رحلة الشعر اليمني عبر الزمن، من الإبداع القديم إلى الحداثة
ياسمين عبدالحفيظ – صوت الأمل
تعدُّ الحضارة اليمنية العريقة على مرِّ العصور منارةً للإبداع في مختلف المجالات، بما في ذلك فن الشعر الذي احتلَّ مكانة مرموقة ضمن الفنون العربية القديمة، وأكدت العديد من المصادر التاريخية حقيقة أنّ البلاد أنجبت عددًا من الشعراء العمالقة الذين عرفوا بإبداعهم وبراعتهم في كتابة القصائد الشعرية من جوانب مختلفة في الأسلوب واللغة والمضمون.
وقد كشفت مصادر تاريخية مؤخرًا انتساب العديد من الشعراء القدماء إلى اليمن، ومن هنا ندرك أنّ اليمن بلاد الشعر والشعراء على مرّ العصور، فالشاعر لا يصبح شاعرًا إلّا في بيئة يجد الشعر فيها أهمية وقيمة.
ومن أشهر شعراء اليمن القدماء؛ سيف بن ذي يزن، وامرؤ القيس بن مالك الحميري، وحاتم الطائي، وعمرو بن معد يكرب الزبيدي، وعمرو بن شراحيل الهمداني، وحسان بن ثابت، ووضاح اليمن، والطرماح بن حكيم، وغيرهم من الشعراء الذين إن لم ينتسبوا إلى اليمن فقد نزحوا منها.
واستمرَّ ظهور شعراء يمنيين مؤثرين على مراحل زمنية متعاقبة، مثل الشاعر الكبير محمد محمود الزبيري، والشاعر عبد العزيز المقالح، والشاعر عبد الولي الشميري، وحسن عبدالله الشرفي، وغيرهم، حتى عرفنا شعراء جددًا في وقتنا الحالي، أبرزهم: أسامة الرضي، وعبد الغفور عبدالله، وأحمد عبده سعيد، وزاهر حبيب، وبديع الزمان، وفخر العزب، وغيرهم.
مرَّ الشعر باليمن مثل غيرها من البلدان بالعديد من المراحل حتى وصل إلى وقتنا الحاضر، وقد طرأ عليه العديد من التغيرات، سواء من ناحية الشكل أو المضمون، فهناك فروقات عديدة بين الشعر الحديث والقديم، وهذا التقرير سيخوض في مميزات كل منها، إضافة إلى التطرق لمراحل تطوير الشعر.
مميزات الشعر الحديث
يقول الشاعر أحمد عبده سعيد: “إنّ الشعر الحديث في اليمن يعدُّ جزءًا من التطورات الثقافية والأدبية التي تعكس الحالة الاجتماعية والثقافية والسياسية في البلاد”.
ويشير إلى أهم المميزات البارزة للشعر الحديث في اليمن، من ناحية المضمون الاجتماعي والثقافي؛ إذ يرى أنّ الشعر الحديث في اليمن يعكس قضايا المجتمع والثقافة اليمنية الحديثة، مثل الهوية الوطنية، والتراث الثقافي، والتحديات التي يواجهها المجتمع اليمني في ظل الأوضاع الراهنة.
وبما يخص الرسائل الاجتماعية، يقول: “يستخدم الشعر الحديث في اليمن كوسيلة لنقل رسائل اجتماعية مهمة، مثل العدالة، والحرية، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والتصدي للفساد والظلم”.
ويتابع: “من ناحية الرسائل الاقتصادية، فقد يتناول الشعر الحديث في اليمن قضايا اقتصادية؛ مثل الفقر، والبطالة، والظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجها الناس، مما يُسهم في إبراز الحاجة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويعبر عن التحولات السياسية والصراعات التي تشهدها البلاد، ويسلط الضوء على قضايا الديمقراطية، والحكم الرشيد، وحقوق المواطنين”.
ويؤكد أنّ الشعر الحديث في اليمن يمثل وسيلة فعّالة للتعبير عن القضايا المجتمعية كافة، التي تهم اليمنيين في العصر الحديث، ويهدف إلى توعية الناس وتشجيعهم على التفكير والنقاش حول هذه القضايا.
