الشعراء في اليمن بين الإبداع الفكري والتميز وبين التأثير الاقتصادي
حنان حسين – صوت الأمل
تعد القصيدة وأبيات الشعر من أعرق وسائل التعبير الإنسانية وأقدمها. وقد كان تاريخ اليمن شاهدًا على استخدام الشعر في جميع المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وحتى الاقتصادية بشكل واسع. وهنا نجد أن حياة الشعراء يمكنها أن تقترن بشكل كبير بالظروف الاقتصادية والسياسية التي قد تمر بها البلاد.
في هذا التقرير سنتناول حياة الشعراء من الناحية المادية والجوانب الاقتصادية، كما يمكننا النظر في التحديات واستكشاف دور الشعر في تحسين الحياة الاقتصادية لليمن والشعراء بشكل واسع.
أهمية الشعر في طرح القضايا
تعدُّ قصائد الشعر وسيلة فعالة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تؤثر على حياة الناس، هذا ما أوضحه الصحفي الاقتصادي نبيل الشرعبي، ويضيف: “الشعر كغيره من الفنون الأدبية يقدم رسالة مهمة تمس صميم قضايا المجتمع والسياسة والاقتصاد”.
ويتابع: “رغم اختلاف بيئات الشاعر التي يعيشها في حياته، فإنه مرآة تعكس واقع مجتمعه، ويشكل من خلال نتاجه الشعري مصفوفات إبداعية تحوي في طياتها قضايا مجتمعية متعددة، فيكتشف القارئ المشكلات التي يعاني منها أفراد المجتمع، أو الآمال التي تراودهم، أو التحديات التي يواجهونها، وذلك من خلال نصوص شعرية تعد نماذج ملموسة للقضايا المجتمعية، سواء بشكل إيجابي أو سلبي”.
أما الشاعر الغنائي عبد الجليل قعطاب فيرى أن وجود الشعر مهم في تغيير بعض القضايا السياسية أو الاجتماعية، خاصة في قضايا الثارات والخلافات القبلية، وتغيير بعض العادات السيئة مثل غلاء المهور والمبالغة في الأعراس وغيرها.
وفي الإطار ذاته يرى الشاعر محمد القاسمي أن الشعر يعد صوت الروح الذي يعبر عن الأفكار والمشاعر، ويقول: “يمكن الشعر أن يكون أداة قوية في طرح القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ إذ يسمح للشاعر أن يقدم وجهة نظر فريدة ومؤثرة تتجاوز الحوار العادي، ويلهم التغيير والتفكير العميق”.
موهبة لا تكتسب
يتحدث الناقد الفني، الدكتور فارس البيل، حول موهبة الشعر قائلًا: “المواهب تُخلق مع الإنسان والشعر بالتحديد لا يُكتسب، بل تعد مهارة تُخلق مع الإنسان منذ نشأته، لكن عليه أن يصقلها وينميها ويجددها ويتعمق في القراءة ويبحث عن رؤى ومشارب جديدة”.
ويوضح البيل أن معظم الشعراء في اليمن -في الوقت الراهن- لا يحاولون تقديم الشعر بالشكل المدهش، وإنما بالشكل التقليدي. وهذه تعد من أهم التحديات التي ينبغي أن يتغلب عليها الشعراء، لإثراء الشعر في اليمن بالكثير؛ لأنه يعد ديوان العرب الذي دوَّن كل التاريخ العربي والإسلامي أيضًا”.
ويضيف: “لا بد للشعر أن يكون حاضرًا حاليًا، كما كان حاضرًا في ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي. كما يجب أن يبرز في هذه المواقف والصعوبات التي يعاني منها اليمن”.
الواقع الاقتصادي للشعراء
يرى الشاعر قعطاب أن الواقع متدنٍ للغاية، و”لا يعدُّ الشعر وسيلة للدخل المادي إلا في بعض الحالات النادرة التي لا يعد فيها الشاعر شاعرًا، وإنما أضعه تحت مسمى “دوشان” من وجهة نظري؛ لأنه يستغل شعره في مدح هذا وتعظيم ذاك، لكي يحصل على عائد مادي”.
ويقول القاسمي: “الواقع الاقتصادي للشعراء اليمنيين قبل الصراع وبعده قد تغيَّر بشكل كبير؛ إذ قبل الصراع كان الشعراء يعتمدون على النشر والمشاركة في الأمسيات الشعرية والمهرجانات كمصادر دخل، أما بعد الصراع أصبحت هذه الفرص أقل، وتأثرت القدرة الشرائية للجمهور مما أثر على مبيعات الكتب والأعمال الشعرية”.
