‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الشعر في اليمن تأثير الشعر على المجتمع اليمني في رؤية شبابية معاصرة

تأثير الشعر على المجتمع اليمني في رؤية شبابية معاصرة

حنان حسين – صوت الأمل

يعدُّ الشعر اليمني ركيزة أساسية من تاريخ هذا البلد العريق وثقافته، وله مكانة مرموقة في قلوب اليمنيين، خاصةً بين الشباب، ونظرًا لتأثيره الكبير على المجتمع، كان من المهم استكشاف وجهة نظر الشباب حول أهميته، ودوره في الحاضر والمستقبل ومعرفة جميع الجوانب.

أهمية الشعر في المجتمع اليمني

إبراهيم طلحة (دكتور لغة عربية) يتحدث قائلًا: “أهمية الشعر والشعراء، ليست فقط في المجتمع اليمني، بل في كل مجتمع، فالشاعر لسان حال المجتمع، يعبّر عن قضايا مجتمعه برمتها، فللشعر والشعراء أهمية في كل زمان ومكان، قديمًا وحديثًا”.

سمر عبد القوي (شاعرة شابة) تتحدث في هذا الخصوص قائلة: “الشعر دائمًا مرآة المجتمع، والسجل الناعم لتاريخ الشعوب، ولدى الشاعر رؤية للعالم يقوم على تحويلها إلى كيان شعري يجعلنا نعيش في كل قصيدة رؤية مستقلة للعالم، وهذا ما يحدث بالنسبة للشعر اليمني وعلاقته بالمجتمع؛ إذ إنّ الأحداث التي تمرُّ بها البلاد تجعل الشعر أكثر التصاقًا بالواقع، يستقي منه تجاربه المختلفة، ويحولها إلى قصائد شعرية تؤثر في الوعي المجتمعي”.

محمد إسماعيل الأبّارة (عضو اتّحاد الأدباء والكتاب اليمنيين)، يتحدث قائلًا: “الشعر فضاء اليمنيين الرحب وأوكسجين حياتهم، سواء في مجتمع المدينة أو القرية أو البادية، يعدُّ ملازمًا لهم ملازمة الحياة بكل أشكاله؛ سواء الأهازيج أو المغنّى أو المهجل أو القصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر”.

زينب عبد الله (شاعرة شابة) تعبّر عن الشعر بقولها: “الشعر صوت المواطن، وإحدى طرق التعبير عن واقعه، واحتياجه، ومعاناته…إلخ”.

مها عوض (كاتبة قصص)، تتحدث عن أهمية الشعر بقولها: “الشعر ضرورة، وليس ترفيه، توارثت الأجيال المعارف والحكمة والتعاليم الحياتية والزراعية على وجه الخصوص من خلال الشعر، والموروث الشعبي الشعري في اليمن له تأثير بالغ في الشخصية اليمنية، فهناك مواقف كان له سلطة تضاهي السلطة الدينية، ولطالما تباهت القبائل بشعرائها، بل وصل الأمر إلى أنّ بعض الأبيات الشعرية أصبحت أحكامًا قبلية نافذة”.

مدى مشاركة الشباب في الأمسيات الشعرية

إبراهيم طلحة يرى بأنّ نسبة مشاركة الشباب في الأمسيات والبرامج الشعرية كبيرة؛ إذ يقول: “حسب اعتقادي، هم حاضرون في هذه الأمسيات والبرامج من خلال اهتمامهم، إن لم يكن من خلال قصائدهم، ولا سيّما وأنّ هذا الحضور على أرض الواقع يعكس شيئًا من حضورهم في العالم الافتراضي”.

سمر عبد القوي تؤكد ضرورة وجود الشباب في الأمسيات الشعرية؛ إذ تقول: “لا بُدّ من مشاركة الشعراء في برامج وخطط الجهات المعنية بالثقافة، ونحن في مجلة (أقلام عربية) نفرد مساحات متميزة للشعراء، من خلال النشر الشهري للمثقفين منذ أعوام، وتُنظَّم مسابقات سنوية ينتج عنها إصدارات ورقية وجوائز مالية، بالإضافة إلى تجهيز ملتقى كيان الثقافي، الذي يُنظم فعاليات ثقافية، وأمسيات شعرية أسبوعية، ويواكب كل المناسبات الفنية والإبداعية الأدبية”.

