‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الشعر في اليمن منصات التواصل الاجتماعي ودورها في إثراء الثقافة الشعرية اليمنية

منصات التواصل الاجتماعي ودورها في إثراء الثقافة الشعرية اليمنية

أحمد باجعيمصوت الأمل

باتت وسائل التواصل الاجتماعي جسورًا ثقافية وروابط إبداعية تربط الشعراء بجمهورهم في مختلف بقاع العالم، بما في ذلك اليمن؛ إذ يعد أمرًا مؤثرًا في ترسيخ الهوية الثقافية والأدبية للمجتمع المحلي بشكل أوسع، كون تلك المنصات توفر فرصة لعرض قصائدهم وأفكارهم الإبداعية بشكل لحظي مع الجمهور، والتفاعل مع التعليقات وردود الفعل من المتابعين، لخلق حوار أدبي مثمر، يسهم في تعزيز شعور الشعراء بالتواصل مع قراءتهم، ممّا يحفزهم على المزيد من العطاء والإبداع.

كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًّا في نشر ثقافة الشعر والأدب في المجتمع اليمني، خاصةً بين فئة الشباب، فمن خلال مشاركة القصائد العربية والفصحى، والقصائد العامية المحلية، يُمكن للشعراء تعريف الأجيال الجديدة بجماليات اللغة العربية وفنون التعبير الشعري، وتحفيزهم على اكتشاف مواهبهم الإبداعية.

وتساعد تلك الوسائل في تعميق الفهم، والتقدير للشعر والأدب اليمني محليًّا ودوليًّا، وتوفر منصة للشعراء للتعبير عن مشاعرهم، وتفاعلهم مع القضايا الاجتماعية والثقافية التي تمرُّ بها البلاد، خاصة في الوقت الراهن، ممّا يجعلهم جزءًا أكثر فعالية في الحوار الثقافي والفكري داخل المجتمع.

جسور ثقافية وروابط إبداعية

يرى الشاعر محمد باقروان أنّ وسائل التواصل الاجتماعي لها دور محوري في تعزيز مكانة الشعراء، وخلق نوع من التعارف والتواصل بينهم، وتوسيع قاعدة محبيهم وأصدقائهم من خلال التفاعل المباشر مع إبداعاتهم الشعرية والأدبية عبر صفحاتهم.

وأوضح لصحيفة (صوت الأمل) أنّه في الماضي، كانت معرفة النّاس بالشعراء محدودة بشكل كبير؛ إذ اقتصرت على الأهل والأقارب وأبناء القرية أو المنطقة المجاورة، فكان من الصعب على الشعراء الموهوبين من المناطق النائية أو الريفية إيصال أصواتهم إلى جمهور أوسع، ونشر إبداعاتهم على نطاق واسع.

وقال: “إن من محاسن وسائل التواصل الاجتماعي، إظهار مواهب الشعراء الذين لم يكن يسمع بهم أحد من قبل، بالذات نحن أبناء البادية والأرياف؛ إذ كانت شهرتهم ومعرفتهم مقتصرة على مناطق محددة قبل ظهور هذه الوسائل، وحاليًا، أصبح لديهم العديد من المتابعين، بعد أن أتاحت لهم هذه المنصات فرصة لكسر قيود المسافة، والتواصل مع محبي الشعر من مختلف أنحاء العالم”.

وأشار أنّ لديه عبر صفحته على (الفيس بوك) نحو خمسة آلاف صديق، خلاف المتابعين، وهؤلاء أغلبهم يتابعون قصائده المكتوبة والفيديوهات التي يقوم بنشرها، التي تبرز أعماله الأدبية والشعرية، وهم بدورهم ينشرونها على المواقع الأخرى، عبر مشاركتها سواء في نفس الصفحة عبر (الفيس بوك) أو على وسائل أخرى، مثل (الواتساب) و(التيك تك) و(اليوتيوب) وغيرها.

وبيّنَ أنّ الناس أصبحت تتأثر بالشعر الذي يلامس واقعهم الحياتي بمختلف جوانبه؛ إذ ساعدت تلك الوسائل بشكل كبير في إبراز الشعراء والمثقفين، وإيصال رسائلهم المؤثرة للمجتمع المحلي والخارجي.

