الإبداع الشعري النسائي في اليمن.. نبراس للتغيير الثقافي
هبة محمد – صوت الأمل
تعدُّ الثقافة الشعرية في اليمن من أبرز ركائز التراث والهُوية الوطنية، وفي ظل التحولات الثقافية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، يبرز دور المرأة اليمنية بوصفها نبراسًا للتغيير الثقافي من خلال إبداعها الشعري، وإنّ الإبداع الشعري النسائي في اليمن يمثل وهجًا متفردًا في عالم الأدب؛ إذ تتجلى فيه قوة الكلمة وجمال التعبير. تنسجم الشاعرات اليمنيات بشكل فريد مع روح البلاد وتراثها الغني، وتستخدم ألحان الكلمات لتروي قصصًا عميقة، وتعبر عن مشاعرَ وأفكارٍ تجسّد تجارب الحياة والمجتمع.
شريكة فاعلة في إثراء الشعر
يُعدُّ الإبداع الشعري النسائي في اليمن جزءًا لا يتجزأ من التراث المتنوع للبلاد، ويسهم في تعزيز الوعي الثقافي، وتقديم رؤية مختلفة للمجتمع، تقول الكاتبة مُنى الزيادي، رئيسة مؤسسة المُنى الإبداعية: “لقد كان للمرأة دور كبير في إثراء الشعر بأنواعه في الجمهورية اليمنية وتعزيز الوعي الثقافي، وعلى الرغم من أنّ نظرة المجتمع اليمني للمرأة ما زالت ضيقة جدًّا، ووجود امرأة شاعرة ينظر نحوه بعضهم نظره دونية؛ لأنّهم يعدون حدود المرأة بيتها وأسرتها فقط، وظهور حرفها على منصات التواصل الاجتماعي لا يحقُّ لها من منظورهم الضيق”.
وتواصل: “كما نعلم أنّ المرأة اليمنية من أشد النساء عزيمة وإرادة في كل مجالات الحياة، ولا سيما في وضعنا الحالي الذي لا يخفى على أحد، أمّا بالنسبة للأديبة اليمنية سواء كانت شاعرة أو روائية أو كاتبة أو فنانة، فقد أثبتت جداراتها، ونافست أخاها الرجل في هذا الفن الأدبي، ووقفت أمامه بقوة وعزيمة، بل وفازت وحازت على المراتب الأولى في ذلك”.
وأكدت أنّ دور المرأة اليمنية كبير في إثراء الجانب الشعري، وذلك برسم أجمل الكلمات، ونظم درر القوافي، والتغني بالوطن والحب والسلام، فهي تحاكي القلوب، وتغرس حب الوطن في النفوس، وتكتب للوطن قبل كل شيء، تدعو الجميع للعودة إلى طاولة الحوار ونبذ العنف والنزاعات والتمزق والشتات.
وعن محتوى المرأة اليمنية الشاعرة، أشارت الزيادي إلى أنّ معظم كتابات المرأة اليمنية للدين ونصرته، فهي تناصر القضية الفلسطينية وتدافع عنها بكل وقت وحين، وتكتب عن المرأة والطفل وحقوقهم، كما تكتب عن الحياة بشكل عام وترش عطورها الفواحة في جنبات الحياة، كما تزرع الأمل بذلك القلب المعتم، وتنشر ومضات السعادة على أرواح أضناها الألم والتعب.
من جانبها تشارك الشاعرة مليحة الأسعدي بالقول: “لا يمكننا تحديد دور للمرأة اليمنية في إثراء الثقافة الشعرية في اليمن، فهي تُسهم في هذا المشهد الثقافي بشكل أو بآخر، هنّ لسنَ شاعرات فقط، بل رائدات في المشهد الثقافي”.
وتوضح لصحيفة (صوت الأمل) أنّه على الرغم من محدودية الإمكانات المتاحة لهنّ في اليمن، سواء في المشاركة أو الإدارة أو حتى توفر الموارد، فإنّهنّ يعددْنَ شريكاتٍ فاعلاتٍ في بعض المؤسسات والمبادرات الثقافية.
