‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأطفال الأحداث في اليمن الأسرة وتحديات السلوك الطفولي.. فَهْمُ التأثيرات وبناءُ حياة متوازنة للأطفال

الأسرة وتحديات السلوك الطفولي.. فَهْمُ التأثيرات وبناءُ حياة متوازنة للأطفال

هبة محمد – صوت الأمل

ما من شكٍّ أن الأسرة تلعب دورًا بارزًا وحاسمًا في تأثير سلوك الأطفال، فهي البيئة الأولى التي ينمون فيها ويتعلمون فيها القيم والسلوكيات التي ستشكل شخصياتهم في المستقبل. إن تأثير الأسرة على سلوك الأطفال يمتد إلى جميع جوانب حياتهم، بدءًا من تطورهم العاطفي والاجتماعي إلى سلوكهم الأخلاقي والتعليمي.

في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة التي نواجهها في العالم اليوم، يواجه الأطفال تحديات كبيرة في تكوينهم وتطورهم الشخصي، مثل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالتغيرات في الأسرة والمجتمع، وهي تؤثر بشكل كبير على سلوكم، وقد يصبحون أكثر عرضة للتوتر والقلق، وينجرفون نحو سلوكيات سلبية مثل العنف والجريمة.

أهمية الأسرة في تحديد سلوك الأطفال

تقول ماجدة الشويطر (رئيسة جمعية أصدقاء الطفولة): “الأسرة هي البيئة الحاضنة الأولى للطفل، ومنها يبدأ بتلبية احتياجاته الجسدية والنفسية والعاطفية، وهي بمثابة التربة التي تنمو فيها البذرة. ويكتسب الطفل من الأسرة اللغة والسلوك والمعايير الاجتماعية والأخلاقية، بالإضافة إلى القدوة والمثل الأعلى في الحياة؛ وبهذا فإن كل ما يتعلمه من الأسرة يبقى معه إلى الأبد؛ لذلك تعد الأسرة كيانًا اجتماعيًا مهمًا جدًا في تشكيل شخصية الطفل وسلوكه”.

وعن تأثير البيئة الأسرية على تنمية القيم وتأثيرها على سلوك الطفل توضح الشويطر أنه خلال ما يتعلمه الطفل -بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق المحاكاة- يكتسب الطفل الكثير من الأمور، كالهوايات والاهتمامات ومعايير الصواب والخطأ من الأسرة. فإذا كانت البيئة الأسرية بيئة يغلب فيها العنف والقمع، انعكس ذلك على طباعه وطريقة تعامله مع الآخرين وغير ذلك من أنماط السلوك.

وتكمل: “فيما يتعلق بتأثير التوتر الاجتماعي والاقتصادي على سلوك الأطفال، فإن أهم ما يجب أن يحصل عليه الطفل هو الشعور بالأمان والحماية، وغياب عنه هذا الشعور قد يؤدي إلى ظهور عقد واضطرابات نفسية؛ فالطفل يحتاج فقط للحب واللعب حتى ينمو نفسياً وعاطفياً بشكل صحيح، أما وجود التوترات وعدم الشعور بالأمان في منزل مليء بالمشاكل والعنف، قد يسبب لديه مشاكل كثيرة مثل بطء النمو والخوف المرضي والكوابيس والتبول اللاإرادي وفي بعض الأحيان يؤدي إلى الانحراف”.

 وترى الشويطر أن تربية الأطفال مهمة شاقة، وإذا لم يستطع الوالدان تحمُّل مسؤولية الإنجاب والتخطيط الجيد لتربية الأبناء، فبالتأكيد لن تكون الطفولة سعيدة. إن دور الأسرة أساسي في بناء شخصية الطفل وتنمية شعوره الأخلاقي تجاه الآخرين، فإذا تربى في أسرة لا تعرف السلوك السوي لن يتعلم الطفل سوى عادات وسلوكيات منحرفة.

وتعتقد الشويطر أنه عندما تقوم الأسرة بتعزيز القيم الإيجابية عند الطفل، بداية من طريقة التعامل بين الوالدين ثم طريقة الأب والأم في التعامل معه ومع إخوته، وتعامل الوالدين مع المجتمع خارج الأسرة في محيط الأقارب والجيران، كل هذا يمكِّن الطفل من أن يفهم حدود الصواب والخطأ وما الذي يجب وما الذي لا يجب، ويكتسب النموذج الذي من خلاله يستطيع فهم ما حوله، فالأسرة دائمًا هو المكان الأول لتأهيل الأشخاص صغارًا كانوا أو كبارًا؛ لأنها بيئة دعم نفسي قبل كل شيء.

