في كل يوم أربعاء، يقول محمود حام: “لا ننكر الجهود الشخصيَّة القليلة التي تستهدف الشباب من خلال إقامة بعض الأنشطة الأدبية التي من شأنها تطوير وتمكين الشباب في المجال الأدبي، من أهمها مشروع قنطرة الإبداعي، وورشة صناعة الحرف حياة، لتدريب مجموعة من الشباب على كيفيَّة كتابة القصة القصيرة”.

وفي الإطار نفسه يقول نجيب التركي: “من بداية الصراع كانت هناك أنشطة ثقافية متنوعة وتكاد تحسب بأصابع اليد، في )البيسمنت(، أو كما هو الآن في البيت اليمني للموسيقى؛ إذ يوجد كل يوم سبت تقريبًا فعالية ثقافية، أما في نادي القصة (إل مقه) فالفعاليات مستمرة أثناء الصراع حتى الآن كل يوم أربعاء من كل أسبوع، وكل لقاء يختلف عن الذي قبله، في تناول عمل روائي، أو أن يناقش كوكبة من الأدباء مختلف القضايا الأدبية، أو يُنظَّم حفل توقيع لديوان شعري، وهكذا”.

أبرز الأعمال

 يؤكد نجيب التركي أن هناك العديد من الأعمال للشباب اليمني، منها: “عن ألف موجعة وشعور” لآمال العريقي، و”ما رواه الصقر” لريم درويش، و”بوح القمر” لسلا القحطاني، و”ثمّة عاطفة كبّلت إدراكي” لندى الدعيس، و”خيبات معلنة” لمحمود حام، و”اليد التي علّقت المرآة” لهدى جعفر، و”بين مفترق الشعور” لماريا أمين.

ويرى محمود حام أن هناك الكثير من النماذج لشباب يحاولون وضع بصمة أدبيَّة جيِّدة تليق بالأدب اليمني وثقافته، والساحة الأدبية مليئة بهم، وأعمالهم الأدبية تعكس مدى تطورهم الثقافي والأدبي، وما زالوا -رغم ذلك- يطورون من أنفسهم في هذا المجال باستمرار، وهذا التطوير ناجم عن جهود فرديّة بحتة إلَّا ما ندر.

أما عن رأيه عن أبرز الأعمال الأدبية للشباب يقول: “البعض منهم لم يصدر أيّ عمل أدبي حتى الساعة، لكنهم في نظري أشخاص كتابتهم مرموقة وتتفوق على غيرهم بمراحل كثيرة، ومنهم الكاتب توفيق علي غثيمي”. أمَّا بالنسبة للأعمال التي لفتت انتباهه وتستحقّ الذكر لما فيها من جودة أدبيَّة محضة، فمنها:

– “شيء من أثر” (نصوص شعرية)، و”شمس الشتاء” (رواية) للكاتب والأديب نجيب التركي.

– “عن ألف موجعة وشعور” (نصوص أدبية)، للكاتبة آمال العريقي.

– “دوستويفسكي في صنعاء”، (رواية)، لـنبيل الدعيس.

-“اللاشيء”، (نصوص)، لِـرنا نائل.

-“أرضك يا غريب”، (رواية)، لأرياف التميمي.

-“فيما بعد”، (رواية)، لذكريات عقلان.

– “مجدلية الياسمين”، (رواية)، لـثابت القوطاري.

– “عزلتان”، (نصوص)، للكاتبة نعمة الخالد.

التحديات

زاهر حبيب يرى أن الأديب اليمني يعاني من آفة التهميش الممنهج الذي يحيط به من كل الاتجاهات، فلا كيانات أدبية تحتويه كما ينبغي، ولا مؤسسات حكومية تلتفت إليه أو توفر له البيئة المناسبة لتخليق إبداعه.

ويردف بالقول: “هذا التهميش هو الذي جعل دور الأديب اليمني في المجتمع غائبًا، بل وأمعن في تغييبه وإقصائه. وما كان ذلك ليكون لولا جهل أصحاب القرار في البلد بالدور التنويري الذي يمكن للأديب أن يسهم به في بناء المجتمعات. نحن في زمنٍ الإصغاء فيه لأزيز الرصاص لا لصرير الأقلام، وما نراه من العبث المستفحل إلا نتيجة ذلك”.

وفي السياق ذاته، تعتقد ذكريات أنّ أبرز تحدٍ يواجه الكاتب هو قلة الدعم اللازم لتخطي العقبات الأساسية، كصعوبة النشر وإحياء الأنشطة المراد إقامتها، وقلة الأنشطة الثقافية الجماهيرية المدعومة من قبل الدولة التي تجعل كل كوكبة تتقوقع في زاوية معينة.

أما نجيب التركي فيوضح أن نقص المادة هي أكبر عائق، إضافة إلى الأسرة، فطالما الأسرة غير متفاعلة مع ما يبذله الكاتب من جهدٍ، فليس من خير أبدًا لصنيعه. وأخيرًا الوسط الأدبي في اليمن مليء بالغث والسمين، وعلى الكاتب أن يحيط نفسه بمن هم أهلٌ للصون.

