90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال
إعداد: يمنى الزبيري
يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمنية مثل سائر القبائل العربية تولي أهمية كبيرة للشعر والشعراء؛ وذلك للدور الذي كان يقوم به الشعر في تمجيد انتصارات القبيلة، وتخليد بطولاتها، وتسوية الخلافات، وحل النزاعات؛ فقد كانت المناسبات الاجتماعية والأعياد تشهد تنافسًا شديدًا بين الشعراء في مدح قبائلهم وهجاء أعدائهم. وقد استمر هذا التراث الشعري الغني عبر العصور على الرغم من تغير الأشكال والموضوعات وتأثير اللهجة العامية على معظم الأنماط الشعرية الحديثة. ولا يزال للشعر في العصر الحديث أهمية ومكانة مجتمعية كبيرة؛ إذ لا يزال يوظف للتعبير عن الهوية الوطنية، والانتماء القبلي، كما أنه ظل -حتى اليوم- يستخدم في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية.
ولكن على الرغم من عمق الجذور التاريخية للشعر اليمني واستمراريته كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية اليمنية؛ فإنه خلال السنوات الأخيرة واجه صعوبات عديدة أسهمت في تراجعه بشكل كبير. من هذه الصعوبات الصراعات المستمرة في اليمن التي أدت إلى تشتت المجتمع اليمني وتشتيت الجهود الثقافية وتدهور الأوضاع الاقتصادية؛ مما اضطر الكثير من الشعراء إلى البحث عن مصادر دخل أخرى. هذا إلى جانب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أدت إلى تغيير عادات القراءة لدى الشباب وتراجع الذائقة الأدبية.
كل هذا الصعوبات أدت بشكل أو بآخر إلى تراجع الإنتاج الشعري في اليمن بشكل ملحوظ؛ إذ قلَّ عدد الشعراء، وتراجع مستوى الشعر بشكل عام. على إثر هذا كله أجرت وحدة المعلومات واستطلاع الرأي بـ(يمن إنفورميشن سنتر) استطلاعَ رأي حول الشعر في اليمن؛ لمعرفة رأي شريحة من المجتمع اليمني عن أهمية الشعر الثقافية والاجتماعية، وأسباب تراجعه، وتأثير ذلك على الهوية الثقافية اليمنية من وجهة نظرهم.
أُجري الاستطلاع على عينة مكونة من (164) مشاركًا من مختلف أنحاء اليمن، مثلت الإناث النسبة الأكبر من المشاركين بنسبة 51.8%، مقابل 48.2% للذكور. ,توزع المشاركون عبر شرائح عمرية مختلفة، إذ شكلت الفئة العمرية بين 26 و35 عامًا أكبر نسبة (39.6%)، تلتها الفئة العمرية بين 36 و45 عامًا بنسبة 31.1%. كما شارك في الاستطلاع 14% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا، و13.4% من الفئة العمرية 45-65 عامًا، في حين كانت نسبة مشاركة كبار السن (65 سنة فأكثر) محدودة بنسبة (1.9%).
من ناحية التعليم، كان الطلاب الجامعيون هم الفئة الأكثر تمثيلًا بنسبة 24.3%، يليهم الحاصلون على الشهادات العليا بنسبة 23.8%. وشارك 23.8% من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة، و23.2% من الحاصلين على شهادة البكالوريوس، وفقط 4.9% للحاصلين على الإعدادية أو أقل.
شمل الاستطلاع 15 محافظة يمنية، كانت محافظة صنعاء صاحبة النسبة الأعلى من المشاركين بنسبة 31.7%. تلتها محافظة تعز بنسبة 14.3%، وإب بنسبة 13.4%، والحديدة بنسبة 11%، وذمار بنسبة 7.9%. كما شارك 6.7% من محافظة عدن، و3% من حضرموت، و2.4% من الضالع، و1.8% من المحويت، و1.8% من ريمة، و1.8% من مأرب، و1.8% من لحج، و1.2% من عمران، و0.6% من صعدة، و0.6 % من حجة.
النتائج الرئيسة
عند سؤال المشاركين عن تأثير الشعر على المجتمع اليمني، أظهرت النتائج وجود آراء متباينة حول ذلك؛ إذ أكدت الغالبية العظمى (91.5%) أهمية دور الشعر في المجتمع، هذا التأثير من وجهة نظرهم كان كالآتي:
- تعزيز الهوية الوطنية؛ إذ يرى 72.7% من المشاركين أن من أهم تأثيرات الشعر على المجتمع هو تعزيز الهوية الوطنية.
- التوعية الاجتماعية، أكد نسبة 61.7% أن للشعر دورًا بارزًا في إثارة الوعي المجتمعي وتوجيه الرأي العام.
- تعزيز التماسك المجتمعي، يعتقد 37.3% من المشاركين في الاستطلاع أن للشعر إسهامًا مهمًا في توطيد العلاقات الاجتماعية وتقريب وجهات النظر بين مختلف شرائح المجتمع اليمني.
فيما شككت نسبة 4.9% في هذا التأثير، وأظهر الباقون (3.6%) عدم معرفتهم الكافية بالموضوع.
وقد أشارت نتائج الاستطلاع أيضًا إلى أن نسبة 90.2% من المشاركين تعتقد أن للشعر دورًا حيويًا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال. ومع ذلك، فقد عبَّرت نسبة قليلة (9.1%) عن رأي مخالف، فيما أبدت نسبة ضئيلة جدًا (0.7%) عدم قدرتها على تقييم هذا الدور.
