‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأسلحة في اليمن حمل السلاح في اليمن.. من إرث قبلي إلى ظاهرة مجتمعية

حمل السلاح في اليمن.. من إرث قبلي إلى ظاهرة مجتمعية

تعد اليمن من أكثر الدول التي ينتشر فيها السلاح، فلا يكاد منزل يخلو من قطعة واحدة على الأقل، وتتنوع الأسلحة بتنوع أفرادها وأهوائهم وإمكانياتهم المادية ومناصبهم في القبيلة والمجتمع، ابتداء من الجنبية (خنجر يوضع على الخصر)، ومرورًا بالمسدسات الشخصية أو الأسلحة الخفيفة، أو غيرها.

وغالبًا ما يتم مقارنة ارتفاع نسبة العنف مع زيادة حمل الأسلحة في أغلب المناطق اليمنية. وهنا نجد السؤال الذي يضع نفسه، ما وجه الارتباط بين ظاهرة حمل الأسلحة والقبيلة في اليمن؟ هل يوجد عرف أو تقليد لاستخدامها؟ وأخيرًا ما النظرة المجتمعية تجاه هذا الانتشار؟

 واقع القبيلة تاريخيًا

لعبت القبائل اليمنية دورًا مهمًا في تاريخ اليمن على مر الزمن، وارتبط حمل السلاح بثقافتها منذ القدم. ومن أبرز الأسلحة التي اقتناها المواطن اليمني (الجنبية)؛ إذ يعبر وجودها واقتناؤها عن القوة والجاهزية للدفاع عن الأهل والمال بأقرب وسيلة يحملها؛ إذ تُعقد إلى خصره ويحملها معه في كل مكان، وهكذا أصبحت إرثًا تاريخيًا تتوارثه الأجيال.

وقد ظهرت أنواع عديدة للجنبية، وتفاوتت أسعارها، حتى أصبحت تباع بأغلى الأثمان، وأصبح لعدد من الشيوخ ورجال القبيلة جنابيَ خاصة مصنعة وفق أعلى المعايير والمواصفات. وكان حمل السلاح في اليمن قديمًا يقتصر على شخصيات معينة وبارزة، منهم الشيوخ والمعنيون بالقبيلة، وينتشر هؤلاء في الأرياف أكثر من المدن.

من ضمن المناطق التي كان يمنع فيها التجول بالسلاح صنعاء وعدن وتعز والحديدة وحضرموت وغيرها من المدن اليمنية؛ لأنها مناطق حضرية يغلب على أهلها طابع المدنية والأعمال التجارية والصناعية، وكان اهتمامهم يصب في التربية والتعليم.

لهذا مُنع حمل السلام بشكل ظاهر بدون أي تصريح، بل ويمنع دخول أهل الريف للمدينة حاملين لأسلحتهم أو يتجولون بها. وكما جاء في القانون رقم (40) لسنة 1992 بشأن تنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر والاتجار بها: “يحظر على أي شخص أن يحوز سلاحًا ناريًا ويحمله في العاصمة صنعاء، وعواصم المحافظات والمدن التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير، إلا بترخيص من سلطة الترخيص ساري المفعول”.

علاقة السلاح بالمجتمع

يتحدث الدكتور والباحث عبد السلام المخلافي عن زمن ظهور السلاح وعلاقته بالمجتمع، بقوله: “حمل السلاح منتشر في أكثر البلدان حداثة كالولايات المتحدة ودول أوروبية، وبشكل لافت وملحوظ، لكن الفرق بين بلد وآخر هو دوافع الأفراد لحمل السلاح واستخدامه؛ فقد تكون فردية لدى بعض البلدان وقَبَلِيَّة في بلدان أخرى؛ إذ تدخل القبيلة كمنافس على السلطة مستندة إلى تسلح أبنائها”.

ويضيف المخلافي: “لعل عالم الاجتماع، اليمني عبد الرحمن بن خلدون قد حقق سبقًا علميًا في تقديمه تفسيرًا دقيقًا لبيان ارتباط دوافع القبيلة للتسلح بطموحاتها المتعلقة بإزاحة قبيلة حاكمة والحلول محلها في دورات تاريخية متصلة وممتدة”.

ويكمل: “يمثل هذا التفسير تطور تاريخ المجتمعات في البلدان العربية. وفي التفسير الحديث لعلم الاجتماع فإن ضعف الدولة يؤدي إلى تسييس القبيلة، أي إلى خروجها من كونها تكوين اجتماعي إلى منافس على السلطة، وهو نفس التفسير التاريخي لابن خلدون بكلمات أخرى وبإمكانيات بحثية أفضل”.

أحد تجار الأسلحة في صنعاء يرى أن حمل السلاح يعد رمزًا للوجاهة الاجتماعية والقوة، خاصة بين رؤساء القبائل منذ القدم؛ إذ يقول: “لحمل السلاح في اليمن جذور تاريخية وثقافية عميقة منذ الأجداد، فهي رمز للقوة والمكانة المرموقة والقدرة على الدفاع عن الذات وعن الآخرين”.

