السلاح في اليمن بين دور الحماية وانعكاسات العنف
صوت الأمل –هبة محمد
في اليمن، تتراكم التحديات التي يتعرض لها المجتمع بشكل مستمر، وتظل قضية السلاح واحدة من أبرز القضايا التي تعكس تناقضاتها، خصوصًا أنّ له تاريخًا طويلًا من العادات والتقاليد التي تتجذر في ثقافة الحماية والدفاع عن النفس، ومع ذلك، فإنّ استخدام السلاح ينطوي أيضًا على انعكاسات سلبية تتمثل في انتشار العنف وتعقيداته.
تواجد في اليمن ارتباطات قديمة بحمل السلاح؛ إذ يُعدّ رمزًا للشجاعة والكرامة والحماية للأفراد والقبائل، تمتد هذه التقاليد عبر الأجيال، وتمثل جزءًا أساسيًّا من الهوية اليمنية، إلّا أنّ من المهم أن ننظر أيضًا إلى الجانب الآخر من القضية؛ فانتشار السلاح في المجتمع اليمني يثير قضية العنف والتهديد الذي يمكن أن ينجم عنه.
السلاح وارتباطه بالعادات والتقاليد
يقول المختص الاجتماعي الدكتور عبد الله عماد: “انتشار ظاهرة حمل السلاح في المجتمع اليمني بشكل كبير يدلّ على أنّ العادات الاجتماعية تحمل معاني سلبية في الجانب الثقافي، وانعدام الوعي المجتمعي، إلى جانب تفاخر غير محمود اجتماعيًّا، وتباين ينُمّ عن جهل ثقافي وتعليمي وديني، وتعدُّ ظاهرة سلبية تدلُّ على تخلف ثقافي واجتماعي واقتصادي”.
ويواصل: “كما أنّ الظاهرة ناتجة عن تنامي العنف الاجتماعي، والصراع السياسي القائم في البلاد، الذي أدّى إلى تزايد كثير من الظواهر السلبية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني”.
وأشار إلى أنّ ظاهرة العنف الاجتماعي وحمل السلاح تعدان من الظواهر المَرَضية في المجتمع، وتستوجب بذل جهود كبيرة وتكاتف اجتماعي رسمي من قبل أجهزة الدولة ومؤسساتها كافة، وجهود شعبية مجتمعية للحد منها.
وأوضح بالقول: “لا شك أنّ العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية تساعد في زيادة انتشار الظاهرة، وكما هو متعارف عليه حمل السلاح يكسب صاحبه مكانة بين الناس، يعدّها بعضهم إيجابية، وكثير من الناس يعدّونها ظاهرة سلبية ممقوتة وغير محبوبة اجتماعيًّا”.
ويوافقه الرأي الناشط المجتمعي مروان الشرعبي؛ إذ يقول: “تعكس هذه الظاهرة وجود عوامل اجتماعية وثقافية وسياسية؛ إذ يتداخل غياب العدالة والأمن وانتشار الفساد مع التمسك الجذري بالتقاليد القبلية”.
ويواصل: “تترسخ هذه العادات بقوة في بعض المحافظات اليمنية لدرجة أنّها تصل إلى حدّ التخلي عن أبنائها؛ بسبب انقطاعهم عن حمل السلاح بعدِّهِ رمزية للرجولة، والمكانة الاجتماعية”.
وأكّد أيضًا أنّ العمل على تغيير الثقافة المرتبطة بها ليس بالأمر السهل، ففي الأفراح والتجمعات، يستعرض الرجال بكل فخر أسلحتهم، وإطلاق النار في الهواء، وهذا يعكس درجة انتشار السلاح على نطاق واسع في المجتمع اليمني”.
