تأثير الصراع في نشر ثقافة حمل السلاح بين المواطنين في اليمن
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
على مدار أسبوع كامل، يعمل الطفل “محمد” على صناعة بندقية من الأخشاب التي جمعها من أماكن متفرقة في قريته بعناية فائقة، ليضفي عليها ملامح بندقية حقيقة يحملها بكتفه، وإن كانت مجرد شكل يحمل ملامح السلاح، تمامًا كما يحملها الكبار من حوله في شوارع قريته، فقد أجبرته الظروف التي يعيش بها أن يكون حلمه بندقية بدلًا من أن يلهو بلعبة، أو يحلم بكراسة يرسم عليها كباقي الأطفال.
تجبر محمدًا الظروفُ القاسية التي يعيشها في اليمن على التخلي عن أحلام الطفولة البريئة، وتحمل مسؤوليات أكبر من سنّهِ؛ إذ يقول محمد البالغ من العمر 15 سنة: “كلُّ الذين حولي يحملون سلاحًا، وحين طلبت من والدي أن يشتري لي سلاحًا مثل الآخرين رفض، لذا قمت بصناعة بندقية من الخشب، وأضعها على كتفي كلما خرجت من المنزل؛ لأنّ الجميع في قريتنا مسلحون، وأنا ماذا ينقصني؟!”.
يعيش محمد في إحدى المديريات التابعة لمحافظة تعز، التي تنتشر فيها المظاهر المسلحة بشكل كبير بين أوساط المواطنين، وذلك نتيجة الانفلات الأمني الذي تسبب به الصراع المسلح منذ أكثر من تسع سنوات.
أدّى النزاع المسلح في اليمن بشكل كبير إلى انتشار أنواع كثيرة ومتنوعة من الأسلحة بين المواطنين، خاصة مع تعدد أطراف الصراع في البلاد، وانقسام المؤسسات الأمنية، وعدم تفعيل دور الجهات المختصة في الرقابة على ظاهرة حمل السلاح بين المدنيين وحتى العسكريين، وضبط المخالفين، وذلك لانشغالها في الصراعات المسلحة، وتوسيع دائرة التجنيد.
ومن مظاهر انتشار حمل السلاح في اليمن خلال سنوات الصراع، ارتفاع معدلات الجريمة، خاصة جرائم القتل، بسبب انتشار السلاح بشكل مخيف في أيدي المواطنين، في العديد من المناطق اليمنية، وارتفعت حالات الانتحار باستخدام الأسلحة النارية بشكل مقلق، وانتشار العصابات المسلحة التي تشكل تهديدًا كبيرًا للأمن والاستقرار، وإطلاق الأعيرة النارية في المناسبات المختلفة، التي أصبحت عادة خطيرة تهدد حياة الناس، وتخلق حالة من الفوضى والرعب، وحمل السلاح في الشوارع والأماكن العامة، خاصة في المناطق الريفية.
ولم تقتصر مظاهر انتشار السلاح خلال السنوات الأخيرة في البلاد عند هذه الأمور، بل امتدت لتشمل تعرض ممتلكات المواطنين للسرقة تحت تهديد السلاح، وعمليات الابتزاز التي تهدد أمنهم واستقرارهم، وانتشار أسواق بيع السلاح على ما كانت عليه قبل الصراع، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف سيطرة الدولة، كما دفع انعدام الأمن في العديد من مناطق اليمن كثيرًا من المواطنين إلى حمل السلاح لحماية أنفسهم من السرقة أو الاعتداء؛ ممَّا فاقم من ظاهرة انتشار السلاح.
تأثير الصراع على حمل السلاح
يقول عبد الواسع الفاتكي (كاتب صحفي ومحلل سياسي): “أدّى استمرار الصراع في اليمن منذ أكثر من تسع سنوات إلى تفشي ظاهرة حمل السلاح بين المواطنين بشكل أكبر ممّا قبل، وامتدت لتشمل كل المحافظات، حتى تلك التي لم تعد تشهد مواجهات مسلحة”.
