‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأسلحة في اليمن إستراتيجية نمو خطر السلاح في اليمن

إستراتيجية نمو خطر السلاح في اليمن

محمد عبد الودود العبسي

خبير في مجال التوعية الأمنية

(مستشار عدد الأسلحة في اليمن)

ترتبط أصول نشأة ظاهرة انتشار السلاح في اليمن بخلفية تاريخية قديمة ذات صلة بالعامل الاجتماعي وثقافة الاعتزاز بحيازة وحمل السلاح كموروث (حضاري) سابق على نشأة الدولة، وبعدِّه رمزًا للرجولة والجاهِ الاجتماعي. فيما يرتبط نمو خطر الظاهرة بخلفية تاريخية حديثة ذات صلة بمتغيرات المشهد السياسي خلال المراحل العقدية السابقة من عمر الدولة في اليمن.

وخلال السنوات الأخيرة من الصراع المستمر في اليمن منذ أكثر من 10 سنوات، تفاقم خطر انتشار السلاح، واتسعت تداعياته وقدراته المدمرة بمؤشرات تستدعي تضافر كل الجهود الإنسانية والسياسية في مواجهة هذا الخطر وتهديداته في عمليات بناء السلام وإنهاء الصراع المسلح، واستعادة الأمن والاستقرار المنشود لنظام الحياة الإنسانية المستقر على وجه الأرض في اليمن وعموم محيطها الإقليمي والدولي.

مراحل انتشار السلاح في اليمن

أولًا: الخلفية التاريخية والعوامل الاجتماعية لنشأة ظاهرة انتشار السلاح في اليمن:

يعد انتشار السلاح في اليمن ظاهرة مقلقة ذات جذور تاريخية عميقة، ترتبط بعوامل ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية متداخلة. فعلى مر السنوات، لعبت الثقافة القبلية، التي تُقدر الشجاعة والقوة، دورًا مهمًا في استمرار مظاهر انتشار السلاح كموروث تقليدي، وعُدُّ امتلاك السلاح رمزًا للرجولة والجاه الاجتماعي، ووسيلة لحماية النفس والممتلكات عبر مراحل زمنية طويلة.

كما شهدت اليمن عبر تاريخها العديد من الصراعات، الداخلية أو الخارجية؛ مما أدى إلى انتشار الأسلحة في أوساط المجتمع، وسهَّل فرص الحصول عليه وحيازته وحمله دون أي تدخلات مانعة، خصوصًا في المراحل التاريخية التي شهدت فيها اليمن غيابًا تامًا أو حضورًا ضعيفًا لنظام الدولة، كما هو الحال الذي عاشته اليمن خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وعلى امتداد المراحل التي أعقبت ذلك.

وشهدت اليمن صراعات بينية ونزاعات مسلحة برَّرت انفتاح السوق المحلي على تجارة السلاح وانتشاره خارج سيطرة الدولة ونفوذها بأشكال تتفاوت بين عجز الدولة عن المواجهة وقبولها بالأمر في حدود المشترك والموروث الاجتماعي.

غير أن هذه التوجهات ظلت قائمة في المجتمعات ذات الميل إلى الاعتزاز بهياكل انتمائها وعاداتها وأعرافها وأسلافها السائدة في النظام القبلي، وخلال المرحلة التاريخية التي سبقت إعلان النظام السياسي الحالي للدولة انحسرت هذه التوجهات في الكثير من الأوساط الاجتماعية التي أصبحت تنظر إلى الدولة بوصفها الكيان الضامن لأمن المجتمع واستقراره وسلامته؛ وفقاً لمبادئ الحكم السائد ومنهجه السائدة في الدولة.