محمد إسماعيل الأبّارة، يتحدث في هذ الشأن قائلًا: “مشاركة الشباب موجودة على الرغم من عدم وجود دور فعّال ومؤثر للمؤسسات الرسمية، لكنهم انضووا في منتديات ثقافية مجتمعية بجهودهم الذاتية، واستطاعوا أن يشكلوا حضورًا فاعلًا في المشهد الثقافي”.

منى الجرادي، تصرّح برأيها، قائلة: “أعتقد أنّ الشباب متعطش جدًّا للمشاركة في مثل هذه الفعاليات الثقافية، رغبة في المواكبة والانفتاح ثقافيًّا مع العالم، وأظنُّ أنّني أحد الشباب الذين يتوقون لرؤية العديد من الصالونات الأدبية والثقافية والأمسيات الشعرية، ويعزو سبب قلة مشاركة الشباب إلى قلة هذه الأمسيات وندرتها”.

وصرحت مها قائلة: “ألقى الصراع بظلاله القاتمة على كل شيء، بما في ذلك المشهد الثقافي الذي تراجع بشدة ليس في المجال الشعري فحسب، بل في كل المجالات”.

من جانبها ترى الشاعرة زينب أنّ حضور الشباب ضعيف؛ إذ تقول: “للمصداقية نادرًا ما أحضر أمسيات أو برامج شعرية، وأعتقد أنّ مثل هذه الفعاليات قد قلَّت في ظل وضع الصراع التي نعيشه كأي نشاط ثقافي آخر”.

الاهتمام بالجانب الشعري

وفي هذا الشأن يرى إبراهيم طلحة أنّه لا يوجد اهتمام بالجانب الشعري في اليمن للأسف، شأنه في ذلك شأن كل الجوانب المتعلقة بالمواطن اليمني.

من جانبها تصرّح سمر عبد القوي بأنّ هناك اهتمامًا كبيرًا بالجانب الشعري في اليمن، بقولها: “اليمن يعدُّ منبع الشعر ومرجعًا تاريخيًّا للنصوص الشعرية القديمة، هذا بالإضافة إلى امتلاكه تاريخًا شعريًّا طويلًا على امتداد العصور، وقد اشتهر ما قبل الإسلام أعلام في الشعر أمثال علقمة ذي جدن، ومسهر بن زيد الحارثي، وعبد يغوث بن الحارث بن وقاص، والأفوه الأوْدي، وعمر بن براقة الهمداني، ومنذ الشاعر وضاح اليمن وحتى الآن ما زال الشعر يتدفق في اليمن بشكل كبير”.

محمد الأبارة، تحدث عن اهتمام الجهات المعنية التي تكاد معدومة؛ إذ ذكر أنّه لم يعد للمؤسسات الرسمية أي دور يذكر إلا في المناسبات، مع هذا هناك بدائل تمثلت في المؤسسات المدنية غير الرسمية، ومنها المنتديات أو الصحف الإلكترونية والورقية أو الأندية الثقافية المختلفة”.

في السياق ذاته ترى مها عوض أنّ هناك حُبًّا للشعر من قبل الجمهور اليمني، بقولها: “المستمع اليمني متذوق ومرهف، يتأثر بالشعر، ولكن الاهتمام المؤسسي نادر وشحيح، وكل المبدعين في اليمن هم صنيعة أنفسهم”.

توافقها الرأي مُنى الجرادي؛ إذ تشير إلى أنّ هناك تقصيرًا في الحفاظ على الموروث الشعبي اليمني من قبل الجهات المعنية.

أهم الأسماء الشبابية المهتمة في الشعر اليمني

توضح مُنى الجرادي أنّ هناك كثيرًا من الأسماء الشابة اليمنية التي تهتم بالشعر، وتشقّ طريقًا لها في المجال الثقافي والأدبي؛ منهم أوس الأرياني ابن الشاعر الكبير مطهر الأرياني، ويحيى الحمادي، وزين العابدين الضبيبي؛ إذ يتميز كل منهم بأسلوبه المختلف، ويتأرجح ما بين العامية والفصحى، وقصائدهم قريبة من الناس.

