‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأطفال الأحداث في اليمن السجينات اليمنيات وأطفالهن.. واقع قاسٍ وخدمات محدودة

السجينات اليمنيات وأطفالهن.. واقع قاسٍ وخدمات محدودة

علياء محمدصوت الأمل

في أحد السجون المزدحمة وفي عنبر لا تصل إليه أشعة الشمس وتنعدم فيه التهوية، تقبع امرأة مسجونة مع طفلها الرضيع البالغ ستة أشهر ويعاني من سوء في التغذية. لا تعد هذه الحالة حالة فردية، بل هناك آلاف من السجينات اليمنيات القابعات في السجون اليمنية يعشن مع أطفالهن أوضاعًا إنسانية كارثية، تترك آثارًا نفسية واجتماعية وصحية بالغة الخطورة، نتيجة البيئة المهملة داخل السجون. إضافة إلى ذلك تتَعَرَّض السجينات لصدمات نفسية وانهيارات عاطفية تتطلب وجود رعاية صحية ونفسية.

تشير عدد من التقارير الحقوقية إلى أن هنالك الآلاف النساء والأطفال المحتجزين في السجون اليمنية يعيشون ظروفًا صعبة للغاية؛ إذ كشفت دراسة صادرة عن اللجنة الوطنية للمرأة عن عدم وجود دراسات علمية ميدانية تتناول معاناة وأوضاع السجينات من النساء. وذكرت أن السجينات في الغالب تنتمي الى أسر فقيرة وكبيرة الحجم وترتفع فيها نسبة الإعالة، بالإضافة إلى أن غالبيتها تعيش في أطراف المدن والأحياء العشوائية الفقيرة.

هذا وقد أشارت الدراسة إلى أن غالبية السجون في اليمن لا يوجد بها مختصون اجتماعيون أو نفسيون لمتابعة الـسجناء مـن الـذكور والإناث، بالإضافة إلى أن مباني السجون ذاتها -وخاصة ما خصص منها كسجون للنساء- بحاجة إلى إعادة نظر فـي التـصميم والتجهيزات، وأن السجينات من النساء يعانين من محدودية الخدمات.

 من جانب آخر كشفت الدراسة عن وجود عدد من السجينات برفقة أطفالهن داخل السجن وبنسبة كبيرة، وبينت أن الأطفال يعيشون ظروفًا قاسية وخطرة، فلا يتوفر لهم أي نوع من الخدمات الأساسية (كالحليب، الملابس، الأغطية، التعليم والتطبيب)، إضافة إلى أن وجودهم في السجون يقيد حرياتهم ويكسبهم سلوكيات وخبرات سيئة تؤدي إلى الشعور بالظلم والحرمان، مما يحفز لديهم غرائز العدوانية وحب الانتقام.

كما بينت الدراسة عن عدم وجود أي برامج تشمل توفير خدمات الرعاية والتأهيل والتدريب المهنـي والتوعية والتثقيف سوءًا للسجينات أو لأطفالهن.

انعدام الرعاية الصحية وغياب التشريعات القانونية

تقول المحامية غادة فضل، التي تعمل في مجال تقديم الاستشارات القانونية للنساء السجينات والمحتجزات: “من خلال عملي مع منظمات مجتمع مدني تعرفت على قصص عديدة لنساء يواجهن ظروفًا صعبة خلف القضبان مع أطفالهن”.

أضافت: “تواجه النساء العديد من التحديات داخل المؤسسات العقابية، بما في ذلك قلة الرعاية الصحية اللازمة، خاصة خلال فترة الحمل والولادة؛ إذ إن بعضهن يواجهن مخاطر الولادة دون وجود الرعاية الكافية، مما يزيد من خطر الإصابة بمضاعفات خطيرة بعد الولادة، مما قد يعرض حياتهن وحياة أطفالهن للخطر بعد الولادة، وتصطدم النساء بصعوبات في تأمين الرعاية الكافية لأنفسهن ولأطفالهن داخل تلك المؤسسات.”