هذا وقال الشاعر حسين العيدروس: “إنّ دور وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز وجود الشعراء مهمٌّ جدًّا؛ إذ تُسهم في نشر الأشعار والأفكار الإبداعية، والتفاعل معها، ومشاركتها لغيرهم؛ ممّا يؤدي إلى شهرة الشاعر، وإعطائه حقه ومكانته الأدبية على المستوى المجتمعي، وأيضًا يستطيع الشاعر الحصول على الانتقاد البنّاء من قبل المتخصصين والمهتمين محليًّا وعربيًّا عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتعلم والاستفادة من الأخطاء وتجنبها، وتصحيح مساره إلى الأفضل في هذا المجال، كما يعزّز من حضوره بين المتابعين والمعجبين إن صحَّ التعبير”.

وأضاف الشاعر العيدروس: “أنّ وسائل التواصل لها التأثير الكبير على نجاح الشاعر أو إخفاقه، فالتعليقات على صفحات التواصل، سواء أكانت إيجابية أم سلبية، تلعب دورًا مهمًّا في تشكيل مسيرة الشاعر، فإذا كانت التعليقات إيجابية ومحفزة، فإنّها تخلق روحًا إيجابية تساعد الشاعر على الشهرة والإبداع، والعكس صحيح، وهذا الشيء ينطبق على كل المهن الإعلامية وصناع المحتوى وغيرها”.

وأشار إلى أنّه من خلال التجربة والمتابعة نلاحظ أنّ مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت الفيصل في تحديد مستوى أيّ شخص، إمّا بالتقدم والإبداع، وإمّا بالتحطم والفشل، وذلك بسبب حالات التنمر، والتعليقات السلبية، والشواهد كثيرة على كلتا الحالتين.

الأسماء الشعرية

تعج منصات التواصل الاجتماعية المتعددة بكثير من الأسماء الشعرية الذين لديهم الآلاف من المتابعين والمعجبين، محققين بذلك شهرة واسعة محليًّا وإقليميًّا، وعلى سبيل المثال لا الحصر نستذكر بعض الشعراء سواء في الوقت الحالي أو الماضي القريب، ومن أبرز الشخصيات الشعرية التي خلفت بُعدًا وأثرًا تراثيًا كبيرًا يفتخر به الشعب اليمني، المفكر والشاعر الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح، الذي ذاع صيته، وتخطت شهرته الوطن العربي قاطبة؛ إذ بلغ عدد متابعيه في صفحته على تطبيق (فيس بوك) نحو 407 ألف متابع.

وعندما تُوفي المفكر والشاعر المقالح في أواخر شهر نوفمبر من عام 2022م، وصل عدد التعليقات المعبرة عن الحزن والرثاء على خبر وفاته على صفحته بالفيس بوك إلى ما يقارب 28 ألف شخص، وهذا يعطي مؤشرًا لما وصل إليه الشاعر والمفكر الكبير من شهرة تخطت النطاق الجغرافي لليمن، ليس فقط على مواقع التواصل الاجتماعي فحسب، بل وحتى وسائل الإعلام الأخرى، وكانت آخر جوائز المفكر المقالح قبل وفاته عام 2019م عندما حقق جائزة (أحمد شوقي) للإبداع الشعري، وينحدر المقالح إلى قرية المقالح بمديرية الشعر في محافظة إب.

إضافة إلى ذلك حقق “شيخ الشعراء” كما هو مدون على صفحته بالفيس بوك الشاعر الشيخ محمد سالم الكهالي، من يافع محافظة لحج، شهرة واسعة على مستوى اليمن خلال السنوات الماضية؛ إذ بلغ عدد متابعيه في صفحته إلى 206 ألف متابع، وفي مطلع العام 2024م، كُرّم شيخ الشعراء الكهالي من قبل محبيه في حفل خطابي جماهيري، حصد على إثره جائزة تكريميه بلغت نصف مليون ريال سعودي، وفور تكريمه أعلن تبرعه بكامل المبلغ لتعبيد طريق في يافع، كوفاء منه إلى جماهيره وأهله في لحج، لترتفع شهرته ومحبته بصورة أكبر على الواقع وعلى المواقع الافتراضية.

