تأثير الصراع والأزمات على الصحة النفسية للأطفال؛ التحديات والحلول
صوت الأمل – هبة محمد
تُعاني اليمن من أزمة إنسانية خانقة تُثقل كاهل الأطفال والمراهقين على وجه الخصوص، ففي ظل ظروف معيشية صعبة، وانعدام الأمن، وتفكك النسيج الاجتماعي، يُصبح النجاة من المخاطر المحدّقة هاجسًا يطغى على كل تفكيرهم، تاركًا قليلًا من المساحة للأحلام والطموحات؛ وعلى الرغم من ذلك، فإنّ النزاعات المسلحة تسبب ضررًا نفسيًّا بالغًا للأطفال، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة، وتعوق النمو المعرفي والعاطفي.
الصحة النفسية للأطفال والمراهقين
يقول الدكتور همدان الشلح -أستاذ الإرشاد النفسي في جامعة إب-: “تؤثر الصحة النفسية على سلوك الأطفال والمراهقين بشكل إيجابي أو سلبي، وهذا قد يؤثر تعاملهم مع الآخرين في حياتهم العملية والدراسية والتربوية، وفي نمط حياتهم عامة”.
من جانبها تقول أحلام محمد العواضي -أستاذة في قسم الإرشاد النفسي جامعة إب-: “إنّ تحقيق السلام النفسي في مرحلة الطفولة يفتح أبوابًا لاستكشاف معالمهم التنموية والعاطفية بشكل سليم، واكتساب مهارات اجتماعية صحية، تُساعدهم على بناء علاقات إيجابية مع الآخرين، وتعلمهم كيفية التغلب على التحديات والصعوبات التي تواجههم في حياتهم، والتألق في بيئاتهم المنزلية والتعليمية والاجتماعية”.
وأوضحت أنّ التأثير السلبي على الصحة النفسية للأطفال يؤدي إلى تغييرات جذرية في قدرتهم على التعلم والتصرف والتعاطي مع العواطف والآخرين، فيُلقي بظلاله على مختلف جوانب حياتهم؛ ممّا يؤدي إلى الشعور بالضيق وصعوبات في التعلم والتركيز، واضطرابات في السلوك. ومن الشائع أن يُعاني الأطفال في بعض الأوقات من المخاوف والقلق، أو يُظهرون سلوكيات مزعجة، ويتأثر أداؤهم في المنزل والمدرسة والمجال الاجتماعي.
وعن الصحة النفسية لدى المراهقين والتغييرات النفسية التي تحدث، أشارت العواضي بالقول: “المراهقة أيضًا تعدُّ مرحلة تكوينية انتقالية يشهد فيها المراهق تغيرات جسمية ونفسية وعاطفية، ويجد نفسه عالقًا بين مرحلتين؛ الطفولة والبلوغ، فلا هو بالبالغ ولا هو بالطفل ليقبل في مجتمعهم، وتعد مرحلة البحث عن الذات، والرغبة في الشعور للانتماء؛ لذا فالمراهق الذي يتمتع بصحة نفسية قادر على تجاوز هذه المرحلة بشكل آمن”.
” في مرحلة المراهقة، أيضًا يواجه الشباب تحديات عديدة تؤثر بشكل كبير على حياتهم، وتشكل تحديات في جوانبهم المختلفة، واحدة من هذه التحديات اختيار التخصص أو المهنة المستقبلية؛ إذ يجدون أنفسهم أمام الضغوط لاتخاذ قرار يؤثر على مستقبلهم المهني”، وفقًا للشلح.
وذكر أنّه يمكن تعزيز صحتهم النفسية بالبرامج الإرشادية الدينية، خاصة أنّ الجانب الديني له دور أساسي في بناء شخصية الفرد، وتحقيق التوازن والاستقرار النفسي، وبناء شخصية نموذجية سليمة قادرة عل القيام بكامل دورها في الحياة، تواجه التحديات والصعوبات.
الأطفال والمراهقون في ظل الصراع
“في ظل الصراعات المستمرة والمأساة التي تعصف بالعديد من البلدان، يتعرض الأطفال والمراهقون في اليمن لتحديات هائلة تؤثر على صحتهم النفسية ورفاهيتهم، وحرمانهم من الأمان والاستقرار، وتعرضهم للعنف والفقر والتشرد، ما أدّى إلى ترك آثار عميقة على نفسيتهم الهشة”، هذا ما أشار إليه الشلح.
كما أوضح أنّ الأطفال والمراهقين يواجهون تحديات جمّة في فهم عواطفهم، وتعتمد هذه التحديات بشكل كبير على البيئة التي يعيشون فيها، ففي بيئة إيجابية داعمة، تصبح رحلة فهم العواطف رحلة سهلة تسهم في نموّهم وتطورهم على مختلف المستويات، أما في بيئة سلبية، فإنّ فهم العواطف يصبح مهمة صعبة قد تعوق نموهم وتؤثر سلبًا على قدراتهم العقلية، وفي فهم المحيط بهم، والقدرة على مشاركة الآخرين نشاطهم، ولذلك فإنّهم يحتاجون إلى تنمية هذه العواطف والمشاعر وتنمية الذكاء الانفعالي والعاطفي والوجداني؛ ببرامج تدريبية علمية ومنظمة.
