‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأطفال الأحداث في اليمن القوانين والممارسات القضائية لحماية الأطفال من الجريمة في اليمن

القوانين والممارسات القضائية لحماية الأطفال من الجريمة في اليمن

هبة محمد – صوت الأمل

في زمن الصراعات تولد الاضطرابات، ويتعرض الأطفال في اليمن لمخاطر لا تُحصى بدلاً من الشعور بالأمان والحماية، يُضطر هؤلاء الأبرياء إلى مواجهة مخاطر الفقر والتهميش والانجرار نحو الجريمة، ولكن هل تستجيب منظومة العدالة الجنائية في اليمن لهذه التحديات؟

  هذا التقرير يحفر في أعماق هذه القضايا الملحة، مسلطًا الضوء على الفجوات والقصور في الإطار القانوني القائم، من خلال استعراض التشريعات ذات الصلة وتحليل الممارسات القضائية على أرض الواقع، ومدى كفاءة منظومة العدالة في حماية الأطفال المعرضين للخطر، والتحديات التي تواجه هذا النظام. 

الأطفال ضحايا وليسوا مجرمين

يقول المستشار القانوني عبد الرحمن الزبيب: “الأطفال ليسوا مجرمين، بل هم ضحايا، إذا ارتكب الطفل واقعة، فإنه لا يُعد مجرمًا، بل يُنظر إليه كضحية للإهمال أو التحريض على ارتكاب الجريمة أو نقص الوعي، هذه هي طريقة التعامل التي يتبعها القانون اليمني مع الأطفال”.

ويضيف: “يقسم القانون اليمني الطفل إلى مراحل عمرية محددة، إذ تكون المرحلة الأولى حتى سبع سنوات، وفيها لا يتحمل الطفل أي مسؤولية، ثم تتزايد المسؤولية بتقدم المراحل العمرية، وفي المرحلة الأخيرة تصبح المسؤولية ناقصة، إذ يعاقب الطفل بنصف العقوبة المنصوص عليها، وفي حالة القتل العمد، لا يحكم بالإعدام، بل يحكم بالدية”. 

 ويكمل: “بخصوص القوانين اليمنية المنظمة لحقوق الطفل، هناك القانون رقم 45 لسنة 2002م بشأن حقوق الطفل، وكذلك قانون رعاية الأحداث الصادر بالقرار الجمهوري رقم 24 لسنة 1992 وتعديلاته. تتضمن هذه القوانين الإجراءات والتدابير القانونية لحماية حقوق الطفل وضمان رعايته”.

وأوضح الزبيب أن قوانين حقوق الطفل ورعاية الأحداث هي قوانين مهمة لحماية الأطفال، سواء كانوا في تماس مع القانون أو بشكل عام، وهذه القوانين تركز على حماية حقوق الأطفال المتعددة، بما في ذلك حق النفقة، والصحة، والتعليم، وغيرها من الحقوق الأساسية.

وذكر أيضاً أن واحدة من النقاط المهمة التي تنص عليها هذه القوانين هي وجوب عدم التحقيق والمحاكمة مع الأطفال إلا بوجود محامٍ يمثلهم ويحمي حقوقهم خلال الإجراءات القانونية، فهذا يضمن وجود شخص مؤهل للدفاع عن حقوق الطفل.

ويتابع: “أماكن إيداع الأطفال الذين يكونون في تماس مع القانون وتورطوا في جرائم معينة هي دور الرعاية وليس في السجون. هذه الأماكن تهدف إلى توفير بيئة آمنة وملائمة للأطفال، وتركز على إعادة تأهيلهم وتعزيز تطورهم الشخصي والاجتماعي”.

وعما إذا كان هناك نيابات ومحاكم خاصة بالأحداث، أوضح الزبيب أن هناك نيابات مختصة تتولى التحقيق في الوقائع التي يرتكبها الأحداث، وهي تعرف بنيابة الأحداث، تعمل هذه النيابة كجهة مستقلة ومتخصصة تفصل عن النيابات العادية. وبالنسبة للمحاكم، توجد محاكم متخصصة تعرف بمحاكم الأحداث.

