تأثير بيئة العمل على الصحة النفسية للموظفين في اليمن
ياسمين عبدالحفيظ – صوت الأمل
تُجسد نهى أحمد (اسم مستعار)، خريجة جامعية حديثة، قصة صمود امرأة وكفاحها، استطاعت على مدار 15 عامًا أن تُقاوم صعوبات الحياة وتُواجه تحدياتها لتصبح السند القوي لعائلتها المكونة من سبعة أفراد.
تعمل نهى في أحد المرافق الخاصة، مُسخّرة جهدها ووقتها لتوفير حياة كريمة لعائلتها. وعلى الرغم من ساعات العمل الطويلة التي تصل إلى دوامين، تُواصل نهى عطاءها دون كلل، مُتغلبة على صعوبات العمل وضغوطه.
لم يقتصر تأثير عمل نهى على ساعاتها فقط، بل طال صحتها النفسية أيضًا؛ فمع قلة الراحة والتعب المتراكم، واجهت نهى صعوبات في الحفاظ على صحتها النفسية، مما أثر سلبًا على رغبتها في مواصلة العمل، وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، تُدرك نهى مسؤوليتها تجاه عائلتها، وتُدرك أن استمرارها في العمل هو السبيل الوحيد لتوفير حياة كريمة لهم.
تُشارك نهى تجربتها مع صحيفة “صوت الأمل” في رحلة البحث عن العمل وتأثيره على صحتها النفسية؛ إذ تقول نهى: “بعد تخرجنا من الجامعة، بحثت أنا وصديقتي طويلاً عن فرصة عمل. لحسن الحظ، حصلت أنا على وظيفة سريعًا، فيما واجهت صديقتي صعوبة في ذلك واضطرت للانتظار عدة أشهر. اعتقدتُ أن حصولي على الوظيفة سيسعدني أنا وعائلتي، خاصة مع تحسن وضعنا المادي. وبالفعل، تحسن حالنا، لكن سرعان ما شعرت بتدهور صحتي النفسية”.
وتُكمل: “بعد مرور ثلاثة أسابيع فقط، شعرت أن الاستمرار في العمل سيدمرني نفسيًا؛ فبعد حصولي على الوظيفة، قلَّت نزهاتي وتسوقي، وتغيبت عن جلسات صديقاتي وتجمعات العائلة والأقارب، حتى مشاهدة التلفزيون والجلوس مع العائلة والحديث معهم أصبحت عبئًا ثقيلًا علي”.
تؤكد نهى أن ضغوط العمل أثّرت سلبًا على حياتها الشخصية، مما دفعها إلى التساؤل عن قيمة العمل مقابل فقدانها للراحة النفسية والعلاقات الاجتماعية؛ إذ تقول: “أخرج مبكرًا إلى العمل وأعود لتناول الغداء فقط، ثم أعود للعمل مجددًا حتى الساعة التاسعة مساءً، ولم يعد لدي وقت للتحدث مع عائلتي، فأنا أنام فور عودتي منهكةً لأتمكن من الاستيقاظ مبكرًا في اليوم التالي، تحولت حياتي إلى سباق مع الوقت، ولا أستطيع أخذ إجازة؛ خوفًا من فقدان عملي، خاصة أن أصحاب العمل يفضلون الموظفين الذين لا يتغيبون”.
نتيجة لضغوط العمل المتراكمة، تعاني نهى من العديد من الأعراض النفسية والجسدية، كالشعور بالضيق الدائم، وفقدان الرغبة في العمل، والقلق وعدم التركيز، والنسيان المتكرر، والرغبة في البكاء والانعزال، والتعب والإرهاق الجسدي، وضعف مناعة الجسم.
أهمية الراحة النفسية للموظف
يُواجه الموظفون في اليمن، نساءً ورجالًا، في القطاع العام أو الخاص، العديد من التحديات في بيئة العمل، مما يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية والإنتاجية.
يؤكد المختص النفسي صخر طه أن الراحة النفسية للموظف في بيئة العمل هي حجر الأساس لخلق بيئة عمل إيجابية تحفز على الإبداع والعمل الجماعي، وتقلل من التوتر والصراعات؛ فعندما يشعر الموظف بالراحة النفسية، يكون أكثر تركيزًا وإنتاجية، وينجز مهامه بكفاءة أكبر.
كما يشير إلى أن تدهور الصحة النفسية للموظف يؤثر سلبًا على الإنتاجية في العمل؛ فعندما يعاني الموظف من مشكلات نفسية، مثل القلق والاكتئاب، يفقد قدرته على التركيز والانتباه، ويؤدي ذلك إلى انخفاض إنتاجيته، وزيادة التغيب عن العمل، وهذا يؤثر على سير العمل.
من جانبه، يوضح المختص النفسي رمزي زاهر رؤيته حول تأثير الصحة النفسية على الموظف وأداء العمل، من خلال تقسيمها إلى شقين: الصحة النفسية في بيئة العمل، والصحة النفسية بشكل عام.
