الجهات الرسمية ودورها في إنشاء مركز الصحة النفسية وتعزيز وجودها
حنان حسين – صوت الأمل
في حين يتزايد الاهتمام بالصحة العامة وتوفير الخدمات اللازمة والأساسية التي تلبي احتياجات المواطنين، تبقى الصحة النفسية في اليمن مهملة إلى حد كبير، تفتقر إلى الوعي المجتمعي والدعم، ومع ذلك، وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل بعض المؤسسات الرسمية، فإنها ما زالت تواجه العديد من التحديات التي جعلتها في أدنى مستوياتها مقارنة بالعالم.
ومن تلك التحديات التي تواجهها المؤسسات الرسمية في توفير خدمات الصحة النفسية في اليمن، نقص التمويل والدعم؛ إذ تعاني العديد من المرافق والبرامج المتخصصة من نقص حاد في الموارد المالية، ونقص في عدد الأطباء النفسيين والمعالجين النفسيين، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية للمرافق الصحية المتخصصة في علاج الأمراض النفسية، والتأثير المستمر للصراع الذي زاد من تفاقم الأزمات النفسية لدى المواطنين.
ويتلخص دور الجهات الرسمية في توفير الخدمات المتعلقة بالصحة النفسية في اليمن، التي تشمل وضع السياسات والإستراتيجيات، التي تحدد أهدافًا واضحة قابلة للقياس، وخططًا زمنية لتحقيقها، وبرامج تعزز الوقاية من الاضطرابات النفسية، وتسهل الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية النفسية، وتوفير الموارد المالية والبشرية، لضمان توفير خدمات كافية ومجانية لجميع اليمنيين، وتدريب المزيد من الكوادر المتخصصة في مجال الصحة النفسية، وبناء المزيد من المرافق المتخصصة لتقديم خدمات الصحة النفسية.
بالإضافة إلى التوعية، ونشر المعلومات حول أهمية الصحة النفسية، وكسر الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأمراض النفسية، وخلق شراكات وتنسيقات مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لضمان تقديم خدمات الصحة النفسية بشكل شامل وفعّال.
إحصائيات وتقارير
ذكرت الإستراتيجية الوطنية للصحة النفسية في اليمن 2026-2022م لمنظمة الصحة العالمية، أنّ إجمالي المنشآت الصحية الحكومية التي توفر خدمات نفسية بلغت 0.07، وهذا يعني منشأة لكل 1.500.000 من السكان، وأنّ عيادات الطب النفسي الحكومية 0.01، وهذا يعني عيادة لكل 7.400.000 من السكان، وأنّ المستشفيات النفسية الحكومية 0.01، وهذا يعني مستشفى نفسيًا حكوميًا لكل 1.500.000 من السكان.
وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط” فقد أفادت منظمة إغاثية دولية بأنّ اليمن يعاني نقصًا شديدًا في أطباء الصحة النفسية؛ إذ يوجد طبيب واحد لكل 700,000 شخص.
وفي تقرير لمنظمة الصحة العالمية 2023م، بينت أنّ المنظمة قدمت في العام 2022م خدمات طبية ورعاية صحية منقذة للحياة إلى 12.6 مليون يمني، ما يُمثل %62 من خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد.
كما أشارت المنظمة في تقرير لها عن أزمة الصحة النفسية في اليمن للعام 2024م، أنّ عدد الأشخاص الذين يعانون من الصدمات النفسية والإجهاد الناجم عن النزاع المستمر يقدر بـ7 ملايين شخص؛ أي ما يقارب ربع سكان اليمن. ويحتاج جميعهم إلى دعم صحي نفسي.
وأوضحت المنظمة أنّه لم يتمكن سوى 120,000 فقط من الوصول المستمر للخدمات الصحية النفسية. ورغم هذه التحديات الكبيرة، أحرزت منظمة الصحة العالمية تقدُّمًا مهمًّا في مجال تحسين خدمات الصحة النفسية في اليمن، فمنذ عام 2021م تم تدرّيب أكثر من 3500 من موظفي الرعاية الصحية، والمستجيبين الأوائل، والعاملين في الخطوط الأمامية، ومعلمي المدارس، والمديرين المعنيين بحالات العنف القائم على نوع الجنس وحماية الأطفال على تقديم خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي.