كما يعتقد المستطلعون أن الشعر اليمني يتميز بخصائص فريدة جعلته يحظى بمكانة خاصة في الأدب العربي، ويمكن تلخيص أهم هذه الميزات من وجهة نظرهم في الآتي:*
- الثراء اللغوي، أكد 64.6% من المشاركين أن تنوع المفردات والمعاني في الشعر اليمني يعكس ثراءً لغويًا فريدًا، وأن هذا الثراء أحد أهم السمات التي تميز الشعر اليمني.
- التنوع الموضوعي، نسبة 57.3% ترى أن الشعر اليمني يتناول مجموعة واسعة من القضايا والموضوعات، مما يعكس تنوع المجتمع اليمني.
- الانتشار الواسع، قال ما نسبته 40.2% من المشاركين أن انتشار الشعر اليمني الواسع هو من أهم العوامل التي أسهمت في شهرته وتأثيره.
- التأثر بحضارات اليمن المختلفة، 37.8% من المستطلعين يرون أن التأثر بالحضارات اليمنية المتعاقبة هو من أهم العوامل التي شكلت الهوية الثقافية للشعر اليمني.
- الأصالة والابتكار، قالت نسبة 25.6% من المستطلعين إن الشعر اليمني يتميز بـطابع أصيل يعكس خصوصية المجتمع اليمني وتاريخه العريق.
ولا شك أن هناك العديد من المشكلات التي تواجه الشعراء في اليمن، أبرز هذه المشكلات وفقًا للمشاركين في الاستطلاع كانت كالآتي:*
- قلة الدعم المادي، يرى ما نسبته 64% من المشاركين أن قلة الدعم المالي هي أهم المشكلات التي تواجه الشعراء في اليمن.
- قلة الاهتمام بالقراءة، 45.1% من المستطلعين يرون أن قلة الاهتمام بالقراءة هي العائق الأكبر أمام ازدهار الشعر في اليمن.
- صعوبة النشر، يرى 39% من المشاركين في الاستطلاع أن الشعراء يواجهون صعوبة كبيرة في نشر أعمالهم، مما يمثل عائقًا رئيسيًا أمام تطوير المشهد الشعري في اليمن.
وعلى الرغم من كل هذه المشكلات، يرى المشاركون في الاستطلاع أن هناك العديد من التطورات التي لاحظوها في كتابة الشعر اليمني في السنوات الأخيرة، من هذا التطورات:*
- ازدياد عدد الشعراء الشباب، قال 70.1% من المشاركين في الاستطلاع إنهم خلال السنوات الأخيرة لاحظوا ازدياد عدد الشعراء الشباب مما يدل على انتشار الاهتمام بالشعر في الأوساط الشبابية، كما يرى المستطلعون أن هذا سيسهم في إنعاش الشعر في اليمن.
- استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر الشعر؛ فرغم سلبيات هذه المنصات، استطاعت أن تكون منصة لانطلاق العديد من الأصوات الشعرية الشابة، هذا ما قاله 54.3% من المشاركين في الاستطلاع عن دور هذه المنصات في نشر الشعر ووصوله إلى جمهور أوسع.
- تنوع الموضوعات والقضايا التي يتناولها الشعر، يرى 53% من المشاركين في الاستطلاع أن هناك تنوعًا كبيرًا في الموضوعات والقضايا التي قد يتناولها الشعر اليمني، لا سيما في السنوات الأخيرة، وهذا التنوع أسهم بشكل كبير في تطور الشعر في اليمن.
- ظهور أساليب شعرية جديدة، أشار 28% من المشاركين في الاستطلاع إلى ظهور أساليب شعرية جديدة ومبتكرة في الآونة الأخيرة كنتيجة طبيعية لتطور اللغة وتجديد الرؤى الفنية لدى الشعراء، بالإضافة إلى التأثر بالاتجاهات الشعرية العالمية، والأزمات التي يعيشها المجتمع اليمني في السنوات الأخيرة.
في الختام، أكد المشاركون في الاستطلاع الدورَ المحوري الذي يلعبه الشعر في حياة المجتمع اليمني؛ إذ يعتبرونه عنصرًا أساسيًا في تعزيز الهوية الوطنية والتوعية المجتمعية والحفاظ على التراث الثقافي. ولكن على الرغم من هذا الدور يرى المستطلعون أن هناك الكثير من الصعوبات التي تواجه الشعر والشعراء في اليمن، أبرزها قلة الدعم المادي وصعوبة النشر وقلة الاهتمام بالقراءة. إلى جانب هذا أشار المشاركون إلى وجود تطورات إيجابية في المشهد الشعري اليمني على الرغم من وجود كل هذه الصعوبات، مثل زيادة عدد الشعراء الشباب واستخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر الشعر وظهور أساليب شعرية جديدة. ولإعادة إنعاش الشعر في اليمن، يرى المستطلعون أنه يجب أن تتضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من شعراء وأكاديميين وناشرين وجمهور، لتوفير الدعم اللازم وتذليل الصعوبات التي تواجه الشعر والشعراء في اليمن.
* سؤال متعدد الخيارات، حُللتْ كل إجابة عن هذا السؤال -بوصفها عينة منفصلة- بنسبة تقدر بـ 100%
لمحة عن شعرية الصراحة.. (دراسة أسلوبية لمجموعة “الصراحة راحة” للشاعر الشعبي محمد سالم الكهالي- أنموذجًا)
البروفيسور سالم عبد الرب صالح السلفي أستاذ الأدب والنقد قسم اللغة العربية – كلية الت…