عوالم الغيب في حضرة التغييب… روح الشعر اليمني.. دور إعلامي يغيّب إبداع الشعراء
حنين الوحش – صوت الأمل
أخذ الإعلام في اليمن طابعًا سياسيًا على محتواه؛ إذ تطغى البرامج السياسية على ما عداها على شاشات التلفزيون أو المواقع الصحفية الإلكترونية، وقد أدّى ذلك إلى انحسار البرامج الثقافية بشكل متسارع، ممّا يهدد بتعطيل الوظيفة التثقيفية للإعلام في العديد من الوسائل الإعلامية اليمنية، سواء القديمة منها أو المولودة حديثًا، ذلك، حسب ما أشار إليه العديد من النقاد والإعلاميين.
وطوال السنوات المنصرمة من عمر النزاع المسلح في اليمن، بقي الشعر والشعراء خارج اهتمامات وسائل الإعلام اليمنية سوى من بعض التقارير العابرة ضمن برامج سياسية أو عامة في الأساس، باستثناء برامج بسيطة تهتم بالشعر على عدد ضئيل من القنوات اليمنية عبر إحدى خرائطها البرامجية، وذلك بحسب نتائج المسوحات للمضامين الإعلامية للقنوات اليمنية خلال السنوات الأخيرة.
وقد بثت قناة اليمن الفضائية في وقت سابق برنامجًا شعريًّا سُمي بشاعر شبوة، وهو ما يبدو من عنوانه أنه محدود النطاق بعيدًا عن مواصفاته الفنية التي انتقدها عددٌ من شعراء اليمن.
ومثّلَ توقف صحيفة الجمهورية عامة والعدد الثقافي منها خاصة، خسارة كبيرة بالنسبة للعديد من الشعراء أو المهتمين في مجال الشعر، كما يقول الصحفي والناقد الأدبي بلال المريري، سكرتير صحيفة الجمهورية: “لقد مثّلت عدد الثقافية بيئة خصبة للشعراء والكتاب في اليمن لنشر كثير من إبداعاتهم الشعرية والثقافية متعددة الاتجاه والنوع والنمط بين شعبي وفصيح”.
إعلام غائب وشعر مغيب
يشكو الشعراء اليمنيون من تهميشٍ وتغييب وسائل الإعلام في اليمن لوظيفتها الثقافية، وأبرزها الشعر اليمني بمدارسه المختلفة، الذي يعدُّ واحدًا من أهم ركائز الحضارة اليمنية على مرِّ الأزمنة والأمكنة.
يقول الشاعر سعيد الفريس رئيس نادي الشعر في عدن: “أقمنا في نادي الشعر في عدن، بجهود ذاتية، عددًا من الفعاليات الأدبية، آخرها تكريم بعض الشعراء، وتوقيع إصدارات شعرية جديدة، واستضافة شعراء يمنيين كبار، غير أننا لم نحظَ بأي تغطية إعلامية متميزة، رغم الإعلانات التي تسبق جميع الفعاليات”.
ويعتقد الفريس أنّ انصراف الإعلاميين عن تغطية هذه الفعاليات الأدبية التي تعنى بالشعر لكونها ذاتية، لا تحظى بدعم أو تمويل من جهة حكومية أو خاصة، وإنما بتمويل ذاتي، ويرى أنّ الإعلام أصبح موجهًا في اليمن؛ إذ تطغى عليه النزعة السياسية.
ويضيف: “فيما يخص القصائد الشعرية فإنّنا نجد مشاركات من قبل الإعلام الخليجي، وأعني الإلكتروني والمرئي كالمنتديات والقنوات المختصة، في حين تغيب هذه المنتديات الثقافية الإعلامية في اليمن، وتغيب معها قصائدنا وإنتاجاتنا الشعرية”.
500 شاعر وشاعرة في اليمن
تضم اليمن أكثر من 500شاعر وشاعرة على مستوى البلاد، جميعهم معرضون للتهميش الإعلامي العام والخاص، رغم أهمية الشعر كمنتج وأداة حضارية وعالمية، بحسب تصريح رئيس نادي الشعر في عدن.
ويرى الفريس أن تفعيل الوسائل الإعلامية الرسمية في دعم الشعر يعدُّ ضرورةً ملحةً للحفاظ على هذا الإرث الثقافي الغني، خصوصًا الصحافة والمجلات التي كانت في وقت سابق تفرد مساحة لا بأس بها للشعر والشعراء، عبر نشر المقالات النقدية حول الشعر، وإجراء المقابلات مع الشعراء، والفعاليات الشعرية، كالعدد الثقافي من صحيفة الجمهورية.
كما يؤكد أنّ غياب الإعلام المتخصص في اليمن يعدُّ من أبرز التحديات التي يواجه مجال الشعر، “ونقصد هنا الإعلام المختص بالأدب، والإعلام المختص بالمناخ مثلًا، وإعلام الطفل، وغيرها من الإعلام المتخصص في مجالات عدة”.
ويقترح فتح قنوات ثقافية مختلفة تهتم بالمجال الثقافي والأدبي، وتفعيل دور المجلات والصحف الثقافية، وإيجاد مساحة أكبر للتخصصات الإعلامية؛ كإعلام الأدب والفن، لمعالجة تحدي التغييب الإعلامي للشعر في اليمن.
ويصف الشاعر الصاعد الشاب وجدان حمود محتوى وسائل الإعلام اليمنية بالهابط، غير المراعي لأهمية إحياء المشهد الشعري والثقافي في رتق البناء الاجتماعي، وإعادة روح التنوع الثقافي والحضاري لليمن، الذي ينعكس على مساعي السلام.