ويرى الصحفي الاقتصادي نبيل أن الشاعر اليمني في الغالب يعيش على هامش الاهتمام من قبل الجهات المعنية بالأدب والأديب، وهذا كان سائدًا قبل الصراع، ثمَّ تعاظمَ مع نشوب الصراع واستمراره أكثر فأكثر.
ويردف نبيل: “قليل من الشعراء اليمنيين قبل الصراع كانوا يتصدرون المشهد، ويعيشون على الامتيازات التي كانت تمنح لهم، أو من خلال استغلالهم للفرص، والتقرب من صنَّاع القرار ونيل العطايا والهبات، أو عبر تصدرهم مشهد الدفاع عن الشعر وقضايا الشعراء، واستغلال ذلك لمصالحهم الشخصية”.
وأكد أن هؤلاء ليسوا شعراء حاملين لقضية سامية من خلال الكلمة، بل إنهم يجيدون الانتهازية. ومع الصراع لم يتغير المشهد، وربما بات أكثر سوءًا؛ فالشاعر الغريب عن الإعلام ومجالس المسؤولين هو في الواقع غريب عن أي تقدير أو اهتمام أو حقوق حتى من دور النشر”.
ومن جانبه يؤكد البيل أن المشهد الشعري في اليمن يكاد يكون خافتًا، رغم الحالة الشعرية السامية، وخروج نواة من الشعراء المبدعين في اليمن عبر التاريخ، لكن فيما يبدو أن المشهد الشعري لم يتنقح بعد ليصير مشهدًا شعريًا تنافسيًا متسعًا وبناتج أدبي غزير؛ فبين كل فينة وأخرى يظهر لنا شاعر عبقري ثم يختفي ويختفي معه الشعر، ويبقى هناك حضور للشعراء الآخرين الأقل موهبة؛ الأمر الذي يشير إلى أن الشعر في اليمن لا يعد ذلك المتجدد الذي يقدم الكثير من القضايا الشعرية.
نتاج فكري لتحسين الحياة الاقتصادية
عن مدى اعتماد الشعراء والأدباء على نتاجهم الفكري في تحسين حياتهم اقتصاديًا، يقول الشاعر قعطاب: “في ظل انقطاع الرواتب، يبحث الشعراء عن طريقة أخرى لإيجاد دخل مادي يعولون به أسرهم”.
ويتحدث ساخرًا من عدم استطاعة الشعراء من الكسب المادي من أشعارهم، بقوله: “يستطيع الشعر أن (يفتح بيوتًا)، نعم! لكنها بيوت شعرية وأبيات مكتوبة ومنظومة”.
فيما يرى القاسمي أن التسويق قد يوصل الشعراء إلى الكَسْب؛ إذ يقول: “من الناحية المادية، يمكن للشعر أن يكون مصدر دخل، إذا تمكن الشاعر من تسويق أعماله بشكل جيد، والوصول إلى جمهور واسع، ومع ذلك، قد يكون هذا التحدي كبيرًا، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة”.
ويضيف: “هناك بعض الشعراء ممن يجدون طرقًا لتحقيق دخل مستدام، بينما يجد آخرون صعوبة في ذلك. وفي تحسين الشعراء لحياتهم الاقتصادية فإن ذلك يختلف من شخص لآخر”.
ويردف: “يمكن للشاعر استكشاف مجالات متعددة تمنحه فرصًا للكسب مثل: النشر الذاتي، وإقامة ورش عمل أو دورات تدريبية، والمشاركة في المهرجانات الأدبية، والتعاون مع الموسيقيين لكتابة كلمات الأغاني”.
الشعر موهبة وليس سلعة
الناقد البيل يؤكد أن الشعر يعد من المواهب التي يولد بها الإنسان؛ إذ إن الشعر موهبة وليس بضاعة، وينبغي عليه أن يجوِّدها حتى يحصل على المال. ويوضح أن الشعر يعتمد على التميُّز، فليس على الإبداع أن يجعل صاحبه ثريًا، لكن هناك الكثير من الأغاني صنع كلماتها شعراء مبدعين.
“ولا يمكن أن نقول إن الشعر لا يعد مصدر دخل؛ لأنه في حقبة من التاريخ كان الشعراء يتكسبون بالشعر، فيذهبون إلى الخلفاء والأمراء رغبةً فيما يهبونهم من المال. وفي المقابل حينها كان الأمراء والخلفاء يتذوقون الشعر والصورة الكاملة للأدب”، حسب الدكتور البيل.