 وأكد أن نظام تلك المحاكم يختلف عن المحاكم العادية؛ إذ يتم النظر في الدوافع الاجتماعية والنفسية للجريمة ومعالجتها في مسار التعامل مع قضايا الأحداث. وبحسب الزبيب، فإن للمختصين الاجتماعيين والنفسيين دورًا كبيرًا في تحديد التدابير اللازمة التي يجب اتخاذها، ويتم البحث عن الفاعل الحقيقي للجريمة ومن لديه مصلحة فيها.

حقوق الطفل والحدث في القانون اليمني

يقول محامي هيئة التنسيق لرعاية حقوق الطفل بمحافظة إب، وضاح عبد الله الصبري: “هناك العديد من القوانين التي تنظم حقوق الطفل وتحكم إجراءات قضاء الأطفال. ويتطلب الاستعانة بهذه القوانين بشكل حاسم سواء من المحامين أو القضاة، ومن بين تلك القوانين التي يجب الإشارة إليها قانون حقوق الطفل، وقانون رعاية الأحداث، وقانون الإجراءات الجزائية، وقانون الجرائم والعقوبات، والدستور اليمني”.

ويضيف: “وأيضاً قانون الأحوال والسجل المدني، بما في ذلك المادة (4) الفقرة رقم (1)، واتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجمهورية اليمنية، وقانون مصلحة السجون، ومواثيق الأمم المتحدة، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.

وعن نوعية القوانين التي تستخدم في الواقع أشار بالقول: “في الواقع، نجد أننا لا نستفيد من جميع هذه القوانين أو نعتمد عليها بالكامل، سواء من قبل محامي الطفل أو الحدث، أو من قبل القضاء أثناء المحاكمات وإصدار الأحكام. ويقتصر الأمر على الاعتماد على بعض هذه القوانين وحدها، وهي قانون الإجراءات الجزائية، وقانون رعاية الأحداث”.

يشاركنا الحديث المحامي وليد الأثوري بالقول: “تنص المادة (42) في قانون رعاية الأحداث على أن يُحظر بشكل قاطع نشر أسماء الأطفال الأحداث أو صورهم، وكذلك نشر وقائع المحاكمة أو ملخصها، سواء في وسائل النشر الورقية أو الإلكترونية أو أي وسيلة أخرى تستخدم للنشر. يأتي هذا الحظر لحماية خصوصية الأحداث وضمان سرية الإجراءات القانونية المتخذة ضدهم”.

ويكمل: “وتنص المادة (45) على أن يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة، أو بغرامة لا تزيد عن عشرة آلاف ريال -عدا الأبوين والأجداد- كل من أخفى حدثاً حُكِمَ بتسليمه لشخص أو جهة، طبقًا لأحكام هذا القانون، أو دفعه للفرار أو ساعده على ذلك. كما يعاقب بذات العقوبة كل من خالف أحكام المادة (42)”.

 مدى تطبيق القوانين في الواقع

تعد حماية حقوق الطفل والحد من ارتكابها لمخالفات القانون أمرًا ذا أهمية قصوى في إرساء أسس مجتمع عادل ومستدام. وعلى الرغم من ذلك، يواجه الواقع تحديات تتعلق بالتطبيق الجيد لقوانين حقوق الطفل ورعاية الأحداث.

 وأكد المستشار القانوني الزبيب أن هناك ضعفًا في تطبيق تلك القوانين؛ مما يؤدي إلى عجزٍ في حماية الأطفال وفشلٍ في معاقبة المخالفين بالشكل المناسب. ويضيف أن العديد من المحافظات والمديريات تشكو من نقص في الإمكانيات اللازمة لتفعيل قضاء الأحداث وفقًا لأحكام قانون رعاية الأحداث.

ومن جانب آخر من جوانب تعزيز تطبيق القوانين يقول: “تُبذل جهود إيجابية لتعزيز تطبيق القوانين الحماية للأطفال. تأتي في مقدمة هذه الجهود اللجنة الفنية لعدالة الأطفال، التي تضم جميع الجهات ذات الصلة في هذا النطاق وتمول أنشطة ومشاريع اللجنة الفنية لعدالة الأطفال من قبل اليونيسيف”.