وتكمل: “لا أتحدث هنا عن الموارد المحلية المتاحة، فهي محدودة بشكل كبير أو تكاد تكون غير موجودة، بل أتحدث عن الموارد الأخرى التي تبذل المرأة اليمنية جهودًا كبيرة لخلقها من العدم، تعمل على التواصل والاتصال بالمؤسسات الثقافية الإقليمية والدولية، وفي بعض الأحيان تستخدم موارد خاصة بها لوضع بصمتها في هذا المشهد المعقد الذي تتحكم به الظروف العامة”.
من جهتها تؤكد الدكتورة جميلة الرجوي -أديبة وشاعرة، وأكاديمية في جامعة صنعاء- أنّ للمرأة اليمنية دورًا كبيرًا على الساحة الثقافية الشعرية، وتعزيز الوعي الثقافي من خلال مشاركتها الفاعلة في فعاليات الساحة الأدبية منتجة ومتلقية، وكذلك تشير أنّ الشاعرة اليمنية أصبحت تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي بنتاجها الشعري المتضمن جميع أغراض الشعر دون خوف أو تحفّظ.
وتشير الرجوي إلى أنّ المرأة اليمنية صنعت لها طريقًا خاصًا بها متحدية كل العوائق؛ إذ تقول: “لم تعدّ الأديبة اليمنية، التي حاصرتها التقاليد والأعراف الاجتماعية لمدّة طويلة من الزمن، تخشى ولوج الساحة الشعرية باسمها الصريح، بل وتفتخر كونها أصبحت شاعرة، ويحتفي بها الوسط الأدبي مثلها مثل أخيها الرجل سواء بسواء”.
وتوضح أنّ المرأة أقل جرأة من الرجل في الولوج لبعض أغراض الشعر؛ مثل الغزل الجريء أو الهجاء، فإنها تتجنب ذلك حياء منها أو قناعة بأنّ محاكاة الرجل الشاعر في مثل هذه المواضيع يعرضها للنقد والاستهجان من مجتمع محافظ، ويسبب لها حرجًا هي في غنًى عنه.
الشعر النسائي والتحفظ الاجتماعي
“وجود الشاعرات من النساء في مجال الشعر يعدُّ ضئيلًا بالمقارنة مع الشعر الذكوري، ويعود هذا التحفظ إلى العوامل الاجتماعية والثقافية التي تسيطر في مجتمعنا، فعلى الرغم من وجود العديد من الشاعرات المبدعات، فإنّ أهاليهنّ يمنعونهنّ من الظهور والتعبير عن إبداعاتهنّ بشكل عام، وخاصة في مجال الشعر” حسب مُنى الزيادي.
وتُشير الزيادي أنّ هذه الظاهرة تعود إلى توجهات المجتمع وتقاليده، التي تُعزز دور الرجل وتقيّد دور المرأة في المجالات العامة، وتمنَع النساء من التعبير العلني عن أفكارهنّ ومشاعرهنّ من خلال الشعر؛ بسبب القيود الاجتماعية والتوقعات المحددة للنساء في المجتمع.
وأكدت أنّ نسب الرجال في مجال الشعر تظل أكبر بكثير من النساء، وذلك بسبب الحرية الأكبر التي يتمتعون بها في التعبير الشعري، وفي تطوير مواهبهم الإبداعية، وأنّ الشعر الذكوري أكثر قبولًا وتقديرًا في المجتمع، في حين يواجه الشعر النسائي تحفظات وتحديات تقلل من وجوده وتأثيره.
وتقول الأسعدي: “عند الحديث عن نسب النساء في المشهد الشعري اليمني، يجب أن نفهم أنّه يتعلق بإحصاءات وأرقام واضحة، التي للأسف غير متوفرة في هذا السياق؛ إذا كنّا نتحدث عن فاعلية دور اتحاد الأدباء، فإنه يُعدُّ الحاضنة الأساسية للشاعرات والشعراء في العديد من البلدان العربية، ولكن ذلك لا ينطبق بنفس القوة على المشهد الشعري اليمني”.