وقال: “الفرق بينهما مثلًا أن تكون الأمور في المنزل مستقرة، لكنها في بيئة العمل هناك تأثيرات سلبية تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية؛ فهناك من يتعرض للعديد من المضايقات من زملاء العمل؛ الأمر الذي يشعره بالقلق والتوتر وفقدان التركيز، بالإضافة إلى شعوره بعدم تقدير المدير لجهوده مما يؤدي إلى الإحباط وفقدان الدافع على العمل”.
يؤكد زاهر أهمية الاهتمام بالصحة النفسية للموظف من قبل أصحاب العمل، سواء كانت صحته النفسية تتأثر ببيئة العمل أو بحياته الشخصية؛ لأن لكليهما تأثيرًا سلبيًا على أداء العمل وجودته، خاصة مع غياب الحافز أو عدم وجود دافع يجعل الموظف يتعاطى مع طبيعة العمل ويحرص على أن يقدم عملًا بالشكل المطلوب، وغير ذلك.
ويشير زاهر إلى أن هناك ظاهرة خطيرة تُعرف بـ”غياب وضوح المهام” أو “بمفعول الدور”، وهي أن يكون الموظف لا يعلم ما وظيفته المحددة، أو طبيعة العمل المطلوب منه؛ الأمر الذي يخلق لديه شعورًا سلبيًا على المستوى النفسي. ومثال على ذلك تكرار المهام؛ إذ قد يشعر الموظف بالملل إذا تم تكليفه بمهام متكررة، ولا تتطلب منه أي تفكير أو إبداع، أو تكليف الموظف بمهام غير مناسبة أو بعيدة عن تخصصه أو مجاله.
دور القادة والإدارة
يُحذر المختص النفسي صالح باشامخة من تفاقم أزمة الصحة النفسية في ظل تردي الخدمات المعيشية، مؤكدًا أهمية دور القادة والإدارة المحوري في دعم موظفيهم وتعزيز صمودهم النفسي في ظل تردي الخدمات والمعيشة.
وفي حديث لصحيفة “صوت الأمل”، يؤكد ضرورة مراعاة احتياجات الموظفين النفسية، وتقديم الدعم اللازم لهم لمواجهة ضغوط العمل المتزايدة، وأن برامج تنمية مهارات التعامل مع ضغوط العمل وتعزيز الذكاء العاطفي ورفع جودة الحياة، من أهم الأدوات التي يمكن من خلالها تعزيز الصحة النفسية للموظفين، وخلق بيئة عمل إيجابية تُسهم في تحسين الإنتاجية والرضا الوظيفي.
أهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية
تؤكد المختصة النفسية تقوى إيمان البريهي على أهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية للحفاظ على الصحة النفسية والإنتاجية، وأن عدم التوازن بين العمل والحياة الشخصية قد يؤدي إلى الإجهاد والإرهاق وتدهور الصحة النفسية بشكل عام.
وترى البريهي أن فوائد التوازن بين العمل والحياة الشخصية تشمل الحفاظ على الصحة النفسية؛ إذ يسمح للأفراد بالاسترخاء والتمتع بوقتهم خارج بيئة العمل، مما يقلل من مستويات الإجهاد والتوتر.
وتتابع: “أيضًا تحسين العلاقات الشخصية، عندما يكون لدينا وقت كافٍ لقضاء مع أفراد عائلتنا وأصدقائنا، فإن ذلك يسهم في تحسين العلاقات الشخصية والاجتماعية، مما يؤثر إيجابيًا على صحتنا النفسية، بالإضافة إلى زيادة الإنتاجية في العمل؛ لأن التوازن بين العمل والحياة الشخصية يمكن أن يؤدي إلى زيادة إنتاجية العاملين، ويكونون أكثر تركيزًا وإبداعًا بسبب شعورهم بالراحة والتوازن”.
سياسات وإجراءات
تذكر البريهي بعض السياسات والإجراءات التي يمكن اتخاذها في مكان العمل لتعزيز الصحة النفسية للعاملين، ومنها:
1. تعزيز ثقافة التوازن بين العمل والحياة الشخصية، من خلال توفير فرص للتواصل والتفاهم بين الموظفين وإدارة الشركة.
2. تقديم برامج دعم الصحة النفسية للموظفين، مثل جلسات تثقيفية حول إدارة الضغوط والاسترخاء.
3. توفير إجازات مرنة أو إمكانية العمل عن بعد لتمكين الموظفين من تحقيق توازن بين الحياة المهنية والشخصية.
4. توفير برامج لتعزيز التواصل والتعاون بين الموظفين لتخفيف الضغط وتعزيز الدعم المتبادل.
5. تشجيع الموظفين على ممارسة الرياضة والأنشطة الترفيهية خارج ساعات العمل.
تؤكد البريهي أن هذه السياسات والإجراءات تسهم في خلق بيئة عمل صحية نفسيًا وداعمة للموظفين، مما يؤدي إلى زيادة إنتاجيتهم ورفاهيتهم الشخصية.
69.2% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم عانوا بالفعل من أعراض الاضطرابات النفسية
إعداد: يُمنى الزبيري الصحة النفسية -حسب تعريف منظمة الصحة العالمية لها- حالة من العافية يس…