‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الشعر في اليمن الشعر في اليمن.. نغمات فريدة تُعزف على أوتار الثقافة المحلية والدولية

الشعر في اليمن.. نغمات فريدة تُعزف على أوتار الثقافة المحلية والدولية

هبة محمد صوت الأمل

في محافل الثقافة والأدب، تحتفظ اليمن بتراث شعري غني وعريق يمتد عبر قرون من الزمن، فهو ليس مجرد كلمات تتداخل في أبيات متناغمة، بل هو رمزٌ للهوية والثقافة والروح اليمنية الفريدة، ومن خلال هذا التراث الشعري الغني، يبرز تأثير الشعر في اليمن على الثقافة المحلية والعربية بشكل لا يمكن إنكاره.

ويعود تاريخ الشعر في اليمن إلى قرونٍ عديدة، إذ كان الشعراء يعكسون في قصائدهم تجارب الحياة والمشاعر الإنسانية المشتركة، ولكن، لم يكن الشعر في اليمن مقتصرًا على التعبير الفردي فحسب، بل كان يعبر عن المجتمع والقضايا الاجتماعية والسياسية التي تواجه الشعب اليمني.

الشعر في اليمن

تعد الثقافة اليمنية بمنهجيتها المتميزة وعراقتها الشعبية بمثابة مصدر إلهام للشعراء، إذ يجدون فيها موضوعات تعبر عن الحب والحرية والوطنية والعدالة الاجتماعية، وإن عبور الشعر اليمني إلى العالم العربي يعزز التواصل الثقافي والتبادل بين الشعوب؛ فهو ينقل روح اليمن وتراثها العريق إلى قلوب الجميع.

يقول مروان الشرعبي-كاتب في مجال الأدب والشعر-: “للشعر قيمة كبيرة منذ العصور الجاهلية، وقد كان الشعر قديمًا وسيلة كبيرة لرفع أمة أو إسقاط أخرى من خلال أجناسه كالمدح والعتاب وغيرهما. وفي اليمن يعد الشعر قيمة كبيرة لدى الشعراء الذين سطروا قصائدهم بما يصور الحضارة اليمنية ويعلي من شأن الهوية التاريخية وعادات الشعب وتقاليده عبر العصور”.

وعن تأثير الشعر اليمني على الثقافة العربية يرى مروان أن هناك تأثيرًا كبيرًا على الثقافة العربية، فأغلب دواوين شعراء اليمن لها صيتها على الثقافة العربية، وقد كانت تتناقل الثقافة اليمنية عبر التجارة وملتقى الشعر في مختلف أرجاء الوطن العربي، ومن ذلك سوق عكاظ في المملكة العربية السعودية قديمًا.

وعن أبرز رواد القصيدة اليمنية الذين وصلت شهرتهم خارج اليمن يقول الشرعبي: “يعد الشاعر البردوني وعبد العزيز المقالح من أبرز الشعراء الكبار على مستوى الوطن العربي، وقد حازوا على قيمة أدبية وشعرية بالغة الأهمية في الأسلوب البديع في سبك القصيدة وتصوير القضايا بلغة شعرية باهية الجمال لفظاً ومعنى”.

ويكمل: “برز الشعر اليمني في حقبة ماضية، بروزًا أظهر فيه الشاعر إيحاءات دقيقة في بلاغته في الكتابة والتصوير الأدبي، وأصبحت بعض كتب الشعر كمنهج رسمي في الجامعات العربية وعلى ألسنة الفنانين العرب”.

ويشارك الشاعر بشير المصقري جوانب تأثير الشعر اليمني في المهرجانات الدولية بقولة: “التأثير الشعري اليمني حدث منذ امرئ القيس وحتى البردوني، وبصورة سلسة غير معقدة وعلى غير ما واجهه شعراء عرب من مصاعب في التأثير، فالبردوني أحدث تأثيراً كبيراً في مهرجان أبي تمام في الموصل في العراق عام 1971م”.

ويكمل: “بعد مهرجان أبي تمام، ترك هذا الحدث أثرًا عميقًا على مسيرة الشعر في المنطقة وأثّر في تطور المشهد الشعري، الأمر الذي طبع البردّوني في ذاكرة الشعر العربي بتأثير فسَّر لنا تجاوزه لكبار الشعراء العرب آنذاك من الجواهري إلى البياتي إلى محمود درويش ونزار قباني وأنسي الحاج وغيرهم”.

وأوضح بالقول: “يتواصل التأثير عبر ما أحدثه الشاعر أحمد ضيف الله العواضي في الدعوات المتكررة التي تلقاها من أوروبا كالنرويج وغيرها، على إثر ذلك التميز العربي عند طباعة أعماله ضمن إصدارات اتحاد الأدباء العرب وترجمتها إلى لغات أخرى”.

وأوضح أيضًا أن التأثير مستمر وهناك شعراء أحدثوا تأثيراً كبيراً عقب تلك المرحلة -يقصد مرحلة عهود التحرر من الاستعمار- توالياً حتى هذا العام الذي حقق فيه الشاعر تيمور العزاني مؤخراً جائزة عربية مهمة، وقبله الشاعر زاهر حبيب بجائزة عربية أيضًا.