فيما يقول الرئيس التنفيذي لمركز التأهيل وحماية الحريات الصحافية CTPJF محمد صادق العديني: “المواطن اليمني جعل حمل السلاح من العادات والتقاليد، وكان مثل هذا الأمر محدودًا، وله ضوابط، ولم يكن ذلك مقلقًا بنسبة كبيرة، لكنه اليوم تحوّل إلى خطر يهدد أمن المجتمع بعد أن أصبح في متناول الجميع ومتاحًا للجميع بلا ضوابط، وتحوّل إلى ظاهرة سائدة؛ بسبب غياب السلطة الرادعة لمثل هذه الظواهر”.
ويرى الإعلامي سلمان القباتلي أنّ النزاعات القبلية والعشائرية ومشكلة الثأر في اليمن هي أحد أسباب حمل السلاح، ويعدُّ وسيلة للدفاع عن مصالح العشيرة أو القبيلة.
جرائم انتشار السلاح في اليمن
لا تزال ظاهرة انتشار السلاح والفشل في ضبطها من قبل السلطات اليمنية تثير قلق اليمنيين الذين ينادون منذ عقود بوضع حدٍّ لها؛ فخلال السنوات الماضية تعرَّض اليمنيون لصدمات كثيره أثناء وقوع جرائم قتل قيادات في الدولة في عدد من المحافظات اليمنية” حسب المختصّ الاجتماعي عماد.
ويواصل: “تابع اليمنيون أخبار جرائم القتل التي وقعت في مناطق متفرقة من البلاد، وارتكبتها عناصر مسلحة، أو أفراد يحملون السلاح ويتحركون دون رقابة أو مساءلة، وبالتالي لا يمر يوم دون أن يسمع اليمنيون عن جريمة قتل، سواء أكانت بسبب ثأر أم بسبب ادّعاء المرتكبين أنّ أبواب حل المشكلات مع الضحايا مغلقة؛ إذ عجزوا عن حلِّ الخلافات معهم.
الصراع والتسليح العشوائي
“قبل العام 2011م كانت تقدّر كمية الأسلحة الفردية في اليمن بنحو 60 مليون قطعة، ومع اندلاع الصراع في اليمن 2015م، انتشرت على نطاق أوسع، ناهيك عن الأسلحة الثقيلة التي وقعت بيد بعض أطراف النزاع، هذه الكارثة أدّت إلى ازدياد أعمال العنف وتفاقم الجريمة؛ إذ باتت الاشتباكات المسلحة والقتل والنهب ظواهر شائعة في العديد من مناطق اليمن”. حسب حسين السهيلي الناشط في المجتمع المدني وبناء السلام في اليمن.
كما أشار السهيلي بالقول: “على الرغم من توفر كميات ضخمة من الأسلحة في اليمن قبل النزاع، اضطرت الأطراف المتنازعة إلى تسليح المجتمعات والقبائل الموالية لها بشكل عشوائي للدفاع عن مناطقها من أيّ هجوم محتمل، فقد تطوع الآلاف من الشباب للانضمام إلى فصائل مسلحة، وعلى الرغم من عدم خبرتهم الكبيرة في التعامل مع الأسلحة النارية، فإن الأطراف المتنازعة فتحت أمامهم أبواب مخازن الأسلحة دون أيّ ضوابط”.
وأكد السهيلي أنّ انتشار الأسلحة يشكل خطرًا على الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي في اليمن، كما يُهدد مستقبل جيل كامل من الأطفال والشباب الذين يعانون من صدمات نفسية عميقة، ويفتقرون إلى فرص التعليم والعمل.
وفي الوضع الحالي لليمن ونتيجة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وانتشار العصابات المسلحة وسطوها على كثير من ممتلكات المواطنين، لجأ كثير من التجار وأصحاب البنوك والصرافات المالية، إلى حمل السلاح، لحماية أنفسهم وممتلكاتهم.
في هذا الإطار يقول أحد العاملين في أحد البنوك: “اضطررت لشراء آلي لأحمي نفسي من أي عملية سطو مسلح كما حصل في بنوك أُخرى، فلا يوجد أمان في ظل الوضع الأمني غير المستقر، خاصة ونحن نعمل إلى ساعات متأخرة من الليل، والحذر واجب”.