أما الشيخ علي شاهر (اسم مستعار)، من إحدى القبائل اليمنية، يتحدث عن أهمية حمل السلاح وضرورته، بوصفه جزءًا من هوية الفرد اليمني، ويقول: “حمل السلاح والتجول به يعد ضرورة وليس مظهرًا فقط، فهو فرض على كل فرد حاليًا باعتبارنا في أوقات حساسة تستلزم منا حمل السلاح؛ إذ يعد حمل السلاح جزءًا من عادات القبيلة اليمنية المتوارثة منذ سنين طويلة، كما يعد رمز للوجاهة والقوة والشجاعة”.

ويضيف: “السلاح حاضر في جميع المناسبات في المجتمع اليمني، تجده في الاحتفال، وفي الحزن وفي العزائم والاستقبالات، كما تجده في مختلف الأنحاء، خاصة بعد الصراع، انتشر بشكل مكثف عما مضى؛ لأننا في وضع استثنائي يستلزم منا التأهب لأي طارئ”.

الموروث الثقافي والاجتماعي والسلاح

الباحث عبد السلام المخلافي يتحدث عن تأثير الموروث الثقافي في حمل السلاح في القبيلة، بالقول: “تدفع التعبئة في القبائل الرجال إلى حمل السلاح لحماية نفسها من المخاطر، وإشعار كل فرد منهم بأن فرضية المخاطر المحيطة به حالة لا مفر منها، وأن عليه أن يكون مسلحًا بشكل دائم لتجنب تلك المخاطر”.

 يمثل حمل السلاح لدى بعض الأفراد في القبائل اليمنية قيمة أخلاقية؛ فمن يحمل سلاحه هو “رجل” بكل ما تعنيه الكلمة، ويحظى بالتقدير لدى أبناء القبيلة. وقد ترتبط هذه العادات بالحزن والأحداث الفرائحية أيضًا كشعار يتم إبرازه في كل مكان بدلًا عن الورود أو ما يماثلها من شعارات ورموز”.

وفي الإطار نفسه، يقول تاجر السلاح محمد ناجي: “انتشار الثأر في فترة من الفترات دفعت بالكثير من الشباب إلى حمل السلاح، وكلما نشبت صراعات داخلية بين بعض القرى لأسباب ثار نجد إقبالًا كبيرًا على شراء الأسلحة”.

ويتابع: “المواطن اليمني لديه ارتباط كبير بالأسلحة، بداية بالخنجر والجنبية، ووصولاً إلى الكلاشينكوف وغيره من الأسلحة، ويستخدم عادة لغرض الحماية من قُطَّاع الطرق وحماية الأرض والمال، ويكون له العون في حال غياب أهله أو عدم وجود أبناء له”.

ويؤكد الشيخ شاهر أن الموروث الثقافي يمجد وجود السلاح في بعض الرقصات والأغاني القبلية في بعض المناطق اليمنية، كرقصة البرع وغيرها من المناسبات. ويضيف: “لطالما كان السلاح معبرًا عن الشجاعة والقوة، وهذه أهم القيم التي تجسدها القبيلة اليمنية”.

الإيجابيات

وحول الإيجابيات الناتجة عن حمل السلاح، يقول الشيخ شاهر: “أبرز إيجابيات وجود السلاح هي الدفاع عن النفس والعِرْضِ والمال، والحفاظ على الممتلكات، وكذلك يُستخدم في حل النزاعات بين القبائل بدلاً من اللجوء إلى العنف، وفق عُرْفِ التهجير (أحكام وقواعد حسب التشريع القبلي) بالأسلحة لما لها من قيمة باهظة”.

ويضيف قائلًا: “يرتبط حمل السلاح ببعض العادات والتقاليد في المجتمع اليمني، ففي قريتنا مثلًا من يحمل السلاح يعد رجلًا يمكن الاعتماد عليه، حتى وإن كان صغير السن، فهذا يجعله يعتز بهويته ومكانته في العائلة والمجتمع من حوله، وحتى الأطفال الذين تتجاوز أعمارهم العاشرة يتسابقون كي يقال عنهم رجال وأنه يُعْتَمَدُ عليهم”.

السلبيات والمعالجات

يتحدث محمد ناجي عن أبرز السلبيات من وجهة نظره قائلاً: “لا ننكر أن هناك جوانبَ سلبية لحمل السلاح، أولها عدم وجود قوانين لاستخدام الأسلحة، وكذلك انتشار ظاهرة الثأر، وعدم وجود قوانين تضبط انتشاره واستخدامه؛ وهذا يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وفي نفس السياق يقول الشيخ شاهر: “لا أرى أن هناك تأثيرًا سلبي لحمل السلاح أكثر من عدم وجود الوعي لاستخدامه، وإطلاق النيران بشكل عشوائي في المناسبات الاجتماعية”.

أما في إطار الحديث عن المعالجات، فيرى الدكتور عبد السلام المخلافي ضرورة وضع قوانين وضوابط من قِبل الجهات المعنية، وتمكين مؤسسات الدولة من أداء دورها لصالح المجتمع بشكل كلي.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية

صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…