‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأسلحة في اليمن     حمل السلاح في اليمن.. ظاهرة متجذرة في المجتمع

    حمل السلاح في اليمن.. ظاهرة متجذرة في المجتمع



صوت الأمل – علياء محمد

تطبق العديد من الدول حول العالم قيودًا على حمل الأسلحة دون تراخيص، وتنظم عملية اقتنائها وامتلاكها وفق اختبارات وعوامل مختلفة. ويختلف حق امتلاك الأسلحة وحملها بشكل كبير حسب القوانين النافذة في كل منطقة ودولة؛ ففي بعض الدول يُسمح للأفراد بامتلاك الأسلحة النارية دون قيود كبيرة، بينما تُفرض في دول أخرى قيودٌ صارمة على امتلاك الأسلحة، وتُحظر بعض الأنواع بشكل مطلق.

وفي اليمن ينتشر حمل السلاح بين أفراد المجتمع بشكل كبير، على الرغم من وجود قانون ينظم حمله في اليمن؛ إذ أعطى القانون اليمني الحق للمواطن بحيازة الأسلحة النارية الشخصية وحصرها في البنادق الآلية والمسدسات وبنادق الصيد مع كمية من الذخائر، بحسب القانون رقم (40) لسنة 1992. وفي المقابل، لم يحدد القانون السلطة التي تضمن مراقبة انتشار الأسلحة؛ الأمر الذي شجع الناس على حيازته بشكل غير مباشر.

كما أصدرت الحكومة مرسومًا بحظر الأسلحة في المدن الكبرى والحد من الأسلحة التي يحملها أفراد الأمن في 2007، وتمت مصادرة 720,000 قطعة سلاح غير مرخصة، وتم إغلاق المئات من متاجر الأسلحة مؤقتًا خلال سنوات عدة، لكن تجارة الأسلحة عادت بقوة نتيجة الانفلات الأمني بسبب الصراع.

 تاريخ حمل السلاح وواقعه

عرفت اليمن قديمًا بتاريخها العريق وثقافتها العميقة والمتنوعة، خاصة في الأزياء الشعبية؛ إذ كان اليمنيون يحملون الجنابي (الخناجر) كتقليد يميز المجتمع اليمني عن غيره. ومع مرور الزمن أصبحت ثقافة السلاح إحدى سمات المجتمع اليمني. كما عُدَّ حمل السلاح جزءًا أساسيًا من نظام الحياة والأمان القبلي، وجزءًا لا يتجزأ من هوية الشعب اليمني.

  ويؤمن يمنيون كُثر أن حمل السلاح يعزز العدالة ويضمن الحماية لهم ولعائلاتهم من الصراعات الخارجية والداخلية. إضافة إلى ذلك، تعد القبائل اليمنية حملَ السلاح جزءًا من التراث العائلي، ورمزًا من رموز الهوية والقوة والشجاعة والكرامة الشخصية في المجتمع. ومع نشوب الصراعات والأزمات، أدى ذلك إلى انتشار أنواع مختلفة من الأسلحة بشكل كبير بين أوساط المجتمع، كما لعب دورًا رئيسيًا في تفاقم تلك الصراعات على مر السنوات.

بعد عام 2011 تدهور الوضع السياسي والأمني في مختلف مناطق اليمن، وتشكلت عدد من الجماعات المتصارعة؛ الأمر الذي أدى إلى انتشار حمل الأسلحة بشكل كبير، وانتشرت فوضى حيازة السلاح في الأماكن العامة ووسط الناس، وزاد من جرائم العنف التي تعوق جهود السلام، كما أثر على النسيج الاجتماعي وشكل تهديدًا للأمن الوطني.

ثقافة حمل السلاح

ارتبط حمل السلاح في اليمن وامتلاكه بالعادات والتقاليد اليمنية؛ إذ تحظى هذه الظاهرة بتقدير واحترام في أوساط المجتمع اليمني. كما أن هناك عددًا من العوامل التاريخية والاجتماعية والثقافية التي ساعدت في انتشار الظاهرة، وأدى إلى أن يحتل السلاح في المجتمع اليمني مكانة مرموقة ويرتبط بالفخر والشرف.

يقول عبد الله أحمد -أحد المشائخ القبَلِيِين-: “تعد القبائل اليمنية من أهم المكونات الاجتماعية في الدولة؛ إذ تلعب دورًا محوريًّا في تشكيل الهوية اليمنية والحفاظ على العادات والتقاليد. وقد تشكلت العديد من القبائل والمجموعات القبلية في اليمن على مر العصور، وكان حمل السلاح واقتناؤه جزءًا من هويتهم ونظامهم الاجتماعي؛ فهو يمثل رمزًا للرجولة والقوة والشرف”.

