تعزيز أمان الأطفال، أهم الإستراتيجيات والسياسات للحد من الجريمة
هبة محمد – صوت الأمل
من آثار النزاعات والاضطرابات التي تعصف باليمن أن يتعرض الأطفال لتحدياتٍ ومخاطرٍ كبيرة تهدد سلامتهم وأمانهم. وفي ظل هذا الواقع المعقَّد، يتطلب تعزيز أمان الأطفال جهودًا مكثفة وإستراتيجيات مبتكرة للحد من معدلات الجريمة وتأثيراتها السلبية في المجتمع اليمني.
في هذا التقرير، نتعرف على أهم الإستراتيجيات والسياسات المتبعة لتعزيز أمان الأطفال في اليمن، وسنرصد الجهود التي تبذلها الجهات المعنية للتصدي الجريمة وحماية الأطفال، ونستعرض أيضًا الخطط الوطنية التي تعمل على تحقيق هذا الهدف، وأهم المبادرات المجتمعية.
إستراتيجيات لتحسين الأمان للأطفال
يقول وضاح عبدالله الصبري (محامي هيئة التنسيق لرعاية حقوق الطفل في محافظة إب): “السياسات والإستراتيجيات الوطنية المهمة في مجال الوقاية التحفيزية لخفض معدلات الجريمة بين الأطفال تعد أمرًا حاسمًا لتحقيق تغيير إيجابي ومستدام في المجتمع اليمني. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه السياسات يتطلب دعمًا ماديًا وتكاتف الجميع، بدءًا من أسر الأطفال وصولًا إلى المسؤولين عن اتخاذ القرارات في الدولة”.
ويتابع: “ولتحقيق الوقاية التحفيزية، يتعين علينا أولاً تحديد أوجه الخلل وأسباب ارتفاع معدلات الجريمة. فعلى سبيل المثال، عندما نبحث عن أسباب انتشار جرائم القتل بين الأطفال، نجد أن تشجيع الأسر على حمل الأسلحة يعد أحد الأسباب الرئيسية. أما فيما يتعلق بجرائم التسول والنشل وبعض الجرائم الأخلاقية؛ فإن هناك أسبابًا متعددة، بما في ذلك التسرب من المدرسة وانتشار ظاهرة الطلاق وعدم الرقابة الأبوية على استخدام الهواتف النقالة وشبكات الإنترنت، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها الأسر والمجتمع، وجميع هذه الأسباب تحتاج إلى معالجة شاملة وجهود كبيرة قد لا تكون سهلة”.
وأشار في سياق حديثه أن هناك توجهًا من الدولة لمعالجة هذه القضية، بما في ذلك توجيه محلات الإنترنت لمنع دخول الأطفال إليها. ولإن ذلك وحدة لا يكفي يجب أن تتضمن السياسات والإستراتيجيات المتبعة تدابيرَ شاملة تعزز الوعي والتثقيف لدى الأسر، وتوفر فرصًا للتعليم والتدريب المهاري للأطفال، كما يجب أن تتضمن السياسات المناسبة تعزيزَ الرقابة الأبوية وتوفير بيئة آمنة ومحفزة.
من جهته أيضاً أفاد مدير إدارة حماية الأسرة في محافظة إب، العقيد غمدان أبو ذيبة، بالقول: “تم تنفيذ إستراتيجيات توعية ووقاية فعالة لحماية الأطفال في المجتمع، وخاصة في المدارس بالتعاون مع الطلاب وأولياء الأمور، ومع الشرطة أيضاً؛ إذ نفذنا برامج الشرطة “أصدقاء الأطفال” التي تهدف إلى توعية الأطفال بأهمية السلامة والحماية، وقمنا بتنسيق جهودنا مع الجهات المختصة في الشؤون الاجتماعية والجهات الأمنية لتنفيذ برامج التوعية، وكذلك تعاونًا مع وسائل الإعلام لنشر الوعي والمعلومات المهمة”.
ويتابع: “منذ عام 2019 وحتى اليوم، قمنا بالنزول الميداني إلى المدارس بالتنسيق مع مكتب التربية؛ إذ استهدفنا 76 مدرسة و8 آلاف معلم في لقاءات توعوية مع أولياء الأمور. وفي الوقت الحالي، نقوم بالتنسيق مع الجامعات وإدارة أمن المحافظة لتوعية الطلاب في الجامعات حول حماية الطفل ومنع انتشار السلوكيات الخاطئة”.
