‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الصحة النفسية في اليمن تعزيز الصحة النفسية للطلاب، مسؤولية مشتركة بين المدارس والمجتمع

تعزيز الصحة النفسية للطلاب، مسؤولية مشتركة بين المدارس والمجتمع

علياء محمدصوت الأمل

تُعدّ الصحة النفسية حجر الزاوية في بناء مجتمعات سليمة وأفراد منتجين، فهي ذلك التوازن النفسي والعاطفي الذي يمكّن الإنسان من التعامل بفعالية مع مختلف جوانب الحياة، وتتأثر صحة الفرد النفسية بعوامل متعددة، بعضها داخلي، مثل التركيبة الوراثية والخبرات الشخصية، والآخر خارجي، ويشمل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، كما تلعب التغيرات المناخية والصراعات، على سبيل المثال، دورًا مهمًّا في تفاقم مشكلات الصحة النفسية لدى الأفراد.

مرحلة الدراسة تعدُّ من أهم مراحل حياة الفرد؛ إذ تتشكل فيها هويته ومهاراته، وتواجه هذه المرحلة العديد من التحديات، مثل الضغوطات الدراسية والمنافسة والتغيرات الهرمونية؛ مما يجعلها بيئة خصبة لظهور مشكلات الصحة النفسية لدى الطلاب؛ الأمر الذي جعل من وجود الدعم النفسي والصحة العقلية في المدارس أمرًا بالغ الأهمية.

دور الاخصائيين النفسيين في المدارس

تلعب المدرسة دورًا مهمًّا في نمو الطلاب وتطورهم في مختلف الجوانب، ليس تعليميًا فحسب، بل على صعيد الصحة النفسية أيضًا،  عن طريق تقديم الدعم النفسي والمعنوي لهم، وخلق بيئة مدرسية آمنة وإيجابية، ويؤثر الدعم النفسي الذي تقدمه المدرسة للطلاب بشكل إيجابي على صحتهم النفسية والنمو الجسدي والعقلي، فعندما يشعر الطلاب بالأمان والدعم، يصبحون أكثر قدرة على التعامل مع التحديات والضغوطات التي تواجههم.

(ع.ع.م) إحدى طالبات المرحلة الأساسية في إحدى المدارس، عانت كثيرًا من التنمر لمدّة طويلة من قبل زملائها؛ بسبب وزنها الزائد؛ ممّا أدّى إلى تفاقم مشاعرها السلبية، وتدهور حالتها النفسية، وزاد من سلوكها العدواني تجاه زملائها، ودفعها إلى رفض إكمال دراستها.

تقول والدتها: “إنّ أكثر المشاكل التي تواجه الطلاب في المدارس التنمر، وابنتي كانت أحد ضحايا هذه الظاهرة السلبية، فهناك كثير من الطلاب لا يعون مفهوم التنمر، وتأثيراته السلبية على الطلاب ومستواهم الدراسي”.

وأكدت أهمية وجود مختصين نفسيين في المدارس لمعالجة مشكلات الطلاب، وتقديم الدعم النفسي اللازم لهم. مضيفة: “أنّ المختصّة النفسية التي كانت موجودة في مدرسة ابنتها أسهمت في تعزيز الصحة النفسية لها، وخففت من حدة التأثير السلبي التي كانت تعاني منه نتيجة التنمر، وذلك عبر الاستماع لها”.

وقالت: “لولا وجود المختصة النفسية في مدرسة ابنتي لكان وضعها النفسي أسوأ، فوجود المختصين النفسيين في المدارس مهمّ للغاية؛ وذلك لمنع حدوث أي مشاكل نفسية بين الطلاب؛ إذ كان له دور كبير في مساعدة ابنتي على تخطي أزمتها”.

من جانبها تؤكد المختصة النفسية شفاء عبد الملك العنسي أنّ للمدرسة دورًا كبيرًا في تعزيز الصحة النفسية للطلاب في مختلف المراحل الدراسية والعمرية؛ إذ تؤثر بشكل مباشر على قدرتهم على التعلم والنمو والتطور، كما تسهم في تدريب الطلاب على كيفية تعامل بعضهم مع بعض باحترام وتقدير، وحل الخلافات بطرق سلمية.

وأضافت: “أنّ دور المدرسة يكمن في تحقيق الاستقرار النفسي للطالب، عبر توفير بيئة مدرسية آمنة ومستقرة تساعد الطالب على الشعور بالراحة والأمان، وتعزز ثقته بنفسه، وتحفزه على التعلم، بالإضافة إلى تقديم الدعم اللازم للطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم (الحالات الخاصة)، والابتعاد عن مصادر القلق النفسي”.