وبحسب المعالجة النفسية الدكتورة مرسلة العواضي، فإنّ المستشفيات الخاصة بالأمراض النفسية في صنعاء تشهدُ ارتفاعًا كبيرًا في عدد المرضى بعد الصراع، وتقدر نسبة الأطفال تحت سنِّ الرابع عشرة نحو %44 من سكان اليمن، فإنّ الأطفال يعدّون فئة عرضة للأمراض النفسية بشكل خاص، نظرًا لضعفهم الشديد واستجابتهم للصراع.
وأردفت أيضًا أنّ الدراسات تُشير إلى أنّ أكثر من مليوني طفل يمني في سن التعليم غير مسجلين في المدارس، ممّا يعكس الآثار السلبية للصراع على تعليمهم ونموهم النفسي، وقد أظهرت استبيانات أجريت في صنعاء وعدن وتعز وأبين زيادة في مشاعر الخوف وعدم الأمان والقلق والغضب بين الأطفال، كما يعاني %31 من الأطفال من أعراض بدنية؛ مثل الصداع وآلام الصدر والبطن والإرهاق، التي تعدُّ مؤشرات على الضغوط النفسية التي يوجهونها.
وتكمل: “توضح الدراسات أيضًا اختلافات واضحة في شدّة الأعراض النفسية بين المناطق، التي ترتبط بشكل عام بكثافة الصراع في تلك المناطق، وتشير البيانات إلى أنّ %5 من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي، و%2 يعانون من التأتأة، و%47 يعانون من اضطرابات النوم، و%24 يواجهون صعوبة في التركيز، و%17 يعانون من نوبات الهلع، وهذه الأعراض تعكس حجم التحديات النفسية التي تواجه أطفال اليمن”.
وعن الإحصائيات الرسمية للأطفال المصابين بصدمات نفسية تؤكد الدكتورة أحلام محمد أنّه لا يوجد في اليمن إحصائيات رسمية توضح المشكلات النفسية للأطفال والمراهقين، لكن بشكل عام وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، التي دعت إلى حماية الأطفال في النزاعات المسلحة، فإنّ %10 من الأشخاص الذين تعرضوا لأحداث صادمة سيعانون لاحقًا من أعراض الصدمة، في حين ستتطور لدى %10 آخرين تغيرات في السلوك أو الظروف النفسية التي تمنعهم من أداء وظائفهم اليومية.
تحديات وصعوبات
عن التحديات الحالية التي تواجه تعزيز الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين في اليمن، يؤكد الشلح أنّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة تلقي بظلالها السلبية على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، بسبب تأثرهم بما تعانيه الأسر من انعدام الدخل، وصعوبة في توفير متطلبات المعيشة.
وأضاف أنّ التحديات التي تواجه تعزيز الصحة النفسية للأطفال والمراهقين في اليمن لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط، بل تضاف إليها تحديات أسرية تتمثل في انفصال الوالدين أو فقدان أحدهما، الذي يؤثر على شعور الأطفال بعدم الاستقرار والأمان، ممّا قد يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية.
وتزداد التحديات صعوبة بالنسبة للأطفال الذين يعانون من بعض اضطرابات الصحة النفسية؛ إذ توضح الدكتورة أحلام أنّ التحديات تتمثل في عدم فهم حالة الطفل من قبل المحيطين به؛ ممّا قد يؤدي إلى التعامل معه بطريقة خاطئة تفاقم من حدة المشكلة.
وبينت أنّ من الاضطرابات النفسية الشائعة بين الأطفال في اليمن اضطرابات النمو، مثل التوحد؛ إذ يعاني الأطفال المصابون بالتوحد من صعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى شعورهم بالعزلة والوحدة، واضطرابات سلوكية، مثل اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)؛ ممّا قد يؤثر سلبًا على تحصيلهم الدراسي وعلاقاتهم الاجتماعية.
وأكدت أنّه لا تزال رحلة جعل الصحة النفسية أولوية في مجتمعنا اليمني طويلة وشاقة؛ وذلك بسبب نقص الاهتمام ببرامج الصحة النفسية من قبل الحكومة، وغياب الوعي بمواضيع الصحة النفسية وأهميتها على الرغم من انتشار مشاكلها في كل بيت.
كما تؤكد المختصة النفسية تيسير البارق على هذه التحديات، مشيرة إلى أنّ الأطفال والمراهقين في اليمن يواجهون كثيرًا من الصعوبات في فهم عواطفهم ومعالجتها، وذلك بسبب قلة الوعي المجتمعي بأهمية الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، وإهمال أولياء الأمور لهم منذ بداية ملاحظات سلوكياتهم غير المتوافقة مع الأسرة والبيئة الاجتماعية المحيطة.