وذكر الصبري أنه يتم تطبيق حماية حقوق الأطفال في اليمن من خلال جهود المحامين الذين يمثلونهم أمام الجهات القضائية ويدافعون عن حقوقهم، وبواسطة القضاة الذين يصدرون أحكامًا تطبق تلك النصوص وتحمي حقوق الأطفال، وتعمل هذه الفرق القضائية بتعاونٍ وتنسيقٍ؛ لضمان تحقيق العدالة للأطفال وحمايتهم في المجتمع اليمني.

التفرقة القانونية بين الأطفال والأحداث

 عن الفروق القانونية بين الطفل والحدث يقول الصبري: “يهمنا أن نشير إلى أن المشرع اليمني قد قام بالتمييز بين مفهومي الطفل والحدث، وقد وضع لكل منهما قانونًا خاصًا به. جاء في المادة (2) من قانون حقوق الطفل تعريفًا لكل منهما على النحو التالي: الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة سنة من عمره، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك، أما الحدث فهو كل طفل بلغ السابعة من عمره ولم يبلغ سن الرشد”.

ويتابع: “وقد عرفت المادة (2) من قانون رعاية الأحداث الحدثَ بأنه كل شخص لم يتجاوز سن الخامسة عشرة سنة كاملة وقت ارتكابه فعلاً مُجرمًا قانونيًا أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف. ويجدر الإشارة إلى أن هذا التعريف يختلف عن العديد من التشريعات في دول أخرى، وهو غير متوافق مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي وقعت عليها الجمهورية اليمنية”.

مشيرًا إلى أن هذه التفرقة أدت إلى تداعيات في النظام القضائي؛ إذ يتم تخصيص محكمة في كل محافظة للنظر في قضايا الأحداث، في حين يتم محاكمة الأطفال في الفئة العمرية من سن الخامسة عشر إلى سن الثامنة عشر في المحاكم العادية مع البالغين الذين تجاوزوا سن الطفولة، ويتم سجنهم معهم.

دور الأحداث في محافظة إب

يقول العقيد غمدان أبو ذيبة (مدير إدارة حماية الأسرة محافظة إب): “تعد فئة الأطفال من أهم شرائح المجتمع؛ لأنهم الحاضر والمستقبل. وتوجد قوانين تحمي الأطفال في رعاية الأحداث ولهم محكمة خاصة. تتبع قضايا الأطفال مسارات محددة مثل أي قضية أخرى، وفي حالة تحريض الطفل على ارتكاب جريمة ما، يُحبس الشخص المحرض لمدة لا تزيد عن سنة أو ثلاث سنوات”.

ويتابع: “رغم عدم توفر إحصائيات دقيقة عن الأطفال الأحداث في اليمن، فإن انتشار الجرائم بينهم متعدد ومتنوع في سلوكيات مختلفة، إذ تشمل التعاطي والسرقات والقتل، وبنسب تقدر بنحو 70%. ولا يمكنني تقديم أرقام محددة بشأن عدد الأطفال الموجودين في دور الأحداث في اليمن”.

وأفاد أيضاً أنه في دار الأحداث بمحافظة إب، يوجد ما بين 17 إلى 20 حَدَثًا، لكن ذلك لا يعني أن جميع السلوكيات غير الصحيحة تؤدي إلى إحالة الأطفال إلى الدار، فهناك بعض السلوكيات التي يتم ممارستها بعيدًا عن الجهات ذات العلاقة، وقد يتعرض بعض الأطفال للاستغلال من قبل بعض الأفراد. وحسب آخر إحصائية هناك 34 طفلاً في السجن الاحتياطي في محافظة إب.

وعن أبرز الظواهر المنتشرة بين الأطفال في محافظة إب، يشير أبو ذيبة إلى أن التسول بين الأطفال مشكلة كبيرة جدًا؛ إذ يتم إكراه الأطفال على الخروج للتسول، وتم ضبط حالتين في قبل حماية الأسرة تعرضت للتعنيف؛ إذ قام أخوهم الأكبر بإحراق أخيه الصغير بسبب عدم إعطائه مبلغًا معينًا، وبعد التحقيق رفض الطفل العودة إلى حضن والديه، وتم إحالة القضية إلى محكمة الأحداث واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لحفظ كرامة الطفل.