أيضاً يقول مدير التوجيه الاجتماعي في دار الأحداث في محافظة إب، ممدوح الحاج: “فيما يتعلق بالسياسات والإستراتيجيات الوطنية قامت الحكومة بالعمل على عدة جوانب؛ للتخفيف من نسبة معدلات الجريمة بين الأطفال، كما تم إنشاء دور الرعاية مثل دار الأيتام ومراكز الطفولة الآمنة، ودور التوجيه الاجتماعي لرعاية وتأهيل الأحداث، وكان الهدف من ذلك هو احتواء الأطفال ورعايتهم وتربيتهم بتربية صالحة، وإخراجهم إلى المجتمع كأفراد صالحين”.
وأشار إلى أن هذه السياسة أو الإستراتيجية لعبت دورًا كبيرًا في تقليل انتشار معدلات الجريمة بين الأطفال، من خلال احتوائهم وتوفير الرعاية الشاملة لهم، بما في ذلك الرعاية الإنسانية والتعليمية والصحية وغيرها.
ويواصل: “تم أيضًا التنسيق مع الجهات والمنظمات ذات العلاقة لدعم برامج حماية الأطفال، ومن بين أهم هذه البرامج قضايا الحماية الأربعة (الإساءة، الإهمال، الاستغلال، التمييز). وقد تم تنفيذ عدد من المشاريع ضمن هذه القضايا، بما في ذلك إدارة الحالة للأطفال المستضعفين؛ إذ يتم تقديم الدعم والاستشارة للأطفال الذين يعانون من 14 مشكلة محددة حسب عملية الدعم، وتُعمل دراسة إدارة الحالة لكل طفل يندرج تحت إحدى هذه المشكلات”.
من جهته، أفاد مصطفى الحميدي مدير دار الأحداث في تعز بالقول: “منذ تاريخ إنشاء الدار وحتى عام 2023، استقبل الدار 177 طفلًا حدثًا، وقام الدار بتقديم العديد من الخدمات لجميع النزلاء دون تقصير أو تمييز، كان ذلك بدعم من مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل وإدارة أمن محافظة تعز، وإدارة حماية الأسرة بأمن المحافظة، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة وأيضًا عدم وجود موازنة خاصة بالدار أو نفقات تشغيلية”.
ويأمل مصطفى، وأمثاله من المشرفين والمختصين في الدار، أن يكون 2024 عام يحمل للأطفال النزلاء في الدار الكثير من تحقيق الأمنيات وتجاوز التحديات، وأن يتحسن وضع الدار بشكل أفضل من أجل الأطفال، عبر توفير جميع الاحتياجات والمستلزمات الضرورية لرعايتهم وتأهيلهم في مختلف المجالات، خصوصًا أنه يسعى إلى تحقيق الأهداف المرجوة من وجود دار الأحداث للأطفال. وحسب الحميدي، هناك تحرك جاد من الجهات الرسمية لتوفير مقر جديد مناسب للدار خلال المرحلة القادمة.
خدمات وأنشطة
في سياق الحديث عن الأنشطة التي ينفذها دار الأحداث في محافظة تعز يقول الحميدي: “لدينا العديد من البرامج والأنشطة التي نفذت خلال الأعوام الماضية وإلى اليوم، وهي تتمثل في الدعم النفسي والمجتمعي للأطفال، وذلك عبر تنفيذ برنامج علاج نفسي معرفي سلوكي لهم، وتقديم الرعاية الصحية والقانونية والتعليمية، وتنفيذ أنشطة رياضية وترفيهية، ومشاريع التمكين الاقتصادي لأسر الأطفال الأحداث في الدار بدعم من منظمة اليونيسف، وأيضًا مشروع كسوة الشتاء لـ13 طفلًا بدعم من الهلال الأحمر القطري”.
برامج توعوية وتعاون دولي
في إطار الحديث عن برامج توعوية وتعاون دولي أوضح الحاج أنه تم تنفيذ بعض البرامج التوعوية للحد من جنوح الأحداث، وقامت إدارة حماية الأسرة والطفل بوزارة الداخلية بالإشراف على اللجنة الفنية لعدالة الأطفال بوزارة العدل في تنفيذها، وشملت هذه البرامج مجموعة من الرسائل التوعوية ميدانيًا وعبر وسائل الإعلام.