وتؤكد ذلك لمياء الإرياني (الأمين العام للمجلس الأعلى للطفولة سابقًا، ورئيسة منظمة مدرسة السلام) بالقول: “لا شك أن للأسرة دورًا كبيرًا ومحوريًا في تشكيل شخصية الطفل وسلوكه أولاً من خلال التعليم الأساسي الذي يحصل عليه الطفل من الأسرة، ومنه يتعلم القيم والمبادئ الأساسية مثل احترام الآخرين والمساواة والعدل، تلك القيم يمكن أن تكون تعليمًا أساسيًا يتلقاه الطفل منذ الصغر”.

  وأشارت إلى أن الدعم العاطفي الذي يحصل عليه الطفل من الأسرة يساعده على النمو الصحي؛ إذ يُعطى الحب والاهتمام والرعاية التي تعزز شعور الطفل بالأمان وتنمي ثقته بالنفس، وتشكل شخصيته في المستقبل.

وترى أن نمط التنشئة الاجتماعية للأسرة يعتبر أمرًا مهمًا جدًا، فتعليم الأسرة الطفل كيفية التعامل مع المجتمع، وتكوين مهارات التواصل والتعاون تنشئة؛ ليصبح فردًا نافعًا وإيجابيًا داخل المجتمع، إذ يتعلم الكثير من الأشياء من خلال تقليده لأفراد أسرته الذين يكونون قدوةً له.

وتشدد الإرياني بالقول: “لا يمكن إغفال دور الحوار والنقاش بين الوالدين والأطفال في مواضيع مثل الحياة والأخلاق والدين وكيفية التعامل مع الآخرين، هذا النوع من النقاشات يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل معتقدات الطفل وتنمية تفكيره النقدي. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الأسرة والبيئة دورًا مهمًا في تعليم الأطفال العاطفة وكيفية التعبير عن مشاعرهم وإدارتها بطريقة صحيحة، ويؤثر ذلك بشكل كبير على كيفية تعاملهم مع أي تحدٍ يواجههم”.

العوامل المؤثرة في حياة الأطفال

عوامل عديدة تؤثر في حياة الأطفال وتشكل سلوكهم، وقد ذكرت المختصة النفسية، أماني يحيى، أن من بين هذه العوامل نوعية العلاقات الأسرية ومستوى التواصل العاطفي بين أفراد الأسرة، فإذا كانت العلاقات داخل الأسرة تعتمد على الدعم والمودة والاحترام، فمن المرجح أن يكون لها تأثير إيجابي على سلوك الأطفال. وعلى العكس، إذا كان هناك نقص في التواصل العاطفي أو وجود صراعات وتوترات داخل الأسرة، فقد ينعكس ذلك سلبًا على سلوك الأطفال.

 وتضيف: “تلعب التربية والتعليم دورًا حاسمًا في تشكيل سلوك الأطفال، فعندما يتلقون تعليمًا جيدًا ويحصلون على الدعم اللازم لتطوير مهاراتهم، فإنهم يصبحون على استعداد أفضل لمواجهة التحديات وتحقيق نجاحاتهم. ومن الجدير بالذكر أن الفقر والتهميش الاجتماعي قد يؤثران بشكل كبير على فرص التعليم وتطور الأطفال”.

 عن تأثير التوتر الاجتماعي والاقتصادي داخل الأسرة على سلوك الطفل، تقول الإرياني: “لا شك أن هذا الأمر يلعب دورًا كبيرًا، خاصةً في فترة النزاعات، تظهر الكثير من التحديات الاجتماعية والأمنية والاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على سلوك الطفل ونموه وتطوره. فعندما يصبح التوتر والقلق الاقتصادي واضحًا داخل الأسرة، فلا يمكن للطفل إلا أن يشعر بالقلق والتوتر أيضًا فهو يلاحظ أن والديه مشغولان وقلقان بشأن تأمين احتياجات الحياة”.

 وتكمل: “وعندما تنشأ خلافات داخل الأسرة بسبب الوضع الاقتصادي أو الخلافات الاجتماعية بشكل عام، يتسبب ذلك في تكوين بيئة غير مستقرة داخل الأسرة، وهذا بالتأكيد سيؤثر على ثقة الأطفال بأنفسهم، وبالتالي على سلوكهم”.

