التغيُّرات المناخية أزمةٌ تضاعف معاناة الصحة النفسية في البلاد
أحمد باجعيم – صوت الأمل
في عصرنا الحالي، يواجه العالم تحديات بيئية ومناخية غير مسبوقة، تُلقي بظلالها على مختلف جوانب الحياة، بدءًا بالنظم البيئيّة والاقتصادات العالمية، وصولًا إلى الصحة النفسية للأفراد؛ إذ تسبب الفيضانات والجفاف والعواصف والحرائق شعورًا متزايدًا بالقلق والتوتر والاكتئاب بين أفراد المجتمع، خاصة مع الفقدان في الأرواح والممتلكات، ونزوح السكان عن أماكن سكناهم.
واليمن، كغيرها من الدول العربية، من أكثر الدول عرضة لتأثيرات التغير المناخي، الأمر الذي فاقم من معاناة الشعب اليمني، خاصة على صعيد الصحة النفسية. كما تعاني العديد من المناطق والمدن اليمنية من انقطاع الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء، مما يُفاقم من الاضطرابات النفسية، ويرفع معدلات المصابين بالحالات النفسية.
سيسلط هذا التقرير الضوء على التأثيرات النفسية التي تنجم عن التغيرات البيئية والمناخية في اليمن، مع استعراض التحديات التي تُفاقم هذه التأثيرات نتيجة استمرار الصراع، مما يجعل التأثيرات البيئية والمناخية أكثر حدة وشراسة، وكذا تقديم حلول وتوصيات لمواجهة التحديات القائمة بما تسهم في تعزيز الصحة النفسية في ظل الظروف البيئية المتغيرة.
الصحة النفسية وارتباطها بالمناخ
تساءلت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها نُشر بموقعها الرسمي في يونيو 2022م: “لماذا تشكل الصحة النفسية أولوية للعمل بشأن تغيّر المناخ؟” في إشارة لها أنّ التغير المناخي المتزايد يشكّل تهديدًا متصاعدًا للصحة النفسية في جميع أنحاء العالم، ممّا يضاعف من معاناة من يعانون من أمراض نفسية.
وأوضح التقرير أنّ من مسببات التغير المناخي؛ القلق، والاكتئاب، والأسى، والسلوك الانتحاري، كما أنّ التأثيرات البيئية والمناخية تضاعف من معاناة من يعانون من أمراض نفسية، وتعوق حصولهم على العلاج اللازم، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ أكثر من مليار شخص حول العالم يعانون من اعتلالات نفسية، ولكن في البلدان المنخفضة الدخل ومنها اليمن، لا يتلقون الرعاية الصحية النفسية اللازمة التي يحتاجونها.
وبحسب التقرير فقد أجرت منظمة الصحة العالمية عام 2021م مسحًا ميدانيًّا على 95 دولة، واتّضح أنّ 9 دول فقط أدرجت في خططها الصحةَ النفسية والدعم النفسي في خططها الوطنية، وأوصى التقرير بعدة معالجات لتحسين جودة الصحة النفسية: منها، دمج التأثيرات المناخية مع برامج الصحة النفسية، وتعزيز التمويلات المالية للبرامج المعنية بالصحة النفسية، وإشراك الصحة بالعمل المناخي.
أجرى العديد من الخبراء دراسات حول تأثير تغير المناخ على الصحة النفسية، وخلصت هذه الدراسات إلى أنّ التغيرات المناخية والظواهر البيئية المتطرفة، مثل الفيضانات، والجفاف، والعواصف، والحرائق، تُسبب العديد من المشكلات النفسية.
وفي مقابلة سابقة مع عالم النفس السريري فاتح تركمان، أكّد أنّ التغيرات المناخية والتقلبات البيئية تسبب القلق لدى المجتمع، وتجعلهم يشعرون باهتزاز عاطفي؛ إذ تنتج عن ذلك مشاكل أكثر خطورة على الصحة العقلية، كما أظهرت بعض الدراسات أنّ التغيرات المناخية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم أعراض اضطرابات ثنائي القطب والاكتئاب الهوسي، وذلك بسبب تقلبات المزاج الحادة التي يعاني منها مرضى هذه الاضطرابات.
من جانبها، أوضحت الشريك المؤسس في شبكة الأصوات الخضراء للشباب العربي المعنية بالمناخ، غدير طيرة، أنّ حدوث الصدمات النفسية نتيجة الكوارث الطبيعية يعدُّ من أهم التحديات التي تُواجه الصحة النفسية في اليمن؛ إذ تعاني البلاد من العديد من الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير، والفيضانات، والزلازل، والحرائق، مما يسبب دمارًا هائلًا، وفقدانًا في الأرواح، ونزوحًا جماعيًا، وتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن.
كما بيّنت أنّ الكوارث الطبيعية تسبب صدمة نفسية للمتضررين، ممّا يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات عقلية ونفسية قوية، مثل اضطراب ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب، ويشعر المتضررون من الكوارث بالتوتر وعدم الأمان، مما يؤثّر سلبًا على صحتهم النفسية.
فيما أضاف مدير المنصة اليمنية للتغير المناخي والبيئة، زاهر بن الشيخ أبو بكر: “أنّ التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية لها تأثير كبير على الصحة النفسية والعقلية؛ إذ تسبب الاكتئاب، والوسواس القهري، وحدوث اضطرابات سلوكية، وانفعالات عصبية. كما أنّ استمرار مثل هذه الحالات يؤدي إلى الإصابة بالأمراض العضوية، منها تلف الكُلى، وحدوث مشكلات بالقلب، واضطرابات في النوم، ومشاكل صحية للمرأة الحامل، وغيرها من المضاعفات”.