ويضيف: “كذلك أجرينا حملات توعوية في الأماكن التي ينجذب إليها الأطفال مثل محلات الإنترنت ومحلات الألعاب والفنادق والاستراحات ومحلات بيع الشيشة والمعسلات، وتم تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والشركاء الدوليين لتعزيز حماية الأطفال، وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة وتنظيم الندوات وورش العمل المشتركة واستهداف الأطفال من عمر (7-15) لتعزيز الوعي وتحسين السياسات والإجراءات المتعلقة”.
وأشار أنه، علاوة على ذلك، تم تعزيز التدريب والتأهيل للمهنيين العاملين في مجال حماية الأطفال، بما في ذلك العاملين في المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، وتوفير برامج تدريبية متخصصة لتزويد هؤلاء المهنيين بالمهارات والمعرفة اللازمة للتعامل مع قضايا حماية الأطفال بفعالية.
وذكر الحاج أحد المشاريع التي نُفذِّت في الدار ضمن برامج الحماية؛ إذ تم التركيز فيه على الدمج الاجتماعي ولم الشمل للأطفال الأيتام والمحرومين. وقد نفذتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتشمل هذه المشاريع إنشاء مساحات صديقة آمنه وتقديم الدعم النفسي للأطفال، وتنفيذ برنامج “بناء شخصيتي الإيجابية” الذي يتم تنفيذه بواسطة إدارة الدار، الذي يعد أيضًا جزءًا من هذه الجهود المبذولة بما يتواءم مع الإمكانيات المتاحة لديهم.
صعوبات وتحديات
أكد عدد من مدراء الأحداث في عدد من المحافظات أنَّ لا أحد يستطيع تجاهل التحديات والصعوبات التي تواجه دور الأحداث في اليمن، والتي تعود أهم أسبابها إلى عدم توفر النفقات التشغيلية المناسبة منذ أغسطس 2015، نتيجة اندلاع الصراعات.
وأشار الحاج بالقول: “مع التزامنا المستمر بتعزيز حماية الأطفال وتوسيع الجهود التوعوية، يجب علينا التصدي لتحدياتنا والعمل على تذليل الصعاب من أجل تحقيق نتائج إيجابية دائمة في حماية الأطفال في مجتمعنا. وإن مواصلة التعاون الجاد بين جهات الضبط، وتخصيص المزيد من النفقات التشغيلية، وتعزيز التوعية والتثقيف في جميع المحافظات، سيكون له أثر كبير في تقليل نسبة الجرائم التي يرتكبها الأطفال وتعزيز سلامتهم ورفاهيتهم”.
ويوضح الحميدي في سياق حديثه الصعوباتِ التي تعيق العمل في دور الأحداث في تعز، ومنها: “شحة الإمكانيات، وعدم وجود ميزانية مستقلة للدار، وعدم وجود أقسام مهنية لتأهيل أطفال الأحداث، وعدم وجود وسيلة مواصلات لنقل النزلاء من وإلى الجهات الأمنية والقضائية والمراكز الصحية، وعدم توفر وسائل الدعم النفسي الاجتماعي من ألعاب ترفيهية وغيره، وعدم وجود الزي الرسمي لأطفال الدار”.
وختم العقيد بالقول: “من أجل ضمان حماية الأطفال، يجب تكثيف الجهود المشتركة بين المدارس، وأولياء الأمور، والجهات الأمنية، والشؤون الاجتماعية، ووسائل الإعلام. ومن الضروري أيضًا تعزيز التوعية والتثقيف حول أهمية سلامة الأطفال وحقوقهم، وتشجيع المجتمع على التدخل والإبلاغ عن أي حالة انتهاك لحقوق الطفل، كما ينبغي تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين يعانون من ظروف صعبة أو تعرضوا للإيذاء، وتوفير البرامج والخدمات اللازمة للأطفال وعائلاتهم”.
61.9% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنّ القوانين الحالية غير كافية للتعامل مع قضايا الأحداث في اليمن…
إعداد: يمنى الزبيري – صوت الأمل في ظل الأزمة الإنسانية التي يعاني منها اليمن والصراع المست…