المبادرات الشبابية.. بارقة أمل لدعم الصحة النفسية وتعزيزها في اليمن
علياء محمد – صوت الأمل
تعد فئة الشباب في مختلف المجتمعات ثروة أي أمة، وهم طاقة دافعة للتقدم والتغيير في مختلف القطاعات والمجالات التطويرية. لكن في اليمن، تواجه هذه الفئة الحيوية تحديات هائلة بسبب الصراع الدائر منذ سنوات، الذي خلف أزمة إنسانية خانقة طالت مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الصحة النفسية.
لقد ترك الصراع ندوبًا عميقة في نفوس اليمنيين، خاصة فئة الشباب الذين عانوا من مختلف أشكال العنف والقتل والنزوح وفقدان الأحباء، كما أدى ذلك إلى ازدياد حالات الاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة بينهم.
وعلى الرغم من التحديات الجسيمة، يُظهِر شباب اليمن عزيمة قوية في مواجهة أزمة الصحة النفسية، فهم يبادرون بإنشاء مبادرات شبابية تهدف إلى تقديم الدعم النفسي والمعنوي لأنفسهم وللمجتمع في مختلف المجالات. كما برزت عددٌ من المبادرات الشبابية التي سعت جاهدة إلى تقديم الدعم النفسي والعاطفي للمتضررين من الصراع، إدراكًا منهم لحجم المعاناة النفسية التي يعانيها أفراد المجتمع بكل فئاته.
يسلط هذا التقرير الضوء على المبادرات الشبابية، وأهميتها في تقديم برامج ومشاريع الدعم النفسي والعاطفي، وتعزيز الصحة النفسية لأفراد المجتمع.
أهمية المبادرات الشبابية في الواقع
تؤكد سحر الهاشمي -عضو مبادرة “إحسان”- دور المبادرات الشبابية كجزء مهم في تعزيز الصحة النفسية في المجتمع، لما لها من تأثير إيجابي كبير على الصحة النفسية للفرد والمجتمع ككل.
مشيرةً إلى أن المبادرات الشبابية في اليمن لعبت دورًا محوريًا في دعم مشاريع الصحة النفسية، وذلك من خلال زيادة الوعي المجتمعي حول قضايا الصحة النفسية، وكسر حاجز الصمت حولها، من خلال تنظيم حملات توعوية وتثقيفية، وتوفير الدعم النفسي للأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية، من خلال توفير جلسات استماع ودعم فردي وجماعي، والعمل على مكافحة الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية، من خلال التأكيد على أهمية الصحة النفسية وحقّ الجميع في الحصول على العلاج.
وأوضحت أن المبادرات الشبابية تعمل على تنظيم ورش وندوات تفاعلية لمناقشة قضايا الصحة النفسية وتقديم حلولٍ إيجابية، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسائل التوعية والدعم، والتواصل مع أشخاص يعانون من مشاكل نفسية، والاستماع إليهم، وتقديم النصائح لهم، وتشجيعهم على طلب المساعدة والاستشارة النفسية إذا لزم الأمر. أيضًا تُولي المبادرات اهتمامًا خاصًا بفئات المجتمع المهمشة، من ذوي الهمم، من خلال دمجهم في المجتمع، وتوفير فرصٍ لهم للمشاركة في مختلف الأنشطة، مع مراعاة احتياجاتهم الخاصة.
وأكدت سحر أن الصحة النفسية تمثل أولوية ملحة للجميع، وأن المبادرات الشبابية ومشاركاتهم في مشاريع الصحة النفسية تخلق مجتمع أكثر صحة، وتحقق أثرًا إيجابيًا على المستوى المجتمعي والصحي، وذلك من خلال التخفيف من الآثار النفسية للنزاع في اليمن وتعزيز الصحة العقلية للسكان المتضررين.
من جانبها، تشير الناشطة المجتمعية تهاني منصور إلى أهمية الدور المحوري الذي تلعبه المبادرات الشبابية في تعزيز الصحة النفسية، وتراهم شركاء أساسيين في دعم مشاريع الصحة النفسية وتقديم الدعم النفسي للمحتاجين.
وأضافت أن المبادرات الشبابية تشارك بفاعلية في مختلف جوانب مشاريع الصحة النفسية، من خلال التطوع؛ إذ يتطوع شباب المبادرات مع مراكز الصحة النفسية وخطوط المساعدة النفسية ومجموعات الدعم، لتقديم الدعم النفسي للأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية، وتنظيم فعاليات وأنشطة توعوية حول الصحة النفسية، تهدف إلى نشر الوعي وكسر حاجز الصمت حولها.
وقالت: “رأينا الكثير من المبادرات الشبابية التي كانت من أولويات أنشطتها تقديم الدعم للحالات المصابة بالأمراض النفسية في المجتمع، وتقديم يد العون لهم من الجانب النفسي والمعنوي والمادي، مثل توفير الأدوية أو المساعدة في تغطية تكاليف العلاج، إضافة إلى إقامة مراكز دعم نفسي تقدم فيه خدمات واستشارات نفسية، وجلسات علاجية للأفراد والعائلات، بالتعاون مع الأطباء والمعالجين النفسيين”.