ويُشير إلى أنّ السبب لانتشار هذه الظاهرة استمرار الأفراد التابعين لأطراف الصراع في اقتناء الأسلحة، بالإضافة إلى عمليات الحشد والتجييش التي نتج عنها انتشار السلاح بين أوساط الشباب المنتسبين للجهات الأمنية، حتى خارج الأطر النظامية المتعارف عليه، ممّا جعل السلاح في متناول كثير من المواطنين الذين يتجولون به في الشوارع والحارات، مسببين حالة من الخوف لدى السكان.
كما يضيف أنّ الصراع أثّر على السكينة العامة لدى المواطنين، وزعزع من الطمأنينة في أوساط المجتمع، وأنتج اضطرابات أمنية واختلالات جعلت من حمل السلاح ملاذًا آمنًا لحامليه، خاصة أنّ الإجراءات الأمنية للأجهزة الأمنية الرامية لترسيخ الأمن والقضاء على بعض مظاهر الاختلالات الأمنية ما زالت دون المستوى المأمول منها، على الرغم من تحقيق النجاح في هذا الجانب في بعض المحافظات.
من جهته يقول مختص اجتماعي (فضل عدم ذكر اسمه): “إنّ الصراع الدائر في اليمن أثّر بشكل كبير في انتشار السلاح في عموم مناطق اليمن، وإنه إلى جانب الأسواق المنتشرة بها والخاصة بتجارة الأسلحة، فقد ظهرت أسواق جديدة”.
وأوضح أنّ العديد من المحافظات اليمنية ما زالت تؤمن بأهمية اقتناء السلاح كرمز للعادات والتقاليد المتوارثة عبر الأجيال، وجاء الصراع ليغذي الإرث التاريخي، وبسبب الانفلات الأمني وضعف الرقابة زادت مظاهر حمله في أوساط المواطنين كرمز للحماية والقوة، كما أنّ الجهات المعنية أصبحت غير قادرة على ضبط حمل السلاح، خاصة مع توسع التجنيد العشوائي، وعدم التمييز بين الأشخاص النظاميين الذين يحملون السلاح والأشخاص الآخرين”.
الانفلات الأمني وتوسع حمل السلاح
هنا يقول عماد السقاف (رئيس مركز يمن ميديا جايد للتنمية): “إنّ ظاهرة انتشار السلاح والانفلات الأمني واحدة من أبرز التحديات التي تواجه اليمن في الوقت الراهن، التي عكست آثارها السلبية على جميع المجالات الاجتماعية والأمنية والسياسية والاقتصادية في البلد، وأعاقت الحياة الطبيعية، وخلقت حالة من الخوف والقلق بين المواطنين”.
وأشار إلى أنّ مظاهر انتشار السلاح والانفلات الأمني فاقم من ظهور أنواع جديد من الجرائم لم تكن موجودة قبل الصراع، مثل الجرائم الأسرية، وحالات قتل الأبناء والزوجات والآباء والأقارب، وزيادة العنف الجسدي والنفسي ضد الفئات الضعيفة من النساء والفتيات، والتعرض للتهديدات المستمرة والاعتداءات.
كما ذكر أنّ كثيرًا من الأسر اليمنية تعيش الخوف والقلق بسبب الانتشار الكبير للأسلحة، وأنّ كثيرًا من المواطنين الأبرياء يسقطون ضحايا نتيجة لتفاقم الحوادث المتكررة والمفاجئة في الأسواق والأماكن العامة، نتيجة استخدام السلاح في أبسط الخلافات والمشاكل العادية، وإطلاق الأعيرة النارية بشكل عشوائي في المناسبات الاجتماعية أو في الاحتفالات الرياضية؛ الأمر الذي زاد من نسبة الضحايا.
كما أشار إلى أنّ انتشار السلاح في أيادي الأفراد والجماعات شجّع على تأجيج النزاعات المجتمعية، وابتزاز رجال المال والأعمال، وزيادة في أعمال البسط والنهب، والاعتداءات على المحلات التجارية؛ ممّا أدّى إلى خلق بيئة غير آمنة للاستثمار، وهجرة رأس المال الوطني إلى دول أخرى.
