وسائل الإعلام في اليمن؛ أدوار خجولة في التوعية بمخاطر حمل السلاح
صوت الامل – علياء محمد
تعدُّ ظاهرة حمل السلاح من الظواهر المنتشرة بشكل كبير في اليمن؛ إذ تفاقمت هذه الظاهرة في ظل استمرار الصراع وغياب القانون وإجراءات التراخيص لحيازة الأسلحة؛ الأمر الذي نتج عنه تداعيات خطرة على صعيد المجتمع ككل.
في اليمن أدّت تداعيات استمرار الصراع إلى تفاقم ظاهرة حمل السلاح بين المواطنين؛ إذ أصبح اقتناؤه بين أفراد المجتمع بشكل عشوائي ومفرط يشكل خطرًا كبيرًا على السلامة العامة والأمن في المجتمع.
الأمر الذي أوجب تنفيذ حملات وبرامج توعوية مستمرة للتوعية بخطر استمرار هذه الظاهرة، وتعدُّ وسائل الإعلام المختلفة أحد أهم الوسائل التي تساعد في توعية المجتمع بمخاطر السلاح، وأهمية التعامل معه بحذر ووعي. فهل استطاعت وسائل الإعلام اليمنية تقديم دور بارز وفعّال في الحد من انتشار ظاهرة السلاح؟ أم أنّها غُيّبت وأصبح لا دور لها في ظل الأحداث التي مرت بها البلاد؟! نسلط الضوء في تقريرنا على دور الإعلام اليمني في الحد من انتشار ظاهرة السلاح.
أدوار هشة وضعيفة
يقول الصحفي في وكالة “الأناضول” شكري حسين: “لم يُعد للإعلام دورًا ذا قيمة ومعنى في مواجهة ظاهرة حمل السلاح، رغم ما تحمله هذه الظاهرة من وجه قبيح، وما تخلفه من مآسٍ وجراح، بفعل كثير من العوامل، وتأتي في مقدمتها حالة (ألّا دولة) التي تمر بها البلاد، جراء الصراع الدائرة في البلاد منذ نحو 10 سنوات، وما أفرزته من تعدد الكيانات وانتشار كثيف للسلاح”.
مضيفًا: “إزاء ما تقدم يبقى دور الإعلام في مجابهة الظاهرة الخطيرة على السلم والأمن في المجتمع هشًّا وضعيفًا، ولن يرتقي بطبيعة الحال إلى المأمول، كما أنّ عدم وجود “الدولة” القوية التي تستطيع فرض هيبتها وقوتها على الجميع، سيجعل من أيّ جهود كمن يحرث في ماء البحر”.
وحول غياب دور وسائل الإعلام وغياب الفلاشات والحملات التوعوية التي تحذر من حمل السلاح، أكد شكري حسين أنّ السبب يعود في المقام الأول إلى غياب الدولة الحقيقية على الأرض.
وأشار في حديثه إلى حالة الصراع والتجاذبات السياسية والأمنية والعسكرية، التي أدّت إلى صعوبة عملية التحذير من حمل السلاح، إضافة إلى ذلك القبول المجتمعي لهذه الظاهرة؛ إذ أصبحت مظاهر حمل السلاح أمرًا مألوفًا ومعتادًا، بل مستساغ من قبل الغالبية، ولم يعد لنكرانه أثرًا في حياة الناس”.
وفي سياق متصل، يقول الصحفي نبيل الشرعبي: “شهدنا طفرة كبيرة انطلقت من قناعات بضرورة نزع السلاح من المجتمع اليمني، ورافق ذلك كثير من الحملات والبرامج والدعوات المنادى بها للحدّ من انتشار السلاح في أوساط المجتمع، ولكن المناخ العام الذي فرضه الصراع ولّد قناعة عكسية لما كان سابقًا”.
كما أشار إلى أنّ المناخ العام الذي فرضه النزاع ولَّد لدى كثير من الأفراد قناعاتٍ بأنّ امتلاك السّلاح صار ضرورة للدفاع عن النفس وحماية الأسرة وضمان الحقوق، وجراء هذا الشعور والقناعة اختفى ما كنّا نعايشه أو نسمع به من دعوات وحملات مناهضة لحمل السلاح.