وأشارت إلى أن بعض النساء يقضين مدة الاعتقال بصحبة أطفالهن، مما يزيد من تعقيد الوضع بشكل كبير؛ الأمر الذي يؤثر سلبًا على الأطفال نفسيًا وصحيًا؛ إذ تفتقر هؤلاء النساء إلى الدعم الاجتماعي والمساعدة المالية من أقاربهن والمجتمع، مما يجعلهن يواجهن عزلة اجتماعية يمكن أن تؤثر على حقوق أطفالهن واحتياجاتهم.

كما أوضحت في حديثها أنه على الرغم من وجود معايير دولية مثل قواعد “بانكوك”، وما تُعرف رسميًا بـ«قواعد الأمم المتحدة لمعاملة السَجينات والتدابير غير الاحتجازية للمُجرمات»، الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2010، وهي مجموعة من 70 قاعدة تُركز على معاملة المجرمات والسجينات وتحمي حقوق النساء داخل المؤسسات العقابية، وكذا القوانين الوطنية مثل قانون تنظيم السجون، على الرغم من ذلك، فإن النساء ما يزلن يواجهن تحديات كبيرة تتطلب اهتمامًا فوريًا وحلولًا عملية. وهنا تبرز أهمية القوانين الوطنية التي تحمي حقوق النساء في البيئة القانونية المحلية، التي يجب تطبيقها لضمان حماية حقوق النساء المسجونات والمحتجزات وتوفير الرعاية اللازمة لهن.

وفي سياق متصل أشارت المحامية رغد المقطري إلى أن هناك مجموعة من التحديات والصعوبات التي تواجهها المرأة في حماية أطفالها ورعايتهم في السجون؛ إذ يعانين من تحديات وصعوبات عدة تتمثل في العيش في ظروف صعبة وسيئة داخل إصلاحية السجن المركزي الذي لا يتوفر فيه بيئة مناسبة لهن ولأطفالهن.

مضيفة: “نلاحظ أنه لا توجد هناك إضاءة ولا تهوية كافية، بإضافة إلى اكتظاظ داخل السجون، فعلى سبيل المثال: في إصلاحية السجن المركزي في مدينة تعز توجد خمسة وعشرون امرأة بصحبة أربعة من الأطفال في عنبر مزدحم لا تتوفر به أي رعاية صحية كافية لهن ولا لأطفالهن”.

وأكدت أن معظم هؤلاء الأطفال يتعرضون لأمراض معدية واضطرابات نفسية؛ إذ يصاب بعضهم بالاكتئاب والخوف والقلق نتيجة لانفصالهم وابتعادهم عن المحيط الطبيعي، والعيش في واقع مشحون، كما أن بعضهم لا تصل التحصينات اللازمة إليهم، ويصاب منهم بتأخر النمو، سواء العقلي أو البدني.

 وحول الخدمات المقدمة للأمهات والأطفال من إصلاحية السجن، أشارت المقطري إلى أن الخدمات المقدمة تختلف من إصلاحية إلى أخرى، ولكن بشكل عام هذه الخدمات تكون محدودة للغاية، وبالتالي لا تلبي احتياجات الأطفال الأساسية؛ إذ لا تتوفر أماكن مخصصة للأمهات ولا للأطفال مجهزة بالألعاب مثلًا، خلافًا على ما كان عليه قبل الصراع؛ إذ كانت تتوفر بعض الخدمات المتعلقة بالرعاية والحماية التي انعدمت انعدامًا تامًا، إضافة إلى تدني مستوى الرعاية الصحية كالتطعيمات والفحوصات الطبية الدورية والتغذية، كالحليب وغيرها من مستلزمات الأطفال، وكذلك لا توجد برامج تعليمية لهم داخل السجون.