فيما يرى الشاعر وليد الشعيبي -رئيس منتدى شعراء في محافظة الضالع- أن هناك تأثيرًا إيجابيًا للشعر في اليمن، ويحتل مكانة مهمة في الثقافة العربية، ويعد من أقدم الشعر العربي؛ وذلك لعدة أسباب، ذكر منها أن الشعر اليمني يتميز بمفرداته النادرة والمميزة ويحمل في طياته تاريخًا مهمًا يروي قصصًا وأحداثًا مهمة في تاريخ اليمن.

وذكر أيضًا أن القصيدة اليمنية ليست مجرد أبيات شعرية؛ فهي وثيقة تاريخية تسلط الضوء على العادات والتقاليد الشعبية والثقافية التي تميز الشعب اليمني، وأن الشعر اليمني جزءًا لا يتجزأ من الثقافة العربية ويسهم في إثراء اللغة العربية وتنويعها بشكل عام.

ويواصل الحديث: “إذا نظرنا إلى الانتشار الواسع للشعر اليمني، نجد أنه حقق شهرة كبيرة على المستوى المحلي والعربي وحتى العالمي. وحقق بعض الشعراء اليمنيين حضورًا قويًا في الساحة الثقافية العربية، وأصبحت قصائدهم محبوبة ومشهورة في العالم العربي وخارجه. من بين هؤلاء الشعراء البارزين لطفي جعفر أمان، عبد الله البردوني، محمد عبد الوهاب الشيباني، محمد إبراهيم، الدكتور محمد مسعد العودي، حسين أبو بكر المحضار، والشاعر الأمير أحمد فضل العبدلي (القمندان)”.

ويؤكد أيضًا أن الشعب اليمني ما يزال يفخر بتلك الكوكبة الشعرية وغيرهم من الشعراء الذين يردد قصائدهم وكلماتهم الكثير من المطربين العرب، ويناقشها ويدرسها كثير من الباحثين والمهتمين بالأدب.

 وأشار في حديثه إلى أن تأثير الشعر اليمني لا يقتصر على الساحة المحلية، بل امتد ليؤثر على الشعر والأدب العربي بشكل عام، ويحظى باحترام وتقدير القراء العرب، وإنهم يستدعون الأساطير والتراث التاريخي والثقافة الوطنية في قصائدهم، مما يعطي لمسة محلية وعربية مميزة لإبداعاتهم. ويختم الشاعر المصقري حديثه عن تأثير الشعر والأدب اليمني عربيًا بالقول: “إن حضور الصوت الشعري اليمني في المحافل العربية والدولية بتفوق يؤكد على أن الشعراء القادمين من اليمن لهم تأثير كبير على الثقافة العربية برمتها، وهناك شعراء شباب في اليمن يتلقون التماسات من شعراء عرب يدعونهم لتقييم تجاربهم فنيًّا ولغويًّا ومراجعتها”.

روح المكان وقصائد الهوية

“لا شك أن الشعر في اليمن يعكس ما تزخر به اليمن من قيم حضارية تشكل إطارًا لقصيدة تحمل تراثه، من خلال نزوع الشاعر إلى تحديد المنطلقات الأساسية الواعية بالمحيط؛ فهو يكتب بهويته الخاصة ببلده، وذلك لا ينفك عن المنطلقات الموازية للشعر العربي عمومًا”، هذا ما قاله الشاعر بشير المصقري.

مكملًا: “بتعبير أدق، يكتب الشاعر قصيدته بأدوات حسية ترتبط بذاكرة مكتظة بالمآثر والقيم التاريخية والثقافة الوطنية. وعلى سبيل المثال يكتب ويستدعي معالم أثرية وشواهد تاريخية وأمثلة وحكايا وأساطير حدثت ذات زمن، وتحاكي بنَفَسها المحلي الجوار وتنقل له وجه من وجوه الوجود العربي، الذي يضع مؤشراً يجعل المتلقي يفهم أن هذا الشاعر من اليمن، وهذا من مصر وهذا من الأردن، وهذا من موريتانيا”. 

 من جانبه يشارك الشاعر وليد الشعيبي بالقول: “يتمتع الشعر والأدب اليمني بأهمية كبيرة في التراث اليمني، ويقدم الشعراء اليمنيون قصائد وأشعار تعكس التاريخ والثقافة والتجارب الحياتية للشعب اليمني، وأصبح الشعر اليمني معبرًا عن قضايا الشعب اليمني وتجاربه وتحدياته وعن الحياة اليومية والمشاعر والتجارب الشخصية والمجتمعية، وقضايا مثل: العدالة والحرية والهوية والحب والثورة والعنف والهجرة والصراع والسلام؛ فالشعر هو الملمح الأبرز لملامح الثقافة والتعبير عن قضايا الوطن”.

