كيف تُغذّي الأسرة روح الشعر اليمني في قلوب أطفالها؟
أفراح بورجي – صوت الأمل
من المتعارف أنّ الأسرة تلعب دورًا محوريًّا في تنمية مواهب الأطفال في مختلف المجالات، وتعمل على تشجيع حب الاستكشاف والفضول لدى أطفالهم، وتوفر لهم مساحة مناسبة للتعبير عن أنفسهم وممارسة هواياتهم المتنوعة، وذلك من خلال توفير بيئة داعمة ومحفزة تسمح لهم باكتشاف واستكشاف قدراتهم.
في مجال الشعر أو الغناء أو الرسم أو غيرها من المجالات والمهارات الأساسية، هناك أسر تسعى لمساعدة أطفالها على استكشاف مواهبهم وتشجيعهم على تطويرها؛ عبر ممارسة القراءة المستمرة لمختلف الكتب والمجلات التي تنمي موهبة الشعر والإلقاء، كذا توفر لهم الفرص للتعبير عن مواهبهم عبر وسائل فنية مساعدة.
وعلى الجانب الآخر، تلعب المدرسة دورًا إيجابيًّا في توفير الفرص التفاعلية من خلال تنظيم المسابقات والفعاليات التي تهدف إلى رفع مستوى مواهب الأطفال، وتشجيعهم على التفوق في مجالات مختلفة؛ إذ تسهم في تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم، وتخلق فيهم روح المنافسة الإيجابية.
توفير بيئة مناسبة
وهنا نؤكد، أنّ الجهود المشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع أيضًا، تلعب دورًا مهمًّا في كشف المواهب وتنميتها لدى الأطفال، عبر توفير البيئة المناسبة لاكتشاف هذه المواهب، والعمل على ازدهارها.
يتحدث الصحفي إسماعيل القاضي حول دور الأسرة في تثقيف الأبناء الشعر، وكيفية إلقائه، قائلًا: ” دوري كأبٍ يكمن في الحرص على أن أعرض الشعر على أبنائي، لا سيّما الشعر اليمني بأنواعه؛ بهدف تنمية مداركهم في الجانب الثقافي والأدبي الذي تزخر به بلادنا، كما أقوم بتعريفهم على أهم الشعراء اليمنيين المؤثرين في اليمن، عبر عرض قصصهم”.
وتابع القاضي: “إلى جانب ذلك، أعرض عليهم تعلم الشعر وقراءته؛ كونه أحد ركائز الثقافة والأدب في اليمن، لإيماني أنّ الشعر العربي يقوّم اللسان، ويصحح النطق، ويسهم في إخراج الحروف من أماكنها الصحيحة؛ لتزيد من بلاغته وإفصاح لسانه”.
ويضيف: “لدي طفل يكمل التاسعة من عمره، وهو صحيح اللسان؛ إذ يخرج الحروف من أماكنها الصحيحة، وذلك خلال عروض الشعراء وتحفيظه إياها، كما أقوم في نشر فيديو، وهو يعرض مقدمة من شعر “زين العابدين الضبيبي”؛ إذ يعد الضبيبي خليفة الشاعر الكبير المقالح”.
وفي السياق ذاته، تقول أم سلمى وسالم من حضرموت: “يعدُّ الشعر وسيلة تعبيرية تحمل في طياتها جمالية وعمقاً يعبر عن مشاعر الإنسان وأفكاره، وعلى الرغم من عدم اهتمام بعضهم بالشعر، فإنه يمكن استغلال هذا الفن لخلق فرص تفاعلية ممتعة، فعلى سبيل المثال، أنني أطرح أسئلة حول قصائد معينة لأطفالي ومَن يكون كاتبها، أو مَن قام بأدائها وإلقائها، مما قد يفتح الباب لمحادثات شيقة ومسلية لجذب أطفالي للشعراء والشعر، الذي يُعدُّ من الموروثات التاريخية والأدبية في اليمن”.
وتكمل: “في بعض المناطق، قد يكون لدى الناس اهتمام خاص في بعض القصائد المعروفة، ويمكن رؤيتهم يجدون المتعة في إلقائها في المناسبات والاحتفالات الوطنية وغيرها، ورغم أنه قد يثير بعض الاستفسارات حول مصدر الكلمات”.
وتؤكد على أهمية تعزيز مدارك الأطفال بالشعر والشعراء في اليمن، عبر قولها: “يجدر بنا أن ندرك أنّ الشعر له مكانة خاصة في قلوب كثيرين، وأنه يمكن أن يكون وسيلة لتبادل الثقافات والتجارب بطريقة إبداعية وملهمة”.
الأطفال وفصاحة اللسان
يعدُّ الشعر اليمني تراثًا ثقافيًّا غنيًّا يشكل جزءًا مهمًّا من هوية اليمنيين؛ إذ يمكن تعزيز مدارك الأطفال في إلقاء الشعر اليمني من خلال اتباع بعض الطرق الفعّالة، التي تسهم في تنمية مهاراتهم اللغوية، والتحفيز الذهني، وتعزيز حبهم للثقافة والتراث.
ومن تلك الطرق؛ التعرف على الشعر اليمني بقراءة القصائد لهم، والاستماع معهم إلى الأشعار المغناة، وتشجيع حفظ القصائد الشعرية التي تعمل على تحسين مهاراتهم اللغوية، وتنمية ذاكرتهم، وفهمهم للغة العربية، واصطحاب الأطفال إلى الفعاليات الشعرية، مثل أمسيات الشعر والمهرجانات الثقافية، والعمل على ممارسة إلقاء الشعر أمام العائلة والأصدقاء لاكتساب الثقة بالنفس، وتحسين مهاراتهم في التعبير والتواصل، بالإضافة إلى استخدام الوسائل التعليمية.