في حين أوردت “إحصاءات أطلس الصحة النفسية” التابعة لمنظمة الصحة العالمية لعام 2011م وجود 4 مستشفيات فقط للصحة النفسية في اليمن. وإذا ما قورنت هذه الأرقام بعدد السكان، نجد أنّ هناك 0.21 طبيبًا نفسيًّا و0.17 اختصاصيًّا نفسيًّا لكل 100 ألف مواطن يمني.
الدعم والإرشاد والتمويل
يواجه قطاع الصحة النفسية في اليمن تحديات جسيمة تعوق قدرته على تقديم خدمات مناسبة للملايين من اليمنيين الذين يعانون من آثار الصراع الدائر في البلاد منذ سنوات.
هنا يشير الدكتور صالح علي (اسم مستعار لطبيب نفسي) إلى وجود نقاط ضعف كبيرة في جانب التوجيه والدعم والتمويل من قبل الجهات المعنية؛ نتيجة ضعف التمويل من قبل المنظمات بسبب الصراع، وكذلك ضعف التدريب وانقطاعه عن كوادر الصحة النفسية؛ بسبب عدم وجود ما يحفزهم على العمل، ومنها الجانب المادي.
ويؤكد محمد عمر الراشد (معالج نفسي وتعديل سلوك) أهمية الدور المنظم والهادف للجهات المعنية في تقديم التمويل والدعم المالي لمراكز الصحة النفسية؛ لكون التمويل والدعم لإنشاء المراكز الصحية وتشغيلها أصبح مهمًّا للغاية، خاصة في هذه المرحلة.
وأوضح أنّ متطلبات هذا العصر، خاصة مع استمرار الصراع الدائر في اليمن، وانقطاع الرواتب وقلة الأعمال، وزيادة البطالة، وسوء الوضع الصحي، جعلت الناس تحت ضغط نفسي شديد جدًا وجعلهم متأزمين، مطالبًا المؤسسات الحكومية والمؤسسات الداعمة والمؤسسات الخيرية بتقديم الدعم المالي لإنشاء المراكز الصحية النفسية وتشغيلها.
من جانب آخر، تؤكد منيرة النمر (معالج نفسي إكلينيكي) وجود جهات كثيرة تقدّم الدعم لمراكز الصحة النفسية، وأنّ هناك مستشفيات كثيرة فتحت حديثًا، منها في القطاع الخاص، ومنها المدعومة من قبل منظمات. مبينة أنّه في الثلاث أو الأربع سنوات الأخيرة حصلت طفرة كبيرة في جانب الرعاية النفسية، فقد أصبح لها صيت وانتشار أوسع، وأصبح لدى المجتمع وعي بهذا الجانب، وأنّ الصحة النفسية بدأت بالانتشار بشكل كبير؛ لذلك نجد دعمًا للجانب النفسي من قبل منظمات، سواء كانت دولية أو محلية.
التشجيع المستمر
من ناحية السياسات التشجيعية لتفعيل دور الجهات الرسمية، يؤكد الراشد على أهمية الدعم والتشجيع لتفعيل دور الجهات الرسمية في مجال الصحة النفسية، التي تأتي من التلفاز والإذاعة ووسائل الإعلام القديمة والحديثة، والتوعية المجتمعية عبر خطب المساجد، وكذلك زيارة المؤسسات النفسية لبحث الظروف التي يعيشها المواطنون ويحتاجونها.