وشدد بقوله: “قبل اتخاذ الإجراءات القانونية، يجب على المجتمع التدخل ومحاربة ظواهر مثل التسول والاعتداء على حقوق الأطفال. وينبغي على الأفراد تبليغ الجهات المختصة بأي حالة، سواء كانت تتعلق بظاهرة التسول أو استغلال الأطفال في بيع أشياء بسيطة أو غير ذلك. وأيضاً يتحمل الوالدان المسؤولية الأولى في مراقبة الطفل وحمايته من الغزو الفكري الذي يأتي عبر الألعاب الإلكترونية وتكنولوجيا العصر”.

ويضيف: “عندما ضبطت الجهات المختصة حالات التسول في الآونة الأخيرة، تحول الموضوع في بعض الأحيان إلى عمالة الأطفال، وتم الدفع بالأطفال إلى التجول في الشوارع وبيعهم لأغراض بسيطة. ومع ذلك، يستمر التحدي وتستمر مشكلة التسول”.

المنظومة القانونية الخاصة بالأطفال

“الأطفال -بحكم وضعهم الخاص واعتمادهم على غيرهم- يختلفون عن البالغين في نموهم البدني والنفسي، ويواجهون صعوبات حقيقية للمضي قدماً في سبل الاحتجاج على انتهاك حقوقهم. وقد تبين أن التعرض لنظام العدالة الجنائية العادية يلحق الضرر بالأطفال، ومن ثم فإن دور القانون يكمن في توفير تدابير خاصة للحماية بسبب وضع الأطفال كقاصرين ومحاكمتهم كفئة مستضعفة”، حسب المحامي الصبري.

ويضيف: “القانون قد وضع أساسًا للاعتراف بمسؤولية أقل، من حيث المسؤولية الجزائية بكل جوانبها، سواء من خلال تخفيض وطأة العقوبة المنصوص عليها في القانون لمثل هذه الفئة من المذنبين إذا ارتكبوا جرائمهم في سن معينة، أو الاستغناء عن العقوبات التقليدية بتدابير تقويمية إذا كانوا في سن أدنى، وإقامة نظام متخصص من حيث القواعد الإجرائية الخاصة بملاحقتهم ومحاكمتهم”.

حقوق الأطفال في المحاكمات

  يتفق الأثوري والصبري في أن تحقيق حماية وكفالة الحقوق في حالات الأطفال والأحداث يستند إلى القوانين الوطنية والمواثيق والاتفاقيات الدولية، وتم تحديد عدد من الحقوق التي يجب مراعاتها وحمايتها خلال محاكمات الأطفال والأحداث، ومن بينها: “محاكمة الطفل أو الحدث في إطار قضاء متخصص، سرية إجراءات المحاكمة وحظر نشر وقائع الجلسات، وجوب دعوة الأشخاص المعنيين بمصلحة الحدث، مراعاة المصلحة الفضلى للطفل، إعطاء قضايا الأحداث صفة الاستعجال، حضور محامٍ متخصص مع الطفل أو الحدث في جلسات المحاكمة، اللجوء إلى بدائل قانونية بدلاً من العقوبة”.

تحديات

عن التحديات التي تواجه عملية تنفيذ القوانين المتعلقة بحقوق الأطفال، يقول الصبري: “هناك بعض التحديات، ومنها عدم الإلمام ببعض القوانين مثل قانون حقوق الطفل، بل إن البعض لا يفرق بين الطفل والحدث؛ وهذا قد يعود لعدم دراسة هذه القوانين في كليات الشريعة والقانون والحقوق”.

ويضيف: “إن شحة الإمكانيات المادية لإيجاد المؤسسات المتخصصة، مثل دور الأحداث للفتيات، وعدم وجود آليات لتسجيل جميع الأطفال ومنحهم شهادات الميلاد، كل ذلك يمثل مشكلة أثناء النظر في قضايا الأطفال والأحداث، وخاصة في قضايا القتل؛ إذ يلجأ القاضي لتحديد السن عن طريق الطب الشرعي في حالة عدم وجود شهادة الميلاد. والمعروف أن التقارير لا تكون دقيقة بقدر شهادات الميلاد، بل إن معظم ما يسمون بالأطباء الشرعيين هم غير متخصصين في الطب الشرعي”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

61.9% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنّ القوانين الحالية غير كافية للتعامل مع قضايا الأحداث في اليمن…

إعداد: يمنى الزبيري – صوت الأمل في ظل الأزمة الإنسانية التي يعاني منها اليمن والصراع المست…