انتشار بيع الأسلحة في اليمن.. ظاهرة تهدد المجتمع وتقوض السلام
صوت الأمل – أحمد باجعيم
يعد انتشار السلاح وبيعه بين المواطنين في اليمن ظاهرة تهدد السلم الاجتماعي والاستقرار في البلاد؛ فقد تفاقمت هذه الظاهرة في ظل استمرار النزاع المسلح منذ سنوات، وتزايدت حالات استخدام الأسلحة غير المشروعة بين السكان؛ إذ إن الأسلحة التي تُباع بين المدنيين غالبًا ما تكون غير مرخصة ومن مصادر غير شرعية، مما يزيد من احتمالية استخدامها في أعمال العنف والجريمة في المجتمع. ومما يجعل الوضع الأمني في المحافظات اليمنية مهددًا بالمخاطر، توسُّعُ رقعة محلات بيع الأسلحة وشرائها في الأسواق المحلية؛ الأمر الذي يعد معضلة أمام أي مشاريع أو جهود رامية إلى استعادة الأمن والاستقرار في اليمن.
يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على واقع انتشار الأسلحة بين المدنيين في اليمن، وأهم الأسواق المحلية التي تغذي استفحال ظاهرة التسليح، وتحليل أسبابه وتداعياته على المجتمع المحلي، بالإضافة إلى وضع مقترحات تسهم في الحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد الأمن والاستقرار في البلاد.
الصراع وتجارة السلاح
عرض موقع “العربية نت” تقريرًا، في أكتوبر 2021، بعنوان “توسع انتشار السلاح الفردي في اليمن… وهذه أبرز الأسباب”، أن محلات بيع السلاح في اليمن تخطت البنادق والأسلحة الخفيفة لتشمل معدات ثقيلة، مثل الصواريخ المحمولة وقذائف “آر بي جي”؛ الأمر الذي يشكل تهديدًا خطيرًا على المجتمع اليمني، ويجر البلاد إلى منعطف خطير جدًا، خاصة في ظل ضعف القانون وغياب عمل مؤسسات الدولة وانقسامها، مع استمرار النزاع المسلح بين الأطراف المعنية، التي تعد مستفيدة ولها نصيب الأسد من انتشار تجارة الأسلحة في الأسواق المحلية وبأعداد مهولة وأصناف متنوعة.
كما كشف تقرير “للعربية نت” أنه -وقبل اندلاع الصراع في اليمن قبل 2014- كان هناك أكثر من (60) مليون قطعة سلاح يمتلكها المدنيون، وبعد اندلاع النزاع توسعت محالّ تجارة الأسلحة، ودخل البلاد كثير من الأسلحة النوعية، مما يعني أن الصراع الدائر زاد من انتشار الأسلحة وامتلاكها بين المواطنين في عموم اليمن.
ورجح التقرير أن أحد أسباب انتشار تجارة الأسلحة بهذه الكميات الكبيرة يعود إلى التمسك بالعادات والتقاليد القبلية والاجتماعية في معظم المحافظات والمناطق اليمنية، التي تتمثل في التفاخر بحمل السلاح في المناسبات والفعاليات الاجتماعية.
ترى الملازم أول في وحدة التوجيه المعنوي التابعة للمنطقة العسكرية الثانية بحضرموت، رنا الجعدي، أن تجارة بيع الأسلحة في اليمن تعد ظاهرة قديمة تعود جذورها إلى ثقافة محلية تدعم امتلاك السلاح كرمز للقوة والوجاهة، ولكن مع اندلاع الصراع شهدت هذه التجارة زخمًا غير مسبوق؛ إذ دخلت اليمن كميات كبيرة وبأنواع مختلفة من الأسلحة وأكثر تطورًا.
وبينت الجعدي أن استمرار النزاع أدى إلى توسُّع نطاق هذه التجارة، وفُتح المجال أمام تجارٍ جددٍ للدخول في هذا المجال، مستفيدين من ضعف القانون وغياب الرقابة على انتشار السلاح في كثير من المناطق اليمنية سواء المدن والأرياف؛ ففي بعض المدن لا توجد محالّ للبيع بشكل علني خصوصًا بعد الصراع مثل مدينة حضرموت، وإنما اعتمد التجار على التجارة الإلكترونية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لبضائعهم، على موقع “فيسبوك” وغيرها من المنصات التي تعرض السلاح للبيع والشراء.
