الشعر اليمني في الجاهلية تاريخ عريق وتحفة أدبية خالدة
علياء محمد – صوت الأمل
عاش اليمنيون منذ العصور القديمة على حب الشعر وتأليفه وسط حضارة فريدة من نوعها، هذا وقد شكّل الشعر اليمني جزءًا أساسيًّا من الثقافة والتراث اليمنيين، ولا يزال يحتفظ بمكانته المهمّة في المجتمع اليمني حتى يومنا هذا.
وبالنظر إلى تاريخ الشعر في اليمن، نجد أنّه كان ولا يزال جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليمنية؛ إذ يعكس تعدد الثقافات والتراث الغني في اليمن، ويعبر عن هويتها الفريدة. ومن خلال تطور الشعر في اليمن على مر العصور، نستطيع أن نفهم أهمية الشعر في حياة اليمنيين، وسعيهم للحفاظ على هذا التراث الغني، ونقله للأجيال القادمة.
لمحة تاريخية عن الشعر اليمني في الجاهلية
يعود تاريخ الشعر في اليمن إلى العصر الجاهلي؛ إذ كان الشعراء يتبارون في التحدي والتنافس في أوقات السلم والصراع، وقد كان الشعر يعدُّ وسيلة تعبير ونقل للمعلومات والأخبار بين القبائل والمجتمعات اليمنية، كما كان الشاعر يحظى بمكانة مرموقة في المجتمع اليمني، وبمكانة الحكم والعرفان والإدارة في القبيلة.
من جانب آخر، لم يقتصر إبداع شعراء اليمن على حدود بلادهم، بل امتدَّ ليثري الساحة العربية بأعمال أدبية خالدة في تاريخ العرب، دون أن ينسبوا إلى اليمن، في إطار شمولية سمات الأدب العربي؛ إذ لم يكن ينحصر الأدب في زاوية ضيقة، بل كان يضم مختلف القبائل والأعراق من جميع أنحاء الجزيرة العربية، ولذلك، لا عجب أن نجد أنّ معظم أعلام الشعر في العصر الجاهلي، ومنهم أصحاب المعلقات، قد جاءوا من اليمن أو على الأقل انتسبوا إليها.
وكان من أبرزهم: امرؤ القيس، وعلقمة ذو جدن، ومسهر بن زيد الحارثي، وعبد يغوث بن الحارث بن وقاص، والأفوه الأودي، وعمر بن براقة الهمداني، وهو شاعر صعلوك اشتهر بين شعراء الصعاليك العرب وله قصيدة.
وقد وصف الشاعر عبد الله البردوني في كتابه (رحلة في الشعر اليمني)، عهد الجاهلية بعهد الشعر والشاعرية. موضحًا أنّ الشعر اليمني في عهد الجاهلية تميز بفن الفخر للبطولة والفروسية، ولمع من اليمنيين شعراء تفاوتت طبقاتهم على تفاوت حصاد شعرهم، كغيرهم من شعراء الأقطار والأجيال، وأنّ شهرة أصحاب المعلقات آنذاك غطت على كثير من شعراء شبه الجزيرة العربية.