وأشارت إلى أنه على الرغم من ظهور بعض المؤسسات في اليمن، مثل بيت الشعر اليمني، فإنّ الحديث عن النسبة في هذا السياق سيكون للتقدير فقط.
وحسب الأسعدي: “عند التحدث عن تجربتي العملية مع عدد كبير من الأدباء والشعراء على مدى عشر سنوات أو أكثر، سواء من خلال المؤسسات الثقافية التي أدرتها أو العمل التطوعي فيها، يمكنني القول بأنّ هناك عددًا كبيرًا من الشاعرات في اليمن من حيث العدد، ولكن أثرهنّ يكون قليلًا، وذلك بسبب طبيعة ظهورهنّ المؤقت في المشهد الشعري”.
التحديات
أمّا عن التحديات التي تواجه النساء في مجال الشعر في اليمن تقول الأسعدي: “تواجه المرأة اليمنية الشاعرة تحديات النشر والتوثيق وتحدّي الظهور والاستمرارية في مجتمع وفضاء شائك يبحث عن أي ضحية للنيل منها، ناهيك عن تحديات عامة طالت الجميع؛ مثل التحديات الاقتصادية والمادية، التي صرفت كثيرًا من الأديبات والأدباء على حدٍّ سواء عن الحياة الأدبية الفاعلة، إلى البحث عن مصادر حياة واستقرار تضمن لهم الحد الأدنى من الكرامة”.
أسماء مبدعة تحتضن الشعر
على امتداد اليمن العريقة، تتألق أصوات شاعرات مبدعات تجسد قصائدهنّ أعماق الوجدان، وترسم لوحات شعرية تبهر العقول والقلوب، إنّهنّ نساء يمنيات يحملنَ في أرواحهنّ لهيب الكلمة وسحر البيان، ويصغنَ بأبياتهنّ الجميلة رسالة فنية تعبّر عن أحاسيسهنّ وتلامس المشاعر الإنسانية.
“هناك أسماء كثيرة، وتزايدت بشكل ملحوظ في المدّة الأخيرة، ومن أبرزهنّ الشاعرة الراحلة فاطمة العشبي، أيضًا هناك الشاعرة الكبيرة هدى أبلان، والشاعرة سمر الرميمة، والشاعرة خالدة النسيري، كذلك الشاعرة أمة الكريم نصّار، ومن الشابات المبدعات سبأ عُباد العواضي، وعائشة العولقي، وغالية عيسى، وغيرهنّ كثير ممّن لا يتّسع المجال لذكرهنّ”، حسب الشاعرة جميلة الرجوي.
وتواصل: “أمّا بالنسبة لدواويني المطبوعة والمنشورة، فهي حسب التسلسل الزمني (من فيض الوجدان، رسالة حب من حواء، وأخيرًا ديوان إنّي أراني أعصرُ شعرًا) الذي تبنّى طباعته ملتقى الإيسيسكو للشاعرات، ويُعرض حاليًا في معرض الكتاب بالرباط”.
من جهتها أضافت الشاعرة الزيادي أبرز الأسماء الشعرية للنساء في اليمن؛ منها الشاعرة ميسون الإرياني من مواليد 1987م، أشهر مؤلفاتها مجموعتها الشعرية الأولى بعنوان “مدد”، المجموعة الثانية “الموارب من الجنة”، المجموعة الثالثة “حيل”، أيضًا الشاعرة رغدة جمال، من مواليد 2008م، من إصداراتها “تائهة بين طيات حكاية”، وديوان عن “ثورة ما” تُترجم قصائدها إلى اللغة الإنجليزية.
وذكرت الأسعدي عددًا من أبرز النساء الشاعرات؛ منهنّ نجود القاضي، وغادة الحرازي، وسبأ عباد، وإيمان السعيدي، وفرحناز فاضل، وسمر عبد القوي، وإيمان العذري، وأميرة شائف وغيرهنّ، كما أنّ لكل واحدة منهنّ مؤلفات شعرية خاصة.