أسباب ازدهار تجارة الأسلحة
نتيجة استمرار الصراع جعل كثيرًا من المنخرطين في صفوف الأطراف المتناحرة يتاجرون بالأسلحة التي يحصلون عليها ويتم بيعها على التجار؛ إذ يعدون من أهم المغذيين لتجارة الأسلحة والذخائر في الأسواق بأنواعها المختلفة وبشكل واسع. وفي هذا الإطار، عرض “العربي الجديد” تحقيقًا عام 2022 يفيد أن النزاع في اليمن ساعد في توسع نشاط تجارة الأسلحة، وأن نحو 11 نوعًا من الأسلحة -بين خفيفة ومتوسطة، أمريكية الصنع- تُباع بصورة علنية في أسواق بيع الأسلحة المنتشرة في المحافظات اليمنية.
ووضح محقق في البحث الجنائي -فضل عدم ذكر اسمه- أن عوامل ازدهار تجارة الأسلحة في اليمن وامتلاك المواطنين لقطعٍ ثقيلة وقنابل متفجرة تعود إلى ضعف القانون بدرجة أولى ثم الصراع؛ إذ تفاقمت ظاهرة بيع الأسلحة وبطرق متعددة في معظم المحافظات.
وقال: “عملية تهريب الأسلحة من أهم آليات وصولها إلى أسواق البيع في اليمن؛ إذ تقوم جهات مختلفة بتهريب الأسلحة، وتغذية الأسواق بالعديد من أنواع الأسلحة النارية والذخائر، إضافة إلى تأخر مرتبات المجندين مما يضطر بعضهم إلى بيع الذخائر التي يحصلون عليها لتجار الأسلحة من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية؛ الأمر الذي يساعد في ازدهار تلك الأسواق بشكل كبير”.
وأكد أن جُل أنواع الأسلحة المعروضة للبيع في الأسواق كانت بأيدي الأطراف في الجبهات؛ الأمر الذي يفرض احتمالًا قاطعًا على تورطهم في تهريب هذه الأسلحة وبيعها؛ لتغطي خسائرها ونفقاتها المادية من جهة، وتمارس تجارة الربح السريع من جهة أخرى، وهذا الاحتمال يعد الأبرز، خاصة مع تعنت كل الأطراف في القبول بإنهاء الصراع وفرض كل طرف شروطًا لا يقبلها الطرف الآخر؛ مما يعطي مؤشرًا واضحًا أن كل الأطراف مستفيدة من بقاء النزاع مستمرًا؛ نظرًا للاستفادة المادية بأوجه متعددة ومنها تجارة الأسلحة.
من جهاتها قالت الملازمة الجعدي: “إن ازدهار تجارة الاسلحة في الأسواق المحلية بالحجم الذي وصل إليه اليوم يعود إلى عدة أسباب، منها: الثقافة المجتمعية التي ساعدت في تنامي التجارة، ووصولها إلى ما وصلت إليه حاليًا، واستغلال الأزمة الراهنة التي أتاحت الفرصة لدخول كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر للبلاد، سواء بطرق شرعية أو غير شرعية، وضعف دور أجهزة الدولة التي أدت إلى انتشار تجارة الأسلحة بشكل كبير سيعاني منها اليمن لسنوات طويلة، حتى بعد إحلال السلام وانهاء الصراع”.
أهم أسوق الأسلحة
أكدت “DW عربية” -مؤسسة إعلامية ألمانية- في تقرير لها بعنوان “الصراع تحول اليمن إلى سوق مفتوحة لتجارة السلاح” أنه يقع في اليمن أشهر تجارة أسلحة في العالم؛ إذ توسعت أسواق الأسلحة النارية بشكل غير مسبوق خاصة بعد اندلاع الصراع، وأصبح من الممكن الحصول على محالّ بيع الأسلحة على مداخل المدن ومخارجها بصورة علنية، وأيضًا على أرصفة الشوارع ومتون السيارات، وأن من أهم الأسواق التي تشتهر ببيع السلاح سوق “جمانة” بمديرية خولان في صنعاء.