ومن أبرز الأسماء التي تحدث عنها محمد إسماعيل الأبارة، الشاعرة (هدى أبلان) في الشعر الحداثي – الحر.

إبراهيم طلحة أشار إلى أنّ هنالك أسماء كثيرة جيدة، بقوله: “هناك كثير من الشعراء، ولكن لا نستطيع الحكم بتميز وتفوق في الوضع الراهن؛ لأنّ معظم التجارب ما تزال سارية المفعول، ولا يوجد شاعر أفضل من شاعر، ولكن توجد قصيدة أجود أو أجمل من قصيدة، ما عدا تقييم المستوى العام”.

زينب عبد الله تشير إلى أنّ هناك كثيرًا من الأسماء الشعرية التي برزت في الساحة، وتؤكد على مقولة أنّه في كلِّ شبر من اليمن ستجدُ شاعرًا، والعبارة مبالغ فيها، لكن فعلًا الساحة اليوم تضج بالشعراء.

تشجيع المجتمع

سمر عبد القوي ترى بأنّ المجتمع اليمني داعم للشعراء، بقولها: “المجتمع اليمني مجتمع واعٍ ومثقف ومتذوق لأنواع الآداب والفنون، التي تتميز بها اليمن؛ إذ نجد تشجيعًا من قبل المجتمع على تعلم الفتيات مختلف المواهب الأدبية والشعرية، ضمن حدود دينية وعادات وتقاليد اجتماعية”.

وتضيف: “لقد نشأتُ في أسرة مثقفة، فعائلتي من مجلة (أقلام عربية)، وتعدُّ إنجازًا يضاف إلى نجاحات العائلة، وتحتفي بها كل عام من خلال الأنشطة والمسابقات التي تقيمها سنويًّا، ونتج عنها دواوين ورقية تجمع إبداعات المشاركين من كل الدول، وجوائز مالية، ودروع لشعراء يمنيين وعرب”.

“المرأة اليمنية استطاعت بإيمانها بملكتها ومواهبها أن تخوض المجالات كافة، وأن تواجه بعض الصعوبات بالصبر والحكمة والذكاء في إقناع الآخر”. هذا ما ذكرته سمر في حديثها.

ويرى محمد إسماعيل الأبّارة، أنّ المجتمع يعدُّ مشجعًا؛ إذ يقول: “المجتمع يعدُّ الركيزة الأولى أو الحاضنة الأهم للشعر والشعراء، وكثير من الإصدارات لبعض الشعراء والمنتديات الثقافية يمولها أشخاص أو مؤسسات مجتمعية غير ربحية”.

منى الجرادي، تتحدث قائلة: “مجتمعنا محبٌّ للشعر بتنوعاته المختلفة “الغنائي والمهاجل والملالات والأهازيج والزوامل والمراثي … إلخ”، فتعدُّ صورًا تعلّق الناس بالشعر”.

أهم التحديات من وجهة نظر الشباب

إبراهيم طلحة أشار إلى أنّ هناك جملة من التحديات التي يمر بها الشاعر اليمني، التي تتمثل في الحاجة الاجتماعية والمادية، وغياب المؤسسات الحاضنة للتجارب الإبداعية والثقافية.

وأضاف طلحة: “نعم المجتمع يشجع الشعر، مع أنّه يعلم أنّه كما يقول المثل الشعبي: “ما يؤكلش عيش”، وأما من حيث الرغبة في تحصيل مسمى الشاعر، فيكاد أن يسعى إليه كل أفراد المجتمع”.

سمر عبد القوي بيّنت أنّ أهم التحديات التي قد تواجه الشاعر الظروف المادية، التي تُعيقه من نشر إنتاجه الشعري وجمعه في كتاب؛ إذ إنّ بعض دور النشر أصبحت تعامله معاملة التاجر دون النظر إلى ثقل العمل وقيمته الأدبية.

وتضيف: “هناك أزمات معنوية تعدُّ تحدِّيًا للشعراء، كعزوف القراء عن متابعة الشعر إلى اهتمامات أخرى، بسبب تنوع وسائل التواصل الاجتماعي، ونستطيع أن نصف هذا الزمان بزمن الميديا”.

