‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الشعر في اليمن الشعر في اليمن…  فصاحة مستمدة من ماضٍ عريق يتحدى ضعف الدعم الرسمي

الشعر في اليمن…  فصاحة مستمدة من ماضٍ عريق يتحدى ضعف الدعم الرسمي

أحمد باجعيم – صوت الأمل

تعد اليمن من أعرق الحضارات العربية، وتزخر ثقافتها بِمختلفِ الفنون والآداب، وعلى رأسها الشعر الذي يشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، على مدى العصور. وعلى الرغم من ثرائه وتاريخه العريق، فإنه يعاني من تحديات كبيرة، أهمها ضعف الدور الرسمي.

تعاني الحكومة اليمنية من نقصٍ كبير في الموارد الأساسية، مما أدى إلى ضعف دعمها للقطاع الثقافي، بما في ذلك الشعر والشعراء؛ إذ أثر الصراع المسلح خلال السنوات الماضية على دور القطاع الثقافي الحكومي بشكل كبير، خاصة في الاهتمام بالجانب الأدبي والثقافي، مما أدى إلى إغلاق العديد من دور الثقافة والمكتبات، وتأجيل، أو إلغاء، العديد من الفعاليات التي تُعنى بالشعر والشعراء، وتحافظ عليه من الاندثار. كما يعاني الشعراء اليمنيون من قلة الدعم المالي، مما يعوِّق قدرتهم على الإبداع والتطويرِ.

ويعد هذا الموضوع محورياً للنقاش، إذ ينبغي تسليط الضوء على أسباب هذا الضعف وتأثيره على المشهد الثقافي والأدبي في اليمن، خاصة في هذه المرحلة. من خلال هذا التقرير، سنركز على أهمية الدعم الحكومي، والبحث في التحديات التي تواجه الجهات الرسمية في التعزيز والدعم للشعر اليمني الذي حاز على مكانة مرموقة في الشعر العربي، سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.

وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الشعر اليمني، فإنه يظهر صمودًا ثقافيًا هائلًا؛ فالشعراء اليمنيون يواصلون الكتابة، عبر استغلالهم الأزمة الحالية بوصفها بيئة خصبة للشعراء نحو الإبداع والتألق للأفضل.

دور الجهات الرسمية في حضرموت

مستشار محافظ محافظة حضرموت سابقاً للشؤون الثقافة والإعلام، الشاعر صالح باوزير يقول لصحيفة “صوت الأمل”: “تولي السلطة المحلية في حضرموت اهتمامًا كبيرًا بدعم المواهب الشعرية الناشئة، إيمانًا منها بأهمية الشعرِ في تنمية المجتمع، كما يعد رياضة ذهنية وإحساسًا”.

كما أوضح أن السلطة المحلية قد أحيت الكثير من الأمسيات والندوات والمهرجانات والفعاليات الثقافية التي يشارك فيها الشعراء، وأشرفت على تنفيذ العديد من المسابقات الشعرية -سواء بين الشعراء المخضرمين أو الشعراء الشباب المبتدئين- في مديريات الساحل والوادي، وفي عموم المحافظة؛ وهذا يعد جزءًا مهمًا من اهتمام السلطة المحلية بهذه الفئة الأدبية والثقافية، باعتبار الشعر امتدادًا للموروث الفكري والأدبي الذي تزخر به حضرموت، واليمن عمومَا. 

من جانبه، بيَّن مدير عام مكتب الثقافة بوادي وصحراء حضرموت، أحمد بن دويس، أن مكتب الثقافة بالوادي يقيم كثيرًا من الفعاليات الثقافية على مستوى مديرياته، ويعطى الشعر مساحة واسعة في هذه الفعاليات؛ إذ يلعب الشعراء دورًا مهمًا في إحياء الاحتفالات الوطنية من خلال قصائدهم الوطنية التي تعبر عن مشاعر الحب والولاء للوطن، إلى جانب الأعمال الفنية التي يتبناها مكتب الثقافة.

وأشار إلى أن مساحة كافية تُعطى للشعراء من جميع مختلف المديريات داخل نطاق اختصاص المكتب في الوادي؛ إذ تقام أمسيات شعرية بشكل دوري يشارك فيها كبار الشعراء والشعراء الشباب، وهذه الفعاليات تؤكد أن الدور الرسمي يسعى إلى الاهتمام بالشعر وبأفكار الشعراء وتحفيزهم.

كما ذكر أن مكتب الثقافة ينظم بشكل دوري (صباحيات شعرية) يشارك فيها كبار الشعراء والشعراء الشباب، وتعد منبرًا مهمًا للتعبيرِ عن الإبداع الشعري وتبادل الخبرات بين الشعراء. وقد كانت آخر صباحية شعرية قد نفذت في أواخر شهر فبراير عام 2024، وذلك بالتزامن من معرض سيئون الأول للكتاب بالشراكة مع جامعة سيئون.