وعلى ذات الصعيد، أشار تقرير “للجزيرة نت”، في 2018، بعنوان “السلاح مفخرة اليمنيين المفخخة” أن أبرز الأسواق التي تشتهر ببيع السلاح في اليمن يأتي بعد سوق “جمانة” هو سوقُ “الطلح” في محافظة صعدة. غير أنه -في الآونة الأخيرة- انتشر بيع الأسلحة وشراؤها على منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، إكس، وتيك توك) وغيرها من المواقع. وتعد صفحة “سوق اليمن لبيع وشراء السلاح” من أشهر الصفحات عبر الفيسبوك التي تعرض العديد من أنواع الأسلحة الجديدة والمستعملة، وكذلك أيضًا صفحة (بيع وشراء السلاح صنعاء)، إذ يصل عدد المتابعين للصفحة قرابة 3000 متابع، ويُعرض فيها العديد من أنواع الأسلحة.
وقد أكد أحد مروجي بيع السلاح على صفحات الفيسبوك أن حركة الشراء تراجعت في الآونة الأخيرة نتيجة ارتفاع أسعار الأسلحة من قبل الموردين، وأوضح أن أقل أنواع البنادق الآلية سعرًا النوعُ الأمريكي؛ إذ تصل قيمته إلى أكثر من 4000 ريال سعودي، وتعد أكثر الأنواع طلبية في الأسواق المحلية؛ نظرًا لسعرها المتواضع مقارنًا بالأنواع الأخرى.
تأثيرها مجتمعيًا
تطرقت الجعدي إلى ذكر أهم تأثيرات بيع الأسلحة على المجتمع المحلي ومن أبرز هذه التأثيرات: التفكك الأسري والاجتماعي، وزيادة معدل العنف بين فئات المجتمع وخاصة الشباب. كما أن بيع الأسلحة يعزز الصراع المسلح ويزيد من عدد القتلى والجرحى المدنيين الذين يصبحون ضحايا للأعمال القتالية في اليمن، ويفاقمه الوضع الإنساني بسبب قلة فرص العمل الناتج عن الخوف والتوتر، وعدم الثقة بين فئات المجتمع نفسه، وتشرد الفئات الضعيفة والمهمشة التي لا تجد من يحميها.
من جانب آخر، أشار المحقق في البحث الجنائي إلى أن هناك العديد من التأثيرات السلبية على المجتمع نتيجة استمرار تدفق الأسلحة وبيعها في الأسواق اليمنية، التي تتمثل في زيادة وقوع الجريمة على مختلف الأسباب؛ إذ إن هناك زيادة في نسبة وقوع العديد من الجرائم المرتكبة بسبب استخدام السلاح مقيدة لدى البحث الجنائي في عموم المناطق اليمنية، كما يؤدي حمل السلاح بطريقة عشوائية إلى تعزيز ثقافة العنف داخل المجتمع، مما يصعب من الوصول إلى الحل السلمي لإنهاء الصراع وتطبيق نظام والقانون.
وتابع: “كذلك يؤثر استمرار بيع الأسلحة سلبًا على استقرار المجتمع وتطويره، ويعزز من تفاقم الخلافات بين أوساط المجتمع، ويسهل ارتكاب الجريمة دون الرجوع إلى المحاكم والنيابات؛ الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات تساعد على الحد من هذه الظاهرة التي لا تقل خطورة عن الصراع نفسه”.
على الرغم من الجهود الدولية المبذولة لوقف إمدادات الأسلحة إلى اليمن وتحقيق السلام في البلاد، فإن تأثير الأسلحة على الصراع والحياة اليومية للمدنيين ما يزال قائمًا ومتفاقمًا وفي مراحل أكثر خطورة؛ مما يجعل الحاجة إلى وقف التسلح والتوصل إلى حل ينهي النزاع أكثر أهمية من أي وقت مضى.
83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية
صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…