غياب الخدمات الأساسية
أوضحت غدير طيرة أنّ الشعب اليمني يعاني من كارثة إنسانية مركبة نتيجة الصراع المستمر وتغير المناخ، وإلى جانب ذلك، يواجه تحدّيًا هائلًا آخر يتمثل في غياب الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي، الذي له تأثير قوي عضويًا قبل أن يكون نفسيًا؛ نتيجة انتشار الأمراض المعدية.
وأضافت: “أنّ غياب الخدمات الأساسية يؤدي إلى شعور الناس بالتوتر والقلق، ممّا يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية، كما يمكن أن يؤدي الشعور بالعجز عن توفير الاحتياجات الأساسية إلى الإحباط والاكتئاب، وفقدان الشعور بالأمان، مما يُؤثّر سلبًا على الصحة النفسية التي يشكو منها كثير من أفراد المجتمع المحلي”.
واستعرض زاهر بن الشيخ أسباب غياب الخدمات الأساسية؛ مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي في اليمن؛ إذ أشار إلى أنه يعود إلى تدهور البنية التحتية لتلك الخدمات الرئيسية نتيجة الصراع المستمر، والضعف الإداري، ونقص التمويل، وعدم استقرار الأوضاع الأمنية في العديد من المناطق اليمنية، كما أنّ التغيرات المناخية تؤدي إلى زيادة ندرة الموارد المائية وتفاقم مشكلات الصرف الصحي التي تسبب العديد من الأمراض.
وأكد أنّ العجز المستمر عن الحصول على الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والماء النظيف وخدمات الصرف الصحي، يؤدي إلى زيادة مستويات التوتر والقلق والاكتئاب بين فئات المجتمع، ويعزز الشعور بعدم الأمان والإحباط، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بلادنا، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة، وهذه الضغوط النفسية المتراكمة تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية والاجتماعية، وتزيد من حدة الأزمات الإنسانية في البلاد لا سيّما الصحية منها.
التحديات والصعوبات
ذكرت غدير طيرة بعض التحديات التي تواجه البلدان النامية، مثل اليمن، في معالجة التغيرات المناخية والبيئية وتأثيرها بالصحة النفسية، التي من أبرزها: نقص الوعي المجتمعي بالمخاطر التي تنتج عن الكوارث الطبيعية والتغيرات البيئية وتأثيرها بالصحة العامة والنفسية، كذلك عدم توفر الخدمات الأساسية، وضعف البنية التحتية، وانعدام مراكز الصحة النفسية والاجتماعية أو قلتها.
ونوّه زاهر بن الشيخ إلى أنّ هذه التحديات البيئية لها تأثيرات كبيرة على الصحة النفسية للسكان، فقد تزايدت معدلات التوتر والقلق والاكتئاب؛ بسبب انعدام الاستقرار، وفقدان سبل العيش التقليدية، كما أنّ النزوح المستمر يزيد من شعور الأفراد بالعزلة والاضطراب النفسي؛ إذ إنّ الظروف المناخية المتدهورة تتسبب في حالة من عدم اليقين، والخوف من المستقبل، ممّا يعزز من الحاجة إلى تدخلات نفسية واجتماعية لدعم المجتمعات المتضررة.
التوصيات ومقترحات
وحول المعالجات والتوصيات التي تخفف من حدّة التأثيرات النفسية للمواطنين نتيجة التغييرات المناخية، تشير غدير إلى أنّ تعزيز الوعي المجتمعي يعدُّ من أهم الخطوات لمواجهة التأثيرات النفسية للتغيرات المناخية، ويشمل ذلك التعاون بين الهيئات الدولية المهتمة بالبيئة، وإنشاء منصات توعويّة، وإدراج منظمات المجتمع المدني في نشر الوعي حول أهمية أخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة التغيرات المناخية.
كما ذكرت أهمية إدراج الصحة النفسية ضمن الخطط التعليمية في المدارس والجامعات؛ لتوعية الطلاب بطرق التعامل مع الضغوط النفسية والصدمات، وتعزيز الوعي بعدم تلوث البيئة، وتقليل استخدام مسببات التلوث من أهم الخطوات للإسهام في تقليل الكوارث المناخية، وتخفيف تأثيرها على الصحة النفسية للأفراد.
من جانبه أوضح (زاهر بن الشيخ أبو بكر) أنّ هناك ثلاثة عوامل تؤثر على الصحة النفسية نتيجة التغيرات المناخية والتقلبات البيئية؛ هي: التوتر، والاكتئاب، والإرهاق، ومن أجل وضع حلول وتوصيات يتطلب التغلب على تلك العوامل.
كما أشار إلى ضرورة ممارسة الرياضة، والتعلم، وكتابة كل ما يحدث، وممارسة التفكير السلبي لبعض الوقت؛ لتعلم طرق مواجهة المشكلات، بالإضافة إلى العمل من قبل الجهات المعنية على تحسين جودة الخدمات الأساسية، التي ستقلل من الصدمات والاضطرابات النفسية في المجتمع.
إنّ التدهور البيئي ونقص الخدمات الأساسية يزيد من التوتر والقلق والاكتئاب بين الأفراد، ممّا يفرض تحديات جديدة أمام جهود الإغاثة الإنسانية والتنمية في البلاد، ومن الضروري تبني إستراتيجيات شاملة تركز على تحسين البنية التحتية البيئية، وتعزيز الدعم النفسي للمجتمعات المتضررة، ويتطلب العمل المتكامل بين الجهات الحكومية والدولية والمجتمع المدني بهدف تحقيق مستقبل حصري ومستقر للمواطنين في اليمن.
69.2% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم عانوا بالفعل من أعراض الاضطرابات النفسية
إعداد: يُمنى الزبيري الصحة النفسية -حسب تعريف منظمة الصحة العالمية لها- حالة من العافية يس…