وأضافت عددًا من الأسماء الجديدة في الساحة الشعرية اليمنية، مثل رهان عبد الله، وسحر الجبيحي، وليلى القدسي، وعلا جبلي، وشيماء نشوان، وزينب الحداد، ونهى الطبش، والقائمة تطول، ولهنّ مؤلفات عديدة منشورة في الساحة الأدبية، يمكن النظر في كل واحدة منهنّ على حِدة لجمع أسماء مؤلفاتهنّ لمن يرغب في المعرفة.
فرص متاحة
حسب الزيادي فإنّ هناك فرصًا كبيرة لتطوير الشاعرة اليمنية وإظهارها، وبفضل وجود مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت الشاعرة اليمنية بقوة، وشاركت في العديد من المسابقات، وحازت على المراتب الأولى.
وأشارت بالقول: “هناك فرص متاحة للمرأة تتمثل في وجود مؤسسات رائعة تهتم بطباعة دواوين الشعراء والشاعرات، ومن بين هذه المؤسسات نجد “مؤسسة شعراء على نافذة العالم”، هذه المؤسسة قد منحتنا الأمل والتشجيع من خلال طباعة دواويننا التي لا تزال تحت الأدراج ولم ترَ النور بعد”.
وتكمل: “من جانب آخر، حاولت بذل جهودي لمساعدة المبدعين عمومًا في وطني الغالي، تأسست مؤسسة المُنى الإبداعية في عام 2018م؛ بهدف دعم المواهب والمبدعين من الجنسين، تسعى هذه المؤسسة إلى رفع الحس الثقافي والأدبي في بلادنا، وتعمل جاهدة على تشجيع المبدعين من خلال تنظيم المسابقات والتكريم المستمر بجهود ذاتية، بعيدًا عن وجود وزارة الثقافة التي لم نلمس لها وجودًا فعَّالًا في الآونة الأخيرة”.
وترى الشاعرة الأسعدي أن لا وجود للفرص المتاحة والمخصصة للمرأة اليمنية الشاعرة، لكن الفرص بشكل عام موجودة رغم شحتها، والسبب يعود إلى وجود الفضاء الإلكتروني الحر، ومع هذا يبقى التعاطي معه محكومًا بمدى النشر ووفرة الإنتاج فيه، وهذا بحدِّ ذاته محفوف بالمخاطر ما لم يوثق، ويجعل المادة عرضة للسرقة، فضلاً عن مشكلة التوثيق الإلكتروني.
وتؤكد أنّ المرأة اليمنية الشاعرة سجينة في الفرص الضيقة أمامها؛ إذ تقول: “إن كان ما تقدّمه المرأة اليمنية الشاعرة مادة مكتوبة فنحن في مجتمع لا يقرأ إلا قليلًا، وإن كان ما تقدمه هو مادة صوتية أو مرئية فنحن في مجتمع يكمم النساء، ويرى أنّ صوتها عورة، بكل الأحوال لن تسلم من الأذى”.
وتكمل: “لذا فالعمل والإيمان بما لدينا من موهبة يجب أن يكون أكبر من الحروب مع طواحين الهواء التي لا تنتهي من أجل إيجاد الفرص، وهذا بحد ذاته تحدٍّ كبيرٌ لا تقوى عليه كثيرات من ذوات الموهبة الشعرية المحلقة، ومن ثَمَّ لا نكاد نذكر أي فرص متاحة للمرأة اليمنية الشاعرة”.
ختامًا، من الضروري المضي قدمًا نحو تشجيع المرأة على التعبير عن إبداعاتها الشعرية، ودعمها في تطوير مواهبها الإبداعية، ويجب أن نعمل على تغيير النمط الثقافي والاجتماعي السائد الذي يعيق وجود الشاعرات في مجال الشعر، وأن نسعى لتمكينهنّ وإتاحة الفرص المناسبة للتعبير الحر والمتساوي للجميع، بغض النظر عن جنسهم.
90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال
إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…