وذكر أنّ أول علم من الشعراء اليمنيين في العهد الجاهلي كان “عبد يغوث الحارثي” المنتسب إلى قبيلة حارث اليمنية، إضافة إلى ذلك برز “امرؤ القيس” يمني القبيلة نجدي الأم، و”مالك بن حريم الهمداني” الذي تميز بالشعر الغنائي، والذي يطغى عليه الحماس، وتميزت أشعاره بتصوير البيئة اليمنية، التي تضمنت أسماء أماكن يمنية ما زالت معروفة إلى اليوم، ومن أبرز قصائده التالي:
إِذا سَأَلَتكَ نَفسُكَ أَن تَرانا
بِمُلكِ الجَوفِ فاقترب النَّجادا
تَرانا بِالقَرارَةِ غَيرَ شَكٍّ
نُقَوِّدُها مُسَوَّمَةً جِيادا
عَلَينا كُلُّ فَضفاضٍ دِلاصٍ
وَأَسيافٌ وَرَثناهُنَّ عادا
سَنَحمي الجَوفَ ما دامَت مَعينٌ
بِأَسفَلِهِ مُقابِلَةً عُرادا
وَنُلحِقُ مَن يُزاحِمُنا عَلَيهِ
بِأَعراضِ اليَمامَةِ أَو جُرادا
نَبيتُ مَعَ الثَعالِبِ حَيثُ باتَت
وَنَجعَلُ صَمغَ عُرفُطِهِنَّ زادا
وفي سياق متصل، قال الكاتب محمد الفرح في كتابه “شعر وشعراء اليمن في الجاهلية”: “يعدّ الشعر الجاهلي أصلًا من أصول اللغة العربية، وكان للقبائل العربية لهجتها ومفرداتها التي تتميز بها، وهو ما يسميه الأوائل لغة طيّئ ومذحج ولغة حمير وكندة ولغة تميم وقريش”.
وذكر الفرح أنّ أوائل الشعر الجاهلي كانوا من اليمن، وجاء ذلك ردًّا على الذين شكّكوا في أنّ شعراء الجاهلية لا ينتمون إلى اليمن.
وأضاف في كتابه أنّ اليمن حظيت بكبار الشعراء قبل أمرئ القيس وبعده، وفي كل قرن وجيل وعلى مدى ستمائة سنة على الأقل، وعشرة أجيال على الأقل كان هناك العشرات من الشعراء والشاعرات اليمنيين الذين أسهموا في الحياة السياسية والاجتماعية على مر العصور.
وأوضح أنّ الرثاء لم يكن من النساء الشاعرات لأقاربهنّ الرجال وحسب، بل كان الشعراء من الرجال يقولون شعرًا رثاء في زوجاتهم وقريباتهم. لافتًا إلى أن اليمن مهد العروبة واللسان العربي، إضافة إلى ذلك فإنّ اللسان اليمني في تلك المدّة ثلاثة أشكال وأساليب رئيسية يمكن عدّها بمثابة اللغات؛ وهي لغة المسند، والزبر، ولغة الشعر.
وأكد أنّ شعراء اليمن ذكورًا وإناثًا في العهد الجاهلي كانوا يلقون الشعر بنفس اللغة والأسلوب، وبه تنطق مائة وسبعون شاعرًا تمّ ذكرهم في الكتاب.
خصائص ومميزات فريدة
أكد الكاتب والروائي سامي الشاطبي أنّ الشعر اليمني من أعرق أنواع الشعر العربي وأغناها؛ إذ يعود تاريخ الشعر اليمني إلى العصر السبئي (القرن الثامن قبل الميلاد) على الأقل، وقد مرَّ هذا الشعر بتطورات تاريخية متعددة، وبرزت فيه خصائص ومميزات فريدة جعلته علامة فارقة في مسيرة الشعر العربي.
وأضاف: “أنّ من أهم ما يميز الشعر اليمني قدمه؛ إذ يعدُّ الشعر اليمني من أقدم أنواع الشعر العربي، ممّا يجعله حاملًا لتاريخ وثقافة عريقة، وتميزه بتنوع موضوعاته، ومن ناحية اللغة، فقد تميز الشعر اليمني القديم بلغة غنية جزلة، ومفردات قوية، وصور شعرية بديعة.
وأشار الشاطبي إلى أنّ الشعراء اليمنيون القدامى استخدموا مختلف الأوزان الشعرية العربية، وبرعوا في وزن الرجز بشكل خاص، واستخدام الشعراء الحاليون الشعر الموسيقي، الذي يترافق مع الموسيقى؛ الأمر الذي ميّز الشعر اليمني على المستوى العربي. داعيًا المهتمين وأصحاب الاختصاص القيام بالبحث العلمي، نظرًا لما يتميز به الشعر اليمني من غنًى وتنوعٍ وتاريخٍ عريقٍ.