وأوضح لصحيفة “صوت الأمل” أن المكتب ينظم العديد من الأمسيات الشعرية التي تهدف إلى إبراز دور الشعراء داخل المجتمع، وتحسين الدور الرسمي عبر دعمها للشعراء، وصقل مواهبهم وابداعاتهم الشعرية والفكرية، كما أن المكتب تبنى طباعة الإنتاج الشعري للكثير من الشعراء لحفظ حقوقهم الفكرية والأدبية، فطبعت 3 دواوين شعرية للشعراء المميزين في مديريات الوادي، مما يسهم في حفظ حقوقهم وتعزيز حضورهم في الساحة الثقافية.

كما أضاف أن من بين هذه الدواوين التي طُبعت ديوان للشاعر حسن طالب العامري، وديوان للشاعر “سلمان باسكَّس” (بتشديد الكاف)، وديوان للشاعر علي أحمد بارجاء. وتعد هذه الدواوين نماذج من الدعم المقدم للشعراء من مكتب الثقافة بالوادي والصحراء بإشراف السلطة المحلية بالمحافظة، وذلك في ظل غياب الدعم الرسمي من وزارة الثقافة المعنية بدعم الشعر والشعراء.

وفي ذات السياق، نظم قطاع الشؤون التعليمية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بصنعاء، مسابقة ومهرجان الشعر في موسمه الثاني لطلبة الجامعات الحكومية والأهلية بالجمهورية، ووفقًا لموقع “سبأ” 2023، إذ تنافس في المسابقة 80 شاعرًا وشاعرة من نحو 30 جامعة يمنية بين حكومية وخاصة، وذلك في إطار مشروع المسابقات التنافسية الثقافية بين شعراء الجامعات اليمنية، في ظل جهود الدور الرسمي لدعم الشعر والشعراء اليمنيين.

تهدف المسابقة إلى تعزيز التواصل وتبادل الخبرات والتجارب بين طلاب مختلف الجامعات اليمنية الحكومية والأهلية، واكتشاف مواهب الشعراء من الطلاب، والعمل على تطوير مهاراتهم وقدراتهم الفكرية، وتنمية ثقافتهم اللغوية والأدبية، وتعزيزِ الترابط الاجتماعي والثقافي بين طلاب مختلف الجامعات.

وفي إطار الدعم الحكومي، أقرت السلطة المحلية في محافظة حضرموت، في وقت سابق، تنفيذ “مهرجان امرئ القيس” الثقافي بمدينة الهجرين خلال العام 2024، الذي يهدف إلى تنشيط المشهد الثقافي في حضرموت، عبر إقامة منافسات للشعراء الشباب وندوات ثقافية ومسابقات في القصة القصيرة؛ لإبراز مواهب الشباب والتعريف بتاريخ حضرموت وإرثها الثقافي الزاخر.

كما أحيت “مؤسسة حضرموت للثقافة”، في مارس 2023، صباحية شعرية ضمن فعاليات الذكرى الـ500 للغزو البرتغالي لمدينة الشحر، بمشاركة ستةٍ من كبار شعراء حضرموت؛ لتعزيز تنمية الحراك الشعري والأدبي بالمحافظة. وأشار الموقع الرسمي للمؤسسة أن المهرجان يأتي تكريمًا للتضحيات التي قدمها الإنسان الحضرمي في نضاله ضد الاحتلال، عبر قصائده الشعرية الحماسية من أبرز شعراء المحافظة، ولتعزيز دور الشعراء ومكانتهم الثقافية والأدبية.

إحصائيات رسمية

نتيجة الانقسام الداخلي والوضع الراهن الذي تمر به اليمن، فقد بات من الصعب إجراء إحصائيات رسمية لعدد الشعراء في اليمن، المصرَّح بهم من قبل وزارة الثقافة أو المكاتب الثقافية على مستوى المحافظات. وعلى الرغم من الجهود المحدودة التي تبذلها بعض المكاتب الثقافية في العديد من المحافظات اليمنية لعمل إحصائيات لعدد الشعراء، فإنها تبقى غير شاملة؛ فعلى سبيل المثال ذكر موقع “الجزيرة الثقافية” في 2008 أن عدد الشعراء في اليمن يفوق اثني عشر ألفَ شاعر، لكن هذه الإحصائية قد لا تعكس الواقع الحالي، خاصة مع ما خلفَّه الصراع من آثار.