من جهتها تشارك سميرة الشهاري (دكتوراه في الإرشاد النفسي) بالقول: “من ناحية التأثير الاجتماعي والاقتصادي، فإن الصحبة السيئة ورفاق السوء، ومشكلات الدراسة والهروب والعلاقات غير المتكافئة كالسن والحالة المادية وغيرها من الأمور، كالفقر والبطالة وازدحام المنزل وانعدام وسائل الراحة، والعلاقات الانفعالية المضطربة في الأسرة، كلها عوامل وأسباب تؤدي بالطفل إلى سوء التوافق النفسي”.

وأكدت أن تلك العوامل، سواء مع الذات أو مع الجماعة، تغرس التأثير السلبي. وبحكم أن التعميم في علم النفس مرفوض، فنستطيع القول إن أغلب من تعرض لمثل هذه العوامل وتأثر بها فحياته تكون مريضة اجتماعيًا، وأوضحت أن البعض يتجاوز هذه العوامل ويستطيع أن يخلق مرونة نفسية، ويتكيف مع الوضع وتستمر حياته بنجاح.

الأطفال النازحون وأهم التحديات

 أوضحت الشويطر أن تجربة النزوح قاسية على الكبار والصغار على حد سواء، ولكن تأثيرها أكبر على الأطفال؛ كونهم الفئة الأكثر ضعفًا بطبيعة الحال، وبأن عدم الاستقرار وفقدان الأمان يحرم الطفل من الكثير من الأشياء التي يحتاجها، ويجعله يواجه قسوة الحياة من سن مبكرة، هذا الوضع يهز ثقة الطفل بنفسه وبمن حوله، ويجعله في حالة قلق دائم؛ لأنه غير مستقر ومرهق.

وأشارت في سياق حديثها إلى أن انصراف الوالدين لتغطية الاحتياجات الأخرى في مخيمات النزوح يحول دون حصول الطفل على قدر كافٍ من الاهتمام والرعاية، فالحب والحنان هي مشاعر أساسية يحتاجها الطفل كما يحتاج الغذاء.

وتؤكد أن العوامل الاجتماعية المتداخلة كالتفكك الأسري والفقر والعنف الأسري وغياب القدوة والتسرب المدرسي وقلة وعي الوالدين وعدم تنظيم الإنجاب، كلها تؤدي إلى انجرار الأطفال نحو العنف والجريمة. ولسوء الحظ، في مجتمعنا اليمني غالبًا ما يحرض الأب ابنه على العنف والانحراف بشكل مباشر أو غير مباشر، خصوصًا عندما يطلب منه العمل أو يطلب منه المشاركة في نفقات البيت والخروج إلى الشارع للعمل في سن مبكرة.

كما ترى الإرياني أن الطفل النازح بشكل قسري يواجه العديد من التحديات نتيجة لأسباب متعددة ومنها التأثيرات النفسية المؤلمة، والصدمة النفسية ويظهر ذلك من خلال تكرار الكوابيس والقلق الشديد وقضم الأظافر أيضًا.

وتضيف: “يعاني الطفل النازح من الانطواء والانسحاب من الحياة، ويشعر بالفقدان والانفصال عن مدرسته وأصدقائه، ويؤثر ذلك بشكل كبير على شخصيته، فيعاني من الحزن والاكتئاب وعدم الاستقرار العاطفي، وهذا تحدٍ كبير يؤثر على شعوره بالأمان، نتيجة التنقل المستمر، ويصعب عليه التأقلم مع البيئة الجديدة ويعاني من صعوبة في التركيز، ويشعر بالتوتر وصعوبة التكيف مع الحياة الجديدة”.

كما تعقد أن الطفل النازح يعيش في ظروف معيشية صعبة للغاية، ويسكن في مخيمات للاجئين أو مراكز إيواء غير صحية وغير آمنة، كما يعاني من مشاكل صحية نتيجة للظروف القاسية ويشعر بزيادة في التوتر والقلق، ويواجه صعوبة في الاندماج مع المجتمع الجديد الذي يعيش فيه نتيجة التمييز الاجتماعي، إضافة إلى إحساسه بالرفض، وافتقاده إلى الثقة بالنفس وشعوره بالرغبة في الانعزال عن المجتمع المحيط به”.

إستراتيجيات الحياة المتوازنة

 أكدت الإرياني أن هناك الكثير من الإستراتيجات التي يجب على الأسرة القيام بها، تتركز بالدرجة الأولى على الحب والدعم والتوجيه المستمر، فيجب على الوالدين تخصيص وقت للحديث مع أطفالهم والاستماع إلى مشاكلهم وهمومهم.

