‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأطفال الأحداث في اليمن دور التعليم والتدريب في تغيير حياة الأطفال في دار الأحداث

دور التعليم والتدريب في تغيير حياة الأطفال في دار الأحداث

ياسمين عبدالحفيظ – صوت الأمل

الأطفال ثروة الشعوب وعامل أساسي في التنمية المستدامة، ومع ذلك ما تزال العديد من الدول تواجه تحديات كبيرة في توفير الحماية الكافية لهم وضمان حصولهم على حقوقهم الأساسية في الصحة والتعليم والرعاية؛ الأمر الذي يتطلب تضافر جهود الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتوفير بيئة آمنة ومواتية لنمو الأطفال وتطورهم.

ولا تقتصر مسؤولية حماية الطفل على الحكومات والمؤسسات الرسمية فحسب، بل تمتد لتشمل المجتمع ككل، فالأسرة والمدرسة والمجتمع المحلي يلعبون دوراً حيوياً في تربية الأطفال وتوفير بيئة آمنة لهم، ومن الضروري تعزيز التعاون بين جميع الأطراف المعنية لضمان حصول جميع الأطفال على الرعاية والحماية التي يستحقونها.

تُولي العديد من المجتمعات حول العالم اهتمامًا كبيرًا بقضية الأحداث الذين يرتكبون جرائم أو سلوكيات غير لائقة؛ فبدلًا من التركيز فقط على العقوبة، تسعى هذه المجتمعات إلى توفير برامج إعادة تأهيل شاملة تهدف إلى إعادة دمج هؤلاء الأحداث في المجتمع وتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة لبناء مستقبل أفضل. وتعد مراكز الرعاية والتأهيل هي الخطوة الأولى في هذا المسار؛ إذ توفر للأحداث بيئة آمنة وداعمة تساعدهم على التغلب على الصعوبات التي يواجهونها.

ولتوضيح معنى الحدث، تقول رئيسة محكمة الأحداث في تعز، درة عبدالله حيدر: “الحدث قانونًا هو الشخص الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره. قد يتعرض الحدث للانحراف نتيجة مجموعة من العوامل، منها ارتكابه لجرائم، سواء كانت جسيمة أو بسيطة، أو بسبب تعرضه لظروف اجتماعية واقتصادية صعبة تدفعه إلى الهروب من المنزل أو المدرسة، أو إلى ممارسة أعمال تافهة لكسب الرزق، مثل جمع الأدوات البلاستيكية أو التسول، حتى الأطفال الذين لا يرتكبون جرائم بشكل مباشر قد يكونون معرضين للانحراف إذا كانوا يعيشون في بيئات غير صحية أو يختلطون بأشخاص سيئِي السمعة”.

من جهته يوضح ماجد أحمد السبئي (أستاذ الخدمة الاجتماعية في كلية الآداب، جامعة عدن) أن الأحداث هم أطفال دفعت بهم الحياة والظروف الاجتماعية والاقتصادية العامة للمجتمع بشكل عام، إلى ارتكاب عملٍ مخل حسب القانون، وعلى ضوئه أجبروا على دخول السجن. ولكونهم أحداث في الأصل فإنهم لا يدخلون السجن؛ بل هناك مكان بديل عن السجن تسمى “دار الأحداث”.

مؤسسات لرعاية الأطفال الأحداث

يعيش أطفال اليمن مأساة إنسانية عميقة؛ إذ تجدهم ضحايا للصراع الدائر، ويعانون من آثار التفكك الأسري، والنزوح، والفقر، والحرمان من أبسط الحقوق، هذه المعاناة المتراكمة تهدد مستقبل جيل كامل، وتجعلهم عرضة للانحراف والجريمة، ويتطلب الأمر تضافر الجهود لتوفير الرعاية اللازمة لهؤلاء الأطفال، وإعادة تأهيلهم، وحمايتهم من مخاطر المستقبل.

 ولا بد من تفعيل وتنشيط مراكز ومجمعات لاستقطاب هؤلاء الأطفال في عموم مناطق البلاد، بدلًا من الزج بهم في السجون، وتنشئتهم تنشئة سليمة تمكنهم من أن يكونوا جيلاً يتعافى بهم المجتمع وبطموحاتهم وأهدافهم المستقبلية ليصبحوا رجال الغد وبناة المستقبل.

تشير القاضية درة إلى أن مجمع الرعاية للأطفال يضم عدة فروع أو مراكز، كما أن هناك دورًا تهتم بالأحداث (بنينًا وبناتًا)، وهناك دار طفولة آمنة وغيرها، وأن دار الأحداث تكون خاضعة لإشراف محاكم الأحداث وفقًا للقانون.

من جهته يوضح السبئي أن أهمية وجود مثل هذه المراكز يأتي في كونها تتبنى تنشئة الأطفال الأحداث تنشئة سليمة، وتحويل مسار حياتهم نحو حياة آمنة بعيدة عن المخاوف وارتكاب الجريمة والتعرض للانحراف وفعل أعمال تنفى القانون والعادات والمعتقدات.

