النزاع وضعف القانون يُغذيان ظاهرة حمل السلاح لدى الأطفال في اليمن
صوت الأمل – أحمد باجعيم
أصيب الطفل محمد بافرج (16 عامًا) بجروح خطيرة في ساقه، إثر طلقة نارية أطلقها صديقه أثناء تنظيف مسدس. كان محمد برفقة صديقه الذي يصغره سنًا، وبحوزتهما مسدس يقومان بتنظيفه، وأثناء تفكيك المسدس، أطلقت منه رصاصة بشكل عشوائي، لتستقر في ساق محمد، ما أدى إلى إصابته بجروح بليغة.
تشير هذه القصة إلى أن ظاهرة حمل السلاح بين الأطفال في اليمن أصبحت في تنامٍ مستمر، وقد تفاقمت بشكل كبير بعد اندلاع الصراع عام 2015؛ إذ دفع إلى تجنيد المئات والآلاف من الأطفال، وحملهم السلاح والانخراط في الجبهات القتالية، وتدريبهم على حمل الأسلحة المختلفة، سواء الخفيفة أو الثقيلة، مما عرضهم لمخاطر جسيمة جسدية ونفسية. وكل ذلك يعد كارثة حقيقية بحق الأطفال والمجتمع اليمني ككل.
ولظاهرة حمل السلاح لدى الأطفال تأثيرات سلبية لعدة أسباب، أولها الأخطار الجسدية التي يتعرض لها الأطفال نتيجة حملهم للأسلحة واستخدامها، فضلاً عن تعرضهم للإصابات النفسية والعقلية الناتجة عن تلك التجارب المروعة، بالإضافة إلى ذلك، يؤدي انتشار الأسلحة بين الأطفال إلى زيادة في معدلات العنف والجريمة في المجتمعات التي يعيشون فيها؛ مما يؤثر سلبًا على الاستقرار والسلام الاجتماعي، ويزيد من معدلات الأمية بين أوساط الأطفال الذين يعدون عماد المستقبل لليمن.
انتشار الأسلحة وتأثيرها على الأطفال
ذكر تقرير لقناة “فرنسا 24” في فبراير2021، بعنوان “السلاح يأخذ مكان المدرسة.. آلاف الأطفال حول العالم ينخرطون في الحروب الإقليمية” أن انتشار الأسلحة بين الأطفال وانخراطهم في العمليات القتالية أصبح كارثة حقيقية تواجه الطفولة في اليمن؛ إذ تم تحويل بعض المدارس والمرافق التعليمية إلى مراكز تدريبٍ وتجنيدٍ لصالح بعض أطراف الصراع، كما يتم تدريب الأطفال على حمل الأسلحة الثقيلة؛ الأمر الذي أدى إلى انتشار الأسلحة المتنوعة بين الأطفال والزج بهم في المواجهات العسكرية.
كما أشار تقرير بعنوان “السلاح مفخرة اليمنيين المفخخة” إلى أن السلاح يعد جزًءا لا يتجزأ من تاريخ اليمن وهويته على مدى العصور، ومع ذلك برز في الآونة الأخيرة، خاصة بعد النزاع، انتشار للأسلحة بشكل مهول؛ إذ يتسبب في موت ما يزيد عن (1200) شخص سنويًا، بين قتل نتيجة خلافات سياسية أو اجتماعية أو أسرية أو دينية أو حتى حوادث بالسلاح في المنازل، وغالبًا ما يكون ضحيتها الأطفال؛ نتيجة قلة الخبرة في كيفية التعامل مع الأسلحة النارية التي تسبب موتًا مباشرًا أو تشوهات جسدية وإعاقات دائمة.
وأكد عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، القاضي عمرو العبدلي، أن انتشار الأسلحة بين الأطفال أصبحت ظاهرة في السنوات الأخيرة، وليست تصرفات فردية أو عادة يمكن أن تنتهي مع الوقت، وأن حمل الطفل للسلاح يعد مخالفًا للقانون اليمني، الذي يعد بمثابة جريمة يعاقب عليها القانون، كون قانون تنظيم حمل الأسلحة قد حدد الفئات التي يحق لها حمل الأسلحة أو التجول بها، وحدد ضوابطَ وشروطًا لإعطاء التراخيص، واستثنى من تلك الفئات الأطفالَ. وبيَّنَ أن حمل الطفل للسلاح سيترتب عليه نتائج وخيمة وارتكاب جرائم كبيرة على الطفل نفسه وكذلك على المجتمع اليمني بصورة عامة.
من جانبها أوضحت مديرة إدارة المرأة والطفل في مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بساحل حضرموت، حكمت الشعيبي، أن انتشار الأسلحة بين الأطفال له تأثير كبير، ليس فقط جسديًا؛ بل وعلى كل جوانب حياتهم. ونفت أن مكتب الوزارة لديه إحصائيات بعدد الضحايا من الأطفال نتيجة انتشار الأسلحة؛ كون المكتب لا يتعامل مع الحالات بشكل مباشر.