وأشارت بالقول: “مهم جدًا أن نتحدث مع الطفل، وأن يعبر عن مشاعره وأفكاره دون خوف من حكم الأهل أو العقاب؛ فالتواصل المفتوح والمستمر مع الطفل مهم جدًا، وهي إستراتيجية تحسن من سلوك الطفل، وأيضًا التفاعل اليومي للأسرة يعلم الطفل كيف يحل مشاكله ويتعامل مع الآخرين”.

 وتتابع: “المواقف الأسرية تلعب دورًا كبيرًا في تعليم الطفل وتؤثر على معتقداتهم وقيمهم وتعاملهم مع الناس وأمانتهم وأخلاقهم، إضافة إلى الالتزام الديني، كل هذه الأشياء لها دور كبير في تكوين شخصية الطفل من خلال مواقف وثقافة الأسرة التي تعمل على تشكيل هوية الطفل وقيمه بالتأكيد”.

 وأكدت الشهاري أن تقديم الرعاية النفسية إلى الطفل في كل جوانب حياته، ومساعدته على حل مشكلاته والانتقال به من طفل يعتمد على غيره إلى طفل مستقلٍ معتمدٍ على نفسه، ومتوافقٍ نفسيًا، كل ذلك يخلق حياة متوازنة له.

وتكمل: “في العائلة السوية يكون الطفل بعيدًا عن الاضطراب النفسي وقادرًا على التعامل مع ظروف الحياة وصعوباتها، ولديه مرونة نفسية للتكيف مع الواقع بكل مؤثراته، ولا يكون عرضة للانحراف، بل لديه القدرة على تحقيق ذاته باستغلال أقصى ما يملك من قدرات وإمكانات”.

أطفال تحدوا العنف والألم

ذكرت لنا لمياء الإرياني بعض القصص الواقعية لأطفال يمنيين، الذين تعرضوا للعنف والظروف المعيشية الصعبة، التي صادفتها من خلال عملها كأمين عام للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة سابقاً.

تقول لمياء: “في بلد تعصف به النزاعات، نشأ طفلٌ اسمه عبد الرحمن في ظروفٍ قاسية. وكانت المنطقة التي يعيش فيها تفتقر لأبسط الخدمات الأساسية، وعلى وجه الخصوص التعليم، ومع ذلك لم يستسلم عبد الرحمن، وبفضل إصراره وأمله بمستقبلٍ أفضل، استفاد من برامج التعليم البديل التي كانت توفرها بعض منظمات المجتمع المدني في اليمن. تحسن مستوى عبد الرحمن التعليمي بشكل كبير، وبدأ يحصد نتائج ممتازة في الامتحانات. هذا النجاح لم يكن مجرد أرقام على ورق، بل كان الباب الذي فتح له الفرصة لاستكمال تعليمه في المدارس، مما أدى إلى تحسُّن مستواه التعليمي بشكل مذهل”.

وتتابع: “لم يكن عبد الرحمن الطفل الوحيد الذي واجه صعوبات جمة، فهناك طفل آخر يتيم الأم، يعيش مع خالته التي كانت تعنفه باستمرار. هذا الطفل الذي ينحدر من أسرة فقيرة جداً، لم يفقد الأمل، وكان يخرج إلى الشارع ليبيع بالونات وأشياء بسيطة أخرى، وكان دائمًا يتواصل معي طالبًا الكتب والزي المدرسي والدفاتر”.

وتضيف: “من خلال مؤسسة شوذب للطفولة والتنمية التي أسستُها في بداية الألفية، كنا نلبي احتياجات هذا الطفل التعليمية، ورغم العنف الذي تعرض له من زوجة أبيه، أصر على مواصلة تعليمه وبفضل طموحه وإرادته القوية، أكمل تعليمه ودخل الجامعة، اليوم، وهو موظف كمحاسب في إحدى الجهات الخاصة، واستطاع أن يحقق هذا النجاح بإرادة وإيمان قويين”.

كلما كانت البيئة مستقرة وآمنة، كان سلوك الطفل إيجابيًا، فالتشجيع والدعم والمكافأة هي من الإستراتيجيات الفعّالة والقواعد الثابتة لضبط سلوك الطفل، وتعزيز الأنشطة الإيجابية والتفاعل الاجتماعي لديه، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة والفنون والموسيقى، جميعها تساعد في تحسين سلوك الأطفال وتوجيههم نحو مستقبل مشرق.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

61.9% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنّ القوانين الحالية غير كافية للتعامل مع قضايا الأحداث في اليمن…

إعداد: يمنى الزبيري – صوت الأمل في ظل الأزمة الإنسانية التي يعاني منها اليمن والصراع المست…