من جانبه يرى الشيخ محمد حسين أنّ حمل السلاح في اليمن ليس مقتصرًا على الرجال فحسب، بل يشمل أيضًا الأطفال، وخاصة في ظل هذه النزاعات المدمّرة التي تعتمد الأطراف القتالية فيها على تجنيد الأطفال، وكثير من أرباب الأسر اليمنية دفعوا بأطفالهم دون سنّ 18 إلى حمل السلاح الشخصي؛ منهم للمشاركة في القتال، ومنهم للحماية الشخصية وللمفاخرة وسط المجتمع”.
توصيات
نحن أمام كارثة حقيقية خلفت وراءها عنفًا مجتمعيًّا وجرائم لا نهاية لها، أمام محاولات باءت بالفشل من قبل الجهات المختصة لمنع حمل السلاح، الذي أصبح حمله عادة يومية كعادات الأكل والشرب، من قبل الصغار والكبار خاصة في مناطق النزاع؛ الأمر الذي يلزم الجهات الرسمية والمجتمعية كافة في وضع توصيات تسهم في الحدّ من هذه الظاهرة.
يقول السهيلي: “يجب على المجتمع الدولي والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية، الوقوف بجد أمام تداعيات انتشار الأسلحة، وبناء قدرات الدولة اليمنية لبسط سيطرتها وإنفاذ القانون”.
ويشير إلى ضرورة دعم جهود السلام والمصالحة الوطنية في اليمن لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع، ومنع تجدد العنف، ونشر الوعي بمخاطر الأسلحة، وأهمية ثقافة اللاعنف بين مختلف مكونات المجتمع اليمني.
ويطالب المجتمع الدولي بفرض حظر شامل على توريد الأسلحة إلى اليمن، وتمويل برامج نزع السلاح وجمع الأسلحة، ودعم جهود إعادة تأهيل ضحايا العنف في اليمن.
من جانبه أيضًا يشارك المختص الاجتماعي الدكتور عبد الله عماد في طرح توصياته؛ إذ يقول: “يجب تنفيذ القوانين التي تحمي حقوق الأفراد وتكفل حصول المجتمع على حقوقه وعدالته بموجب القانون، كما ينبغي أيضًا تشديد العقوبات على حيازة الأسلحة غير المشروعة واستخدامها في أعمال العنف”.
مؤكدًا أيضًا على تعزيز قيم السلام والتسامح والعدالة في المجتمع، من خلال التعليم والتثقيف، وتنظيم حوارات وندوات وورش عمل لتعزيز الوعي بأهمية حل النزاعات بطرق سلمية، وتعزيز التعايش المشترك.
فيما يشارك توصياته الصحفي العديني؛ إذ يقول: “الشعب اليمني ذو إرث قيم ونبيل، ولكن يعاني من تأثيرات سلبية لظواهر متعددة نتيجة النزاعات، يتطلب التصدي لهذه التأثيرات التي تتضمن العنف وحمل السلاح؛ عبر تكثيف الجهود في مجال التربية والتعليم، وتنظيم حملات التوعية وبرامج الإعلام ودعوة الخطباء، وتعزيز كل الجهود، ووضع تشريعات تجرّم أي فعل أو سلوك عنيف، ويجب أن تكون هناك سلطة رادعة تضمن تنفيذ العقوبات القانونية”.
من جانبه يوصي القباتلي بالعمل على تعزيز الاقتصاد اليمني، وتوفير فرص العمل للشباب والمجتمع والاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتشجيع ريادة الأعمال، وتوفير التدريب والتعليم المهني، وأيضًا مكافحة الفساد، وتعزيز حقوق الإنسان، والحوكمة القانونية.
إنّ معالجة تحديات حمل السلاح وانتشار العنف في اليمن يتطلب جهودًا متعددة ومتكاملة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويتطلب تعاون الحكومة والمجتمع المدني والدولي للعمل معًا لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن، وتخفيف العنف، وتعزيز ثقافة السلام والتعايش السلمي.
83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية
صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…