تحديات تواجه دور رعاية الأحداث في اليمن

تواجه الكثير من دور رعاية الأحداث في العديد من محافظات الجمهورية اليمنية تحديات وصعوبات تَحُوْل دون تقديمها الخدمات والرعاية اللازمة وكل ما يحتاجه هؤلاء الأطفال، لا سيما مع التدهور الكبير الذي تعاني منه أغلب مؤسسات الدولة، فضلاً عن الانقسام الحاصل في البلاد بفعل الصراع.

عن التحديات التي تواجه دار رعاية الأحداث في عدن، يقول ياسر عبدالله عبدربه (مدير دار رعاية الأحداث): “تعاني دار رعاية الأطفال من نقص حاد في الموارد؛ إذ يحتاج إلى ترميم شامل وصيانة؛ لتوفير بيئة آمنة ومناسبة للأطفال، كما يتطلب توفير أثاث جديد ومناسب للأطفال وللإدارة، وتجهيزه بالألعاب التعليمية والترفيهية التي تساعد على تنمية مهاراتهم وقدراتهم”.

وأضاف: “يحتاج الدار إلى توظيف كوادر مؤهلة وزيادة في عدد العاملين لتقديم رعاية أفضل للأطفال، وأن يكون أكثر من مجرد مكان للإيواء؛ إذ يجب أن يكون بيئة تعليمية وترفيهية تساعد الأطفال على تطوير مهاراتهم وقدراتهم؛ لذلك يحتاج إلى توفير ورش عمل مهنية متنوعة تمكن الأطفال من اكتساب مهارات حياتية تساعدهم على الاعتماد على أنفسهم في المستقبل”.

ويؤكد في حديثه ضرورة عمل بحوث اجتماعية ونفسية وإدارة حالة، وإضافة فصلين دراسيين، فصل لمحو الأمية وفصل لاستكمال الدراسة، ودمج بعض الأطفال لمواصلة دراستهم، وتنظيم محاضرات توعوية وسلوكية وأخلاقية إلى جانب المشاركة في برامج المساحة الآمنة.

دور رعاية الأحداث في مدينة تعز من المراكز التي تعاني تحديات كبيرة؛ إذ فاقم الصراع المستمر منذ أكثر من تسعة سنوات في تناميها مما جعل القائمين عليها يجدون صعوبة في تقديم ما يحتاجه الأطفال من نزلائها، سواء البنين أو البنات.

بحسب القاضية درة: “قبل الصراع في تعز، أنشأ الصندوق الاجتماعي مجمعًا متكاملًا للتنمية، بالشراكة مع مكتب الشؤون الاجتماعية، وقد ضم جميع المراكز والدور، ومن ضمنها دار أحداث للبنين، وللبنات. وبعد نشوء الصراع تضررت العديد من المباني، وهو الآن في منطقة تماس بين طرفي النزاع”.

وتتابع حديثها: “تم استئجار مبنى مؤقتًا، ليكون بديلًا لكنه غير مؤهل للقيام بالرعاية الكاملة تجاه الأطفال الأحداث، خاصة أن الغرض من إيداع الطفل في الدار هو إعادة تأهيله وبناء شخصيته من أجل دمجه في المجتمع، بعد تعليمه وتدريبه على مهنة يستطيع عيش حياته الطبيعية منها، مثل بقية أفراد المجتمع. وهذا المبنى البديل غير مؤهل للقيام بهذا الدور”.

وتضيف: “توجد لجنة تنسيقية في محافظة تعز تابعة لوزارة العدل، وهي لجنة تم تشكيلها في العديد من المحافظات اليمنية في عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت ومأرب وغيرها من المدن. وتضم هذه اللجنة المحكمة والشرطة والنيابة ومكتب التربية والتعليم والصحة والأمن ومكتب التخطيط، ومن مهامها مناقشة قضايا الأحداث وإيجاد حلول للصعوبات وتذليلها”.

“بالنسبة لدور الأحداث في حضرموت الساحل فقد كانت تعمل حتى قبل العام 2011، وبسبب الصراع الذي مرت به اليمن تم إغلاقه حتى فترة جائحة كورونا 2020، ثم سُلِّم المبنى إلى مكتب الصحة ليكون مركزَ عزل، وبعد انتهاء الأزمة كان من الصعب استعادته”، بحسب حكمت سعيد الشعيبي، مديرة إدارة الحالة بمكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بساحل حضرموت.

وتضيف: “تم تهيئة مبنى آخر وهو دار الجانحات، الذي تلقى الدعم من مؤسسات عملت على تأثيث وتهيئته، وقد تم دعمه من قبل محافظ المحافظة بكادر وميزانية تشغيلية. مع ذلك، ما زال المبنى يعاني من نقص، ولم يصل إلى نفس مستوى المبنى القديم”.

