المرأة وحمل السلاح في زمن الصراع.. قوة في مواجهة التحديات
صوت الأمل – هبة محمد
تعد ظاهرة حمل المرأة اليمنية للسلاح موضوعًا شائكًا ومحفوفًا بالتحديات، إذ تتجاوز الأمور الأمنية وتدخل في نطاق المجتمع والثقافة. وفي ظل الصراع المستمر والتهديدات الأمنية المتزايدة، يبحث هذا التقرير عن دور المرأة اليمنية واستخدامها للسلاح كوسيلة للحماية الذاتية والتمكين.
المرأة وحمل السلاح في اليمن
في بعض القبائل اليمنية تعد المرأة شخصية مؤثرة ورمزًا للقوة والإرادة الراسخة؛ فهي تتحلى بشخصية قوية تواجه التحديات الصعبة، لا سيما إذا كانت تنتمي إلى كبرى العائلات المؤثرة في القبيلة؛ الأمر الذي جعل من حمل السلاح من قبل المرأة في القبيلة أحد الجوانب المثيرة للاهتمام.
وحول هذا الجانب، تقول الدكتورة فاطمة مشهور -رئيسة تكتل شركاء السلام-: “الدور الحالي للمرأة اليمنية في القبيلة هو دور تابع للرجل، ولا يوجد لها أي تأثير في القبيلة، سواء على مستوى القرارات الأسرية أو تلك القرارات التي يتم اتخاذها بمعزل عن إشراك المرأة فيها، خاصة تلك القرارات الإستراتيجية المصيرية التي تهتم بشؤون القبيلة داخل المجتمع”.
وتواصل: “المرأة اليمنية في القبيلة خاضعة مسلوبة الإرادة والقرارات، وقلما نجد نساء لهن دور في اتخاذ القرارات، إلا فيما ندر، وهن اللاتي ينتمين عادة إلى أسر الشيوخ (شيوخ القبائل)، وقد سمحت لهن الظروف بتلقي التدريب والتعليم، وأصبح لديهن جمعيات خاصة، وأتيح لهن القيام بأدوار مختلفة، منها حمل السلاح بغرض الدفاع عن أنفسهن وأسرهن ومجتمعهن، لا سيما في ظل اتساع رقعة الصراع والنزاعات الداخلية”.
وأشارت إلى أن حمل السلاح من قبل النساء اليمنيات أمر غير شائع، لكنه بدأ يبرز مؤخرًا بعد دخول اليمن في صراعات مستمرة، وتزايد حجم الصراع والنزاعات في اليمن؛ مما دفع ببعض أرباب الأسر إلى تدريب النساء والفتيات على استخدام السلاح الشخصي لحماية أنفسهن من التعرض لأي شكل من أشكال العنف المجتمعي وذلك في مناطق معينة تشتد فيها النزاعات.
وشددت على ضرورة أن يكون لدى النساء اللاتي يحملن السلاح وعيًا متناميًا في استخدامه ومتطلبات التعامل معه، وعدم جعله في متناول الأطفال والقاصرين؛ لأنهم قد يسيئون استخدامه إذ لم يحفظ بعيدًا عن متناول أيديهم، وقد يتسبب ذلك في ظهور جرائم وعنفٍ أسري لا تحمد عقباها.
من جانبها تشارك رئيسة منتدى “آفاق التغيير”، بلقيس العبدلي، بالقول: “المرأة اليمنية في القبيلة اليمنية لها مكانة يوجبها العُرف المجتمعي، وترسخها العادات والتقاليد، وتعد النساء محل حماية الرجل، ولأجلها قد تقوم النزاعات، وبسبب تدخلها قد تُخمد. ويأتي حمل عدد من النساء للسلاح بدافع حماية أنفسهن أو ممتلكاتهن حسب طلب القبيلة أو عاداتها. وبمجمل الحديث، لا أعتقد أنها تحولت إلى ظاهرة في أي منطقة في اليمن”.