بقاء الطفل مع أمه وفق القانون

ذكر قانون تنظيم السجون في مادة رقم (27) أنه “يجب أن توفر للمرأة الحامل المسجونة قبل الوضع وأثناء الوضع وبعده العنايةَ والرعاية الطبية اللازمة وفقًا لتوصية الطبيب المختص وحسب اللائحة”، كما ذكرت المادة رقم (28) أنه “عند وضع المرأة المسجونة طفلًا في السجن، فلا يجوز ذكر ذلك في سجلات البلاد الرسمية، ولا يجوز إبقاء المولود في السجن مع والدته بعد بلوغه السنتين من العمر ويُسَلَّم لوالده، أو أحد أقاربه إلا إذا قرر الطبيب المختص أن حالة الطفل لا تسمح بذلك”، فيما أشارت المادة رقم (29) إلى أنه “إذا لم يكن للمولود في السجن والد أو أقارب مأمونون، وجب تسليمه للسلطة المسؤولة عن دور الرعاية بواسطة المحافظ الذي يقع السجين في دائرة اختصاصه، ويجوز بقاء الطفل في السجن لأسباب مقنعة بأمر الوزير”.

 وحول ذلك تقول المقطري: “تختلف المدة التي يقضيها الأطفال مع أمهاتهم في السجون، وتختلف من إصلاحية إلى أخرى من حيث النوع (الذكور والإناث)؛ لأن القانون ذاته لم يذكر سنًا معينًا لهؤلاء الأطفال، ولم يحدد المدة الاقصى لوجودهم في السجون مع أمهاتهم، بسبب غياب التشريعات الواضحة بشأن مدة بقاء الأطفال مع أمهاتهم في السجون وهذا يمثل انتهاكًا صارخًا للأطفال”.

وأضافت: “بعض صلاحيات مدير السجن الممنوحة له تحدد مدة معينة لوجود الأطفال مع أمهاتهم في السجن، مثلاً أقل من سبع سنوات فمن بلغ هذا السن في إصلاحية معينة يتم نقله إلى دور رعاية خاصة للأطفال؛ لذلك من الضروري إصدار قانون واضح يحدد المدة التي يجب أن يقضيها الأطفال مع أمهاتهم في السجون مع مراعاة المصلحة الأفضل لهم”.

توصيات

يؤكد الخبراء والمستشارون أن معاناة السجينات وأطفالهن تعكس انهيار منظومة حقوق الإنسان في البلاد، وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. ويطالب الكثير من الناشطين والناشطات في مجال حقوق المرأة بتحسين ظروف السجينات وضمان رعاية كريمة لهن ولأطفالهن؛ الأمر الذي يتطلب جهودًا مكثفة من الحكومة والمنظمات الحقوقية والإنسانية لإصلاح منظومة العدالة الجنائية وتوفير بيئة صالحة للسجينات وأطفالهن.

وأكدت غادة فضل في حديثها ضرورة مراعاة حقوق النساء في النظام القانوني والاجتماعي، وتوفير الدعم اللازم لهن من أجل التغلب على التحديات التي يواجهنها خلف القضبان، وهذا يتطلب جهودًا مكثفة من قبل الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني التي ستسهم في تقديم المساعدة اللازمة لهؤلاء النساء.

من جانب آخر توصي رغد المقطري بزيادة الرعاية الصحية لهؤلاء الأطفال، وإصدار قانون يحدد المدة القصوى لبقائهم مع أمهاتهم، وتعديل القوانين والتشريعات المتعلقة بضمان حصول الأطفال على الرعاية الصحية اللازمة والمناسبة، إضافة إلى ذلك تدريب الكوادر العاملة في السجون على كيفية التعامل مع الأمهات والأطفال داخل السجون، والعمل على توفير برامج تأهيل وتدريب للأطفال، وتكون هناك بدائل وأماكن أخرى للنساء اللائي قمن بجرائم غير عنيفة، وتفعيل الإفراج المشروط أو العقوبات البديلة.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

61.9% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنّ القوانين الحالية غير كافية للتعامل مع قضايا الأحداث في اليمن…

إعداد: يمنى الزبيري – صوت الأمل في ظل الأزمة الإنسانية التي يعاني منها اليمن والصراع المست…