“يعدُّ التنمر من أخطر المشكلات التي تواجهها المدارس، ولها آثار نفسية واجتماعية وخيمة على الطلاب”. هذا ما أكدته المختصة النفسية. مشددة على أهمية تضافر الجهود لمكافحة التنمر عن طريق توعية الطلاب بمخاطر التنمر وآثاره السلبية على الضحية والجاني، وتوعية أولياء الأمور بعلامات التنمر، وكيفية التعامل معها.

وأشارت في حديثها إلى أنّ برامج الدعم النفسي في المدارس تُعطي للطالب مساحة واسعة للتعبير عمّا يواجه من صعوبات وتحديات، عن طريق توفير الخدمات النفسية اللازمة لهم، والاستماع إلى مشاكلهم المدرسية وحتى الأسرية التي تؤثر على مستواهم الدراسي؛ إذ تسهم عملية الاستماع في تقريب وجهات النظر، ووضع حلول ومعالجات تضمن بيئة داعمة وصحية للطالب، وتعزّز الرغبة لديه في إكمال دراسته بالشكل المطلوب بكل شغف وحب وهدوء داخلي.

وأكدت المختصة النفسية أهمية وضع برنامج إرشادي متكامل لتعزيز الصحة النفسية للطلاب، يتضمن، فيديوهات توعوية تعرض على الطلاب باستخدام أجهزة عرض تناسب المشاكل النفسية التي يتعرض إليها الطلاب، ويتم مناقشة مضمون الفيديوهات معهم، وإشراكهم في وضع الحلول من وجهة نظرهم، والعمل على توجيه الطلاب بأهمية تفريغ الطاقة السلبية بطرق إيجابية.

كما أشارت العنسي إلى أنّ توفير مختصين نفسيين مؤهلين في المدرسة يساعد في تقديم الدعم والخدمات النفسية للطلاب، وحل مشكلاتهم قبل تفاقمها ولجوئهم إلى طرق سلبية؛ مثل العنف أو التنمر. وتؤكد أنّ تشجيع الطلاب على الحديث عن مشاكلهم ومناقشتها مع أقرانهم ومختصي الصحة النفسية يُسهم في تعزيز ثقافة التواصل فيما بينهم.

في سياق متصل، أكد المعالج النفسي الدكتور صخر طه أنّ كثيرًا من الطلاب في اليمن يعانون من اضطرابات القلق والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة؛ نتيجة الأزمات التي مروا بها في مدّة الصراع.

مضيفًا :”أنّ العديد من الشباب والمراهقين يعانون من مشكلات نفسية، تعود جذورها في كثير من الأحيان إلى صدمات نفسية وعاطفية عميقة واجهوها في سن مبكرة، لم يستطيعوا التعامل معها بشكل صحيح، ويزداد الأمر صعوبة في مرحلة المراهقة؛ إذ تتداخل التغيرات البيولوجية والجسدية مع الضغوطات الأكاديمية والاجتماعية، فضلًا عن القوانين الصارمة والتوقعات المُجحفة من قبل العائلة والمجتمع”.

وأشار إلى أهمية دور المدارس المحوري في التخفيف من حدة هذه المشكلات، وتعزيز الصحة النفسية للطلاب، وذلك عن طريق توفير برامج دعم نفسي وعاطفي مُتخصصة، خاصة في المراحل الدراسية الأساسية والإعدادية.

وأوضح أنّ برامج الدعم النفسي تعمل بشكل فعّال في الحدّ من السلوكيات السلبية، مثل التنمر والعدوانية والقلق لدى الطلاب، كما تساعد في خلق بيئة مدرسية آمنة وداعمة تعزز شعور الطلاب بالانتماء والقبول، وبالإضافة إلى ذلك، تسهم في نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية، وتشجع الطلاب على طلب المساعدة عند الحاجة.

برامج الدعم النفسي المدرسية

تؤكد المختصة النفسية ليمون محمد الرابط الوثيق بين الصحة النفسية الجيدة للطلاب وتحقيقهم للتميز الدراسي؛ فالشباب الذين يتمتعون بنفسية مستقرة يكونون أكثر قدرة على التركيز والتحفيز؛ ممّا يتيح لهم الاستفادة القصوى من تعليمهم، وتحقيق نتائج دراسية ممتازة.

“ولذلك، تولي العديد من المدارس اهتمامًا كبيرًا بتوفير خدمات الدعم النفسي والاستشارات النفسية لطلابها، ويلاحظ أنّ هذه الخدمات تقدّم بشكل أكثر فعالية في المدارس الخاصة، في حين تواجه المدارس الحكومية صعوبات في توفيرها؛ بسبب ازدياد عدد الطلاب، ونقص الموارد المالية والبشرية المخصصة للصحة النفسية”. حسبما ذكرته المختصة ليمون.