مميزات الشعر القديم
أمّا عن الشعر القديم في اليمن، فيقول أحمد عبده سعيد: “يمتلك الشعر القديم مجموعة من المميزات التي تعكس واقع المجتمع، والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية خلال تلك المدّة”.
ويوضح أنّ الشعر القديم يتميز من ناحية المضمون الاجتماعي في البلد، فهو يعكس قيم المجتمع والعادات والتقاليد، ويتناول مواضيع؛ مثل الشجاعة، والكرامة، والعدالة، والوفاء، والشجاعة، كما يعبّر عن المشاعر الإنسانية، مثل الحب والحزن والفخر والعزاء.
وما يتميز به من جانب الرسائل الاقتصادية والسياسية يقول: “كان الشعر يحتوي على رسائل اقتصادية تتعلق بالزراعة والتجارة والحرف اليدوية، كما يمكن أن يكون الشاعر شاهدًا على الواقع الاقتصادي، ويعبّر عنه بطريقة شعرية”، كما يحمل رسائل سياسية تتناول تعظيم القادة وتأثير الصراعات، وأهمية الوحدة الوطنية، أو تعزيز النضال ضد الاستعمار”.
كما يحوي الشعر القديم في اليمن على العديد من الأساطير والقصص التي تروي تاريخ الشعب وتراثه، ويتميز بجمالية لغوية وشعرية عالية، عبر استخدام القوافي والأوزان والصور البديعة التي تثري النصوص الشعرية وتجعلها جذابة للسامعين والقراء.
مراحل تطوُّر الشعر في اليمن
في هذا الشأن يقول الكاتب والشاعر جميل حاجب: “إنّ الشعر يعدُّ عابرًا للأزمنة، والشعر اليمني عاش تقلبات الزمن بين ازدهار وخمول، وأنّ مرحلة الستينيات وما تلاها ازدهرت القصيدة الثورية، وأخذت القصيدة الغنائية بشقيها الثوري والعاطفي الحيز الأكبر؛ إذ نبغ البردوني والشامي والفضول وجرادة وغيرهم”.
ويتابع: “بدأت التحولات نحو قصيدة التفعيلة بقلم المقالح، وعبد الودود سيف، وأحمد قاسم دماج، ولطفي أمان، وسعيد شيباني؛ إذ كانوا امتداد مرحلة الستينيات، ولكن القصيدة الحديثة (قصيدة النثر) ازدهرت في مطلع التسعينات بصورة أبهرت الجميع، لكنّ هناك دائمًا انكماشًا ثم انفراجًا”.
من جهته يتحدث الشاعر والأديب محمد الشَّميري، قائلًا: “إنّ الحديث عن المشهد الشعري في اليمن، يحتم علينا الحديث عن أجيال الشعر وملامح الشعراء، وما كان الشعراء في التسعينيات وما قبلها؛ إذ كانوا يحملون هاجس المثقف المكتظ بالمواقف والثورة والوطن والسياسة والنضال، وغيرها من المواقف التي تحكمها تلك المُدّة”.
ويتابع: “جاء شعراء التسعينيات محملين بالتراكم والخبرة، لذلك انفجر المشهد الشعري بما يتلاءم ويواكب الأحداث السياسية آنذاك، وغيرها من الأحداث في المحيط العربي والإقليمي، وكانت السمة الأبرز في شعرهم التحرر، وكسر القيود، سواء في الشكل والوزن أو القافية، وحتى كسر محظورات الحديث؛ إذ صاروا يتحدثون عن كل شيء تقريبًا، مثل السياسة والفكر والوجود والبحث عن الذات، لهذا ظهر شعر التفعيلة وقصيدة النثر”.
ويضيف: “شهد الشعر مرحلة جديدة تسمى بالثورة الشعرية، التي تأثرت بثورة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي والقنوات وغيرها، وهنا حدث تغير مزلزل على شكل النص الأدبي وموضوعاته؛ إذ أصبح الشعراء متواجدين بكثرة في تلك الوسائل الحديثة، وربما انزوى بعضهم وآثر العزلة والاكتئاب”.