كما أضاف أن الثقافة القبلية والمجتمعية في اليمن ساعدت في انتشار السلاح؛ لتعزيز مكانة الرجل اليمني، باعتبار ذلك إحدى وسائل التعبير عن التفاخر، ولا تتم أي مناسبة إلا بلبس السلاح كرمز للشرف والوجاهة.

وأشار في حديثه إلى الآثار السلبية الناتجة عن حمل السلاح، إذ قال: “الانتشار الواسع للسلاح وبطرق عشوائية في عموم اليمن شكل تهديدًا لاستقرار المجتمع، وزاد من حالات العنف والجريمة”.

وفي سياق متصل يقول الدكتور محمد بن جمعان -أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة حضرموت-: “حافظت كثير من المدن والمحافظات اليمنية على السلوك السلمي بعدم حمل السلاح أو امتلاكه إلا بترخيص، لكن بعض العادات والتقاليد القبلية والعشائرية أدت إلى انتشار السلاح بشكل واسع، خاصة في هذا الوقت”.

وأوضح أن خطورة انتشار السلاح تظهر في المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس؛ نظرًا لما   يتسبب به من كوارث بسبب الإطلاق العشوائي للنار بحجة الاحتفال، فتتحول تلك المناسبات من أفراح إلى أحزان.

ويرى “أن موضوع حمل السلاح ظاهرة تحمل في طياتها الكثير من انعدام الأمن والسلم المجتمعي، لا سيما في الآونة الأخيرة مع دخول البلاد في صراع على مدار أكثر من تسع سنوات؛ الأمر الذي تسبب بجعل السلاح في متناول الجميع وبكل سهولة، خاصة بين أوساط الشباب والأطفال والأشخاص الذين لا يسيطرون على انفعالاتهم وتصرفاتهم عند تعرضهم لأي موقف”. وأضاف أن حمل السلاح وعشوائية استخدامه وعدم تنظيمه يزيد من نسبة الجريمة في المجتمع، وتتحمل الدولة والجهات الأمنية المختصة مسؤولية ما يحصل.

من جانبها أشارت أحلام الفقيه -معلمة- إلى أن حمل السلاح في اليمن يعد جزءًا من الثقافة الفخرية المتوارثة؛ إذ يتفاخر كثير من أفراد المجتمع باقتنائه، حتى الأطفال تحت سن الثامنة عشر، خاصة في المناسبات المختلفة، ويعدونه زينة وضرورة يجب أن يتباهوا به.  

 وأوضحت أنه قد يتطور الفخر بحمل السلاح إلى منافسة وتحدٍ بين الأفراد؛ الأمر الذي يفقد المجتمع وحدته وتعاونه واستقراره، إضافة إلى أن التفاخر بحمل السلاح في اليمن يزيد من مستويات العنف في المجتمع وينتج عنه وقوع حوادث دامية.

حلول ومعالجات

“يجب أن تكون هناك خطوات صارمة للحد من انتشار ظاهرة حمل السلاح في اليمن”، هذا ما أكد عليه الدكتور محمد بن جمعان عند حديثه عن أهم الحلول والمعالجات للحد من انتشار ظاهرة حمل السلاح في اليمن، والتغيير من الثقافة المجتمعية المؤيدة لذلك.

 وأكد ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية للتحكم في انتشار الأسلحة وتنظيم حملها، وفرض عقوبات على المخالفين، والعمل على تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية السلم والاستقرار في المجتمع، ونقل قصص التجارب الناجحة من المحافظات التي استطاعت ان تمنع حمل السلاح.

وأضاف أن أهمية العمل المشترك مع كل الجهات المعنية، للحد من انتشار السلاح في المجتمع اليمني، لا يثمر إلا عبر تركيز الجهود لتعزيز السلام والتعايش السلمي بين المجتمعات المختلفة، وتعزيز الحوار والحل السلمي للنزاعات المحتملة، وتنفيذ حملات لجمع الأسلحة غير الشرعية.

وأكد ضرورة تعزيز العدالة، وتوفير فرص العمل والتعليم والخدمات الأساسية للمواطنين، وأهمية تطبيق القوانين والسياسات التي تنظم حيازة الأسلحة، وتقيد استخدامها بطرق مشروعة.

وهنا نؤكد أهمية التوازن بين حقوق الفرد في الدفاع عن نفسه وبين حماية المجتمع بشكل عام، وأن على أفراد المجتمع اليمني أن يعملون على تعزيز ثقافة السلم والحوار وتحقيق العدالة والتنمية الشاملة من أجل مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لليمن وشعبه.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية

صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…