وتضيف البارق أنّ أغلب البرامج النفسية الموجودة في اليمن تابعة لمنظمات تبذل جهودها؛ لتجويد الخدمة والوصول لأكبر عدد من المستفيدين، ومع ذلك، تؤكد أنّ هذه البرامج لن تكلل بالنجاح المطلوب دون وعي ودعم مجتمعي، ودعم من الحكومة.
معالجات
“هناك عدد من البرامج التي تقدمها بعض المنظمات الدولية، تستهدف تعزيز الصحة النفسية للأطفال والوقاية من اضطراباتها، التي تهدف إلى تعزيز قدرة الفرد على ضبط عواطفه، وتحسين السلوكيات، واكتساب المرونة في إدارة المواقف الصعبة والشدائد، وتساعد الأطفال على التعامل مع صدماتهم”، هذا ما أشارت إليه العواضي.
وأكدت على أهمية تعزيز البيئات الاجتماعية الداعمة والشبكات الاجتماعية التي تساعد الأطفال على التعافي من الصدمات والنمو بشكل سليم؛ بتوفير المساحات الصديقة للأطفال التي تقدّم مجموعة من الخدمات المتكاملة للأطفال المتضررين، منها الدعم النفسي مع مختصين نفسيين، وتوفير المساحات الآمنة للنساء والفتيات، التي توفر أنشطة ممتازة؛ كالدعم النفسي والتوعية والتدريب والتمكين، والإحالة لخدمات أخرى كالحماية، وخدمات صحية، أو نقدية بحسب الاحتياج.
لا يمكن تحقيق حماية شاملة للصحة النفسية للأطفال في اليمن دون تعاون وتضافر من جميع الجهات المعنية، بدءًا من الحكومة والمنظمات وانتهاء بأفراد المجتمع.
وتؤكد المختصة النفسية تيسير البارق أهمية هذا التعاون، مشيرة إلى أنّ الجهات المعنية تشمل وزارة الصحة، ومراكز الإرشاد النفسي في الجامعات والمدارس، والمنظمات المحلية والدولية.
كما تشير إلى تجربة ناجحة لمركز الإرشاد النفسي بجامعة إب وفرع الصندوق الاجتماعي للتنمية عام 2013-2014م؛ إذ حصل تأسيس 21 وحدة إرشادية في مدارس مديريتي الظهار والمشنة بمحافظة إب.
وتبين أنّ تعزيز التعاون بين الجهات المعنية كافة يجب أن يشمل تبادل المعلومات والخبرات، وتنسيق الجهود، وتوفير برامج تدريبية مشتركة لضمان تقديم دعم شامل وفعّال للأطفال والمراهقين، مع إدماج برامج تعزيز الصحة النفسية لمقدمي الرعاية للأطفال والمراهقين.
وتوضح أهمية إدماج برامج تعزيز الصحة النفسية لمقدمي الرعاية للأطفال والمراهقين، مع التعاون مع مكتب التربية والتعليم والأهالي بوضع برامج تعليمية وتأهيلية للأطفال والمراهقين، وإدماجهم في الحياة التعليمية والتربوية، وتوفير المتطلبات المدرسية بتعاون مع الدولة ومنظمات داعمة، وتعزيز تعاون الجهات الرسمية والأمنية ومنظمات مجتمعية لتوعية المجتمع بأهمية تجنيب الأطفال والمراهقين الصراعات، وحماية حقوقهم، وعمل برامج تأهيلة لمن تعرضوا للآثار النفسية والاجتماعية من النزاعات أو الجوانب الاقتصادية.
ويؤكد الشلح ضرورة تعاون الجهات الرسمية مع مراكز الإرشاد النفسي في الجامعات لوضع برامج وقائية وعلاجية للأطفال الذين تعرضوا للضغوطات الحياتية وآثار الحرب، خاصة في بعض المدن والمحافظات المتضررة.
ويطالب جميع المعلمين، والخطباء والمسؤولين الأمنيين والمرشدين وقادة الدولة والمهتمين والآباء والإعلاميين، وجميع الأشخاص الذين يلعبون دورًا في رفع مستوى الوعي والاهتمام بالصحة النفسية للأطفال والمراهقين، يطالبهم بالتكاتف معًا للحد من المشكلات النفسية والسلوكية التي يواجهها الأطفال. ولتحقيق ذلك، يجب تنظيم حملات توعوية وبرامج تثقيفية وندوات وورش عمل للمعلمين والآباء.
يشير الشلح إلى ضرورة تعزيز التعاون بين المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والمنظمات غير الحكومية، بتشكيل فرق عمل مشتركة تجمع بين هذه المؤسسات لتبادل المعرفة والخبرات، وتوجيه الجهود نحو تقديم الدعم النفسي والعلاج اللازم للأطفال والمراهقين.
69.2% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم عانوا بالفعل من أعراض الاضطرابات النفسية
إعداد: يُمنى الزبيري الصحة النفسية -حسب تعريف منظمة الصحة العالمية لها- حالة من العافية يس…