وأشار الشَّميري إلى ظهور ما يمكن تسميته بالنص الإلكتروني، وما تفرضه من تقييد لعدد الكلمات وحتى التعابير، وهنا إشارة إلى مرحلة تغير شكل الشعر، ونظرة الناس للشعر بشكل عام.
أشكال ومضامين متنوعة
حسب مهتمين في مجال الشعر ينقسم الشعر من حيث المضمون إلى أنواع كثيرة، منه الشعر الغنائي، والمسرحي، والملحمي، والقصصي. أمّا من حيث شكل الشعر، فهناك الشعر العمودي والحر، والنثر، والشعر المرسل.
وعن نوع الشعر المفضل لدى الشعراء اليمنيين، يقول الشاعر فخر العزب: “يمكننا القول أنّ الشعر في اليمن يعيش حالة طفرة في الكم والكيف، في ظل وجود عدد لا محدود من الشعراء، خاصة في فئة الشباب، وما يمتاز به الواقع الشعري في اليمن هو وجود شعراء مجيدين لأشكال الشعر كافة، وهذه الطفرة الشعرية تأتي متزامنة مع تعدد القوالب والأشكال الشعرية من الشعر الحميني إلى العمودي إلى التفعيلة إلى قصيدة النثر”.
ويرى أنّ هناك تنوعًا في الأغراض الشعرية؛ من الأغراض التقليدية المعروفة؛ كالمدح والهجاء والرثاء، إلى أغراض شعرية حديثة؛ كالقصيدة السياسية والوطنية والشعر الإنساني وغيرها، التي فرضت نفسها وفقًا للواقع.
ويتابع: “إذا ما تحدثنا عن الشكل الشعري، فهناك شعراء يلتزمون بشكل شعري واحد، مثل الشاعر يحيى الحمادي الذي يلتزم الشكل الكلاسيكي المعروف بالقصيدة العمودية، غير أنّ قصائده، وإن كانت كلاسيكية الشكل، فإنّها حداثية المضمون، وللشاعر قدرة بديعة على خلق الصور الشعرية الجميلة والمتنوعة، بالإضافة إلى وفرة الإنتاج الشعري لديه”.
ويؤكد أنّ هناك شعراء يكتبون أكثر من شكل شعري، كالشاعر عبد المجيد التركي، الذي يكتب القصيدة الغنائية والعمودية والتفعيلة وقصيدة النثر، وإن كان ينحاز لقصيدة النثر أكثر من أي شكل آخر، كونها تمثل الحداثة الشعرية شكلًا ومضمونًا، ولعلّ ديوانه الشعري الأخير “كبرت كثيرًا يا أبي” يمثل أنموذجًا لتطور قصيدة النثر في اليمن.
ويضيف: “لعلَّ تجربة الشاعر التركي تعد دليلًا على انفتاح الشاعر اليمني على المدارس الشعرية الحديثة، ولهذا لاحظنا تنامي قصيدة النثر بشكل كبير في اليمن، ومن أبرز الأسماء التي تحضر هنا على سبيل المثال لا الحصر؛ جلال الأحمدي، وقيس عبد المغني، وصدام الزيدي، ومحمد اللوزي، وفتحي أبو النصر، ونبيل سبيع، وأحمد العرامي”.
ويشير في حديثه إلى أنّ القصيدة الشعرية في اليمن تقيم علاقة وثيقة مع الواقع السياسي والوضع العام؛ إذ تتأثر بهما وتؤثر فيهما بشكل متبادل، كما يُسهم تطور وسائل التكنولوجيا الحديثة في تطور القصيدة اليمنية وتنوعها؛ إذ تتيح للقصيدة منابر جديدة للوصول إلى الجمهور.
90.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن للشعر دورًا حيويًّا في الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية ونقلها عبر الأجيال
إعداد: يمنى الزبيري يعود تاريخ الشعر اليمني إلى عصور ما قبل الإسلام؛ إذ كانت القبائل اليمن…