كما يذكر أنّ تنويع الخدمات المقدمة من قبل الجهات الرسمية، لا تقتصر على الرعاية النفسية فقط، بل تشمل أيضًا برامج التأهيل النفسي للمتضررين بجلسات نفسية، بالإضافة إلى تثقيف المجتمع حول الصحة النفسية عبر وسائل التواصل، وتحفيز المعالجين والمعالجات النفسيين في فتح قنوات في مواقع التواصل الاجتماعي، وعمل برامج عبر القنوات الرسمية والخاصة لشرح الاحتياجات النفسية لأفراد المجتمع.
وتضيف منيرة النمر أنّ الإعلام يعمل على التخفيف من حدّة وصمة العار المجتمعية التي تلاحق المرضى الذين يعانون من أمراض نفسية؛ إذ إنّ الإعلام يسهم في نقل التجارب بشكل إيجابي للأشخاص الآخرين في المجتمع. وتقارن النمر موضوع الصحة النفسية بـ(كرة الثلج)، وتقول: “كلما تدحرجت هذه الكرة كلما كبرت”، أي إنه كلما نقل الأشخاص تجاربهم مع الطب النفسي، شجعوا الآخرين على الذهاب للعلاج والاستفادة منه.
وتشير إلى أهمية إجراء دراسة ممنهجة حول المراكز النفسية، والعمل على إرفاق قسم للصحة النفسية بكل الجهات والمستشفيات الحكومية والخاصة، مثل قسم الباطنية وقسم الأطفال وغيرها، وأن يحوي على وحدة للرعاية النفسية المتكاملة من طبيب ومختص نفسي واجتماعي، لتقديم الدعم اللازم للمرضى.
تعاون من مختلف الجهات
وعن أهمية تعزيز وجود هذا القسم في مجال الصحة بشكل عام، تؤكد منيرة أهمية التنسيق مع مختلف الجهات في اليمن لتعزيز أهمية وجود قسم الصحة النفسية في مجال الصحة بشكل عام. وتبين أنّ هناك كثيرًا من الأعمال التي حصلت في هذا الجانب، منها التنسيق مع جهات معنية ومنظمات دولية لتعزيز جهود المراكز الصحية النفسية.
وتضيف أنّ نتيجة لهذا التنسيق، اُفتُتِح أكثر من مركز للصحة النفسية، وأُقيمت كثير من الدورات، وأُنتجت كثير من الحقائب الخاصة باختبارات الصحة النفسية التي دعمتها المنظمات، ودرِّب المختصون النفسيّون عليها.
ويؤكد محمد الراشد أنّ الدور التعاوني مع مؤسسات حكومية أخرى يجب أن يكون تشارُكيًّا، عبر تهيئة مساحات واسعة ضمن الشروط التي تقوم بالإشراف عليها وزارة الصحة، التي تشترط على المؤسسات النفسية أن تكون ذات مساحات واسعة، تبنى الملاعب والحدائق للأنشطة؛ إذ إن أغلب دُور المصحة النفسية عبارة عن غرفة ينام فيها العميل أو المريض، وهي أشبه بالسجن.
ويقترح الراشد نشر التوعية بأهمية الصحة النفسية لطلاب المدارس والجامعات، وضرورة إدراج مواضيع الصحة النفسية في مقررات المناهج الدراسية لمادة التربية الإسلامية أو اللغة العربية، التي ستعمل على تحفيز الطاقة الإيجابية للطلاب.
التدريب والتأهيل والتطوير
عن جانب التدريب والتأهيل والتطوير المهني للكوادر العاملة في مجال الصحة النفسية من قبل الجهات المعنية، يشير الراشد إلى أنه لا توجد أي برامج للتثقيف والتوعية في هذا الجانب. ويضيف أنّ هناك حاجة ماسة لنشر التوعية والتثقيف في عدة جهات، أهمها الكليات الطبية الخاصة والحكومية، والعمل على تقوية المناهج الدراسية، وفتح قسم التمريض النفسي إلى جانب قسم الطب النفسي، وتأهيل المختصين في الجانب العلاجي النفسي، حتى يدركوا أهمية دور العلاج النفسي بجانب الدور العلاجي الدوائي. مشددًا على أنّ هذه الخطوات ضرورية لتطوير الطب النفسي في اليمن.