يبرز أطفال موهوبون يحملون بين طياتهم بذور مواهب فريدة تستحق الاكتشاف والدعم، وأن رعاية هذه المواهب مسؤولية تقع على عاتق المجتمع ككل، من أسر ومعلمين ومؤسسات ثقافية، لضمان تنميتها وإيصالها إلى أوج تألقها.
ولدعم الأطفال وتشجيعهم على التعبير عن أنفسهم من خلال الشعر، يمكن تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتنمية قدراتهم الإبداعية، بالمشاركة في الاستماع إلى قصصهم الإبداعية مع الشعر، ومشاركتهم تجاربهم المثيرة للاهتمام.
الطفلة علياء ثائر النويهي، تسع سنوات، أنهت الصف الثاني من المرحلة الدراسية، بدأت الإلقاء في الشعر وهي في الصف الأول، بتشجيع كبير من والدها، وكانت أول مناسبة لها في إلقاء الشعر احتفالية المولد النبوي الشريف، في مدرستها بمحافظة الحديدة.
وتستعرض علياء تجربتها بقولها: “أثناء إلقائي في المناسبة الدينية انتبهتْ لي المدرسة، وجعلتني أشارك بإلقاء الشعر في كل المناسبات التي تنظمها المدرسة، وكان لهذا الأمر ضغط كبير في حياتي؛ إذ كنت أخجل من أن أرفض طلب المدرسة بالمشاركة عندما يكون هنالك فعاليات، على الرغم من أهمية الاستمرار في الإلقاء لتنمية مداركي أكثر”.
وترى أنّ الطفل يحتاج دومًا إلى بيئة تدعمه للنجاح والاستمرار أكثر، وتسهم في تنمية موهبته الشعرية والأدبية، وترعى مشاعره.
الطفل عبد المجيد، يبلغ من العمر إحدى عشرة سنة، بدأ الشعر من قبل دخوله إلى المدرسة؛ إذ كان يتعلم الشعر في المنزل، وكانت بيئته تساعده على إلقاء الشعر بمهارة، وكان والده أكثر الداعمين والمشجعين له.
ويقول: “بعد دخولي المدرسة بدأت أشارك في الطابور الصباحي، إلى أن أصبحت أشارك في المناسبات والاحتفالات الوطنية، كما أنّ إدارة المدرسة كانت تشجعني كثيرًا وتحفزني بأن أكون أول المشاركين في المناسبات التي تقيمها المدرسة”.
يطمح عبد المجيد بأن يكون شاعرًا مميزًا في المستقبل، وأن يمثل اليمن في مختلف المحافل المحلية والدولية؛ إذ إنّه شارك بالعديد من المسابقات الشعرية بتفوق.
تشجيع الأسرة هو الدور الإيجابي
أضاف والد الطفل عبد المجيد: “دورنا كأسرة أن نثني عليهم في تحسين اللغة وإخراج المفردات وحسن الإلقاء، على الرغم ممّا نعانيه من ظروف أدّت إلى اندثار اللغة”.
من جانبها، أردفت أم علياء قائلة: “أنّه منذ نعومة أظافرها، كانت علياء محاطة بعالم من الشعر، فوالدها شغوف بالأبيات والنثر منذ طفولته، وجدُّها نسج لها خيوط هذه الفنون الجميلة، وعندما أصبحت في الثالثة من عمرها، بدأ والدها بتلقينها الشعر، غرسًا لبذرة ستنمو معها وتصبح جزءًا لا يتجزأ من هويتها”.
وأوضحت أم علياء: “لدينا مكتبة في المنزل تعدُّ كنافذة على عوالم من المعرفة والإبداع، حافلة بكنوز أدبية يمنية وعربية تنير الأفكار، فعند التجول بين رفوفها، نصادف روائع الشعر العربي من مختلف العصور، بدءًا من عبقرية المتنبي، وصولًا إلى إبداع أحمد شوقي، ورقة نزار قباني، وعبقرية البردوني”.
يروي الدكتور محمد الشميري، المهتم بالشعر وصاحب كتابات شعرية، رحلة تشجيعه لأبنائه على القراءة وحب الشعر، فبينما واجه صعوبة في غرس هذا الشغف في أبنائه الكبار الذين انشغلوا بحياتهم، وجد ضالته في ابنه الأصغر الذي لفتته موهبته الشعرية منذ نعومة أظافره.
ويذكر الدكتور الشميري كيف كان يأخذ ابنه الأصغر معه إلى فعاليات شعرية متنوعة، ممّا أثار شغفه بهذا الفن الجميل.
ويضيف: “أن ابنه كان يلقي الشعر في المدرسة ويقدّم الإذاعة، مما يدل على ثقة الابن بنفسه وإبداعه في هذا المجال”.
يعدُّ اكتشاف الموهبة لدى الأطفال بمثابة شعلة تضيء دروبهم وتلهمهم للتميز والإبداع، ولذلك، تسعى كل من الأسرة والمدرسة إلى رعاية هذه المواهب، وتوفير بيئة داعمة تتيح للأطفال فرصة الانطلاق والتعبير عن قدراتهم، وتجسد قصة الطفلين علياء وعبد المجيد مثالًا رائعًا على ذلك؛ إذ برزا منذ نعومة أظفارهما بموهبة في الإلقاء الشعري، على الرغم من صغر سنَّيْهما، لم يترددا في المشاركة بعروض مميزة أثبتت طلاقة لسانيهما وإبداعهما في التعبير.
ولا تقتصر قصة علياء وعبد المجيد على مجالهما فقط، بل تتكرر على الدوام نماذج ملهمة لأطفال موهوبين في مختلف المجالات، يجدون الدعم والتشجيع من قِبل أسرهم ومعلميهم.
90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال
إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…