تدعو الشعيبي المنظماتَ الدولية لدعم الدار بالأنشطة والبرامج لتأهيل الموظفين الجدد، إلى جانب استهداف الأطفال ببرامج تعليمية وتدريبية تساعدهم في المستقبل.

أهمية تمكين الأطفال

يعد التعليم حجر الزاوية في عملية إعادة تأهيل الأحداث، فمن خلال التعليم يحصل الأحداث على فرصة لاكتساب المعرفة والمهارات التي تمكنهم من الاندماج في المجتمع بنجاح، فالتعليم ليس مجرد اكتساب للمعلومات، بل هو وسيلة لتطوير الشخصية، وتنمية القدرات، وبناء مستقبل أفضل، كما تعد أهمية توفير التدريب المهني في تزويدهم بالمهارات العملية اللازمة لسوق العمل، ويجعلهم قادرين على الاعتماد على أنفسهم، ويفتح أمامهم آفاقًا جديدة للعمل والكسب.

وتشير القاضية درة في حديثها عن وضع عملية التعليم والتدريب في مركز رعاية الأحداث في تعز، قائلة: “عملنا بالتنسيق مع إحدى المدارس بالنسبة لتعليم الأطفال في الدار وإجراء الاختبارات لهم. كما تم التنسيق مع مكاتب التربية والتعليم لأجل اعتماد نتائجهم وختم شهاداتهم، ومع ذلك نشدد بأهمية دعم الدار من قبل منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وكذا القطاع العام”.

وأشارت إلى أن العديد من المنظمات نفذَّت العديد من الأنشطة، منها برنامجٌ بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية في 2023، الذي شمل تأهيل وتدريب الأطفال الأحداث على أعمال الكهرباء وإمداد الطاقة الشمسية؛ بهدف إكساب الأطفال مهنة يمارسوها في المستقبل، وصُرفت لهم أدوات من قبل منظمات وجهات داعمة. مؤكدة أهمية العمل المشترك في استدامة هذه التدريبات، وليكون الدار مستمرًا في تنفيذها من خلال ورشة تابعه له أو معمل ثابت.

من جانبه يوضح ياسر أن عشرة أطفال من دار الأحداث قد تخرجوا من ورشة الكهرباء والطلاء والزراعة، وسبعة عشر طفل من برنامج سفراء الطفولة.

أهمية التعليم والتدريب

في الشأن ذاته يقول السبئي: “إن ما يستصعبه الطفل في التعليم يستسهله في التدريب، فالتدريب بالنسبة للأطفال الأحداث مهم للغاية؛ إذ يتعلم الطفل مهن جديدة يستطيع منها أن يعيل نفسه قبل أن يعيل أسرته، وبعدها يستطيع أن يعيل عائلة يكونها في المجتمع بطريقة شرعية”.

ويؤكد أن عدم تأهيل الأحداث وتدريبهم وتركهم دون ذلك، والاكتفاء بإلحاقهم بمدرسة فقط سيجعلهم يعانون من الفراغ الوجداني والعاطفي، فالتدريب يشغلهم ويصبح لديهم مهنة؛ لذا من الضروري تعليم الأطفال الأحداث وفق المناهج العلمية التي تدرس في المدارس المختلفة، مثل المنهج العاطفي والمنهج التفكيري والإبداعي.

ويقول: “تدريب الأحداث له آثاره الإيجابية على الذات والمجتمع. وفي حال امتلك الأحداث مهارات وقدرات اتصال وتواصل فسيكون هناك قبول اجتماعي وتعايش، وبهذا يستطيعون العيش كما يعيش بقية الأطفال في المجتمع”.

من جهتها تقول القاضية درة: “أهمية التعليم والتدريب في دار رعاية الأحداث كبيرة للغاية؛ لأن أغلب الأحداث الذين يصلون إلى الدار يكون أحد أسباب انحرافهم هو التسرب من التعليم؛ لذلك نجد منهم من لم يدرسوا نهائيًا أو منقطعين عن الدراسة منذ عدة سنوات”.

وتضيف: “التعليم مهم لتنمية مدارك الطفل وتثقيفه وتربيته وتعليمه وتوعيته وإدراكه لكل شيء محيط به وفهمه للكثير من المفاهيم، والتعليم المهني للطفل الحدث مهم لأنه يحتاج إلى إعادة تأهيله”.

وتتساءل: “ما فائدة إيداع الطفل فقط دون تعليم أو تأهيل؟! هنا تشعر أن عمل الدار بهذا الشكل مبتور؛ لأن الركيزة الأساسية لقضاء الأحداث فيها هو تعليم الطفل وإعادة تأهيله ودمجه في المجتمع، وهو بحاجة إلى الدعم النفسي والتربية الصحيحة والإرشاد والتدريب والوعي والثقافة”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

61.9% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنّ القوانين الحالية غير كافية للتعامل مع قضايا الأحداث في اليمن…

إعداد: يمنى الزبيري – صوت الأمل في ظل الأزمة الإنسانية التي يعاني منها اليمن والصراع المست…