من جانبها ترى إيمان الخطيب -عضو التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام- أن حمل السلاح في ثقافة اليمن وتقاليدها ليس مجرد شيء عادي، بل يُعد جزءًا مألوفًا ومكملًا للزي اليمني، وأنه عادة وتقليد يتجاوز حدود الجنس؛ إذ تشجع القبيلةُ المرأةَ على حمل السلاح، وتوفر عادات القبائل نظامًا تقديريًا لحماية النساء؛ فالتعرض للمرأة أو الاعتداء عليها يُعد “عيبًا أسودًا”، سواء كان ذلك في حالات الثأر أو غيرها.
وحسب الخطيب فإن المرأة في القبيلة لها وضع خاص، لكن في الوقت الراهن، ومع تراجع دور القبيلة، تراجع معها دور النساء بسبب الوضع العسكري والسياسي وغياب الدولة وتجاذب الأحزاب السياسية وانضمام القبائل إلى أطراف الصراع.
أسباب حمل المرأة السلاح
“الأسباب والدوافع التي تجبر المرأة اليمنية على حمل السلاح ترتبط أساسًا بالظروف والواقع السياسي والاجتماعي، وما تعيشه النساء، وخاصة في المجتمعات التي تعيش أوضاعًا سياسية واجتماعية واقتصادية غير مستقرة؛ إذ يوفر لهن حمل السلاح عاملًا أساسيًا من عوامل الحماية والوقاية لهن من التعرض لأي عنف أو انتهاك أو تعسف يهدد حياتهن وأمنهن الشخصي”، تقول الدكتورة فاطمة مشهور.
مشيرة إلى أن الصراع المستمر في اليمن أو في أي منطقة جغرافية أخرى يؤثر على النساء وعلى طريقة تعاملهن مع النزاعات المستمرة، فتتأثر النساء بها سلبًا، إذ قد يلجأن إلى حمل السلاح بسبب تلك الأوضاع والظروف غير المستقرة.
وتشير الخطيب إلى ذلك أيضًا بالقول: “في غمرة انتشار أعمال العنف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتزايد حدة الصراعات المسلحة في مناطق مختلفة حول العالم، برزت ظاهرة حمل المرأة للسلاح وذلك للدفاع عن نفسها وأسرتها أو للمشاركة في ميادين القتال والتصدي لهجمات محتملة ضدها، أو لطبيعة عملها في الجانب الأمني والعسكري”.
وتكمل: “يجب أن نفهم أنه ليس كل امرأة تضطر إلى حمل السلاح، بل يشترط حمل السلاح للنساء اللاتي يعملن في مناطق بعيدة ويتنقلن لوحدهن خلال الليل، إذ تكون الظروف الأمنية غير مستقرة، وفي هذه الحالات يكون لغرض حماية النفس”.
وذكرت الخطيب أنه يمكن للمرأة أن تحمل السلاح عند غياب زوجها أو أفراد عائلتها، وهذا يأتي لتعزيز الشعور بالأمان والحماية الذاتية، وهذا القرار يعتمد على الظروف الفردية والمحيطة، ويهدف إلى توفير وسيلة فعالة للدفاع عن النفس وحماية الحقوق الشخصية.
وتؤكد أن حمل السلاح لدى النساء اليمنيات في تلك الحالات يأتي كخيار ضروري، وليس كعادة عامة أو تقليد اجتماعي، ويجب أن نحترم قرار المرأة في الحفاظ على سلامتها وأمانها، وأن نوفر الدعم والمساندة لها في تلك الظروف.
الآثار النفسية والجسدية
“تجنح النساء بطبيعتهن إلى السلام، حتى إن أدواتهن في النضال تكون أدوات قوة ناعمة، مثل الإقناع والمشاركة والتظاهرات السلمية، وتحولهن من تلك القوة إلى حمل السلاح ينزع عنهن طبيعتهن المسالمة، ويترك آثارًا سلبية عليهن، مما يضعف أدوارهن في تربية أطفال أسوياء نفسيًا”، حسب قول العبدلي.