ويؤكد أن للشعر دورًا بارزًا في تعزيز هوية الشعوب وثقافتها، أيضًا له وسيلة للحفاظ على تاريخ الثقافة وتقاليدها وقيمها. والشعر ليس لهو ولا عبث، بل إن له وظيفة في المجتمع مثله مثل الوظائف الأخرى.

ويجزم الشاعر الشعيبي أن الشعر اليمني يعكس بقوة تراث الشعب اليمني الأصيل وعراقته أدبًا وفنًا، وما يزال الشعر اليمني برونقه القديم المتجدد، وهناك علاقة كبيرة بين الشعر في الماضي والحاضر، فما يزال الشعراء اليمنيون مهتمين بعادات الشعب اليمني وتقاليده وأعرافه، ولم تؤثر عليهم حداثة العصر وأدواته. 

تحديات

عن التحديات التي تواجه الشعراء اليمنيين في حماية حقوق الملكية الفكرية لقصائدهم يقول مروان الشرعبي: “يواجه الكتاب والشعراء والأدباء بشكل عام تحديات كبيرة في السرقات الشعرية لحقوقهم الفكرية، وهذا ناتج عن قلة دور النشر في بلدنا اليمن وتكاليفها الباهظة، وأيضًا عدم اهتمام -أو تقدير- ضعفاء النفوس، ومن يحاولون السطو على حقوق الآخرين، بدور الكاتب أو عدم تقدير الشاعر لأعماله”.

فيما يؤكد الشعيبي أن هناك الكثير من الصعوبات التي واجهها الشعراء اليمنيون في السنوات الأخيرة، منها غياب المنابر ودور مؤسسات الدولة الثقافية في زمن الصراع، كما أدى توقف الصحف والمجلات الأدبية إلى فقدان مزيد من المنابر واحتكارها من قبل أطراف النزاع في البلاد، وعدم الاهتمام بالأدباء والمثقفين والمفكرين من قبل وزارة الثقافة أو الجهات المعنية الأخرى.

كما يوضح أيضًا أن الشاعر اليمني يعيش في ظروف صعبة، وأن الكثير من الشعراء تتعرض قصائدهم للسرقة والتحريف، وخاصة في زمن وجود الإنترنت وعدم وجود حماية لحقوقهم الملكية الفكرية وعدم الاهتمام بالأدباء بتدوين نتاجهم الشعري ونشره.

ويطرح أيضًا الشاعر المصقري عددًا من التحديات التي تعوِّق تقدمهم، أهمها: انعدام أفق الحرية، حرية تناول التراث في ظل نزاع عقائدي، وحرية الرأي السياسي في ظل تجاذبات سياسية لا تسمح بأن يدور الشاعر في أفلاك إبداعية مفتوحة بعيدة عن الفلك المفروض في الواقع من السلطات الطارئة.

ويكمل حديثه: “وعن تحديات حماية حقوق الملكية، فقد زاد الطين بلةً في هذا الشأن النشرُ الإلكتروني الذي عمل على تعميق الإشكالية، وجعل الملكية الفكرية والحقوق في مهب الريح على غير الانضباط الذي كان مأمنًا في زمن النشر الورقي كأداة مضمونة للتوثيق”.

وحسب الشاعر المصقري، فمؤخرا حدث نزاع بين شاعرين من اليمن حول ملكية قصيدة، وتفاقم الخلاف على إثر قيام مغنية عربية بغناء هذه القصيدة؛ الأمر الذي أحدث ضجة كبيرة في الأوساط المحلية، ولم يكن هناك أي تدخل من مؤسسات معينة، ممن يقع ضمن مهامها حماية حقوق الملكية الفكرية، ولعل هذه هي أهم الصعوبات التي يواجهها الشعراء والأدباء والكتاب عمومًا.

وأشار أيضًا إلى أن لديه مخاوف من النشر الالكتروني، فهو ينشر قصائد ونصوصًا من مجموعاته الشعرية غير المطبوعة ويراوده قلق كبير من السطو عليها.

العزلة والفرص المحدودة

عن مدى انتشار الشعر اليمني ومشاركة الشعراء على المستوى العربي والدولي حالياً، يقول الشاعر المصقري: “يواجه الأدباء والشعراء في اليمن تحديات كبيرة وعزلة تعيق انتشار أعمالهم؛ إذ يواجه الشاعر اليمني صعوبات في الحضور والمشاركة في مهرجانات وفعاليات ثقافية تقام في مختلف البلدان العربية، وتعود هذه الصعوبات جزئيًا إلى الوضع السياسي والأمني الصعب في اليمن، مما يجعل السفر والمشاركة في الفعاليات الخارجية أمرًا صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر”.

ويتابع: “مع ذلك يوجد بعض الشعراء اليمنيين الذين تجاوزوا تلك التحديات وحققوا نجاحًا نسبيًا في الانتشار، فإنهم يمثلون الأقلية وعددهم محدود. ويجب أن نعترف أن الوضع الراهن في اليمن لا يسهم في تعزيز الثقافة والأدب بشكل عام، ولا يوفر البيئة المناسبة للشعراء للتعبير عن أعمالهم وتواصلها مع الجمهور”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال

إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…