بل إن المواقف الغالبة على اتجاهات الرأي العام في أوساط المجتمع اليمني كانت تميل إلى نموذج منع حيازة السلاح الفردي، الذي كان سائدًا في العديد من المحافظات الجنوبية سابقًا، وتجريمه. فيما يرى بعضهم أن نموذج تنظيم الحق الفردي بحيازة السلاح واستخدامه هو النموذج الأنسب لحياة المجتمع ولنظام الدولة. وشكل هذا الاختلاف بوابة النشأة الجديدة لمعطيات الظاهرة ونمو أخطارها خلال أطوار مرحلية مقسمة إلى فترات عقدية مسلسلة.

ثانيًا: مراحل نمو خطر ظاهرة انتشار السلاح في اليمن:

شكلت مواقف الرفض والقبول لظاهرة انتشار السلاح في الأوساط الاجتماعية واحدة من مظاهر الاختلاف والتباين في مواقف ووجهات نظر العديد من الجهات المعنية والمستفيدة من انتشار السلاح في اليمن؛ إذ يعبر العديد من اليمنيين عن رفضهم القاطع لانتشار السلاح، مُعدِّين إياه مصدرًا رئيسيًا للعنف والجريمة، وعائقًا أمام تحقيق السلام والاستقرار، خاصة في فترة منتصف العام 1990م. وأنه خلال ثلاثة أطوار عقدية من عمر هذه الدولة ومتغيرات مشهدها السياسي المتشابك مع امتداده الإقليمي والدولي، أصبح انتشار السلاح خطرًا مدمرًا مهلكًا لمقومات العيش والاستقرار في كنف نظام الدولة، ومحيطها الإقليمي والدولي، وفقًا للإيضاح الآتي:

  • المرحلة الأولى 2000-1990

أظهرت المرحلة الأولى من انتشار السلاح في اليمن خلال الفترة من 2000-1990 تراكمًا لمخاطر جمة؛ بدءًا من حيازة المدنيين للأسلحة، مرورًا بتعزيز ثقافة العنف، ووصولًا إلى ارتباطات مشبوهة بالجماعات المتطرفة. وتُشكل هذه المخاطر تحديات جسيمة أمام جهود تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن، وتدعو إلى اتخاذ خطوات حاسمة لمكافحة انتشار السلاح وتعزيز سيادة القانون.

وقد اكتفى دستور الدولة بتأكيد حقها الحصري في تأسيس القوات المسلحة وتشكيلها، لكنه لم يضع ضمانات كافية لتحييدها عن الصراعات السياسية. وأدى الصراع السياسي خلال تلك الفترة إلى تمكين المواطنين من حيازة الأسلحة الحكومية المنهوبة من معسكرات الطرف المنهزم، وسادت ثقافة الاعتزاز بحمل السلاح، مما أعاق تطبيق سياسات التجريم والمنع التي كانت سائدة سابقًا، كما تم تحفيز عودة ثقافة حيازة السلاح وحمله واستخدامه في المناطق الخالية من هذه الظاهرة.

كما بدأت هذه الفترة بتحصيل مكاسب الصراعات، ومحاولات تطبيع الأوضاع السياسية وفقًا لمبادئ دستور الدولة، مع تحييد عوامل الضغوط السياسية والمجتمعية المناوئة لثقافة الاعتزاز بحمل السلاح، وحال ذلك دون تطبيق نموذج التجريم والمنع؛ فتهيأت لمجتمعات المناطق الخالية وشبه الخالية من ظاهرة انتشار السلاح فرص ومحفزات العودة إلى ثقافة الاعتزاز بحيازة وحمل واستخدام السلاح، واتسعت ونمت تجارة وتهريب السلاح، وتكشفت مظاهر حيازة وتداول أسلحة خطيرة ومحظورة.

  • المرحلة الثانية 2010-2000

خلال هذه المرحلة سعت الدولة إلى تجاوز آثار الصراع وبناء دولة على أسس المساواة والعدل وسيادة القانون والنظام، لكن الواقع بجذوره التاريخية المعقدة، محليًا وإقليميًا ودوليًا، بالإضافة إلى ما تم القبول به من مظاهر حيازة السلاح خلال الفترة السابقة يفرض الكثير من العقبات التي ينبغي تجاوزها قبل الوصول إلى النجاح المنشود على هذا السبيل.