مبينًا في حديثه أنّ الأحداث الإقليمية عززت لدى بعضهم ضرورة امتلاك السلاح للدفاع عن الكرامة، إضافة إلى ذلك، فقد كشفت هذه الأحداث أنّ معايير التعامل الدولي مع الشعوب والمجتمعات ولَّدت ثقافة مؤيدة لامتلاك السلاح؛ الأمر الذي جعل الدول الهشة والنامية ترى أنّ امتلاك السلاح ضروريٌّ للدفاع عن النفس من أيّ تدخلات خارجية.
وأوضح الشرعبي أنّ ما يحدث في اليمن من طفرة بالعودة إلى اقتناء السلاح كان انعكاسًا لما حصل من تغير في الأحداث على المستوى الإقليمي، التي كان لها دور في التأثير على وسائل الإعلام، فعلى سبيل المثال ساعدت كثير من الوسائل الإعلامية في ظل الأوضاع الراهنة بتمجيد انتشار السلاح وامتلاكه، من خلال ما تبثه من برامج وأخبار؛ الأمر الذي انعكس سلبًا على واقعنًا.
دور موسمي يتحرك عند حدوث الجريمة
أفاد الصحفي ياسر محمد الأعسم أنّ الصراع في اليمن أدّى بشكل كبير إلى انتشار ظاهرة حمل السلاح، خاصة في مدينة عدن التي عرفت منذ زمن قديم أنّها مدنية خالية من السلاح، تدعو إلى السلم والتعايش، ولكن تداعيات النزاع بدّلت حال المدينة إلى حال آخر، وأفقدتها السيطرة على انتشار حمل السلاح، ونتج عن ذلك انتشار السلاح في كل منزل تقريبًا.
كما قال: “ما زلنا نعيش حالة من الصراع، رغم ظهور حملات توعوية بخطر حمل السلاح من خلال البروشورات وملصقات، ولكن الحملات لم تكن كفيلة بتقديم المراد المنشود، وإنّما كانت إسقاط واجب فقط، ودور وسائل الإعلام ما زال ضعيفًا جدًّا، خاصة في مجال التوعية المجتمعية بمخاطر السلاح، كما ما زلنا نسمع قصصًا كثيرة وقضايا قتل بسبب حمل السلاح”.
وأكد على أهمية دور وسائل الإعلام في الحدِّ من انتشار هذه الظاهرة، عبر تشكيل الوعي المجتمعي بالآثار السلبية لهذه الظاهرة، بالإضافة إلى ذلك، استثمار وسائل التواصل الاجتماعي التي تؤدي دورًا كبيرًا في التأثير على المجتمع مقارنة بالوسائل الإعلامية التقليدية (المقروءة والمسموعة والمرئية) الرسمية والخاصة؛ إذ أصبحت ركنًا أساسيًّا للتواصل اليومي مع المجتمع، واستقبال المعلومات بالنسبة لكثير من الأفراد، عبر تسليطها الضوء على كثير من الأخبار التي يتسبب بها انتشار الحمل العشوائي للسلاح.
كما وصف الأعسم في حديثه دور وسائل الإعلام بالدور الموسمي الذي لا يتحرك إلّا عند حدوث جريمة أو حدث كبير، وما غير ذلك فهم في سبات عميق.
وحول أسباب غياب دور الإعلام في التوعية بمخاطر حمل السلاح يقول الأعسم: “تسبب الصراع في اليمن في غياب الدولة والقانون والعدالة؛ الأمر الذي ترك فرصة للأفراد في المجتمع من حمل السلاح وبطريقة عشوائية، إضافة إلى ذلك، أدّى غياب التعليم ومخرجاته الهشة وانعدامه في اتشار الجهل في المجتمع، وتغيرت ثقافة المجتمع وتكوينه وأفكاره، كما أصبحت قوة السلاح في مجتمعنا أهم من قوة القلم، وربط حمل السلاح بالقوة”.