مدير عام مكتب الثقافة بوادي حضرموت بن دويس يقول: “عدد الشعراء المسجلين في المكتب إلى عام 2024 بلغ 50 شاعرًا من عموم مديريات الوادي. ومع ذلك، يعد هذا العدد ضئيلاً للغاية مقارنة بعدد الشعراء الفعليين الموجودين على الساحة، ولم يتم إدراجهم في هذه الإحصائيات”.

وأوضح حجم العمل الكبير الذي ينتظر مكاتب الثقافة في المحافظات، وكذا وزارة الثقافة، لإحصاء عدد الشعراء اليمنيين بشكل دقيق وتقديم إحصائيات رسمية جديدة تعكس الواقع الحالي، على غرار الإحصائيات التي كانت تُصدر قبل دخول اليمن في نفق الصراعات المسلحة.

وفي هذا الصدد، أكدت مديرة عام مكتب وزارة الثقافة بساحل حضرموت، عبير الحضرمي، أن المكتب بصدد إجراء إحصائية شاملة لعدد الفنانين في الساحل، ولاحقًا سيتم استخلاص عدد الشعراء من هذه الإحصائية. وأوضحت الحضرمي أنه لا توجد حاليًا أي إحصائيات رسمية تبيِّن نسبة عدد الشعراء في ساحل حضرموت.

تحديات وتوصيات     

تطرق المستشار السابق، الشاعر صالح باوزير، إلى أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه الجانب الحكومي، المتمثل بوزارة الثقافة ومكاتبها في المحافظات، منها التمويل؛ إذ يعد نقص الميزانيات المخصصة للثقافة، من قبل وزارة الثقافة أو مكاتبها، عائقاً كبيراً أمام تنفيذ البرامج والفعاليات الداعمة للشعر والشعراء، وذلك بسبب استمرار النزاع المسلح الذي يلقي بظلاله على مختلف مناحي الحياة، بما في ذلك المجال الثقافي.

وقال:” على الرغم من هذه التحديات فإن الدور الحكومي في دعم الشعر يظل ركيزة أساسية لحفظ التراث الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية؛ وهذا يتطلب تضافر الجهود من قبل القطاعين العام والخاص لتعزيز دور الشعر والفكر الأدبي في المجتمع، وإبقائه جزءًا لا يتجزأ من أي فعالية أو مهرجان ثقافي امتدادًا للثقافة الشعرية الحضرمية واليمنية عمومًا”.   

من جانبه، أضاف بن دويس أن مكتب الثقافة بوادي حضرموت يواجه -كغيره من المكاتب الثقافية الحكومية الأخرى في اليمن- العديدَ من التحديات التي تعوِّق مساعيه في دعم الشعر والشعراء، وتأتي على رأس هذه التحديات شحة الإمكانات المادية؛ إذ تعد الميزانيات المخصصة للمكتب ضئيلة للغاية، مما يصعب عليه تنظيم الفعاليات والأنشطة الداعمة للشعر.

وبيَّن أنه على الرغم من هذه التحديات فإن مكتب الثقافة بوادي حضرموت يبذل جهودًا كبيرة للحفاظ على التراث الشعري وإبراز مكانة الشعراء في المجتمع، عبر تنفيذه بعض الأمسيات والمهرجانات الشعرية بإمكانيات متواضعة؛ لتعزيز حضور الشاعر داخل المجتمع. كما أن بعض الفعاليات تتم بالشراكة مع قطاعات عامة وخاصة، وذلك في سبيل البحث عن تمويل يليق بمستوى الفعالية أو الندوة الشعرية.  

وقد عدد بن دويس بعض التوصيات للرفع من اهتمام الدور الرسمي في دعم مجال الشعر والأدب في اليمن، ومن هذه التوصيات: الاهتمام بالشعراء من قبل جميع القطاعات العامة والخاصة عبر تنظيم المهرجانات والفعاليات الشعرية والثقافية التي تستهدفهم بدرجة رئيسية، والاهتمام بطباعة الدواوين الشعرية للشعراء البارزين، وإقامة مسابقات شعرية لصقل مواهب الشعراء الشباب، وتشجيع المؤسسات الخاصة المهتمة بالشعر والأدب، وتكثيف جهود وزارة الثقافة لدعم الشعر والأدب في اليمن.

على الرغم من ضعف دعم القطاع الحكومي ومحدوديته في الجانب الشعري والأدبي، فإن الشعراء اليمنيين تمكنوا من صنع أسماء كبيرة لأنفسهم ليس على مستوى اليمن فحسب، بل وحتى على المستوى الإقليمي والعربي. ومع ذلك، فإن تفعيل الدور الرسمي بدعم الشعر والشعراء سيكون له مردود إيجابي على واقع الشعر اليمني، وسيسهم في بروزه أكثر أمام العالم الخارجي، ويعزز من الهوية الثقافية اليمنية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال

إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…