كما لا ننسى ونحن نبحث عن الشعراء الذي حققوا شهرة واسعة على الشبكة العنكبوتية فئات الشباب، وحين نقول الشباب يتطلب ذكر الشاعر عمر حسين المقدي، والشاعر محمد جريد، هذان الشاعران برزا خلال السنوات الماضية، وحققا شهرة واسعة على النطاق المحلي والعربي، كذلك الشاعر مجيب الرحمن غنيم، والشاعر عوض اليهري، وغيرهم كثير من الشعراء الذين لديهم جماهير كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، كما أنّ هؤلاء الشعراء الذين ذكرناهم ليسوا هم فقط الأكثر شهرة من غيرهم، ولكن على سبيل المثال لا الحصر.

التحديات

أوضح الشاعر باقروان أنّ من التحديات التي تواجه الشعراء في مواقع التواصل الاجتماعي، سياسة تلك المواقع؛ إذ تقوم بحجب بعض القصائد الحماسية، التي تعدُّ في نظر من يقوم على هذه المنصات والمواقع خطًّا أحمرَ، فإذا نشرت منشورًا هادفًا بما يملي عليك دينك وضميرك، يُحجب حسابك أو يُوقف لمدة ثلاثة أيام، أو يقللوا عليك المشاهدات ويوقفوا عليك التعاليق بحجة مخالفة لقواعد النشر.

وبيّنَ أنّ بعض القصائد قد تصل عدد المشاهدات أقلَّ من خمسين مشاهدة، وميزة التعليق واقفة، في حين يصل عدد المشاهدات للقصائد العادية إلى ما يقارب خمسة ألف مشاهد، ومنها ما تصل إلى أكثر من ذلك، وهذا الأمر يبين أنّ هناك تقييدًا وعدم إعطاء رواد تلك الوسائل الحرية في التعبير، وذلك وفقًا للمعايير التي يتحكم بها القائمون على تلك الوسائل التي تعدُّ غير صحيحة.

وأردف قائلًا: “أنّ وسائل التواصل سمحت بظهور من يسمون أنفسهم شعراء للأسف، وهم من أهانوا الشعر بأشعارهم التي أخلت بالقواعد الأساسية للشعر، فلا وزن ولا قافية ولا معنى، وإذا فقدت هذه الثلاث القواعد اختلَّ الشعر الذي يُبنى على هذه القواعد”.

وأشار إلى أنّ التفاوت من شاعر إلى شاعر يحصل في الصور البلاغية، والتشبيهات، ومفردات الكلمات، وهذا يعتمد على قوة الشاعر وموهبته، لكن كلها تحت هذه الثلاث القواعد، ولولا هذه المواقع لما ظهر هؤلاء الذين شوهوا الشعر في الفضاء المفتوح؛ إذ يختفون عن جلسات الشعراء المباشرة؛ كونها هي المعيار الحقيقي لتمكن الشاعر مِن الأداء الفعلي.

وذكر الشاعر العيدروس بعض التحديات التي تواجه الشعراء سواء على منصات التواصل أو على الواقع المعاش، ومن هذه التحديات، إمكانيات المجتمع أو الدولة التي تندرج تحتها مجموعة من العوامل أبرزها، عدم اهتمام الدولة والمؤسسات المعنية بالثقافة والأدب بالشعراء ومساعدتهم في صقل مواهبهم، وعدم توفير بيئة مناسبة وظروف ملائمة لدعم الشعراء، وضمان استمراريتهم في الإبداع، ويقصد به الوضع الاقتصادي، وتعرضهم إلى التهميش من قبل الإعلام، وكذا المحسوبية.

وأضاف: “أنّ صفحات مواقع التواصل أصبحت المتنفس الوحيد للشعراء، خاصة في الوقت الراهن، إلّا أنّ كثيرًا من الشعراء يواجهون كثيرًا من الانتقادات بهدف التقليل من شأن الشاعر، وليس الانتقاد البنّاء”.

ختامًا، إنّ استخدام منصات التواصل الاجتماعي أسهم في ازدياد قدرة الشعراء في اليمن على التواصل مع جمهورهم بطريقة فعّالة ومباشرة، فهذه المنصات ليست مجرد وسائل للتواصل فقط، بل تعدّ أدوات ذات قوة كبيرة لتعزيز الثقافة الشعرية ونشر الفكر، أي يمكن للشعراء اليمنيين التعبير عن هويتهم الثقافية بكل يسر وسهولة، وحصد الملايين من المعجبين والمتابعين.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال

إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…