ويتابع القول: “ما تقوم به وسائل الإعلام والنخبة في المجتمع من سكوت حول هذه الظاهرة تسببت بتشريع هذه الظاهرة وقبولها وانتشارها بين أوساط المجتمع رجالًا وأطفالًا وحتى النساء، وفي ظل عدم وجود وقفات جادة تجاه هذه الظاهرة لن يتم تحقيق أي تغير في المجتمع”.
حلول ومعالجات
لا شك أنّ فعالية دور الإعلام في توعية المجتمع بمخاطر السلاح تعتمد على عدة جوانب تشمل: زيادة نسبة الوعي، وبنـاء وعـي جماهيري، من خلال إيجاد مضامين ومحتويات إعلامية، وتسليط الضوء على الآثار السلبية والأضرار المجتمعية لحمل السلاح، بالإضافة إلى تسليط الضوء على القوانين المتعلقة بامتلاك الأسلحة واستخدامها بشكل قانوني.
والتشجيع على الالتزام بهذه القوانين لضمان سلامة الجميع، والعمل على تعزيز الوعي بأهمية تقليل استخدام السلاح في المجتمع، وتحديد الظروف التي يمكن فيها استخدامه، وتوضيح أهمية التعامل السليم مع السلاح، وتشجيع المجتمع على البحث عن بدائل سلمية لحل النزاعات، ونشر الإحصائيات والبيانات المتعلقة بحوادث استخدام الأسلحة وآثارها السلبية بشكل مكثف ومستمر.
وحول أهم البرامج والسياسات التي من الممكن أن تقدمها وسائل الإعلام للحد من انتشار ظاهرة حمل السلاح، أكد الصحفي حسين شكري أنّه في ظل استمرار هذه الأوضاع غير المستقرة في البلد، فإنّ أي برامج يتم تقديمها لن تجدي نفعًا، لكن بالإمكان عمل حملات توعوية داخل المجتمع المدني عبر وسائل الإعلام أو خطب المساجد والمحاضرات العامة في المدارس والجامعات والحارات، على الأقل للحد من خطورة أن يصبح المجتمع كلّه مسلحًا، والتحذير من عواقبه، بشرط أن تطبق على الجميع دون استثناء.
يوافقه الراي ياسر الأعسم، ويرى أنّ المشكلة أكبر من مجرد توعية، وإنّما تحتاج إلى تكاتف الأجهزة الأمنية ووزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية الرسمية في بناء الوعي المجتمعي حول هذه الظاهرة.
وأوضح أنّ توعية المجتمع بمخاطر السلاح مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمؤسسات ووسائل الإعلام؛ لبناء آلة إعلامية كبيرة مؤثرة، تسهم في توعية المجتمع بمخاطر السلاح بشكل شامل ومتوازن، من خلال تقديم برامج توعية مستمرة، وتحقيق الوعي والتغيير نحو هذه الظاهرة.
مما لا شك فيه أنّ ظاهرة انتشار السلاح في اليمن تشكل خطرًا كبيرًا على السلامة العامة والأمن في المجتمع، وأنّ تحسين دور الإعلام اليمني في التوعية بمخاطر هذه الظاهرة أمر ضروري للحد منها، ولن يتم ذلك إلَّا عبر تعزيز حرية الإعلام؛ لكي يتمكن من أداء دوره بشكل فعّال في التوعية بمخاطر ظاهرة انتشار السلاح، وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة له، لكي يتمكن من إنتاج برامج توعوية عالية الجودة.
والتنسيق المشترك بين وسائل الإعلام اليمنية المختلفة، ليتمكن من نشر رسالة موحدة حول مخاطر ظاهرة انتشار السلاح، والعمل على الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، عبر إنشاء محتوى توعوي جذاب على منصات التواصل الاجتماعي، والتفاعل مع الجمهور، بالإضافة إلى مشاركة المجتمع المدني من خلال نشر الفعاليات التوعوية التي ينفذها حول مخاطر حمل السلاح.
83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية
صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…