مع بداية المرحلة الثانية، أيضًا، سعت الدولة إلى بسط سيطرتها على كامل التراب الوطني من خلال خطة انتشار أمني مجدولة على مراحل، غير أن هذه الخطة واجهت العديد من التحديات؛ إذ لم تكن معززة بمقومات الدعم المستمر، مما أدى إلى تفاقم ظاهرة انتشار السلاح بدلاً من احتوائها. وإن انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة ونفوذها خلال تلك المرحلة تجاوز حدود الحيازة؛ إذ تحول انتشار السلاح من ظاهرة فردية ذات دوافع اجتماعية إلى ظاهرة جماعية ذات دوافع سياسية هدامة وذات خطورة شديدة من أهمها ما يلي:

ــــــ نمو خطر السلاح واتساعه في دائرة الأعمال الإرهابية، خاصة بعد أحداث أكتوبر عام 2000، حين اُستهدفت المدمرة الأمريكية كول قبالة سواحل ميناء عدن بزوارق متفجرة.

ـــــ نمو خطر السلاح واتساعه في دائرة الأعمال التخريبية، التي تركزت على مناطق الاستثمارات النفطية، واستهدفت بشكل متصل موارد الطاقة والنفط وأيضًا قطاع السياحة؛ إذ استمرت هذه الأعمال طوال سنوات هذه المرحلة وتسببت بخسائر وأضرار اقتصادية كبيرة.

ـــــ نمو خطر السلاح واتساعه في دائرة مواجهة السلطة العامة للدولة، وعلى ضوئها برزت العديد من الصراعات الداخلية في مختلف المحافظات اليمنية؛ الأمر الذي أدى إلى تفاقم انتشار السلاح بين أوساط المجتمع.

  • المرحلة الثالثة 2010-2020

خلال هذه الفترة الزمنية دخلت اليمن في المرحلة الثالثة في ظل ظروف اقتصادية وسياسية معقدة، اتسمت بتداخلات دولية وإقليمية ومحلية ضاغطة، هذه الظروف دفعت بالبلاد نحو الهاوية، وأجهضت فرص الخلاص من التهديدات والمخاطر الجسيمة التي واجهتها، إذ تحولت ظاهرة انتشار السلاح من وسيلة للدفاع الذاتي إلى أداة تدمير ممنهج للمنظومة الوطنية، مهددة أمن الدولة واستقرارها.

ففي ظل تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية جسيمة، حاول النظام السياسي مواجهة هذه التحديات من خلال بناء تحالفات إقليمية ودولية، وتعزيز قدراته الداخلية، إلا أن هذه الجهود لم تكن كافية، وفشلت في معالجة جذور الأزمة. ومع بدء ثورات الشعوب، سارعت بعض الجماعات الحائزة على السلاح بدوافع سياسية إلى استغلال تلك الثورات لتحقيق أجنداتهم الخاصة، وركوب موجة التغيير ومحاكاة الحراك الشعبي، وفقاً لأجندة مرحلية متعددة الأهداف والموجهات.

وفي ظل العنف المسلح المعزز بدوافع سياسية الذي كان حاضرًا في المشهد المحلي طوال تلك الفترة، أظهرت بعض الجماعات المسلحة رفضها لأي حلول جذرية تسهم في استعادة الأمن والاستقرار للبلد؛ الأمر الذي أدى إلى انتشار تجارة وتهريب أسلحة ذات أصناف خطيرة ومتنوعة وبكميات كبيرة.