وعن التحديات يقول محمود حام: “التحديات والمصاعب جمّة لا حصر لها، قد تكون لأسباب سياسيَّة وبعضها لأسباب اجتماعيَّة واقتصاديَّة، وكل هذه الأسباب من شأنها مساعدة الشباب وتنشئته نشأة أدبيَّة أو إعاقته وقتل موهبته وهي ما زالت في المهد”.

من وجهة نظر نبيل الدعيس أن أبرز المعوقات -إضافة إلى ما ذكر مسبقًا- “هي انعدام التقدير للأدباء ودورهم، التقدير الذي يبحث عنه أي إنسان يقوم بما يظن أنه يخدم المجتمع معدوم كليا، بل ومستبدل بالاستهزاء والتقليل من القيمة، وهذا هو أهون المصاعب التي تواجهه”.

ويضيف: “كذلك عدم وجود مؤسسات حقيقية تتبنى الأديب يجعل الأدب أصعب، خصوصًا في المراجعة والنشر، فضلاً عن أن الشاب يحتاج إلى أن يجد وظيفة خارج مجال الأدب ليوفر قوت يومه. إضافة إلى وجود مشاكل دولية قد تمنع أي تعاون قد يتم بين الكاتب ودار النشر، إلا ما كان مدفوعًا كليًا، وهذا ما يجذب جمهورًا عربيًا بدل الجمهور اليمني الذي تعد القراءة لديه أمرًا شبه مستحيلة. وأهم عائق هو الأديب نفسه، فاليأس الذي أدخله الصراع فيه، والسؤال الدائم عن جدوى الكتابة في مثل هذه الأوضاع، والاستسلام أخيرًا لصراع لقمة العيش”.

المعالجات

يوكد محمود حام أن هناك مقترحات ومعالجات كثيرة، لكنَّ أهمها -من وجهة نظره- هي تشجيع الشباب وتمكينهم من خلال إقامة الورشات، والأمسيات، والدورات التدريبية الأدبية، وأيضًا المسابقات الأدبية، وكذلك تخصيص مراكز أدبية خاصة تحت إشراف وزارة الثقافة من شأنها تطوير وتمكين الشباب.

ويضيف: “إن أردنا أن نتطرق لعلاج القصور في هذا المجال فهو يبدأ من الفرد في عملية تطوير ذاته من خلال الاطلاع والمشاركة والاحتكاك بأولي المجال، يتلوه دور المؤسسات والأندية الخاصة التي يجب أن تتبنى -قدر الاستطاعة- المواهب الأدبية، ونختم بالأساس الذي سيرتقي من خلاله المجال الثقافي إذا ما قدم الدعم والدور الذي ينبغي أن يمثله، وهو دعم الدولة من خلال وزارة الثقافة وما يندرج تحتها”.

والمعالجات كما اقترحها نبيل الدعيس تتمثل في: تطوير شامل للنظام المؤسسي والتعليمي في اليمن، واهتمام الجهات العليا بقضايا الشباب الأدبي، واستمرار المبادرات والأندية الثقافية القائمة بجهود شخصية، ومحاولة رفع الوعي الجماهيري بأهمية الأدب سواء على النطاق الاجتماعي أو السياسي وغيرها، ثم تحفيز الأجيال الأصغر سنًا على القراءة بوصفها المنفذ الوحيد نحو مستقبل مشرق، إلى أن يأتي يومٌ تظهر فيه معالجات كبرى من الجهات المختصة.

وختمت القاصَّة مها صلاح بأن أبرز المعالجات تتمثل في عدة حلول، منها: “قيام المؤسسات الأدبية والثقافية الرسمية والأهلية بالقيام بدورها الأساسي في اكتشاف المبدعين ورعايتهم وحمايتهم، توعية المجتمع بضرورة دعم المشاريع الأدبية والإبداعية، وعودة الصحف الأدبية التي توقفت للصدور ودفع الحقوق الفكرية للمبدعين والكتاب، بما يسمح لهم بالاستمرار في الكتابة، تبني مفهوم التفريغ الأدبي والفني، وهو مفهوم مطبق في جميع الدول العربية، وهو أحد أهم أسباب ولادة الأعمال الأدبية الخلاقة في العالم واليمن”.

 في الختام، نجد أن شبابنا اليمني يشكل ثروة أدبية كبيرة رغم المعاناة والظروف الصعبة التي يمرون بها، لذا يجب استثمارها بشكل جيد، من خلال توفير الدعم اللازم وتذليل الصعوبات التي تواجههم. ويمكننا أن نرى جيلاً جديداً من الأدباء اليمنيين قادر على إثراء الساحة الأدبية العربية والعالمية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

الشاب ربيع؛ قصة شغف بالقراءة وسط تحديات الحياة

أحمد باجعيم – صوت الأمل القراءة تمثل أداةً أساسية لتطوير الذات وبناء المعرفة، وهي من…