وأضافت: “أنّ قلة الدعم الحكومي للمدارس، وانعدام الوعي المجتمعي لدى بعض الأسر والطلاب بمفهوم العلاج النفسي وأهميته، بعدِّهِ وصمة معيبة أمام المجتمع – منع كثيرًا من الأسر وأولياء الأمور، وحتى الطلاب، من طلب المساعدة عند الحاجة”.

وأردفت: “أنّ برامج الدعم النفسي في المدارس تعزّز من مهارات الحياة العلمية والشخصية لدى الطلاب، ومهارات التواصل، وحل المشكلات عن طريق تحليلها وتحديد حلولها بطرق إبداعية وفعّالة، واتخاذ القرارات عبر تقييم الخيارات المتاحة، واتخاذ قرارات سليمة تؤثر بشكل إيجابي على حياتهم، كما تسهم في تعزيز السلوك الإيجابي واحترام التنوع، والحدّ من التنمر، وتوفر فرصًا للمشاركة في الأنشطة اللامنهجية للطلاب، ودراسة الوضع النفسي العام للطلاب وتقييمه؛ لخلق بيئة مدرسية آمنة وداعمة”.

هناك العديد من برامج الصحة النفسية التي يمكن تنفيذها في المدارس، وتتنوع ما بين الدعم النفسي وخدمات الاستشارة المقدمة للطلاب في المدارس، وتختلف من مدرسة إلى أُخرى بحسب الاحتياجات والمواد المتاحة لتنفيذ ذلك.

واستعرضت ليمون أهم البرامج، وتشمل برامج الوقاية من المشكلات النفسية، التي تعدُّ من أهم برامج الدعم العاطفي والنفسي للطلاب في المدارس، وتُنفّذ عن طريق إقامة ندوات وورش عمل تناقش مفاهيم الصحة النفسية، وعلامات المشكلات النفسية، وكيفية طلب المساعدة، والتعامل مع الضغوط، وبرامج التدخل المبكر على الحالات النفسية، وهي من أهم برامج الصحة النفسية؛ إذ تستخدم الاستبيانات والمقابلات للكشف المبكر عن الحالات النفسية لدى الطلاب، والقيام بالاستماع الفعّال للمستهدفين، وتقديم النصائح، وتوجيههم.

وأضافت: “أنّ إشراك الأسرة في عملية التدخل له تأثير كبير في دعم الصحة النفسية للطلاب، وذلك بهدف تعزيز التواصل مع أولياء الأمور، وتقديم المشورة لهم حول كيفية دعم أبنائهم لضمان حصول الطلاب على الدعم الذي يحتاجون إليه”.

وشددت على ضرورة توفير برامج دعم نفسي وعاطفي للطلاب، تأخذ بعين الأهمية احتياجاتهم الفردية والثقافية، وتُنفذ من قبل مختصين مؤهلين ومدربين على التعامل مع المشكلات النفسية لدى مختلف الفئات العمرية؛ من ضمنهم الطلاب ذوو الإعاقة والموهوبون والطلاب الجدد، كما وجب ضمان سرية المعلومات المتعلقة بالطلاب، لخلق بيئة آمنة يشعرون فيها بالراحة أثناء التعبير عن مشاعرهم.

تحديات ومعالجات

تواجه المدارس اليمنية عقبات كبيرة في تلبية الاحتياجات الحيوية اللازمة لتسهيل تقديم الدعم النفسي والعاطفي اللازم لطلابها؛ ممّا يعوق جهودها في تعزيز الصحة وسلامة جيل المستقبل، وتشمل هذه العقبات افتقار العديد من المدارس إلى مختصين نفسيين مؤهلين ومدربين بشكل كافٍ؛ ممّا يحدُّ من قدرتهم على تقديم الدعم الفردي والجماعي اللازم.

بالإضافة إلى قلة الموارد المالية؛ إذ تواجه المدارس صعوبة في تخصيص ميزانيات مناسبة لتطوير برامج الصحة النفسية، وتنفيذ برامج فعّالة تلبي احتياجات الطلاب المتنوعة.

ولمعالجة هذه التحديات، وجب توفير الدعم المالي والفني للمدارس؛ لتعزيز قدراتها في مجال الصحة النفسية، بما في ذلك توفير برامج تدريبية للمختصين النفسيين، وتطوير برامج فعّالة للدعم النفسي، وتعزيز التعاون بين المدارس والمؤسسات الصحية والاجتماعية المحلية لبناء شراكات مجتمعية تسهم في تقديم خدمات متكاملة للطلاب، بما في ذلك برامج التوعية بأهمية الصحة النفسية، وتوفير الدعم النفسي للطلاب وأسرهم.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

69.2% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم عانوا بالفعل من أعراض الاضطرابات النفسية

إعداد: يُمنى الزبيري الصحة النفسية -حسب تعريف منظمة الصحة العالمية لها- حالة من العافية يس…