وشدد في حديثه على ضرورة إعطاء مجال الشعر في اليمن اهتمامًا علميًّا كبيرًا لدراسة خصائصه ومميزاته، واستخدامه كقاعدة لبناء مستقبل شعري يمني متميز، إضافة إلى ذلك دعا الباحثين والمهتمين بالشعر إلى العمل على دراسة الشعر اليمني القديم والجديد بعمق، وتحليل خصائصه ومميزاته، واستكشاف إمكانيات استخدامه كقاعدة لبناء مستقبل شعري يمني متميز.
من جانبه أشار بلال قائد إلى أبرز الشعراء اليمنين وأشهرهم الذين أرّخهم التاريخ في الجاهلية أهمهم: “دويد بن زيد بن نهد”، و”الحرث بن معب”، و”هبل بن عبد الله الكلبي”، و”امرؤ القيس بن خذام”، و”عمرو بن الحرث الجرهمي”، و”عمرو بن حارث الخزاعي”، و”تُبّع ملشان ذو يزن وجدن الحميري”، و”مرثد الخير بن ينكف الحميري”، و”حجر آكل المرار الكندي”، و”عمار الكباري الحاشدي”.
وأوضح أنّه تمّ ذكر شاعرات يمنيات في كتاب المؤرخ محمد حسين الفرح، أهمهنّ: “عمرة بنت زيد الخولانية”، و”خرنق بنت هفان”، و”خولة بنت رئام”، و”كبشة بنت معدي مرب الزبيدية”، و”فاطمة بنت الأجم الخزاعية”، و”مارية الحارثية”، و”نائحة مرة بن عاهان”، و”ابنة مرة عاهان”، و”أم ناشب الحارثية”، و”أخت عمرو بن بشر المرادي”.
ويرى الشاعر حمزة دياب أنّ الشعر ولد مع اليمن، وأكثر الشعراء شهرة في العهد الجاهلي انتموا إلى اليمن، ويُجمع النقاد أنّ الشعراء في عهد الجاهلية يرجع أصلهم إلى القبائل اليمنية، وهناك من يرى بأنّهم أشهر شعراء الأرض، وأنّ الشعراء اليمنيين أسهموا في بناء الشعر في العصور كافة، نتيجة للبيئة المعاشة، التي كوّنت شخصياتهم وإمكانيتهم الشعرية.
هذا وقد وصف الشاعر مجاهد عبد الله الشعر اليمني في العهد الجاهلي بالتحفة الأدبية التي نجحت في البقاء عبر العصور، ليستمد منها الأجيال اللاحقة الحكمة والإلهام.
ويقول: “كان التاريخ الشعري لليمن في العهد الجاهلي من أغنى المُدد وأعظمها في تاريخ الأدب العربي؛ إذ اشتهر بالبناء اللغوي وقوة البنيان، وعمق المعاني التي يحملها، وكانت بمثابة رمز للعراقة والكمال؛ الأمر الذي جعله مميزًا عن شعر العصر الجاهلي في باقي البلدان العربية”.
مضيفًا: “عُرفت اليمن بثقافتها الفريدة وتنوع بيئتها، وتأثر الشعر اليمني الجاهلي بالبيئة الجغرافية والثقافية، وأعطى الشعر آنذاك ذوقًا خاصًّا ومواضيع مميزة تميزت بها عن غيرها من الشعر الجاهلي”.
وأشار إلى أنّ الشعر اليمني تبنّى في تلك المُدّة العديد من المواضيع الاجتماعية والوطنية والدينية بأسلوب شعري مميز وراقٍ، يعكس جمال اللغة وعمق الفكر وصدق المشاعر.
90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال
إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…