ويضيف: “الشعر لا يؤمن للشاعر حياة كريمة، فكثير من الأدباء ماتوا فقراء، ونجد أن قصيدة البردوني (الشاعر واللص) تصف بجلاء حال الشعراء والمبدعين في اليمن؛ فالشعر لا يغدق على كاتبه بالمال لكنه يُعلي صاحبه ويخلِّده إلى لأبد، فهناك شعراء مخلدين أكثر من الأغنياء وأصحاب الأموال كالمتنبي”.
ويردف: “الشاعر يعد موهبة وينبغي أن يطلقها للتاريخ من أجل الإبداع والفن والإدهاش، وليس من أجل الكسب، وبالتالي من أراد أن يبحث عن ثروة فليبحث عن عمل آخر غير الشعر، ويجعل الشعر نشاطًا فنيًا إضافيًا خارجيًا، ولا ينبغي أن نقارن الشعر بالعمل والدَخْل”.
تحديات وصعوبات أمام الشعراء
أفضى الصراع إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية في اليمن بشكل كبير، مما أثَّر بشكل سلبي على واقع الشعراء؛ لذلك خسر العديد من الشعراء مناصبهم وأعمالهم، وانخفضت مبيعات دواوينهم الشعرية بشكل هائل، وأصبح من الصعب عليهم المشاركة في الفعاليات الثقافية لأسباب أمنية.
يؤكد قعطاب أن هناك مجموعة من التحديات التي قد تواجه الشعراء في اليمن، ومنها عدم وجود اهتمام من وزارة الثقافة والجهات المعنية بالشكل الكافي للمبدعين والشعراء. ويجب على هذه الجهات القيام بعمل أمسيات شعرية للشعراء وطبع دواوينهم الشعرية وتشجيعهم ومتابعة أعمالهم الشعرية”.
ويضيف قعطاب: “من التحديات عدم حماية حقوق الشعراء الفكرية والأدبية، فإذا أراد الشاعر أن يوثق أعماله الشعرية في الجهات المعنية فعليه أن يدفع لهم مقابل هذا مبلغًا من المال، وهنا يجد مشكلة مادية لأنه ليس لديه مال”.
فيما يرى الشاعر القاسمي أن أبرز التحديات التي قد تواجه الشعراء، تشمل الوصول إلى الجمهور، وتسويق الشعراء لأعمالهم، والحصول على الاعتراف الكافي بأعمالهم الأدبية”.
المعالجات والحلول
على الرغم من التحديات التي تواجه الشعراء في اليمن، فإنه ما يزال هناك العديد من الفرص للاستفادة من الشعر لتحسين الوضع الاقتصادي.
وفي الحديث عن أبرز المعالجات والحلول لرفع مستوى الشعراء وأن يكون للمجال الشعري مردودٌ ماديٌ مناسب، يرى قعطاب أن هناك مجموعة مقترحات من وجهة نظره، تشمل اهتمام وزارة الثقافة بهم، عبر إقامة أمسيات شعرية للشعراء، ومساعدتهم على طبع إنتاجهم الشعري.
وأضاف: “من وجهة نظري أرى أن أهمية إنشاء محكمة للحقوق الفكرية والأدبية للشعراء، وإلزام جميع القنوات الفضائية التي تنشر أعمالهم بأصوات بعض الفنانين بدفع حقوق الشعراء المادية، وألا تكتفي بدفع عائد مادي للفنان فقط وإهمال حق الشاعر؛ فهذا لا يجوز”.
أما القاسمي فيقول: “من وجهة نظري، الحلول لرفع مستوى الشعراء تشمل تعزيز التعاون فيما بينهم وبين والمؤسسات الثقافية، وإنشاء منصات رقمية لتسويق الأعمال الشعرية، وتشجيع الدعم المالي من الجهات الحكومية والخاصة للمشاريع الأدبية”.
ويرى الناقد البيل أن هناك مجموعة من المعالجات التي من الممكن أن تغيِّر حياة الشعراء المادية؛ إذ يقول: “يجب على الشعراء أن يطالبوا بأن يكون لهم منظمة أو نقابة أو جهة داعمة ومُدَافِعة عن حقوقهم، وأن يبتكرون مسابقات داعمة لتشجيع الحياة الأدبية، وليس من أجل الكسب؛ لأن الشعر عندما يُباع ويُتشرى يصبح بلا قيمة له”.
من جانبه يقترح الصحفي الشرعبي بعض النقاط كحلول ومعالجات كي يحظى الشاعر بحياةٍ تضمن له حياة كريمة، منها حصول الشاعر على فرص عادلة في عملية النشر عبر وسائل الإعلام، وحضور المهرجانات والمشاركات الداخلية والخارجية، وكذلك فرص الحصول على الجوائز المنصفة لهم ولإعمالهم، وصيانة حقوقهم الفكرية، وطباعة إنتاجهم الشعري.
90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال
إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…