وقال: “إنّ انصراف وسائل الإعلام نحو التغطية السياسية البحتة قد أسهم بشكل مباشر في تغذية الصراع المسلح، وتمزيق الهوية الثقافية لليمن، وصرف أولويات الشارع اليمني، الذي اتّسم في وقت سابق بحبه للفن والشعر، وتعطشه لكل ما يلامس وجدانه وقضاياه، واصفًا المجتمع اليمني (بالشاعري) الذي يوحّده الشعر”.
الإعلام وانسلاخ وظيفة التثقيف
يقول بلال المريري: “الوسائل الإعلامية في اليمن تتبع سياسة الممول، ولا تستطيع الاحتفاظ بأي خصوصية أو استقلالية في تقديم رسالتها الإعلامية، خصوصًا مع ما راكمته سنوات النزاع المسلح من انقسام وتعدد الفاعلين واللاعبين في الشأن اليمني”.
وأَضاف: “أنّ غالبية الدعم قادم من الخارج من قبل فاعلين ليس لديهم اطّلاع بالثقافة اليمنية وبعيدون عنها، وأقل فهمًا للوسط المجتمعي، لهذا لا تنسجم غالبية ما تبثه القنوات مع تطلعات اليمنيين ورغباتهم عمومًا وفئة المثقفين خصوصًا”.
الشاعر فواز السلامي يقول: “إنّ هناك انفصامًا بين المشهد الشعري والمشهد الإعلامي والسياسي في اليمن، مؤكدًا أنّ نسبة قليلة من الشعراء قد انخرطوا بالصراع السياسي، ووظفوا الشعر سياسيًّا، فيما اختار غالبية الشعراء الانزواء بعيدًا عن المشهد الذي يعجُّ “بالفائضين عن الحاجة” على حد تعبيره.
ويذهب السلامي إلى ما ذهب إليه الفريس من ضرورة تخصيص مساحة إعلامية للشعراء الذين يضج بهم الشارع اليمني، خاصة في الوقت الحالي، كإنشاء قنوات تلفزيونية تسهم في نشر محتوى ثقافي بحت، وهو ما أصبح سهلًا في اعتقاده بعد حالة الدمج بين وزارتي الثقافة والإعلام.
دور الإعلام
ارتفعت في الآونة الأخيرة أعداد القنوات التلفزيونية في اليمن والوسائل الإعلامية الأخرى كالإذاعات والمواقع الإلكترونية، غير أنّ الطابع السياسي يتغلب على محتواها وتغطياتها الإعلامية، وهي سياسة إعلامية يرى عددٌ من الصحفيين أنّها وليدة الظرف الراهن.
ويعيدنا الكاتب الصحفي والأديب علي جعبور إلى مهام الإعلام ووظائفه، واضعًا التثقيف والترويج للقيم الأدبية كمنتج حضاري على مستهل تلك الوظائف والأدوار.
ويضع جعبور في الاعتبار “ضرورة خلق حراك شعري عبر وسائل الإعلام في الوضع الحالي، وأهمية ذلك في تهذيب الأفكار والرؤى المجتمعية وتشذيبها، وإعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي مزقه النزاع المسلح، مؤكدًا أنّ الشعر والروح الشعرية كمرادف للسلام والمحبة تعدُّ إحدى الأدوات المهمة لصناعة السلام”.
وقال: “الأصوات الشعرية في اليمن تفوق الأصوات السياسية عددًا وعِدّة، غير أنّها منزوعة الإمكانيات “وأقصد بذلك الوسط الذي يصلها بالناس؛ كفضاءات الإعلام”.
ويجد الشعراء اليمنيون في وسائل التواصل الاجتماعي بعض العزاء؛ إذ تُعدّ منصات التواصل الاجتماعي من أهم أدوات الترويج لإنتاجاتهم الشعرية، وباتت وسيلة مباشرة لتفاعل الشعراء مع الجمهور، ووسيلة بديلة للمشاركة في الفعاليات الشعرية الافتراضية.
ويسهم الإعلام في اليمن، إذا ما اضطلع بمهمته التثقيفية بشكل مسؤول، كالترويج للشعر والشعراء، في تحفيز الإبداع، واكتشاف كثير من المواهب، وهو ما يعني “تعزيز الهوية الثقافية اليمنية، والحفاظ على تراثها الأدبي” كما يؤكد شعراء يمنيون.
كما أشار العديد من الشعراء في اليمن إلى اتّخاذ عدد من الخطوات المهمة لتفعيل دور الوسائل الإعلامية الرسمية، وحتى الخاصة في دعم الشعر والشعراء، عبر تخصيص مساحاتٍ ثابتةٍ للشعر في الصحف والمجلات، ونشر المقالات النقدية حول الشعر، وإقامة برامج ومسابقات عبر وسائل الإعلام خاصة بالأدب والشعر في اليمن، وتسليط الضوء على الفعاليات الشعرية التي تنفذ في العديد من المحافظات، مثل الأمسيات والمهرجانات، ودعم الشعراء الشباب عبر استهدافهم في برامج لنشر دواوينهم الشعرية.
إنّ تضافر الجهود من قبل مختلف الجهات، بما في ذلك الإعلام، سيُسهم في إعادة إحياء الشعر اليمني، ويعزز من مكانته في المجتمع مرة أخرى وبشكل مؤثر.
90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال
إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…