فيما أضافت مشهور بالقول: “في ظل انتشار العنف في العديد من المجتمعات اليمنية، تلجأ بعض النساء إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهن وعائلاتهن، الأمر الذي يؤثر عليهن نفسيًا وجسديًا، وعادة ما تظهر لدى الأشخاص التي تعاني أسرهم من حالات التفكك الأسري، وارتفاع في نسبة الطلاق بين الأبوين، وحالات الفقر، وذوي الإعاقة، والفئة المهمشة أو المستضعفة، وأيضًا الذين لا يستفيدون من قوانين أو سياسات أو إجراءات لحمايتهم من العنف، ولا من برامج الوقاية من العنف أو برامج الحماية والتأهيل الجسدي والنفسي لفئة النساء والفتيات”.
خطوات
تقول الدكتورة فاطمة مشهور: “الخطوات التي يجب العمل بها، للتعامل مع ظواهر العنف الأسري والاجتماعي وحمل السلاح، هي تنفيذ برامج متكاملة للتوعية والتثقيف الأسري والاجتماعي، عبر منظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي”.
وتكمل: “تعد عملية تنفيذ برامج منظومة متكاملة من علاقات الشراكة، وبناء تحالفات مع المنظمات التي تعنى بالدفاع عن قضايا النساء وحقوقهن، ذات أهمية وتأثير خاصة في مجال توعيتهن بمخاطر وتداعيات استخدام السلاح في غير مواضعه، وإذا اضطرت لحمله يجب التعامل الواعي مع محاذير حمله، وكيفية ومتى يتم استخدامه”.
فيما تشير الخطيب إلى أن هناك فئة من النساء الأقل سنًا قادرات على الدفاع عن أنفسهم دون حمل السلاح الذي قد يصاحبه التهور في بعض الحالات، فهناك كثير من فرص التدريب على المهارات القتالية للنساء للحماية من العنف، وهي دورات خاصة تهدف إلى مواجهة العنف تقام في صنعاء ومحافظات أخرى.
يؤكد خبراء في المجال النفسي أن ظاهرة حمل النساء للسلاح في اليمن معقدة، ولها جذور تاريخية واجتماعية واقتصادية وسياسية؛ فاليمن تتعرض للعديد من الصراعات على مر التاريخ، الأمر الذي أدى إلى انتشار السلاح في أوساط المجتمع، ومن ضمنهم النساء. كما أن الثقافة القبلية منتشرة في اليمن، وتؤكد على أهمية القوة وحمل السلاح للدفاع عن النفس والعائلة.
وأوضحت التقارير الصحفية أن كثيرًا من النساء في اليمن يعانين من الفقر والتهميش، وشعورهن بعدم الأمان، خاصة مع ضعف سيادة القانون، وانتشار الفوضى، الأمر الذي دفعهن إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهن، خاصة مع ارتفاع مستويات العنف الأسري أو المجتمعي ضدهن. كما لجأت بعض النساء إلى حمل السلاح؛ للمشاركة في الجماعات المسلحة، بهدف الحصول على دخل يساعدهن على إعالة أسرهن.
وقد بينت تلك التقارير أن هذه الظاهرة لا تمثل جميع النساء اليمنيات؛ فهناك كثير ممن يعارضن حمل السلاح، ويسعين إلى العيش في سلام وأمان، مؤكدات أن هذه الظاهرة تعد مقلقة، ولها العديد من المخاطر على صحة المرأة وسلامتها، وعلى تماسك المجتمع، ويجب العمل على كل الجهات المعنية السعي نحو حماية النساء من العنف، وتوفير بيئة آمنة لهن ولأطفالهن.
83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية
صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…