في السياق ذاته، تذكر زينب عبد الله أبرز التحديات قائلة: “يعدُّ الفقر من أهم التحديات التي تواجه الشاعر، وأنا هنا أرفض المقولة التي مفادها أنّ “المعاناة تولد الإبداع”، فهي تقتل الشاعرية، ويصيبها الإحباط، وهناك تحديات أخرى كالتجاهل، وعدم تقدير ذلك الصوت المناضل”.

من وجهة نظرها تذكر مها أنّ أبرز الصعوبات؛ ندرة المؤسسات الثقافية، وقلة تنظيم الفعاليات والمساحات الثقافية، وعدم اهتمام الصحف والمجلات في الجانب الثقافي، وانعدام كل ما يخلق بيئة مناسبة للتطور.

من جانبه أيّد هذا الرأي محمد إسماعيل الأبّارة بقوله: “أبرز التحديات هي غياب دور المؤسسات الثقافية الرسمية؛ كوزارة الثقافة واتحاد الأدباء والكتاب”. 

منى الجرادي، ترى من وجها نظرها أنّ هناك صعوبات قد تواجه الشعراء اليمنين؛ منها القيود السياسية والمجتمعية والدينية، بالإضافة إلى صعوبات النشر وتكاليفه.

أهم المعالجات

صرح محمد إسماعيل الأبّارة قائلًا: “لا توجد حلول سحرية؛ فحين تنهض الأوطان تنمويًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، فثَمَّة نهضة فكرية شاملة، وحين تتفاقم مشاكلها الاقتصادية نتيجة للصراعات والاستئثار بالحكم والموارد، يكون الانحطاط شاملًا، ويُطال الشأن الثقافي بشكل مباشر”.

منى الجرادي تشير إلى أنّ الشعب اليمني بكل أطيافه متذوق للشعر ومهتم به، وينعكس ذلك في تفاصيل حياته دون وعي كامل منه، فتجد الشعر في حقل الفلاح، كما يوجد في كتب المثقفين، ولكن ما يحتاجه المجتمع الانتقال إلى مرحلة الوعي، وهذا دور المؤسسات التعليمية والثقافية.

وتضيف: “ضمن المعالجات الاهتمام بتعليم اللغة العربية تعليمًا يكفل للدارس تذوق جمال معانيها ومفرداتها، والاهتمام بالشعراء اليمنيين وإحياء ذكراهم والاحتفاء بنتاجهم، والحفاظ على ما وصلنا من الموروث الشعبي اللغوي وجمعه وتوثيقه، وتشجيع إقامة فعاليات الأمسيات الشعرية والأدبية، وإنشاء جمعية الشعراء اليمنيين ومساندتهم لنشر أعمالهم وحفظ حقوقهم وتوثيقها؛ فالحاضر هو تاريخ وموروث الغد”.

من جانبه إبراهيم طلحة أشار إلى أنّه لا توجد حلول لغرس الثقافة الشعرية، وليست مطلوبة هذه الحلول؛ إذ يمكن العمل على تحسين مستوى الذائقة الأدبية للارتقاء بالوعي الإنساني وتفعيل الدور الثقافي.

الشاعرة سمر عبد القوي ترى أنّ هناك مجموعة من الحلول؛ منها غرس ثقافة الشعر في اليمن، واكتشاف المواهب الشعرية في المدارس والجامعات ورعايتها، وإقامة مسابقة شعرية على مستوي الدولة في الشعر؛ لاكتشاف المواهب ودفعها إلى الطريق الصحيح، والاهتمام بجعل ثقافة الشعر موجودة في المناهج الدراسية بالمؤسسات التربوية والتعليمي، وإفراد برامج خاصة بالشعر والشعراء في وسائل الإعلام المختلفة، وتسليط الضوء على المتميزين منهم”.

مها عوض، وضعت عددًا من المقترحات؛ أهمها تفعيل المؤسسات والمساحات الثقافية، ووجود فضاءات النشر؛ كالصحف والمجلات، التي تقدّم عائدًا فكريًّا قيّمًا للشعراء، والعمل على توثيق التجارب الشعرية المؤثرة وتقديمها للجمهور.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال

إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…