وتابعت الشعيبي أن مخاطر استخدام الأطفال للأسلحة لا تقتصر على الإصابات والوفيات الفورية فحسب، بل تمتد لتشمل تداعيات كارثية على حياتهم ومستقبلهم، وعلى المجتمع ككل؛ إذ تخلف الإصابات الناجمة عن استخدام الأسلحة ندوبًا وإعاقات جسدية ونفسية دائمة، وتعوِّق نموهم وتؤثر على حياتهم ووضعهم النفسي والاجتماعي والتعليمي بشكل كبير، ويمكن أن تستمر طوال حياتهم، مسببة لهم الكثير من المشقة والمعاناة.
وبينت أن ثقافة استخدام الأسلحة من قبل الأطفال والتجول به يعد بحد ذاته جريمة شنيعة ستخلف كوارثَ على المجتمع اليمني؛ كون الظاهرة تؤثر على التطور التعليمي والحياة المدنية واستقرارها، وقد يتفاقم الأمر إذا لم يتم التصدي لها بالوقت المناسب.
الضحايا من الأطفال
ذكرت منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة أن هناك ارتفاعًا في أعداد الضحايا من الأطفال في اليمن نتيجة حيازتهم الأسلحة النارية وخوضهم لمعارك شرسة مع الأطراف المتناحرة. وفي إحصائية ذكرها التقرير عام 2022، فقد قُتل نحو (3774) طفلًا من بينهم (2742) فتى و(983) فتاة، وما يقارب (49) مجهولًا لم يتم التعرف على جنسه. إلى جانب ذلك، فقد بلغ عدد الضحايا من الأطفال ما بين بداية شهر أكتوبر، وحتى نهاية شهر نوفمبر من العام 2022 (62) طفلًا ما بين قتيل وجريح، بينما بلغ عدد الأطفال ضحايا الألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة، ما بين شهري يوليو وسبتمبر من ذات العام، (74) طفلاً.
كما تطرق التقرير إلى أن هذه الأرقام، التي تحققت منها الأمم المتحدة، تعد قليلةً أمام الأعداد الحقيقية على أرض الواقع؛ بسبب إقحام الأطفال في المواجهات بين الأطراف المعنية بالصراع وتوسع رقعة انتشار الأسلحة، وإبعادهم عن التعليم، وكل ذلك أثر بشكل كبير في ارتفاع معدل الضحايا. كما أن حمل السلاح لمن هم ما دون سن 18 عامًا زاد من معدلات الجريمة على الأمد القريب والطويل، وغرز ثقافة العنف التي ستدفع اليمن ثمنها لسنوات طويلة.
وفي ذات السياق قالت منظمة (إنقاذ الأطفال-اليمن) عبر تغريدة حديثة لها على موقع “إكس” في أبريل 2024، أن أعداد الضحايا من أطفال اليمن ترتفع نتيجة الذخائر المتفجرة؛ إذ بلغ عدد الضحايا، منذ بداية العام، (28) طفلاً. وتطالب المنظمة الجهات المعنية بمعالجة الأزمة الملحة التي تعصف بالبلاد، كون الأطفال في اليمن يستحقون مستقبلًا أكثر أمنًا.
الجهات المعنية
قال عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في الادعاءات وانتهاكات حقوق الإنسان، القاضي عمرو العبدلي: “دور اللجنة هو الرصد والتوثيق والتحقيق في جميع الانتهاكات التي تحصل ضد حقوق الإنسان في اليمن، بما فيها الانتهاكات ضد الأطفال. كما أن الأطراف المتناحرة ساعدت بشكل كبير في تجنيد الأطفال وإجبارهم على حمل السلاح، وهذا يعد مخالفًا للقوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية بما يخص حماية الطفل”.
وفي هذا الجانب توضح حكمت الشعيبي أن مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية كافح ومنع حمل الأسلحة بين الأطفال، من خلال التنسيق والشراكة مع البرنامج الوطني لمكافحة الألغام والمتفجرات، والسلطة المحلية بمحافظة حضرموت، وكانت الحملات تستهدف المدارس وبعض الأحياء، وقد استمرت الحملة 50 يومًا شملت التوعية عن كل أنواع الأسلحة والمتفجرات.
وأشارت إلى أن أسباب لجوء الأطفال، أو الدفع بهم، إلى حمل السلاح هو عدم حصول الأطفال على الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الاجتماعية والحماية الصحية والتعليمية والتوعوية. مؤكدة أن هذه الظاهرة سيتم تجاوزها إذا تكاتفت جميع الجهات الدولية والمحلية للحفاظ على حقوق الأطفال وضمان احترامها، والعمل على إنهاء استخدام الأسلحة والمتفجرات في المناطق اليمنية، سواء المتأثرة بالصراع بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهنا يمكن القول إن مكافحة ظاهرة حمل السلاح لدى الأطفال تتطلب تكثيف الجهود، على المستويين الوطني والدولي، وذلك من خلال تعزيز التشريعات والسياسات الرامية إلى منع حيازة الأسلحة من قبل الأطفال والمدنيين عمومًا، وتقديم الدعم اللازم لضمان عودتهم إلى مجتمعاتهم الخالية من العنف والصراعات المسلحة بشكل آمن وإعادة تأهيلهم نفسيًا واجتماعيًا.
83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية
صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…