  • خلال سنوات الصراع منذ 2015

شهدت مرحلة الصراع المسلح التي مرت بها اليمن منذ عام 2015 بروز بيئة حاضنة وخصبة لكل كوابيس السلاح وأخطاره، أدت إلى انتشاره بشكل كبيرة، وانتشار أسواق مفتوحة لكل ذوي الاهتمام من المستفيدين من الصراع وهم تجار السلاح في الداخل والخارج، كما أدى انتشار ظاهرة الفقر والبطالة المتفشية في اليمن إلى دفع بعض الشباب إلى الانضمام إلى الجماعات المسلحة أو العمل في تجارة الأسلحة؛ سعيًا وراء كسب المال. وللأسف ما زالت تداعيات الصراع قائمة إلى وقتنا الحالي في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

مواجهة خطر انتشار السلاح في اليمن

وبناء على ما سبق، يمثل انتشار السلاح في اليمن ظاهرة مقلقة للمجتمع اليمني؛ فنمو خطر السلاح في اليمن يرتبط بإستراتيجية الصراعات المتسلسلة عبر مراحل تاريخية تجاوزت حدودها الجغرافية. وتشير هذه الظاهرة إلى ضعف إرادة بناء السلام سياسيًا على جميع المستويات، واستمرار استثمار الصراع لتحقيق مكاسب سياسية، والتكيف التدريجي لبعض الجهات مع واقع انتشار السلاح، واعتبرته مصدرًا للقوة والاعتزاز.

وتتطلب مواجهة خطر السلاح:

  •  إنكار ثقافة الاعتزاز بالسلاح، وإدراك خطورته على مقومات العيش والاستقرار في البلد.
  • بناء نظام دولة وطني قوي يقوم على أساس مواجهة خطر انتشار السلاح؛ إذ يهدد انتشار السلاح أمن أنظمة العيش الإنساني والسلامة في جميع الدول، ويُدرك المجتمع الدولي خطورة انتشاره بين أفراده.
  • السعي المشترك إلى إيجاد حلول جذرية لمعالجة ظاهرة انتشار السلاح في اليمن.
  • تكثيف الحملات الأمنية لإغلاق أسواق السلاح التي انتشرت مؤخرًا في مختلف المحافظات اليمنية، وهذا يعد من أهم التحديات التي تواجه البلاد، خاصةً مع سهولة الحصول على الأسلحة الثقيلة.
  • دعم المبادرات المجتمعية التي تهدف إلى التوعية بمخاطر حمل السلاح، وتشجيع المجتمع على التخلي عنه، واللجوء إلى حل النزاعات بطرق سلمية، والالتزام بالقانون.

هذا وقد أشار مراقبون إلى أنه بالإمكان مواجهة التقاليد اليمنية التي تعد حمل السلاح حقًا لا امتيازاً مكتسبًا؛ لأنها ليست تقاليد أصيلة -وبالذات في تعاملها مع حمل السلاح الناري- لكن الأمر برمته يحتاج إلى قرارات حازمة على الأقل على مستوى تنظيم حيازته. ولا يعني ذلك استحالة النجاح، فمع وجود حكومة صاحبة قرار وقادرة على التنفيذ، وتعاون المجتمع، يمكن مواجهة هذه التقاليد وتنظيم حيازة الأسلحة بشكل فعال.

وخلاصة لما سبق، نستطيع القول إن السلاح يمثل بالنسبة للكثير من اليمنيين جزءًا من هويتهم وثقافتهم، ورمزًا للعزة والكرامة والرجولة، ففي بعض المناطق، يعد حمل السلاح واجبًا اجتماعيًا، ووسيلة للحماية الشخصية، وعلامة على المكانة الاجتماعية. لكن هذه الثقافة تخفي مخاطر جسيمة، إذ يتحول السلاح بسهولة من أداة للحماية إلى أداة للقتل والاعتداء. وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع مخيف في حوادث القتل الناتجة عن استخدام الأسلحة النارية، فضلاً عن تفاقم ظاهرة العنف والجريمة التي انتشرت مؤخرًا في العديد من المحافظات اليمنية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية

صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…