وذكرت الناشطة تهاني أن مشاريع المبادرات الشبابية تركزت خلال المرحلة الماضية على مساعدة ضحايا الصراع، خاصة المصابين باضطرابات ما بعد الصدمة؛ إذ وفرت تلك المبادرات مساحات آمنة للأشخاص للتعبير عن مشاعرهم ومشاركة تجاربهم مع أشخاص آخرين يعانون من نفس المشاكل؛ الأمر الذي ساعد على تخفيف الشعور بالوحدة والعزلة.
وتتابع القول: “استغلت المبادرات الشبابية منصات التواصل الاجتماعي بشكل فعال لنشر المحتويات التوعوية حول الصحة النفسية، وأتاحت الفرصة للأشخاص للحديث عن مشاكلهم النفسية”.
إن برامج ومشاريع دعم الصحة النفسية التي تقدمها المبادرات الشبابية ساعدت في تقليل الوصم الاجتماعي المرتبط بالأمراض النفسية؛ إذ أسهمت المبادرات في تغيير النظرة السلبية تجاه الصحة النفسية وتشجيع طلب المساعدة، وقدمت الدعم التدريبي على مهارات الدعم النفسي والاجتماعي للمتطوعين الشباب؛ وذلك لتمكينهم من تقديم الدعم النفسي للأشخاص المحتاجين في المناطق النائية المتضررة من النزاع.
تحديات ومعالجات مقترحة
على الرغم من الدور الكبير الذي لعبته المبادرات الشبابية في تعزيز برامج في مجال الصحة النفسية في اليمن وتنفيذها، فإنها ما تزال تواجه العديد من التحديات التي تُعيق تقدمها في هذا المجال.
توضح تهاني أن المبادرات الشبابية تواجه العديد من التحديات والصعوبات التي أعاقت قدرتهم على تقديم خدماتها المتنوعة لأفراد المجتمع، وكان أبرزها نقص الموارد المالية والبشرية؛ إذ تعاني المبادرات من نقصٍ حادٍ في الموارد المالية والكوادر البشرية المؤهلة، خاصة في مجال الصحة النفسية.
وأضافت أن المبادرات على دعم مادي كافٍ من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، مما يحصر نطاق خدماتها في مناطق محددة، كما تتركز الكوادر المؤهلة في مجال الصحة النفسية في المناطق الحضرية الرئيسية، فيما تفتقر المناطق النائية إلى هذه الكوادر؛ الأمر الذي يُحرم بعض المحتاجين من الحصول على خدمات الدعم النفسي.
وبينت أن هناك غيابًا في التنسيق والتكامل المؤسسي؛ إذ لا يوجد تنسيق وتكامل بين مختلف الجهات المعنية بالصحة النفسية (أهلية، حكومية، دولية)، مما يعيق تبادل الخبرات والمعلومات، ويحد من قدرة المبادرات على تعزيز تأثيرها وتوحيد الجهود.
مما لا شك فيه، أن المبادرات الشبابية في اليمن تمثل بارقة أملٍ وسط الظروف الصعبة التي يعيشها المجتمع؛ إذ تسهم بشكل فعال في تعزيز الصحة النفسية وتقديم الدعم النفسي والعاطفي للأفراد المتضررين. ولضمان استمرار هذه المبادرات في لعب دورها المحوري، لا بد من تكثيف الجهود لدعمها وتوفير ما يلزمها من موارد وفرص لتمكينها من تحقيق أهدافها في تنفيذ مشاريعهم وتمكينهم في المجتمع، وتوفير فرص للمشاركة الشبابية في تنمية المجتمع، من خلال برامج التطوع والأنشطة المختلفة.
كما يجب إنشاء منصة للتنسيق والتشبيك بين مختلف الجهات العاملة في مجال الصحة النفسية (حكومية، أهلية، دولية)؛ لتبادل الخبرات والمعلومات وتعزيز التكامل في الخدمات المقدمة، والعمل على تطوير هياكلها التنظيمية وأنظمتها الإدارية في بناء قدراتها وتعزيز استدامتها، بالإضافة إلى تدريب الكوادر المحلية على مهارات القيادة والإدارة والتخطيط الاستراتيجي، مما يُسهم في تحقيق تقدمٍ ملموسٍ للمبادرات الشبابية في تعزيز الصحة النفسية.
يؤكد الجميع أن المبادرات الشبابية في اليمن تعد قوة إيجابية تسهم في بناء مجتمع أكثر صحة وسلامة، خاصة في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا في مختلف المجالات التي تؤثر على الصحة النفسية للفرد، وهناك دعوات تؤكد على ضرورة تضافر جميع الجهات المعنية في دعم هذه المبادرات عبر توفير ما يلزمها من موارد وفرص لتمكينها من تحقيق أهدافها في تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين.
69.2% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم عانوا بالفعل من أعراض الاضطرابات النفسية
إعداد: يُمنى الزبيري الصحة النفسية -حسب تعريف منظمة الصحة العالمية لها- حالة من العافية يس…