وأكد ضرورة وجود جانب رقابي شديد من قبل الجهات المعنية، الذي يجب أن يطبق على مراجعة المراكز والمصحات والمستشفيات النفسية من ناحية المواصفات التي لا بُدّ أن تكون متوفرة للمرضى.
في السياق ذاته، تؤكد منيرة النمر أنّ هناك دورًا كبيرًا يبذل في المدّة الأخيرة في مجال البرامج التدريبية، وأنّ هذه البرامج تستهدف الممرضين في المدن والأرياف، والمعالجين النفسيين في مختلف المحافظات، وتهدف إلى تدريب الكوادر على تقديم خدمات متعددة في مجال الصحة النفسية، ومن بين هذه الخدمات الاتصال الهاتفي في حالات الكوارث والصراعات، وكيفية عمل إحالة لحالات العلاج النفسي، وتقديم الرعاية النفسية.
وتضيف: “أنه تم تدريب أطباء العموم وأطباء الجانب العضوي على جوانب الصحة النفسية، وأن هذا التدريب شمل كيفية إحالة الحالات للمختصين، والمعالجة، والتعامل معها في حالة التعرض للصدمات النفسية، وأنه تمّ البدء بتدريب الكوادر العامة في مجال الصحة النفسية وتأهيلهم وتطويرهم منذ ثلاث أو أربع سنوات عبر منظمات محلية ودولية دعمت هذا التدريب، وزودت المراكز النفسية بحقائب الاختبارات النفسية”.
وتقرُّ النمر بأنه ما يزال هناك شحة كبيرة في الجانب الطبي من حيث قلة عدد الأطباء النفسيين، بالمقابل عدد المدربين والمعالجين النفسيين بدأ يزداد بمرور السنوات.
معالجات واقتراحات
تقول منيرة: “دور الجهات المعنية في مجال الصحة النفسية في اليمن ما زال ضعيفًا، ولا يرقى إلى مستوى الأهمية التي تستحقها الصحة النفسية. وهناك حاجة ماسة إلى تغيير هذا الواقع، ودمج الصحة النفسية في منظومة الرعاية الصحية ككل”.
وتقدّم النمر عدة مقترحات لجعل الجهات المعنية ذات دور فعّال ومتطور في هذا المجال، من أهمها نشر التوعية بمعنى الصحة النفسية والصحة العقلية والجهاز العصبي، وكيف تؤثر الأحداث الخارجية على الإنسان، وكيف تؤثر الصحة النفسية على التفكير والمشاكل الحياتية.
وتردف أنه يجب على الجهات المعنية العمل على مكافحة الوصمة المجتمعية المرتبطة بالأمراض النفسية، والعمل على إقناع المجتمع بأنّ المرض النفسي مثله مثل أي مرض آخر، وأن التوجه للعلاج ليس عيبًا، بل العيب هو الانتظار حتى تتفاقم الحالة وتصبح عبئًا على المريض وعلى مَن حوله.
تختم منيرة حديثها متطلعة إلى مستقبل مشرق لمجال الصحة النفسية؛ إذ تقول: “رغم أنّنا ما نزال في بداية المشوار، وفي أول خطواتنا، لكننا بالتأكيد بحاجة إلى مراقبة أداء المراكز النفسية، ونتائج برامج الصحة النفسية في الميدان، وأن تعمل الجهات المعنية على نقل التجارب والمهارات من قبل المدربين إلى غيرهم، لكي تُطبّق على المرضى”. مؤكدة أنّ هذه الخطوات ضرورية لرفع مستوى الخدمات النفسية في اليمن، ولجعلها مواكبة للتطورات الحاصلة في هذا المجال على مستوى العالم العربي.
69.2% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم عانوا بالفعل من أعراض الاضطرابات النفسية
إعداد: يُمنى الزبيري الصحة النفسية -حسب تعريف منظمة الصحة العالمية لها- حالة من العافية يس…