وحول إطالة أمد الصراع في اليمن بسبب انتشار الأسلحة في اليمن، يبين السقاف أنّ وجود السلاح في حوزة الجماعات الخارجة عن النظام أثّر على تقليص فرص تحقيق السلام الشامل، وأدّى إلى إطالة أمد الصراع؛ إذ تشعر تلك الجماعات المسلحة أنّها ستفقد مصالحها في بيئة الاستقرار.
وحول عملية التسويق وتجارة الأسلحة التي انتشرت بقوة خلال مراحل الصراع، يشير إلى أنّ عملية تجارة الأسلحة تطورت لتشمل عرض أنواع الأسلحة الخفيف عبر وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى المحافظات اليمنية؛ إذ أصبحت المدن التي كانت تتسم بالمدنية ونبذ مظاهر التسلح تعج اليوم بمظاهر مسلحة في الأماكن العامة، ويكاد كل منزل لا يخلو من وجود قطعة سلاح أو أكثر.
ويرى أنّ استمرار الصراع له دور كبير في زيادة نسبة الفقر والبطالة في أوساط الشباب، وتسرب الأطفال من التعليم، الذين تم استقطابهم وتسلحيهم بشكل مخيف، وظهور أعداد كبيرة من المرافقين والحراسات المسلحة للوجاهات الاجتماعية، ومسؤولي السلطات المحلية والأجهزة الأمنية.
معالجات
وبما يتعلق بحلول قد تسهم بشكل مؤثر في الحد من مظاهر التسلح في اليمن ووجوده بشكل كبير، يقول المحلل السياسي عبد الواسع الفاتكي: “إنه يمكن الحد من ظاهرة حمل السلاح في اليمن، عبر تنفيذ إجراءات صارمة، وضوابط حازمة من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية، كحظر حمله إلَّا من قبل المنتسبين للوحدات العسكرية والأمنية الملتزمين بالزي العسكري والأمني، وأثناء قيامهم بمهمات عسكرية أو أمنية، وتسيير دوريات عسكرية وأمنية بشكل مستمر تصادر أي سلاح غير مرخص من أي مسلح يحمله دون أن يكن في مهمة رسمية ودون الزي الرسمي”.
ويضيف في حديثه لصحيفة (صوت الأمل): “أنّ ضبط عملية بيع الأسلحة وتجارتها في الأسواق اليمنية، وتفعيل دور أجهزة القضاء والعدالة في حل قضايا المواطنين وإنصاف المظلومين، وحماية الحقوق والحريات، لن يتم إلّا بانتهاء مظاهر الصراع المسلح؛ الأمر الذي سيسهم في إرساء دعائم الأمن العام، وسيقلل من لجوء المواطنين لحمل السلاح في خلافاتهم، أو للدفاع عن أنفسهم”.
كما دعا إلى التزام القيادات العسكرية والأمنية والمسؤولين في السلطة المحلية بالمحافظات اليمنية، على تقديم صورة مثالية للمجتمع، تعكس احترامهم للقانون والنظام، من خلال التقليل من المظاهر المسلحة التي ترافقهم، واكتفائهم بالعدد الكافي الملتزم بالزي العسكري والأمني الرسمي، الذي يوفر لهم الأمن والحماية الشخصية في زيارتهم الميدانية، أو في مقار عملهم، أو عند تجولهم في شوارع المدن.
ويرى ناشطون في اليمن أنّ استمرار الصراع يزيد من وجود كمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة في أيدي مختلف الأطراف، التي ترفع من نسبة العنف والفوضى، وتصبح البلاد بيئة خصبة لانتشار الثارات والجرائم والانتهاكات؛ بسبب سهولة الحصول على الأسلحة، وأنّ الحل لإنقاذ البلد إنهاء الصراع في اليمن، الذي يعد الخطوة الأولى لمعالجة ظاهرة انتشار السلاح، وذلك من خلال نزع السلاح من جميع الأطراف، وإعادة سيطرة الدولة على مختلف مناطق البلاد، وسنّ قوانين صارمة لمكافحة التسلح، وضبط عمليات بيع الأسلحة وشرائها بشكل غير رسمي، وتضافر الجميع في العمل على بناء دولة مدنية تنبذ ثقافة السلاح، وتؤمن بالعلم والمعرفة، عبر تعزيز التعليم وتوفير فرص العمل للشباب.
83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية
صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…